هناک لغزالتفاؤل مقابل التشاؤم ، یحل اللغز عندما تنظر الی قدح ماءنصف مملوء ، أی نصف ترى؟ النصف المملؤ أو النصف الفارغ؟
لقد طال البحث فی هذا الموضوع والکلمة الفاصلة أن أحادیث نفی الطیرة وأمثالها إنّما وردت لاکتساح عادات الجاهلیة مما یوقف الإنسان عن المضیّ فی أعماله متّکلاً على هذه الأمور التی لا تأثیر لها فی جنب الإرادة الإِلهیة والقضاء الربوبی ومن أجل هذا ذکر أهل البیت علیهم السلام أسباباً توجب الانحراف عن تلک العقائد وتلزم بالمضیّ فی الأعمال لئلاّ تقع الأمّة فی الضلال المردی والفشل الذی یفت فی عضد الجامعة. یقول الشاعر :
ولا أنا ممن یزجر الطیر همه***أصاح غراب أم تعرّض ثعلب
ولا السانحات البارحات عشیّة***أمرّ سلیم القرن أم مرّ أعضب
إذاً فما حدّث به ابن جریر الطبری من تطیّر مسلم (علیه السلام) لما مات الدلیلان عطشاً لا واقع له فإن من یقرأ سیرة مسلم (علیه السلام) یعرف أنّه ذلک الرجل العظیم السائر على نصوص القانون الإِلهی المستنیر بما جاء به حامل الدعوة مشرفهم الرسول (صلى الله علیه وآله وسلم) من المعارف ومکارم الأخلاق وإذا کان مسلم لم یتباعد عمّا رواه سیّد الوصیّین (علیه السلام) من حدیث النبیّ (صلى الله علیه وآله وسلم): (الإسلام قید الفتک) فلم یفتک بابن زیاد وهو الغشوم اللدود المفرق لأمّة محمد الحائد بها عن الصراط السوی.(1)
فکیف یتأخّر عمّا أفادته الأحادیث الکثیرة من نفی الطیرة التی لم تزل أندیتهم تلهج بها صباحاً ومساء وهم المقیضون لما یراد من العباد من أعمال الخیر وتبعیدهم عن خطّة الخسف والهوان فهل والحالة هذه یجوز العلم والوجدان نسبة التطیّر إلى رسول الحسین (علیه السلام) وخلیفته فی حاضرة الکوفة لیکون مرشداً ومهذباً ورادعاً للأمّة عمّا لا یتفق مع قدس الشریعة.
ولئن غاضباً ابن جریر على عدم معرفته بما حواه هذا البیت المنیع من رجالات الإصلاح فلسنا نسالمه على هذه البادرة التی نسبها إلى مسلم الذی لم یعرف منزلته ولا مقدار عمله وما یتوخّاه من أسمى الغایات وقد فاته أن الرواة أرادوا شیئاً کشف المستقبل عن تفکّک قیاسه.
نعم کان مسلم (علیه السلام) یتفاءل کما کان النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) وأبناؤه الهداة یتفاءلون وذلک لما ارتحل من ذلک الماء أشرف على رجل یرمی ظبیاً فصرعه فسرّه وتفاءل بقتل عدوّه .(2)
ولئن فرح ابن زیاد بالغلبة على رسول الحسین (علیه السلام) فقد (أخطأ الحفرة) فإن الظافر هو ابن عقیل کما تفاءل إذ لیس الفتح إلاّ ما یترتّب على تلک النهضة من تعریف الأمّة نوایا أُولئک المتآمرین علیها بالقهر والغلبة وقد أخذت الأمّة بسبب ذلک القیام فی وجه المنکر تتلو فی کل زمان مخازی زیاد وابنه ومن مکّنهم من رقاب المسلمین وابنه ولئن سرَّ ابن زیاد الفتح العاجل فلقد أعقبه ندماً ولات حین مندم یوم کثر اللوم علیه حتى من أهله وخاصته.
فإن أخاه عثمان قال له وددت أن فی أنف کل رجل من بنی زیاد خزی أمّة وأنک لم تقتل حسیناً فلم ینکر علیه عبید الله وقالت له أمّه مرجانة ماذا صنعت مع الحسین وماذا فعلت، فلم یجبها بشیء وبماذا یجیبها وللهتاف بخطأه وزلّته دویّ فی آذانه وأکدّ ذلک ما شاهده من النار الخارجة من بعض نواحی القصر قاصدة سریره فولّى هارباً منها إلى بعض بیوت القصر وعند ذلک تکلّم الرأس الأزهر بصوت جهوری سمعه ابن زیاد وبعض من حضر: إلى أین تهرب یا ملعون فإن لم تنلک فی الدنیا فهی فی الآخرة مثواک ولم یسکت الرأس حتى ذهب الناس وأدهش من فی القصر لهذا الحدیث الذی لم یشاهد مثله.(3)
التفاؤل عبارة عن میل أو نزوع نحو النظر إلى الجانب الأفضل للأحداث أو الأحوال، وتوقع أفضل النتائج. أو هو وجهة نظر فی الحیاة والتی تبقی الشخص ینظر إلى العالم کم کان إیجابی، أو تبقی حالته الشخصیة إیجابیة. والتفاؤل هو النظیر الفلسفی للتشاؤم. المتفائلون عموما یعتقدون بأن الناس والأحداث جیدة أصلا، وأکثر الحالات تسیر فی النهایة نحو الأفضل.
بغض النظر عن ذلک یعتقد بعض المتفائلین بأنه بغض النظر عن العالم أو الحالة الخارجیة، یجب على الشخص أن یختار شعور الارتیاح ویستفید إلى أبعد الحدود منه. هذا النوع من التفاؤل لا یقول أی شیء حول نوعیة العالم الخارجی؛ هو تفاؤل داخلی حول مشاعر الخاصة.
هناک لغز مشهور یصور التفاؤل مقابل التشاؤم عبر الأسئلة، یعتبر اللغز أن شخصا اذا ما أعطى قدح ماء نصف مملوء و یکون السؤال أی نصف ترى؟ النصف المملوء أو النصف الفارغ؟ تتوقع الحکمة التقلیدیة ان المتفائلین سیجیبون، "النصف المملوء، والمتشائمون یردون "بالنصف الفارغ" (على افتراض أن "مملوء" یعتبر جید، والسیئ یعتبر "فارغ").
أقوال عن التفاؤل
الامل ربما یتـلاشى ، لکن لا ینعدم .
کوخ اضحک فیه خیرا من قصر ابکی فیه .
کن کالنخله ترمى بالأحجار وتعطی أطیب الثمار .
لا تثقل یومک بهموم غدک فقد لاتجیء هموم غدک وتکون قد انحرمت سرور یومک .
لیس الفخر أن لاتسقط ولکن الفخر ان تنهض کلما سقطت .
یوجد دائما من هو أشقى منک، فابتسم .
لا یجرؤ بعض الناس أن یکونوا ملوکا حتى فی أحلامهم.وهذا هو الخطأ الجسیم .
یقول الشاعر إیلیا أبو ماضی:
أیهذا الشاکی وما بک داء کیف تغدو إذا غدوت علیلا
إن شر الجناة فی الأرض نفـس تتوقى قبل الرحیل رحـیلا
أیهذا الشاکی وما بک داء کن جمیلا ترى الوجود جمیلا
1- تاریخ الطبری ج6 ص198
2- تاریخ الطبری ج6 ص268
3- ارشاد المفید ج7 ص6.
/ج