هذه الدعوى ذهب إلیها جمهور المحدِّثین من علماء السنة والکثیر من مفسِّریهم, وذلک استناداً لروایات نُسبت للرسول الکریم (صلی الله علیه وآله وسلم) وزعم بعضُ مفسِّریهم انَّ ذلک هو مدلول قوله تعالى: (الَّذِی خَلَقَکُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا)(1) بدعوى انَّ معنى قوله تعالى: (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) هو انَّه تعالى خلق من نفس آدم (علیه السلام) زوجته حوراء, فحواء مخلوقة من نفس آدم أی من بعض أعضائه وهو ضلعه الایسر بحسب زعمهم.
وقد تصدى أهل البیت (علیه السلام) لتکذیب هذه الدعوى ونفی انتسابها للنبی الکریم (صلی الله علیه وآله وسلم), فمِّما ورد عنهم فی ذلک ما رواه الصدوق بسندٍ معتبر عن زرارة قال: سئل أبو عبدالله الصادق (علیه السلام) عن خلق حواء وقیل له إنَّ أناساً عندنا یقولون: إنَّ الله عزَّ وجل خلق حواء من ضلع آدم الأیسر الأقصى فقال (علیه السلام): سبحان الله وتعالى عن ذلک علواً کبیرا، أیقول مَن یقول هذا إنَّ الله تبارک وتعالى لم یکن له من القدرة ما یخلق لآدم زوجةً من غیر ضلعه، وجعل للمتکلم من أهل التشنیع سبیلا إلى الکلام، یقول: إنَّ آدم کان ینکح بعضُه بعضا إذا کانت من ضلعه, ما لهؤلاء! حکم الله بیننا وبینهم ثم قال (علیه السلام): إنَّ الله تبارک وتعالى لمَّا خلق آدم (علیه السلام) من الطین وأمر الملائکة فسجدوا له ألقى علیه السبات - النوم - ثم أبتدع حواء"(2).
وروى العیاشی فی تفسیره عن عمرو بن أبی المقدام عن أبیه قال: سألت أبا جعفر الباقر (علیه السلام) من أیِّ شئٍ خلق الله حواء؟ فقال: أیَّ شئٍ یقول هذا الخلق؟ قلتُ: یقولون: إنَّ الله خلقها من ضلعٍ من أضلاع آدم فقال (علیه السلام): کذبوا, کان یُعجزه أن یخلقها من غیر ضلعه؟! فقلت: جعلت فداک یا ابن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) من أیِّ شئ خلقها؟ فقال أخبرنی أبی عن آبائه (علیهم السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): إنَّ الله تبارک وتعالى قبض قبضةً من طین... ففضلت فضلةً من الطین فخلق منها حواء"(3).
فحواء بمقتضى هذه الروایة خُلقت من نفس الطینة التى خُلق منها آدم (علیه السلام) ولم تخُلق من ضلعه, وعلى ذلک تُحمل الروایات التى أفادت انَّ حواء خُلقت من آدم (علیه السلام) فمعنى ذلک انَّها خُلقت من ذات الطینة التى خُلق منها آدم (علیه السلام).
وأما الروایات التى اشتملت على دعوى انَّ حواء خُلقت من ضلع آدم (علیه السلام) بعد تکونَّه وصیرورته انساناً
فهی ساقطة عن الاعتبار سنداً أو جهة.
على انَّه لایبعد تسُّرب هذه المقولة إلى التراث الاسلامی من أساطیر الیهود الذین أظهروا الاسلام وأخذوا یروِّجون لثقافاتهم واسرائیلیاتهم تحت غطاء انها مرویة عن الرسول الکریم (صلی الله علیه وآله وسلم), والذی یؤید ذلک هو انَّ دعوى تخلُّق حواء من ضلع آدم (علیه السلام) مذکورة فی التوراة فی سفر التکوین (4).
وأما الاستدلال على الدعوى بقوله تعالى: (الَّذِی خَلَقَکُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) فهی غیر ظاهرة فی ان حواء خُلقت من آدم (علیه السلام), وما هی ظاهرة فیه جداً هو انَّ الله تعالى خلق البشر من آدم وهو معنى من قوله تعالى: (مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) وخلق من نوع هذه النفس زوجها وهی حواء, فحواء خلقت,من ذات النوع والطبیعة التى خُلق منها آدم (علیه السلام) فحرف الجر " مِّن" فی قوله تعالى " وَخَلَقَ مِنْهَا" بیانیة إی لبیان الجنس ولیست تبعیضیة.
فمعنى حرف الجر فی الآیة المبارکة هو نفسه معنى حرف الجر فی قوله تعالى: (أَلَمْ یَکُ نُطْفَةً مِّن مَّنِیٍّ یُمْنَى ثُمَّ کَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَیْنِ الذَّکَرَ وَالْأُنثَى) (5) فمعنى قوله تعالى: (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَیْنِ) هو انه تعالى خلق من طبیعة ونوع هذا المنی الذَّکَرَ وَالْأُنثَى.
المصادر :
1- سورة النساء آیة رقم /1.
2- علل الشرائع - الشیخ الصدوق - ج 1 ص 17.
3- تفسیر العیاشی - محمد بن مسعود العیاشی - ج 1 ص 216.
4- راجع تفسیر المراغی ج7/118.
5- سورة القیامة آیة رقم 37/39.
1- سورة النساء آیة رقم /1.
2- علل الشرائع - الشیخ الصدوق - ج 1 ص 17.
3- تفسیر العیاشی - محمد بن مسعود العیاشی - ج 1 ص 216.
4- راجع تفسیر المراغی ج7/118.
5- سورة القیامة آیة رقم 37/39.
/ج