هو خامس أئمّة أهل البیت الطاهر، المعروف بالباقر ، وقد اشتهر به لبقره العلم وتفجیره له. قال ابن منظور فی لسان العرب: لقّب به لأنّه بقر العلم وعرف أصله واستنبط فرعه وتوسّع فیه(1).
وقال ابن حجر: سمّی بذلک لانّه من بقر الارض أی شقّها، وإثارة مخبآتها، ومکامنها، فکذلک هو أظهر من مخبآت کنوز المعارف وحقائق الاحکام، والحکم واللطائف ما لا یخفى إلاّ على منطمس البصیرة او فاسد الطویة والسریرة، ومن ثمّ قیل فیه هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه(2).
وقال ابن کثیر: أبو جعفر محمّد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب علیهم السلام ، وسمّی بالباقر لبقره العلوم، واستنباطه الحکم، کان ذاکراً خاشعاً صابراً، وکان من سلالة النبوّة، رفیع النسب، عالی الحسب، وکان عارفاً بالخطرات، کثیر البکاء والعبرات، معرضاً عن الجدال والخصومات(3).
وقال ابن خلّکان: ابو جعفر محمّد بن زین العابدین، الملقّب بالباقر، أحد الأئمة الإثنی عشر فی اعتقاد الإمامیة، وهو والد جعفر الصادق. کان الباقر عالماً سیّداً کبیراً، وإنّما قیل له الباقر لانّه تَبقَّر فی العلم أی توسّع، وفیه یقول الشاعر:
یا باقر العلم لاهل التُقى *** وخیر من لبّى على الأجبل(4)
ولد بالمدینة غرة رجب سنة 57 هجری وقیل 56 هجری، وتوفّی فی السابع من ذی الحجّة سنة 114 هجری، وعمره الشریف 57 سنة. عاش مع جدّه الحسین علیه السلام 4 سنین، ومع ابیه علیه السلام بعد جدّه علیه السلام تسعاً وثلاثین سنة، وکانت مدة إمامته علیه السلام 18 سنة(5).
وأمّا النصوص الدالة على إمامته من أبیه وأجداده والتی ذکرها المحدّثون والمحقّقون من علمائنا الاعلام فهی مستفیضة نقلها الکلینی رضی الله عنه وغیره.
قال ابن سعد: محمّد الباقر من الطبقة الثالثة من التابعین من المدینة، کان عالماً عابداً ثقة، وروى عنه الائمّة أبو حنیفة وغیره.
قال أبو یوسف: قلت لابی حنیفة: لقیت محمّد بن علی الباقر؟ فقال: نعم وسألته یوماً فقلت له : أراد الله المعاصی؟ فقال: «أفیعصى قهراً»؟ قال ابو حنیفة: فما رأیت جواباً أفحم منه.
وقال عطاء: ما رأیت العلماء عند احد أصغر علماً منهم عند ابی جعفر، لقد رأیت الحکم عنده کأنّه مغلوب، ویعنی الحکم بن عیینة، وکان عالماً نبیلاً جلیلاً فی زمانه.
وذکر المدائنی: عن جابر بن عبد الله: أنّه أتى أبا جعفر محمّد بن علی الى الکتاب وهو صغیر فقال له: رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم یسلّم علیک، فقیل لجابر: وکیف هذا؟ فقال: کنت جالساً عند رسول الله والحسین فی حجره وهو یداعبه فقال:«یا جابر یولد مولود اسمه علیّ إذا کان یوم القیامة نادى مناد: لیقم سیّد العابدین فیقوم ولده، ثمّ یولد له ولد، اسمه محمّد ، فإن أدرکته یا جابر فاقرأه منّی السلام».
وذکر ابن الصبّاغ المالکی بعد نقل القصّة: إنّ النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم قال لجابر: «وإن لاقیته فاعلم أنّ بقاءک فی الدنیا قلیل» فلم یعش جابر بعد ذلک إلاّ ثلاثة أیّام. ثمّ قال: هذه منقبة من مناقبه باقیة على ممر الأیّام، وفضیلة شهد له بها الخاص والعام(6).
وقال المفید: لم یظهر عن احد من ولد الحسن والحسین علیهما السلام فی علم الدین والآثار والسنّة وعلم القرآن والسیرة وفنون الآداب ما ظهر من أبی جعفر الباقر علیه السلام (7).
وروى عنه معالم الدین بقایا الصحابة ووجوه التابعین وفقهاء المسلمین وسارت بذکر کلامه الاخبار وأنشدت فی مدائحه الأشعار...(8).
قال ابن حجر: صفا قلبه ، وزکا علمه وعمله، وطهرت نفسه، وشرف خلقه، وعمرت اوقاته بطاعة الله، وله من الرسوم فی مقامات العارفین ما تکلّ عنه ألسنة الواصفین، وله کلمات کثیرة فی السلوک والمعارف لا تحتملها هذه العجالة(9).
وأمّا مناظراته مع المخالفین فحدّث عنه ولا حرج، وقد جمعها العلاّمة الطبرسی فی کتاب الاحتجاج (10).
قال الشیخ المفید فی الارشاد: وجاءت الاخبار: انّ نافع بن الأزرق (11) جاء الى محمّد بن علی فجلس بین یدیه یسأله عن مسائل الحلال والحرام.
فقال له أبو حعفر فی عرض کلامه: «قل لهذه المارقة، بم استحللتم فراق امیر المؤمنین، وقد سفکتم دماءکم بین یدیه فی طاعته والقربة الى الله بنصرته؟ فسیقولون لک: إنّه حکَّم فی دین الله، فقل لهم: قد حکّم الله تعالى فی شریعة نبیّه صلى الله علیه وآله وسلم رجلین من خلقه فقال: (فابعثوا حکماً من أهله وحکماً من أهلها إن یُریدا إصلاحاً یوفّق الله بینهما)، وحکَّم رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم سعد بن معاذ فی بنی قریظة فحکم فیهم بما امضاه الله، أوما علمتم أنّ امیر المؤمنین إنّما امر الحکمین أن یحکما بالقرآن ولا یتعدّیاه، واشترط ردّ ما خالف القرآن فی أحکام الرجال، وقال حین قالوا له: حکّمت على نفسک من حکم علیک؟ فقال: ما حکّمت مخلوقاً وإنما حکّمت کتاب الله. فأین تجد المارقة تضلیل من امر بالحکم بالقرآن، واشترط ردّ ما خالفه لولا ارتکابهم فی بدعتهم البهتان»؟ فقال نافع بن الازرق: هذا والله کلام ما مرّ بسمعی قط ولا خطر منّی ببال، وهو الحقّ إن شاء الله.
ثمّ إنّ الشیعة الإمامیة اخذت کثیراً من الاحکام الشرعیة عنه وعن ولده البار جعفر الصادق وحسب الترتیب المتداول فی الکتب الفقهیة، حیث روی عنه -علیه السلام - الکثیر من الروایات الفقهیة التی تناولت مختلف جوانب الحیاة، وللاطلاع على ذلک تراجع کتب الفقه وموسوعاته المختلفة.
وأمّا ما روی عنه فی الحکَم والمواعظ، فقد نقلها ابو نعیم الاصفهانی فی حلیة الاولیاء، والحسن بن شعبة الحرّانی فی تحفه(12).
وقد استشهد الإمام محمّد الباقر علیه السلام عام 114 هجری، ودفن فی جنب قبر أبیه فی البقیع، ومن اراد البحث عن فصول حیاته فی شتى المجالات فلیراجع الموسوعات التی تحفل بها المکتبات العامّة والخاصّة.
المصادر :
1- لسان العرب 4 / 74.
2- الصواعق المحرقة 201.
3- البدایة والنهایة 9 / 309.
4- وفیات الأعیان 4 / 174.
5- إعلام الورى بأعلام الهدى 264 - 265.
6- ابن الجوزی: تذکرة الخواص 302 - 303، الفصول المهمّة 215 - 216.
7- الارشاد 262.
8- الفصول المهمّة 210 نقله عن ارشاد الشیخ المفید 261، فلاحظ.
9- الصواعق المحرقة 301.
10- الاحتجاج 2 / 54 - 69 طبع النجف.
11- الارشاد 265، ولعلّ المناظر هو عبد الله بن نافع بن الازرق، لانّ نافعاً قتل عام 65 من الهجرة وللإمام عندئذ من العمر دون العشرة، وقد نقل ابن شهر آشوب بعض مناظرات الإمام مع عبد الله بن نافع فلاحظ 4 / 201.
12- حلیة الأولیاء 3 / 180 - 235 وفی بعض ما نقل عنه تأمّل ونظر. والحسن بن علی بن شعبة فی تحف العقول 284- 300.
1- لسان العرب 4 / 74.
2- الصواعق المحرقة 201.
3- البدایة والنهایة 9 / 309.
4- وفیات الأعیان 4 / 174.
5- إعلام الورى بأعلام الهدى 264 - 265.
6- ابن الجوزی: تذکرة الخواص 302 - 303، الفصول المهمّة 215 - 216.
7- الارشاد 262.
8- الفصول المهمّة 210 نقله عن ارشاد الشیخ المفید 261، فلاحظ.
9- الصواعق المحرقة 301.
10- الاحتجاج 2 / 54 - 69 طبع النجف.
11- الارشاد 265، ولعلّ المناظر هو عبد الله بن نافع بن الازرق، لانّ نافعاً قتل عام 65 من الهجرة وللإمام عندئذ من العمر دون العشرة، وقد نقل ابن شهر آشوب بعض مناظرات الإمام مع عبد الله بن نافع فلاحظ 4 / 201.
12- حلیة الأولیاء 3 / 180 - 235 وفی بعض ما نقل عنه تأمّل ونظر. والحسن بن علی بن شعبة فی تحف العقول 284- 300.
/ج