التوسّل بالنبی متواتر إجمالا

إنّ هناک لفیفاً من التوسّلات المبثوثة فی کتب التاریخ والتفسیر والسیرة وغیرها وهی بأجمعها تدلّ على جریان السیرة بالتوسّل إلى الرسول، وهی تدل على جواز التوسّل بدعاء الرسول أو بذاته أو بمنزلته حیاً ومیتاً، والکل یعرب عن کونه أمراً
Thursday, October 10, 2013
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
التوسّل بالنبی متواتر إجمالا
 التوسّل بالنبی متواتر إجمالا

 





 
إنّ هناک لفیفاً من التوسّلات المبثوثة فی کتب التاریخ والتفسیر والسیرة وغیرها وهی بأجمعها تدلّ على جریان السیرة بالتوسّل إلى الرسول، وهی تدل على جواز التوسّل بدعاء الرسول أو بذاته أو بمنزلته حیاً ومیتاً، والکل یعرب عن کونه أمراً رائجاً بین المسلمین غیر منکر، وانّما حدث الإنکار فی الآونة الأخیرة أی بعد سبعة قرون متکاملة فلم ینبس فیها أحد ببنت شفة بالإنکار أبداً.
نعم هناک لفیف یمنعون التوسّل، ولکنّهم لمّا وقعوا أمام هذه الروایات الهائلة الدالة على جواز التوسّل بدعائه أو بذاته وشخصه حیّاً ومیتاً، حاولوا أن یناقشوا فی أسناد هذه الروایات، غافلین عن أنّ هذه الروایات مستفیضة، بل متواترة فی مفادها الإجمالیة أی جواز التوسّل بنفسه.
وأنت إذا لاحظت ما سبق من الصحاح والحسان وما نذکره الآن تذعن على تواتره الإجمالی:

1 ـ توسّل الأعرابی بالنبی نفسه

روى جمع من المحدثین أنّ أعرابیاً دخل على رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم)وقال: لقد أتیناک وما لنا بعیر یئط، ولا صغیر یغط، ثم أنشأ یقول:
أتیناک والعذراء تَدمی لبانها وقد شغلت أُم الصبی عن الطفل
ولا شیء ممّا یأکل الناس عندنا سوى الحنظل العامیوالعلهز الفسل
ولیس لنا إلاّ إلیک فرارنا وأین فرار الناس إلاّ إلى الرسل؟
فقام رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) یجر رداءه حتى صعد المنبر، فرفع یدیه وقال: اللّهمّ اسقنا غیثاً مغیثاً... فما ردّ النبی یدیه حتى ألفت السماء... ثم قال: لله درّ أبی طالب، لو کان حیاً لقرّت عیناه. من ینشدنا قوله؟
فقام علی بن أبی طالب علیهما السلام وقال: کأنّک ترید یا رسول الله قوله:
وأبیض یستسقی الغمام بوجهه ثمال الیتامى عصمة للأرامل
یطوف به الهلاک من آل هاشم فهم عنده فی نعمة وفواضل
فقال النبی (صلى الله علیه وآله وسلم): أجل.
فأنشد علی (علیه السلام) أبیاتاً من القصیدة، والرسول یستغفر لأبی طالب على المنبر، ثم قام رجل من کنانة وأنشد یقول:
لک الحمد والحمد ممّن شکر سقینا بوجه النبی المطر(1)
دلالة الحدیث:
إنّ الإمعان فی مجموع الروایة یعرب عن أنّ الأعرابی توسّل بشخص النبی وطلب منه قضاء حاجته، والدلیل على ذلک الأُمور التالیة:
أ ـ أتیناک وما لنا بعیر یئط.
ب ـ أتیناک والعذراء تدمى لبانها.
ج ـ ولیس لنا إلاّ إلیک فرارنا.
د ـ وأین فرار الناس إلاّ إلى الرسل؟
هـ ـ إنشاء علی بن أبی طالب شعر والده، وهو یتضمّن قوله: وأبیض یستسقی الغمام بوجهه.

2 ـ شعر صفیة فی رثاء النبی

أنشدت صفیة بنت عبد المطلب عمّة النبی قصیدة بعد وفاة النبی فی رثائه (صلى الله علیه وآله وسلم) وجاء فیها قولها:
ألا یا رسول الله أنت رجاؤنا وکنت بنا برّاً ولم تک جافیا
وکنت بنا برّاً رؤوفاً نبیّنا لیبک علیک الیوم من کان باکیا(2)
إنّنا نستنتج من هذه المقطوعة الشعریة ـ التی أُنشدت على مسمع من الصحابة وسجّلها المؤرخون وأصحاب السیر ـ أمرین:
الأوّل: إنّ مخاطبة الأرواح ـ وبالخصوص مخاطبة رسول الله بعد وفاته ـ کان أمراً جائزاً وجاریاً وقولها: " یا رسول الله " لم یکن لغواً ولا شرکاً.
الثانی: إنّ قولها: " أنت رجاؤنا " یدل على أنّ النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) هو أمل المجتمع الإسلامی فی کل العصور والأحوال، ولم تنقطع الروابط والعلاقات معه (صلى الله علیه وآله وسلم) حتى بعد وفاته.

3 ـ خبر العتیق

روى الإمام القسطلانی فی المواهب اللدنیة: وقف أعرابی على قبره الشریف (صلى الله علیه وآله وسلم) وقال: اللّهمّ إنّک أمرت بعتق العبید وهذا حبیبک وأنا عبدک فأعتقنی من النار على قبر حبیبک، فهتف به هاتف: یا هذا سألت العتق لک وحدک؟ هلاّ سألت العتق لجمیع المؤمنین إذهب فقد أعتقتک.
ثمّ أنشد القسطلانی البیتین المشهورین وهما:
إنّ الملوک إذا شابت عبیدهم فی رقّهم أعتقوهم عتق أحرار
وأنت یا سیدی أولى بذا، کرماً قد شِبتُ فی الرقّ فاعتقنی من النار(3)

4 ـ خبر حاتم الأصم

نقل فی المواهب عن الحسن البصری، قال: وقف حاتم الأصم على قبره (صلى الله علیه وآله وسلم) فقال: یا ربّ إنّا زرنا قبر نبیّک (صلى الله علیه وآله وسلم) فلا تردّنا خائبین، فنودی یا هذا ما أذنّا لک فی زیارة قبر حبیبنا إلاّ وقد قبلناک فارجع أنت ومن معک من الزوّار مغفوراً لکم.
ثم ذکر فی المواهب کثیراً من البرکات التی حصلت له ببرکة توسّله بالنبی(4).

5 ـ اللّهمّ ربّ جبرئیل ومیکائیل

روى النووی أنّ النبی أمر أن یقول العبد بعد رکعتین الفجر: اللّهمّ ربّ جبرئیل ومیکائیل وإسرافیل ومحمد أجرنی من النار (أو) أعوذ بک من النار. وخصّ هؤلاء بالذکر للتوسّل بهم فی قبول الدعاء وإلاّ فهو سبحانه ربّ جمیع المخلوقات.
والحدیث صحّحه الحاکم، وقال ابن حجر: إنّه حسن(5).

6 ـ حدیث السؤال بالأنبیاء

یروى عن عبد الملک بن هارون بن عنترة عن أبیه عن جدّه أنّ أبا بکر الصدّیق أتى النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) قال: إنّی أتعلّم القرآن وینفلت منّی. فقال رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم): " قل: اللّهمّ إنّی أسألک بمحمد نبیّک، وإبراهیم خلیلک، وبموسى نجیّک، وعیسى روحک وکلمتک، وبتوراة موسى، وانجیل عیسى، وفرقان محمد وبکل وحی أوحیته وقضاءً قضیته... ".
قال ابن تیمیة: هذا الحدیث ذکره زرین بن معاویة العبدری فی جامعه. ونقله ابن الأثیر فی جامع الأُصول، ولم یعزه لا هذا، ولا هذا إلى کتاب من کتب المسلمین، لکنّه رواه من صنَّف فی عمل یوم ولیلة کابن السنّی، وأبی نعیم. وقد رواه أبو الشیخ الاصبهانی فی کتاب "فضائل الأعمال"(6).

7 ـ حدیث دعاء حفظ القرآن

ذکر موسى بن عبد الرحمن الصنعانی صاحب التفسیر باسناده عن ابن عباس مرفوعاً، أنّه قال: من سرّه أن یوعیه الله القرآن فلیکتب هذا الدعاء: "... اللّهمّ إنّی أسألک بأنّک مسؤول لم یُسأل مثلک ولا یسأل وأسألک بمحمد نبیّک، وإبراهیم خلیلک، وبموسى نجیّک، وعیسى روحک وکلمتک ووجیهک... "(7).

8 ـ حدیث استفتاح الیهود على المشرکین بمحمد (صلى الله علیه وآله وسلم)

یروى عن عبد الملک بن هارون بن عنترة عن أبیه، عن سعید بن جبیر، عن ابن عباس قال: کانت یهود خیبر تقاتل غطفان... فکلّما التقوا هزمت یهود، فعاذت بهذا الدعاء: " اللّهمّ إنّا نسألک بحقّ محمد النبی الأُمّی الذی وعدتنا أن تخرجه لنا آخر الزمان إلاّ نصرتنا علیهم، فکانوا إذا دعوا بهذا الدعاء هزموا غطفان... فلما بُعث النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) کفروا به فأنزل الله تعالى: { وکانوا من قبل یستفتحون على الذین کفروا... } (8).

9 ـ توسّل الشافعی بآل البیت

ذکر ابن حجر المکی فی کتابه المسمّى بـ "الصواعق المحرقة" من أشعار الإمام الشافعی هذین البیتین:
آل النـبی ذریـعـتی وهـم إلـیـه وسیـلتی
أرجو بهم أُعطى غداً بیدی الیمین صحیفتی(9)

10 ـ استسقاء بلال بن حرث

روى البیهقی وابن أبی شیبة أنّ الناس أصابهم قحط فی خلافة عمر (رضی الله عنه)، فجاء بلال بن الحرث (رضی الله عنه) وکان من أصحاب النبی إلى قبر النبی، وقالوا: یا رسول الله استسق لأُمتک فانّهم قد هلکوا، فأتاه رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) فی المنام وأخبره بأنّهم سیسقون(10) ففیه النداء بعد وفاته (صلى الله علیه وآله وسلم) والخطاب بالطلب منه أن یستسقی لأُمّته.
ومراده من الاستسقاء بقرینة الحال دعاؤه سبحانه أن ینزل رحمته إلیهم لا أن یصلّی صلاة الاستسقاء ولیس العبرة بنوم بلال، وإنما العبرة بعمل ذلک الصحابی الذی کان فی بعض غزواته(11).
قال زینی دحلان: ومن تتبع أذکار السلف والخلف وأدعیتهم وأورادهم وجد فیها شیئاً کثیراً فی التوسّل ولم ینکر علیهم أحد فی ذلک حتى جاء هؤلاء المنکرون، ولو تتبّعنا من أکابر الأُمّة فی التوسّل لامتلأت بذلک الصحف، وفیما ذکر کفایة ومقنع لمن کان بمرأى من التوفیق ومسمع(12).
ونلفت نظر القارئ بأنّ الاحتجاج بهذه الأحادیث العشرة الکاملة وما قبلها مبنی على أمرین أُشیر إلیهما فیما سبق:
1 ـ إنّ أصل التوسّل إذا کان شرکاً أو محرّماً، لم یتجرأ الوضّاع على أن یجعله أساساً لما یریده من الوضع والدس، فهذا یعرب عن أنّ أساس (جواز التوسّل) کان أمراً مسلّماً فبنى علیه ما بنى من القصص والروایات لو افترضنا عدم صحتها، لکن أنّى لنا، هذه الفریة.
2 ـ إنّ مجموع الروایات العشرة وما تقدّم علیها من الصحاح والحسان یثبت کون التوسّل بالنبی الأعظم (صلى الله علیه وآله وسلم) بعامة صوره أمر أُستُفیض جوازه من النبی والصحابة بل تواتر إجمالا وإن کانت الخصوصیات غیر متواترة.
ولیس المورد ممّا یقبل الجرح والدقّة فی اسناد الروایات، إذ لیس المقصود الإذعان بصحة کل ما جاء فیها من الخصوصیات وإنّما المقصود ثبوت جواز التوسّل بصورة عامة ببرکة هذه الحکایات والقصص وإن کان بعضها ضعیف السند عند البعض وصحیحاً عند آخر.
ومن أراد ردّ هذه الروایات بضعف السند، فقد ولج البیت من غیر باب.
ما أُلّف حول التوسّل بقلم علماء الإسلام
لقد أُلّف حول التوسّل بخیر الأنام وأولیاء الله الکرام کتباً ورسائل قام بتألیفها لفیف من علماء الإسلام وأکابرهم الذین یعتمد على أقوالهم وآرائهم فأحببت أن أنوّه ببعض أسمائها حتى یقف القارئ علیها، فلو أراد التوسّع فعلیه الرجوع إلیها:
1 ـ کتاب الوفاء فی فضائل المصطفى: لابن الجوزی المتوفى سنة 975 هـ، وقد أفرد باباً حول التوسّل بالنبی (صلى الله علیه وآله وسلم) وباباً حول الاستشفاء بقبره الشریف.
2 ـ مصباح الظلام فی المستغیثین بخیر الأنام: تألیف محمد بن نعمان المالکی المتوفى سنة 736 هـ، وقد نقل السمهودی فی کتاب وفاء الوفا، باب التوسّل بالنبی (صلى الله علیه وآله وسلم) عن هذا الکتاب نقلا کثیراً.
3 ـ البیان والاختصار: لابن داود المالکی الشاذلی، وقد ذکر فیه توسّل العلماء والصلحاء بالرسول الأکرم (صلى الله علیه وآله وسلم) فی المحن والأزمات.
4 ـ شفاء السقام: لتقی الدین السبکی المتوفى عام 567 هـ، وقد تحدّث عن التوسّل بالنبی (صلى الله علیه وآله وسلم) بشکل تحلیلی رائع من ص 120 ـ 133.
5 ـ وفاء الوفا لأخبار دار المصطفى: للسید نور الدین السمهودی المتوفى سنة 911 هـ، وقد بحث عن التوسّل بحثاً واسعاً فی الجزء الرابع من ص 134 ـ 194.
6 ـ المواهب اللدنیة: لأبی العباس القسطلانی المتوفى سنة 932 هـ، وسیوافیک کلامه فی التوسّل.
7 ـ شرح المواهب اللدنیة: للزرقانی المالکی المصری المتوفى سنة 1122 هـ، وفی الجزء الثامن، ص 317.
8 ـ صلح الإخوان: للخالدی البغدادی المتوفّى سنة 1299 هـ، وله أیضاً رسالة خاصة فی الردّ على الآلوسی حول موضوع التوسّل بالنبی (صلى الله علیه وآله وسلم) وقد طبعت الرسالة فی سنة 6130 هـ.
9 ـ کنز المطالب: للعدوی الحمزاوی المتوفى سنة 1303 هـ.
10 ـ فرقان القرآن: للعزامی الشافعی القضاعی، وقد طبع هذا الکتاب مع کتاب الأسماء والصفات للبیهقی فی 041 صفحة.
إنّ مطالعة هذه الکتب ـ وخاصة تلک التی تحدّثت بالتفصیل عن التوسّل، ویأتی کتاب صلح الإخوان وفرقان القرآن فی طلیعتها ـ أنّ مطالعة هذه الکتب یثبت جریان سیرة المسلمین ـ فی کلّ عصر ومصر ـ على التوسّل بالنبی (صلى الله علیه وآله وسلم)لنقتصر بهذا المقدار وفیه کفایة لمن ألقى السمع وهو شهید.
 

المصادر :
1- السیرة الحلبیة: 1/116، لاحظ فتح الباری: 2/494، والقصیدة مذکورة فی السیرة النبویة لابن هشام: 1/272 ـ 280.
2- ذخائر العقبى للحافظ الطبری: 252، مجمع الزوائد: 9/36، ونشیر إلى أنّ جملة: "أنت رجاؤنا" فی الشطر الأوّل جاءت فی هذا المصدر هکذا (کنت رجاؤنا).
3- القسطلانی: المواهب اللدنیة بالمنح المحمدیة: 4/584 طـ. دار الکتب الإسلامی.
4- المصدر نفسه.
5- زینی دحلان: 30، والرفاعی: التوصل إلى حقیقة التوسّل: 306 عن کتاب الأذکار للنووی.
6- الرفاعی: التوصّل إلى حقیقة التوسّل: 310.
7- المصدر نفسه.
8- المصدر نفسه، نقلا عن الحاکم فی المستدرک على الصحیحین. (البقرة/89).
9- ابن حجر: الصواعق المحرقة: 180، طـ. مکتبة القاهرة، تحقیق عبد الوهاب.
10- زینی دحلان: الدرر السنیة: 18.
11- جمال الدین المزی: 4/282، ابن عساکر: تهذیب تاریخ دمشق الکبیر: 3/301 ـ 303.
12- زینی دحلان: الدرر السنیة: 31.




 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.