إنّ القول بأنّ الإمام المهدی لا یزال حیاً یرزق منذ ولادته عام 255 هجریة إلى الآن، وأنّه غائب سوف یظهر بأمر من الله سبحانه، أثار أسئلة حول حیاته وإمامته، نذکر رؤوسها:
1- کیف یکون إماماً وهو غائب، وما الفائدة المرتقبة منه فی غیبته؟
2 - لماذا غاب؟
3 - کیف یمکن أن یعیش إنسان هذه المدة الطویلة؟
4 - ما هی أشراط وعلائم ظهوره؟
هذه أسئلة أُثیرت حول الإمام المهدی منذ أن غاب، وکلّما طالت غیبته اشتدّ الترکیز علیها، وقد قام المحققون من علماء الإمامیة بالإجابة علیها فی مؤلّفات مستقلة لا مجال لنقل معشار ما جاء فیها، غیر أنّ الإحالة لما کانت عن المحذور غیر خالیة، نبحث عنها على وجه الإجمال، ونحیل من أراد التبسّط الى المصادر المؤلّفة فی هذا المجال.
السؤال الاول : المراد من الغیبة الصغرى، غیبته صلوات الله علیه منذ وفاة والده عام 260 هجری الى عام 329 هجری، وقد کانت الصلة بینه وبین الناس مستمرة بواسطة وکلائه الأربعة: الشیخ ابی عمرو عثمان بن سعید العمری، وولده الشیخ ابی جعفر محمّد بن عثمان، والشیخ ابی القاسم الحسین بن روح من بنی نوبخت، والشیخ ابی الحسن علی بن محمد السَّمری.
والمراد من الغیبة الکبرى: غیبته من تلک السنة الى زماننا هذا، انقطعت فیها النیابة الخاصّة عن طریق أشخاص معینین، وحلّ محلّها النیابة العامّة بواسطة الفقهاء والعلماء العدول، کما جاء فی توقیعه الشریف: «وأمّا الحوادث العامّة، فارجعوا فیها الى رواة أحادیثنا، فإنّهم حجّتی علیکم، وأنا حجّة الله علیهم» (1).
وإلى هذه الأجوبة أشار الإمام المهدی علیه السلام فی آخر توقیع له إلى بعض نوّابه، بقول: «وأمّا وجهُ الإنتفاع بی فی غَیبتی، فکالإنتفاع بالشَّمسِ إذا غیّبَها عن الأبصار السحاب»(2).
السؤال الثانی: لماذا غاب المهدی علیه السلام ؟
إنّ ظهور الإمام بین الناس، یترتّب علیه من الفائدة ما لا یترتب علیه فی زمن الغیبة، فلماذا غاب عن الناس، حتى حرموا من الإستفادة من وجوده، وما هی المصلحة التی أخفته عن أعین الناس؟
إنّ هذا السؤال یجاب علیه بالنقض والحل:
أمّا النقض: فبما ذکرناه فی الإجابة عن السؤال الأوّل، فانّ قصور عقولنا عن إدراک أسباب غیبته، لا یجرّنا الى إنکار المتضافرات من الروایات، فالاعتراف بقصور أفهامنا أولى من ردّ الروایات المتواترة، بل هو المتعیّن.
وأمّا الحلّ: فإنّ أسباب غیبته، واضحة لمن أمعن فیما ورد حولها من الروایات، فإنّ الإمام المهدی علیه السلام هو آخر الأئمّة الاثنی عشر الذین وعد بهم الرسول، وأناط عزّة الإسلام بهم، ومن المعلوم أنّ الحکومات الإسلامیة لم تُقدَّرهُم، بل کانت لهم بالمرصاد، تلقیهم فی السجون، وتریق دماءهم الطاهرة، بالسیف او السمّ، فلو کان ظاهراً، لاقدموا على قتله، إطفاءً لنوره، فلأجل ذلک اقتضت المصلحة ان یکون مستوراً عن أعین الناس، یراهم ویرونه ولکن لایعرفونه، إلى أن تقتضی مشیئة الله سبحانه ظهوره، بعد حصول استعدادٍ خاص فی العالم لقبوله، والإنضواء تحت لواء طاعته، حتى یحقّق الله تعالى به ما وعد به الأمم جمعاء من توریث الأرض للمستضعفین.
وقد ورد فی بعض الروایات إشارة الى هذه النکتة، روى زرارة قال: سمعت أبا جعفر (الباقر علیه السلام) یقول: إنّ للقائم غَیبة قبل أن یقوم، قال: قلت: ولِمَ؟ قال: یخاف. قال زارة: یعنی القتل.
وفی روایة أخرى: یخاف على نفسه الذبح(3).
السؤال الثالث: الإمام المهدی وطول عمره:
إنّ من الأسئلة المطروحة حول الإمام المهدی، طول عمره فی فترة غَیبته، فإنّه ولد عام 255 هجری، فیکون عمره إلى الأعصار الحاضرة أکثر من ألف ومائة وخمسین عاماً، فهل یمکن فی منطق العلم أن یعیش إنساناً هذا العمر الطویل؟
والجواب: من وجهین، نقضاً وحلاً.
أمّا النقض: فقد دلّ الذکر الحکیم على أنّ شیخ الأنبیاء عاش قرابة ألف سنة، قال تعالى: {فَلَبِثَ فیهم أَلفَ سَنَةٍ إلاَّ خَمسینَ عاماً}(4).
وقد تضمّنت التوراة أسماء جماعة کثیرة من المعمّرین، وذکرت أحوالهم فی سِفر التکوین(5).
وقد قام المسلمون بتألیف کتب حول المعمّرین، ککتاب «المعمّرین» لأبی حاتم السجستانی، کما ذکر الصدوق أسماء عدُّة منهم فی کتاب «کمال الدین»(6)،
والعلاّمة الکراجکی فی رسالته الخاصّة، باسم {البرهان على صحة طول عمر الإمام صاحب الزمان»(7)، والعلاّمة المجلسی فی البحار(8)، وغیرهم.
وأمّا الحلّ: فأنّ السؤال عن إمکان طول العمر، یعرب عن عدم التعرّف على سعة قدرة الله سبحانه: {وما قدَروا اللهَ حَقَّ قَدرِهِ}(9)، فإنّه إذا کانت حیاته وغیبته وسائر شؤونه، برعایة الله سبحانه، فأی مشکلة فی أن یمدّ الله سبحانه فی عمره ما شاء، ویدفع عنه عوادی المرض ویرزقه عیش الهناء.
وبعبارة أُخرى: إنّ الحیاة الطویلة إمّا ممکنة فی حد ذاتها أو ممتنعة، والثانی لم یقل به احد، فتعیّن الأوّل، فلا مانع من أن یقوم سبحانه بمدّ عمر ولیّه، لتحقیق غرض من أغراض التشریع.
أضف إلى ذلک ما ثبت فی علم الحیاة، من إمکان طول عمر الإنسان إذا کان مراعیاً لقواعد حفظ الصحة، وأنّ موت الإنسان فی فترة متدنیة، لیس لقصور الإقتضاء، بل لعوارض تمنع عن استمرار الحیاة، ولو أمکن تحصین الإنسان منها بالأدویة والمعالجات الخاصة لطال عمره ما شاء.
وهناک کلمات ضافیة من مَهَرة علم الطب فی إمکان إطالة العمر، وتمدید حیاة البشر، نشرت فی الکتب والمجلات العلمیة المختلفة(10).
وبالجملة، اتّفقت کلمة الأطباء على أنّ رعایة أُصول حفظ الصحّة، توجب طول العمر، فکلّما کثرت العنایة برعایة تلک الأصول، طال العمر، ولاجل ذلک نرى أنّ الوفیات فی هذا الزمان، فی بعض الممالک، أقلّ من السابق، والمعمّرین فیها أکثر من ذی قبل، وما هو إلاّ لرعایة أُصول الصحّة، ومن هنا أُسّست شرکات تضمن حیاة الإنسان إلى أمد معلوم تحت مقرّرات خاصة وحدود معیّنة، جاریة على قوانین حفظ الصحّة، فلو فرض فی حیاة شخص إجتماع موجبات الصحّة من کلّ وجه، طال عمره إلى ما شاء الله.
وإذا قرأت ما تُدَوِّنه أقلام الأطباء فی هذا المجال، یتّضح لک معنى قوله سبحانه: {فَلَو لا أنّه کانَ مِنَ المُسَبِّحینَ * لَلَبِثَ فی بَطنِهِ إِلى یَومِ یُبعَثونَ}(11).
فإذا کان عیش الإنسان فی بطون الحیتان، فی أعماق المحیطات، ممکناً إلى یوم البعث، فکیف لا یعیش إنسان، على الیابسة، فی أجواء طبیعیة، تحت رعایة الله وعنایته، إلى ما شاء الله؟
السؤال الرابع: علائم ظهوره علیه السلام ما هی؟
إذا کان للإمام الغائب، ظهور بعد غیبة طویلة، فلابدّ من أن یکون لظهوره علائم وأشراط تخبر عن ظهوره، فما هی هذه العلائم؟
الجواب: إنّ ما جاء فی کتب الأحادیث من الحوادث والفتن الواقعة فی آخر الزمان على قسمین:
قسم هو من أشراط الساعة وعلامات دنو القیامة.
وقسم هو ما یقع قبل ظهور المهدی المنتظر.
وربّما وقع الخلط بینهما فی الکتب، ونحن نذکر القسم الثانی منهما، وهو عبارة عن أُمور عدّة منها:
1- النداء فی السماء.
2 - الخسوف والکسوف فی غیر مواقعهما.
3 - الشقاق والنفاق فی المجتمع.
4 - ذیوع الجور والظلم والهرج والمرح فی الأمّة.
5 - ابتلاء الإنسان بالموت الأحمر والأبیض.
6 - قتل النفس الزکیة.
7 - خروج الدجّال.
8 - خروج السفیانی.
هذه هی علامات ظهوره، ولکن هناک أُموراً تمهّد لظهوره، وتسهّل تحقیق أهدافه نشیر إلى أبرزها:
1 - الاستعداد العالمی: والمراد منه أنّ المجتمع الإنسانی - وبسبب شیوع الفساد - یصل إلى حدّ، یقنط معه من تحقّق الإصلاح بید البشر، وعن طریق المنظمات العالمیة التی تحمل عناوین مختلفة، وأنّ ضغط الظلم والجور على الإنسان یحمله على أن یُذعن ویُقرّ بأنّ الإصلاح لا یتحّقق إلاّ بظهور إعجاز إلهی، وحضور قوّة غیبیة، تدمّر کلّ تلک التکتلات البشریة الفاسدة، التی قَیَّدَت بأسلاکها أعناق البشر.
2 - تکامل العقول: إنّ الحکومة العالمیة للإمام المهدی علیه السلام لا تتحقّق بالحروب والنیران والتدمیر الشامل للأعداء، وإنّما تتحّقق برغبة الناس إلیها، وتأییدهم لها، لتکامل عقولهم ومعرفتهم.
یقول الإمام الباقر علیه السلام فی حدیث له یرشد فیه إلى أنّه إذا کان ذلک الظرف، تجتمع عقول البشر وتکتمل أحلامهم: « إذا قام قائمنا، وَضَعَ الله یده على رؤوس العباد، فیجمع بها عقولهم، تکتمل به أحلامهم»(13).
فقوله علیه السلام: فیجمع بها عقولهم، بمعنى أنّ التکامل الإجتماعی یبلغ بالبشر إلى الحدّ الذی یَقبَلُ فیه تلک الموهبة الإلهیة، ولن یترصّد للثورة على الإمام والإنقلاب علیه، وقتله أو سجنه.
3 - تکامل الصناعات: إنّ الحکومة العالمیة الموحّدة لا تتحقق إلاّ بتکامل الصناعات البشریة، بحیث یسمع العالم کلّه صوته ونداءه، وتعالیمه وقوانینه فی یومٍ واحدٍ، وزمنٍ واحدٍ.
قال الإمام الصادق _ علیه السلام _: «إنّ المؤمنَ فی زمان القائم، وهو بالمشرق یرى أخاه الذی فی المغرب، وکذا الذی فی المغرب یرى أخاه الذی بالمشرق».
4 - الجیش الثوری العالمی: إنّ حکومة الإمام المهدی علیه السلام وإن کانت قائمة على تکامل العقول، ولکن الحکومة لا تستغنی عن جیش فدائی ثائر وفعّال، یُمَهِّد الطریق للإمام علیه السلام ، ویواکبه بعد الظهور إلى تحقّق أهدافه وغایاته المتوخّاة.
1- کمال الدین، الباب 45، ص 484
2- الصدوق: کمال الدین، الباب 45، ص 485 الحدیث 4. وقد ذکر العلاّمة المجلسی فی وجه تشبیهه بالشمس اذا سترها السحاب، وجوهاً، راجعها فی بحار الأنوار ج 52 الباب 20 ص 93 - 94.
3- لاحظ کمال الدین، الباب 44 ص 281 الحدیث 8 و9 و10.
4- العنکبوت / 14.
5- التوراة، سفر التکوین، الإصحاح الخامس، الجملة 5، وذکر هناک أعمار آدم، وشیث ونوح، وغیرهم.
6- کمال الدین، ص 555.
7- الکراجکی: البرهان على طول عمر صاحب الزمان، ملحق ب «کنز الفوائد»، له أیضاً، الجزء الثانی. لاحظ فی ذکر المعمرین ص 114 - 155، ط دار الأضواء، بیروت 1405 هجری.
8- بحار الأنوار ج 51، الباب 14، ص 225 - 293.
9- الأنعام / 91.
10- لاحظ مجلة المقتطف، الجزء الثالث من السنة التاسعة والخمسین.
11- الصافات / 143 و144.
12- لاحظ للوقوف على هذه العلائم، بحار الأنوار ج 52، الباب 25، ص 181 - 308. کتاب المهدی، للسید صدر الدین الصدر ( م 1373 هجری). ومنتخب الأثر، ص 424 - 462.
13- منتخب الأثر، ص 483.
/ج