
استقرت قبائل الفرس البدویة فی الجنوب عند منطقة سموها "فارس" (معناها السائب والغازی) قرب شیراز الیوم. ولا تکاد توجد أی نقوش تتکلم عن الفرس قبل قوروش الأکبر (الثانی). جاء الیهود المنفیین ببابل بقورش الاخمنی ونصبوه على شعوب المنطقة عنوة حیث دمر حضارتهم واستعبدهم وأزالهم عن الوجود عن بکرة ابیهم. قام قوروش باحتلال مملکة مدیا أولاً، عن طریق تألیب المعارضین لها وإثارة الفتن. وبعدما استولى علیها، قام بالهجوم على بابل مرکز حضارة العالم القدیم. ثم توسع إلى بلاد الشام، وکذلک إلى غرب الأناضول إلى بحر إیجة. وتوسع شمالاً إلى جبال القوقاز. کما توسع شرقاً فی آسیا الوسطى إلى أقصى ما وصلت إلیه الحضارة (یعتقد بوصوله إلى حدود قرقیزستان). وقام ابنه من بعده باحتلال مصر، ثم انشغل أحفاده بحروب ضد الیونان وشعوب البحر الأسود.
مات قورش عام 530 ق.م. وتولی إبنه کمبیز الثانی الذی استولی علی مصر عام 525 ق.م. وأصبحت إمبراطوریته تمتد من نهر السند حتی نهر النیل وفی أوروبا حتی مقدونیا التی کانت تعترف بالسیادة الفارسیة. وبعد انتحاره عام 533ٌ ق.م. تولی إبنه داریوس (دارا) الأول (الأکبر) وأخمد الحروب وحکم الإمبراطوریة الفارسیة حکما مطلقا لأنه یتمتع بالحق الإلهی وکانت البلدان التابعة له تتمتع بحکم ذاتی وکان الحکام بها أقویاء یتجسسون لحسابه. وأنشأت هذه الإمبراطوریة الطرق المتفرعة والتی کانت توصل مدینة سوس العاصمة بالخلیج جنوبا وبالبحر الأبیض المتوسط وبحر إیجه. وظل داریوس فی حرب مع الإغریق حتی وفاته عام 486 ق.م. وکان قد أخضع المدن الإغریقیة فی آسیا الصغرى.
وبعده تولی إبنه إجزرکسیس الذی أخمد ثورة المصریین علی حکم الفرس. وأراد أن ینتقم من أثینا والیونانیین بعد تمرد الأیونیین أیام أبیه. فتواصلت مسیرة جیشه حتی بلغت الأکروبول علی مشارف أثینا. لکنه انهزم أمام صمود الأثینیین عام 497 ق.م. وأغرقوا الأسطول الفارسی فی میاه میکال. وفی القرن الرابع ق.م. ضعفت دولة الفرس. وکانت فریسة سهلة للإسکندر الأکبر ودارت بینه وبینها حروب استمرت منذ عام 334 ق.م. وحتی 330 ق.م..
تاریخ إیران قائمة إمبراطوریات فارس - ملوک فارس
• الإمبراطوریة الاخمینیة (648–330 ق.م)
• الإمبراطوریة السلوقیة (330–150 ق.م)
•الإمبراطوریة الفرثیة (250 ق.م– 226 ق.م)
• الإمبراطوریة الساسانیة (226–650)
• عصر الخلافة الإسلامیة (637–651)
• خلافة أمویة (661-750)
• خلافة عباسیة (750-1258)
• الدولة الطاهریة (821–873)
• سلالة العلویون (864–928)
• سلالة الصفاریون (861–1003)
• دولة سامانیة (875–999)
• سلالة الزیاریون (928–1043)
• دولة بویهیة (934–1055)
• دولة غزنویة (963–1187)
• السلالة الغوریة (1149–1212)
• السلاجقة (1037–1194)
• الدولة الخوارزمیة (1077–1231)
• الإیلخانیة (1256–1353)
• سلالة المظفرون (1314–1393)
• السلالة الشوبانیدیة (1337–1357)
• السلالة الجلائریة (1339–1432)
• السلالة التیموریة (1370–1506)
• ترکمان قاراقویونلو (1407–1468)
• ترکمان أق قویونلو (1378–1508)
• الصفویون (1501–1722/1736)
• سلالة هوتاکی غیلزای (1722–1729)
• سلالة أفشارید (1736–1802)
• زندیون (1750–1794)
• قاجاریون (1781–1925)
• سلالة بهلوی (1925–1979)
• الثورة الإسلامیة (1979)
• الحکومة الانتقالیة (1979–1980)
• الجمهوریة الإسلامیة (1980–الوقت الحاضر)
تأسیس المملکة الأخمینیة
تنتمی الأسرة الأخمینیة إلى الفرس، أحد الشعوب الإیرانیة القدیمة، الذی کان الموجة الأخیرة من موجات الشعوب الهندیة - الأوربیة (الآریة) التی اجتاحت أراضی إیران فی مطلع الألف الأول ق.م.ظهرت الأسرة الأخمینیة، التی لایعرف أصلها، فی مطلع القرن السابع ق.م.وبدأ نفوذ الأسرة یقوى بعد أن تخلصت تدریجیاً من تبعیتها للعیلامیین واستقلت بإمارة أنشان التی کشفت آثارها فی تل ملیان والممتدة إلى الجنوب الشرقی من سوسة، ثم استولى أمیر أنشان المدعو تشاهبیش (675-645ق.م) على بلاد بارسا فی إقلیم شیراز الیوم، وانقسمت الأسرة على نفسها بعد ذلک فکان لفرع منها حکم فارس ولفرع ثان حکم أنشان. وکانت الغلبة لهذا الفرع بعد أن تزوج قمبیر الأول (600-556ق.م) الأمیرة ماندان ابنة أَستیاج ملک المیدیین، وکان من ثمار هذا الزواج قوروش (الثانی) الذی کان حکمه انعطافاً وتحولاً حاسماً فی دور الأسرة الأخمینیة فی تاریخ إیران القدیم.(1)
استطاع قوروش إعادة وحدة الأسرة الأخمینیة وتطلع إلى السیطرة على میدیة وتمکن بذلک من توحید البلاد الإیرانیة ثم انتقل إلى بسط سیطرته المطلقة على عواصم الشرق مستفیداً من الأوضاع الدولیة واضطراب الأحوال الداخلیة فی الدول القدیمة. وفی 538 ق.م دخل قوروش بابل فکان ذلک مؤشراً على تغیر کبیر فی «عالم بلغ الشیخوخة، والأهم من ذلک أن العالم القدیم کان مدرکاً لشیخوخته» کما قال أولمستد. وکان یُظن لفداحة الأحداث والتغیرات المتلاحقة، بعد اجتیاح الفرس مملکة لیدیة فی غربی آسیا الصغرى على بحر إیجه وبعد توغلهم فی بلاد الشرق، أن تاریخ الشرق القدیم کان یتجه إلى نهایته، لکن المفارقة کانت فی تجدید العالم القدیم ضمن وحدة سیاسیة - اقتصادیة امتدت من بلاد الهند إلى لیبیة وحوض بحر إیجه. وهکذا قامت إمبراطوریة جدیدة فی المشرق على أنقاض الإمبراطوریات والممالک القدیمة، اجتمعت فیها شعوب وتلاقت ثقافات ولغات وصنائع وعقائد وعادات. ولکن قوروش سقط فی میدان القتال بعد أن توغل فی أعماق السهوب الشمالیة الشرقیة من آسیا الوسطى. ثم خلفه بعد مرحلة انتقالیة مضطربة ابنه قمبیر الثانی (529-522ق.م) الذی قاد حملة على مصر (525ق.م) وأسقط عرش الفراعنة ولکنه أثار المصریین بتصرفاته وبفرض ضرائب مرهقة وبالتعرض للتقالید الدینیة. ثم عمل داریوس الأول (522-486ق.م) على التوسع باتجاه الشرق. أما أکبر منجزاته فهو استکمال بناء الجهاز الإداری للدولة.
لکن المبالغة فی فرض الضرائب والتدابیر القاسیة على السکان الإغریق المقیمین على الساحل الإیونی، فی غربی آسیا الصغرى، أدت إلى اندلاع ثورة لاهبة بین 499-493ق.م کانت الشرارة التی أوقدت نار الحروب المیدیة التی اجتاحت العالم الهلینی بین الفرس من جهة والمدن الإغریقیة من جهة أخرى.
کانت هذه الحرب عند الهلینیین مسألة حیاة أو موت، فقد سجل المؤرخون (هیرودوت وتوقیدیدس وکزینوفون) دفاعهم عن بلادهم وانتصاراتهم على جیوش الإمبراطوریة الفارسیة عند ماراثون (490ق.م) Marathon ثم فی معرکة سلامیس Salamis البحریة (480ق.م). وبعدها بعام واحد فی معرکة بلاتیا (479ق.م) Plataia. وفیما استطاع الهلینیون أن یقیموا بینهم بزعامة أثینة تحالفاً قاد الحرب إلى الساحل الأیونی الآسیوی اشتد أوار الأزمات الطاحنة فی داخل الإمبراطوریة الفارسیة. فاندلعت الثورات فی مصر (486-485ق.م) وفی بابل (482-479ق.م) وتوالت تحرکات الأمراء الإقطاعیین الساعین إلى الانفصال والاستقلال والمؤامرات والاغتیالات فی داخل القصر الإمبراطوری.
نظم الدولة الأخمینیة
کان قیام الإمبراطوریة الفارسیة حدثاً مثیراً، فهی من صنع شعب لم یکن له ماض عریق کالعیلامیین، ولم تکن له حتى ذلک الحین ثقافة ممیزة کالثقافات البابلیة والمصریة والإغریقیة والسوریة. ولکن هذه الإمبراطوریة ورثت تراث کل الدول القدیمة التی قامت على أرض إیران، فقد قامت إمارة أنشان على أرض مملکة عیلام. وورثت أیضاً تقالید دول الرافدین فی الاستراتیجیة وفی الإدارة ومنها فکرة الدولة العالمیة. وحلّت المملکة الفارسیة محل المیدیة وورثت منها مطامعها التوسعیة فی بلاد الشرق القدیم.وکان نظام الحکم ملکیاً مطلقاً، ویستند الملک، لفرض سلطانه، إلى حاشیة ممیزة. وقد أعفی الفرس فی هذه الدولة من دفع الضرائب لقاء الخدمة العسکریة. وکان لهم المقام الأول ویأتی بعدهم المیدیون. ویساعد الملک حکام إقطاعیون کانوا یملکون الأراضی ویجندون الجیوش ویؤلفون طبقة أرستقراطیة شغل کبارها الوظائف فی قیادة الجیش والوزارة والقضاء والإدارة والولایة. وحصل زعماء القبائل الرئیسیة على امتیازات أضحت لها مع مرور الزمن صفة وراثیة. وقد تلقى أبناء الأرستقراطیین تعلیماً ممتازاً تضمّن الرمایة والفروسیة وقول الحق وهی المؤهلات اللازمة للعمل فی خدمة الملک.
أما الجیش فکان یؤلف من مجنّدین من الشعوب المغلوبة. وأما القادة والفرسان فکانوا یختارون من بین الفرس أو الإیرانیین. وأهم الفرق العسکریة «الخالدون»، وهم عشرة آلاف من حملة الأقواس والقنّاصین فی الحرس الملکی الذین لا ینقص عددهم. وفی کل ولایة یعیّن والٍ، ساتراب، وکان مکلفاً قیادة الجیش فی ولایته والمحافظة على النظام والأمن وجمع الضرائب والهبات والغنائم. ولما کان الفرس غیر قادرین على إدارة الإمبراطوریة الأخمینیة الواسعة الأرجاء إدارة مباشرة فإنهم اکتفوا بالقضاء على الدول الکبرى وترکت الممالک الصغیرة التابعة مثل قبرص وکیلیکیة وممالک المدن الفینیقیة على الساحل السوری وترک الزعماء المحلیون الدینیون وأمراء القبائل کالعرب والسکیذیین. ولم یکن ثمة حرج فی تأسیس دول داخل الإمبراطوریة کمملکة بیتینیا فی الأناضول إذا ما ارتضت التبعیة لملک الملوک.
وقد عُنی ملوک الفرس بتنظیم جهاز الأمن، الذی کان یتولاه موظفون عرفوا باسم عیون الملک وآذانه، وکانت مهمته المراقبة والتفتیش فی الولایات وإطلاع الملک على أحوالها. ولتنظیم الاتصال بین العواصم والولایات شقت الطرق وطُوّر البرید وأُصلحت الطرق القدیمة المعروفة قبل قرون. ونفذت مشروعات کبیرة لتشجیع المواصلات البحریة فشُقت قناة تصل بین النیل والبحر الأحمر عند خلیج السویس. ونظمت الرحلات البحریة الاستکشافیة لتعرف خطوط جدیدة للاتصال بین مصب نهر السند فی الهند ودلتا النیل فی مصر عن طریق محطات على الساحل الإیرانی وعلى السواحل العربیة. وتراکمت، نتیجة لذلک النشاط، ثروات کبیرة بلغت أطناناً کبیرة من الفضة والذهب. وقد ضُربت النقود، وأرفعها الدنانیر الذهبیة وعلیها صورة رامی القوس المتوّج، وکانت هذه الدنانیر تنفق فی تجنید الجنود المرتزقة وشراء ضمائر العملاء قبل تحریک الجیوش. ولقلة النقد من المعادن الثمینة لجأ ملوک فارس إلى الاستقراض والاستدانة بالفائدة. وفی القرن الرابع ق.م لجأت الدولة إلى فرض تصنیع ما کانت تحتاج إلیه من الفخار والزیت والخمور على الولایات الغربیة فی آسیا الصغرى وسوریة ومصر. ولکن فرض الضرائب کان یؤدی إلى انتفاضات محلیة وإقلیمیة، کما وقع فی مصر التی قاومت الاحتلال الفارسی واستردت استقلالها مرتین (460-456ق.م) و(405-343ق.م). أما العالم الهلینی فقد قاوم الغزو الفارسی منذ بدایته فی مطلع القرن الخامس ق.م حتى النهایة فی أواخر القرن الرابع ق.م. وقدّم المؤرخون الیونانیون المعاصرون صورة أسطوریة عن الإمبراطوریة الفارسیة بعد احتکاکهم بها فی بلاد الشرق ومقابلتها وجهاً لوجه.
الحضارة الفارسیة فی العصر الأخمینی وموقعها فی التاریخ القدیم
لم تتوقف الأسرة الأخمینیة فی مرحلة تأسیسها وفی أوج قوتها عند توحید العالم الإیرانی بل إنها عملت عندما سنحت لها الظروف المناسبة من أجل التوسع فی بلاد الشرق القدیم للسیطرة على طرق مواصلاته وأسواقه. وهکذا ورث قوروش وخلفاؤه عروش بابل وساردیس ومنفیس المتداعیة التی سرعان ما انهارت أمام القوة الناشئة الجدیدة.
ولکن الدولة الأخمینیة لم تتردد، للمحافظة على کیانها السیاسی، فی نقل السکان وفی نزع ملکیة بعضهم لإقامة جالیات فارسیة على الأراضی المصادرة أو المستملکة فی آسیا الصغرى أو فی بابل. أما التعذیب والبطش بالثائرین فکانا من الأمور الشائعة والمعروفة وابتدعت لها أسالیب فاقت فی فظاعتها ما عرف عند السابقین. أما التسامح الدینی الذی عُزی إلى قوروش وبعض الملوک الأخمینیین فلم یکن سیاسة فریدة فی بابها فی دول الشرق القدیم، فقد عرفت حضارات الشرق القدیم غالباً التعایش بین العقائد الدینیة المحلیة فلم یکن للعامل الدینی الدور الأول فی توسع الدول وفی إنشاء الإمبراطوریات عند الفراعنة أو ملوک الرافدین والأناضول.ولکن الحکام کانوا یتخلون عن تسامحهم الظاهری کلما تطلبت مصلحة الحکم ذلک للقضاء على الثائرین.
ومما لا شک فیه أن الإنجاز الذی حققه قوروش الثانی، ملک أنشان، ملک الفرس، ملک الملوک، کان کبیراً فی عصره. ولکن ملوک الفرس الأخمینیین لم یکن باستطاعتهم أن یقبضوا بسهولة على زمام الأمور فی دولة امتدت على نحو خمسة ملایین کم2. وکان الإخفاق واضحاً فی قدرة الفرس على الاندماج سریعاً فی المجتمعات الشرقیة التی اختلطوا بها بعد انحدارهم من جبالهم إلى السهول التی استقرت فیها المجتمعات الریفیة فی القرى والحضریة فی المدن، کما أنهم لم ینجحوا فی تأسیس مجتمعات مدنیة ممیزة کما فعل الهلینیون بعدهم عند نزولهم فی بلاد الشرق.
ولم یأت توحید الشرق القدیم على أیدی الأخمینیین فجأة إذ کان الکیان السیاسی لدول الشرق القدیم قد تضخم واتسع حتى بلغ مرحلة المملکة المرکزیة الکبرى، وعندما وصل إلى درجة عجز فیها عن المحافظة على ما بلغه من تماسک تغلبت الأطراف على المرکز، فالدول القدیمة التی کانت لها الغلبة والسیادة فی السابق أصابها الضعف والوهن على مر السنین نتیجة للحروب والصراعات والأزمات المتلاحقة والعنف والکوارث مما أدى إلى تقویض أسس النظم التی کانت قائمة وإلى إتاحة الفرصة لدخول عوامل تاریخیة فعّآلة حملتها دائماً شعوب الجبال والسهوب والبوادی المحیطة بالسهول وأحواض الأنهار حیث کانت تقوم دول الشرق القدیم وترتفع مدنه وتشمخ حضاراته الأولى.
لقد بدأ تضعضع أسس الحضارات الشرقیة القدیمة ونظمها فکریاً وروحیاً قبل هزیمتها الحاسمة عسکریاً، فقد اهتزت العقائد الدینیة القدیمة مع تنامی فکرة التوحید فی المجتمعات الشرقیة القدیمة کما فی تراتیل أخناتون فی مصر ونابونید فی بابل ثم مع ارتفاع هذه الفکرة إلى مستوى التوحید التجریدی کما فی بعض أسفار التوراة التی أعیدت کتابتها أو کتبت فی العصر الأخمینی کسفر عزرا الذی یتحدث عن رب السماوات والأراضی (عزرا: 19-20)، وهکذا أخذت تتطور الفکرة التی تتحدث عن الإله المنزه الذی یمکن أن یکون منفصلاً عن مظاهر الطبیعة التی قدستها العقائد القدیمة وعن الإنسان، کما تتحدث عن الإلهی الذی یمکن أن یمثل قوة روحیة مستقلة تتجاوز المناحرات السیاسیة.
وفی سیاق هذا التطور الروحی - الفکری ظهرت تجربة روحیة أخرى فی إیران تختلف فی بنیتها عما سبقها من تجارب دینیة، وهی تؤکد الطبیعة الأخلاقیة للإلهی وتجعله یتجاوز الحدود السیاسیة للدولة وکذلک الحدود الإثنیة. فالدیانة الزرادشتیة تبدّت بصورة مستقلة تماماً عن الصورة التی تبدّت فیها الدولة. وإذا کانت محاولة التوفیق بین الدولة والعقیدة الزرادشتیة مصدراً لمشکلات خطیرة فی تاریخ الفرس القدیم فإن خطورة هذه التجربة نفسها تکمن فی أن هذه النظریة الکونیة قد ظهرت فی الشرق أیضاً ولم تکن صادرة عن الدولة ولا مرتبطة، بالضرورة، بشعب بعینه.ویعد هذا الإنجاز، على حد قول س. موسکاتی، «أعظم منجزات حضارات الشرق القدیم، إنه الانتصار على الذات، لکنه فی الوقت نفسه نقطة النهایة فی تاریخ هذا الشرق، لأنه کان بدایة لعصر جدید».
على أن أهم مظاهر الضعف فی کیان الإمبراطوریة الأخمینیة عجزها عن احتواء الثورة الإیونیة ومقاومة المدن الیونانیة. فبعد حشویرش الأول (485/486-465ق.م) تسارع التدهور ولم یکن لعواهل فارس من هدف سوى مقاومة الدول الصغیرة فی العالم الهلّینی، التی أرادت أن تفید من الصراع الداخلی فی الإمبراطوریة، کما فی مصر، للحد من وطأة ضغط الجیوش الفارسیة الکثیفة علیها. وقد رد الفرس بنثر الدنانیر لزرع الشقاق فی صفوف الهلّینیین وإیقاف هجماتهم على الحدود الغربیة للإمبراطوریة ثم أخذوا بمصالحة بعض المدن على حساب مدن أخرى، ومهما یکن فإنه کان من المستحیل على أیة دولة من دول المدن الإغریقیة أن تتوسع فی أراضی الإمبراطوریة الفارسیة القویة المترامیة الأطراف والتی امتدت حیاتها بعد ذلک قرناً ونصف القرن.
وکان موت حشویرش مأساة کبیرة فی داخل القصر، وربما تم على أیدی الحریم، وهو ما صار من المألوف تکراره بعد ذلک عند کل تبدیل للحاکم عندما لا یکون بفعل الحاشیة. وخلف الملک الصریع ابنه أرتا حشویرش (465-424ق.م) الذی کان له ضلع فی الجریمة بوساطة قائد حرسه الذی قتل أیضاً. وقبل هذا الملک آخر الأمر بالتخلی عن الساحل الغربی لآسیا الصغرى ومجموعة من الجزر على أن تتعهد أثینة بألا تمضی فی مساعدة ثورة مصر. ثم جاءت الحروب البلوبونیزیة (431-404ق.م) التی عمّقت انقسام العالم الهلّینی فتمکن حاکم الأناضول الفارسی من استرداد مواقعه على الساحل الغربی الذی اندلعت فیه الثورة على الأثینیین.
تدهور الإمبراطوریة ونهایة الأسرة المالکة الأخمینیة
یتألف تاریخ الأسرة المالکة الأخمینیة من سلسلة من الصراعات الدامیة التی عجلت بتدهور الإمبراطوریة وحفرت طریق نهایتها. فعندما مات أرتا حشویرش الأول (424ق.م) خلّف ثمانیة عشر ولداً، وورث العرش حشویرش الثانی لمدة خمسة وأربعین یوماً وانتهت حیاته مسموماً على ید مغتصب لم یحتفظ بالعرش أکثر من ستة أشهر إذ قتل على یدی داریوس الثانی (423-404ق.م) الذی ضمن العرش لنفسه بعد أن تخلّص من إخوته وجعل أخته تحکم معه وتزوج باریزاتیس التی کانت امرأة شرسة صعبة المراس. وکان التنافس شدید فی القصر الإمبراطوری على قیادة الجیوش وعلى طریقة إدارة الصراع مع الهلِّینیین.
وعندما مات داریوس الثانی ورثه ابنه البکر أرتا حشویرش الثانی (404-358ق.م) وکان لا یملک إلا مؤهلات ضعیفة. وقد وفر حیاة أخیه قوروش الذی تآمر علیه مع زوجة أبیه باریزاتیس، ولکن الأمیر الفتی حشد جیشاً فی آسیا الصغرى وعاد للإطاحة بأخیه ولکنه قتل فی عام 401ق.م فی معرکة قرب بابل. وقد تبددت قواته ولکن عشرة آلاف من المرتزقة الیونانیین الذین کانوا مهددین بالإبادة والفناء استطاعوا الانسحاب فی ظروف صعبة ووصلوا إلى شاطئ البحر الأسود بعد مسیرة سبعة أشهر.
وقد وصف المؤرخ کزینوفون (430-355ق.م) هذا الانسحاب الملحمی فی کتابه «الصعود» Anabasis، ولقد تسبب هذا الإنجاز الذی حققه الهلّینییون فی تبدید رصید الإمبراطوریة الفارسیة لدى حلفائها وشجع الإغریق وحلفاءهم على المضی فی تحدّیها. فهاجمت اسبرطة ممتلکات فارس فی آسیا الصغرى، ووجد الملک الفارسی صعوبات فی إخماد الاضطرابات العنیفة فی مصر وقبرص.
ومن الأمثلة الفاضحة على التدهور فی آخر الإمبراطوریات الشرقیة القدیمة أنه کان لأرتا حشویرش مئة وخمسة عشر ولداً من ثلاثمئة وستین جاریة. وقد حاول بعض أفراد أسرته اقتناص الحکم واختصار مدة ملکه، فحصلت فواجع من جرّاء ذلک فقتل ابنه البکر، وتمکّن ولد آخر من اعتلاء العرش بعد قتل اثنین من إخوته ودعی باسم أرتا حشویرش الثالث (358-338ق.م). واشتهر هذا الملک بقسوته وفظاظته ولکنه نجح لأمد فی ترمیم کیان المملکة فضرب على أیدی الأمراء والولاة المتطلعین إلى الاستقلال وقمع ثورة أخرى قامت فی مصر (346-343ق.م). ولکنه کان قلقاً من صعود مقدونیة وتقدم نفوذها فی العالم الهلّینی فأخذ یساعد خصوم الملک فیلیب الثانی سراً وعلانیة. ولکنه مات آخر الأمر مسموماً على أیدی أحد رجال القصر الخصی باجواس الذی قتل خلفه أوراسیس (أرسیس) بالسم أیضاً بعد أن حکم مدة قصیرة (338-336م) وساعد باجواس على اختیار داریوس الثالث من أحفاد داریوس الثانی لوراثة العرش (336-330ق.م). واستطاع داریوس (دارا) أن یجعل الخصی المتآمر یتجرع السم الذی أعده لقتل ملکه. وتحرک فیلیب الثانی المقدونی بإرسال جیش لتخلیص آسیا الصغرى من حکم الفرس ولکن الجیش أوقف تقدمه بعد اغتیال العاهل المقدونی (336ق.م). إلا أن وراثة الاسکندر عرش أبیه القتیل دفع الأحداث إلى منعطف جدید فاستؤنفت الحرب باندفاع جدید لم یسبق له مثیل لتحقیق أهداف استراتیجیة لم یعلن عنها من قبل هی إیقاع هزیمة حاسمة بالإمبراطوریة الفارسیة. وهکذا توالت المجابهات بین الملک المقدونی الشاب وجیوش الإمبراطوریة الفارسیة الأخمینیة وتوالت الهزائم فی کیلیکیة وفی خلیج الاسکندرونة عند أبواب سوریة وفی أربیل فی بلاد آشور. وبعد أن دخل الاسکندر بابل وسوسة وبرسبولیس انسحب آخر الملوک الأخمینیین شرقاً إلى هرکانیة حیث قتل (330 ق.م) على ید أحد الولاة المحلیین الذی کان یأمل فی مکافأة الاسکندر له لکنه لقی ما یستحق من جزاء على غدره وفعلته الشنعاء. وهکذا انهارت الإمبراطوریة الشرقیة الشاملة لتحل محلها الإمبراطوریة العالمیة التی جمعت لأول مرة بلاداً من الشرق والغرب.
الحکام الأخمینیون
• أخمینس الفارسی
• تایسبس من أنشان, ابن أخمینس
• قورش الأول من أنشان, ابن تایسبس
• أریا رامنس الفارسی, ابن تایسبس ومشارک فی الحکم مع قورش الأول
• قمبیز الأول من أنشان, ابن قورش الأول
• أرسامیس الفارسی، ابن أریا رامنس ومشارک فی الحکم مع قمبیز الأول
•قورش الثانی، الأکبر, ابن قمبیز الأول, حکم من ح.550–530 ق.م. (حاکم أنشان ح. 559 ق.م. – فتح میدیا 550 ق.م.)
• قمبیز الثانی, ابن قورش الأعظم, حکم 529–522 ق.م.
• سمیردس (بردیا), ابن مزعوم لقورش الأکبر, حکم 522 ق.م (محتمل أن یکون غاصباً للعرش)
• داریوش الأول (داریوس الأول، الأکبر)، صهر سمیردس، وحفید أرسامیس، وحکم 521–486 ق.م.
• خشایارشا الأول (خرخس الأول)، ابن داریوش الأول، وحکم 485–465 ق.م.
• أردشیر الأول الأخمینی (أرتاخرخس الأول لونجیمانوس ابن خرخس الأول)، حکم 465–424 ق.م.
• خشایارشا الثانی (خرخس الثانی)، ابن أردشیر الأول, حکم 424 ق.م.
• سجدیانوس، أخ غیر شقیق ومنافس لخشایارشا الثانی, حکم 424–423 BC
• داریوش الثانی (داریوس الثانی نوثوس)، أخ غیر شقیق ومنافس لخشایارشا الثانی, حکم 423–405 ق.م.
• أردشیر الثانی الأخمینی (أرتاخرخس الثانی الشهیر (منیمون))، ابن داریوش الثانی, حکم 404–359 ق.م. (انظر أیضاً خینوفون)
• أردشیر الثالث الأخمینی (|أرتاخرخس الثالث اوخوس)، ابن أردشیر الثانی, حکم 358–338 ق.م.
• أردشیر الرابع الأخمینی (أرتاخرخس الرابع أرسیس) ابن أردشیر الثالث، وحکم 338–336 ق.م.
• داریوس الثالث (داریوس الثالث کودومانّوس)، ابن حفید داریوش الثانی, حکم 336–330 ق.م.
• الإسکندر المقدونی هزیمة الإمبراطوریة الأخمینیة 330 ق.م.
الأدلة المکتوبة لهؤلاء الحکام لا یمکن التأکد منها، وکثیراً ما یعتقد أنها مختلقة من قبل داریوش الأول.
مستعمرات الأخمینیون
احتل قمبیز الثانی مصر، والمؤرخون لحکام مصر یعدون الأخمینیین الأسرة السابعة والعشرون من حکام مصر القدیمة.
المصادر : محمد حرب فرزات، تاریخ فارس القدیم (جامعة دمشق 1990).
1- الموسوعة العربیة
/ج