القائد المنتظر

أوّل انعکاسات هذه القضیة أمر یتّصل بفهمنا لطبیعة هذا الدین. ویبدو الآن أنّ الأخطاء التی ارتکبها البسطاء من الناس فی طریقة فهمهم لفلسفة رسالة السماء تجد مصدرها حین نصیر للحدیث عن قضیة الزعیم المحتجب. فإنّه تحت وطأة الضربات التی سدّدت
Monday, December 9, 2013
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
القائد المنتظر
القائد المنتظر

 





 

أوّل انعکاسات هذه القضیة أمر یتّصل بفهمنا لطبیعة هذا الدین. ویبدو الآن أنّ الأخطاء التی ارتکبها البسطاء من الناس فی طریقة فهمهم لفلسفة رسالة السماء تجد مصدرها حین نصیر للحدیث عن قضیة الزعیم المحتجب. فإنّه تحت وطأة الضربات التی سدّدت للوجود الإسلامی عموماً، وللوجود الشیعی بالخصوص بوصفه القاعدة الحصینة والأساسیة لهذا الدین.
وبفعل المردود النفسی الذی یخلّفه الانهزام فی کل مرّة، طاب لعدد من الناس أن ینفضوا أیدیهم ورؤوسهم من غبار المعرکة، ثم یمسحوها بمنادیل الانهزام، تارکین الساحة خلف ظهورهم، قائلین مقالة من سبقهم:
(فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّکَ فَقاتِلا إنّا هاهُنا قاعِدُوُنَ).(1)
لکن جماعتنا هؤلاء کانوا أکثر حیاءً من أن یفوهوا بهذا القول، الذی اتّخذه القرآن مثلاً، غیر أنّک لو دخلت قلوبهم لم تجد سوى هذا المنطق بدلاً، فقد عقدوا نیتهم علیه فی الوقت الذی غامرهم الخجل من أن تنطق به شفاههم.
کیف أصبح هؤلاء یفهمون الدین؟
وأیّ نمط من المعاذیر یتمحّلون بها؟
إنّ علینا ـ لکی نفهم تصوّرهم ـ أن ننصت لحکایتهم:
إنّ لهذا الدین ربّ یحمیه.
وإیّاک أن تلقی بنفسک فی التهلکة.
وإنّ ما علیک لیس إلاّ السکوت، لأنّ الناس مخادعون یراوغون، فاحذر أن تثق بهم وتعتمد علیهم. والعدو شرس فتّاک لا یرحم، وما عددنا إلاّ قلیل.
وإذا کان الله قد وعد بنصرة هذا الدین فلا داعی للقلق على مصیره، ولا تقدّم نفسک ضحیة.
والحسین علیه السلام حینما ثار کان إماماً معصوماً، تأتیه الأوامر من الله ولسنا مثله، فلیس علینا جهاد، ولا تضحیة.
إنّ واجبنا أن ندعو بالفرج، لیظهر قائم آل محمّد صلى الله علیه وآله، ویؤدّی مسؤولیته.
وإذا اشتدّت علینا العوادی، فإنّ علینا أن نشتد فی الدعاء، قابعین فی البیوت.
وإذا رأیت بعض الناس یدافع عن الحق، فاحذر أن یستهویک، فتلک فتنة، وقد قال علی علیه السلام: (کن فی الفتنة کابن اللبون، لا ظهر فیرکب، ولا ضرع فیحلب).(2)
ویواصلون حکایتهم:
إنّنا نرید الشهادة مع صاحب الزمان، فنحن لا نهاب الموت، وإنّما نطلب أن نموت مع الإمام لا مع غیره، فنحن هاهنا منتظرون.
تلک حکایتهم، ولا أشک أنّ مثلها یروق لقلوب النساء.
وحین کنت أکتب هذه الحکایة مرّ فی ذکری موقف یشبه هذه الحکایة:
إنّه موقف (أبی موسى الأشعری) الوالی على الکوفة، حین بویع لعلی علیه السلام.
فلقد أوعز الإمام علی علیه السلام إلى الناس أن یتجهّزوا لحرب معاویة، ومضى الناس یتجهّزون، أمّا الأشعری فقد کان شدید الامتناع عن التجهّز، ولیته خلّى السبیل لغیره، لکی یخرجوا للحرب، ولم یقم فیهم خطیباً وهم حشود، یخذّلهم عن نصرة علی، حتى أرسل الإمام علیه السلام الحسن وعمّار والأشتر فنحّوه عن ولایته.
لقد کانت حجّة الأشعری أنّه سمع رسول الله صلى الله علیه وآله یقول: ستأتی علیکم الفتن القاعد فیها خیر من القائم!! لکن مالک الأشتر سحبه من یده قائلاً: إن کنت سمعت ذلک فنحن لم نسمعه.
الحقیقة أنّ هذا الدین رسالة السماء لأهل الأرض، ولابن الأرض.
وعلى ابن الأرض ـ لا على ابن السماء ـ تقع مسؤولیة نصرة هذا الدین.
إنّ هذا الدین هو المنحة الإلهیة التی سخت بها ید السماء لتضعها فی ید البشر، وعلى هذه الید أن تحتفظ بهذه المنحة، وتدفع عنها بکل سخاء.
إنّ ابن الأرض هو الذی یحدّد مصیر هذا الدین، کما یحدّد مصیر أیّ مبدأ من المبادئ.
فهذا الدین ذو طبیعة بشریة، وأقصد أنّه لا یعتمد ـ بالأساس ـ فی تقریر مصیره على الغیب، وعلى جنود السماء، إنّما أبطال الأرض هم وحدهم الذین أنیطت بهم مسؤولیة تقریر مصیر ومستقبل هذه الرسالة.
وحینما هبطت رسالات السماء على الرسل والأنبیاء، عرفوا جیداً أنّ عبء المسؤولیة صار فی أعناقهم، وانطلقوا من هذه المعرفة لمصارعة الباطل ومطاردته، مهما کلّفهم ذلک من تضحیات.
إنّ من الخطأ الفاحش أن ننتظر من الملائکة الهبوط إلى الأرض، وترسیخ دعائم الدین.
ولو کان هذا الانتظار صحیحاً لکان من العبث والغباء أن تعرق جبین واحد من الأنبیاء والأولیاء من أجل دفع العجلة إلى الأمام وإفساح المجال أمام الحق لیغطّی أکبر مساحة ممکنة من الأرض ومن البشر.
فی الوقت الذی نرى فی طول تأریخ الأدیان أنّ أتباع الدین هم الذین یکتبون مستقبله، من خلال الصراع العنیف مع جیش الضلال.
(وَلَوْ یشاءُ اللهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلکِنْ لِیَبْلُوَا بَعْضَکُمْ بِبَعْضٍ).(3)
وحینما نمشی مع طریقة العجائز فی فهم طبیعة هذا الدین، نجد أنفسنا قد ارتکبنا عدّة هفوات.
وسوف نصطدم بأکثر من تشریع، وبأکثر من آیة قرآنیة.
إنّ تشریع الجهاد، والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، یدلّل على الحقیقة التی شرحناها.
والقرآن صریح جدّاً فی هذه الحقیقة, حیث یقول:
(وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِیْعٌ..).(4)
وتأریخ الأدیان حافل بالصراع الإنسانی من أجل الحق.
أمّا هؤلاء الذین یریدون أن یصادروا هذا الدین من البشر، ویسلبوهم حقّ تقریر مصیره، ویرفعوا عنهم مسؤولیة الانتصار له، فأنا لا أدری بأیّ عین ینظرون إلى التأریخ، وکیف یفهمون الإسلام بوصفه رسالة للبشر؟!
وأنا أفهم أنّ الحسین علیه السلام ، وعلیاً علیه السلام ، ومحمّداً رسول الله صلى الله علیه وآله، کان معصوماً، لکن من یقول لی:
هل کان أبو ذر، وحجر بن عدی، وسلیمان بن صرد، والتوّابون، وزید بن علی، والنفس الزکیة، ومیثم التمّار... معصومین؟!
صحیح أنّ الإمام کان معصوماً، فهل أنّ الجهاد والدعوة والتبلیغ من مختصّاته وواجباته وحده؟
ألیس کلّفنا القرآن بالاقتداء بهم، أم کان ذلک فارغاً من أیّ معنى؟
وإذا کان الله قد وعد بنصرة هذا الدین، فإنّ ذلک لا یکون مبرّراً لتقاعسنا، ولا یبرّئ ساحتنا.
فالنصر الإلهی لیس مطلقاً وبلا حدود.
وإنّما مشروط بتجهیز قوانا أوّلاً من أجل الحق. والتقدّم لنصرة کلمة الله فی الأرض.
(یا أیُّها الّذِیْنَ آمَنُوا إنْ تَنْصُرُوا اللهَ یَنْصُرْکُمْ وَیُثَبّتْ أقْدامَکُمْ).(5)
أمّا إذا کانت أقدامنا لا تشاء إلاّ الهزیمة فهل یقسرها الله على الثبات؟
وإذا کان هذا الدین یتطلّب تضحیات، فهل یجوز لنا أن لا نمیّز بین التضحیات والتهلکات، فنزعم أنّ کل تضحیة هی تهلکة؟
إنّ من حقّی أن أسأل:
لماذا اختصّت هذه القاعدة بنا، نحن أتباع الدین، فصارت التضحیة بالنسبة لنا تعنی التهلکة؟ أکان ذلک من شؤم الأدیان، أم من سوء حظّها العاثر!!
إنّ الدفاع عن المال والنفس والعرض لم یعتبر فی الإسلام تهلکة، فهل یکون الدفاع عن کلمة الله تهلکة؟ ففی الحدیث عن الصادق علیه السلام: "من قتل دون ماله فهو شهید".(6)
ولو شئت أن أشرح الفرق بین التضحیة والتهلکة لقلت ـ رغم أنّی أجد أنّ أبسط الناس یفهم هذا الفرق، سوى الذین لا یریدون أن یفهموا ـ:
حینما یکون الإقدام بلا نتیجة وبلا عطاء فذاک تهلکة وخسارة.
وحینما یکون الإقدام مصدر خیر وعطاء وأرباح فذاک تضحیة ولیس تهلکة.
وفی ضوء هذا المقیاس لم تکن شهادات أبطال الإسلام على طول التأریخ القاسی تهلکة, لأنّها وحدها التی حصّنت هذا الدین من التحریف، ومصادرة السلطات الغاشمة له.
بینما کان منطق أبی موسى الأشعری، تخاذلاً، ونکوصاً، وإجراماً.
 
المصادر :
1- المائدة : 24.
2- نهج البلاغة: باب المختار من حکم أمیر المؤمنین علیه السلام /1.
3- محمّد : 4.
4- الحج : 40.
5- محمّد :7.
6- وسائل الشیعة: 28/383 الحدیث35016.



 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.