إنّ المحبة تشبه بعض الشیء قانون الجاذبیة فی هذا العالم، هذا القانون الذی یقوم العالم بأسره على أساسه، مثلما تقوم الأسرة والبیت على أساس المحبة والرحمة.
لو سُلب قانون الجاذبیة من هذا العالم ـ ابتداءً من الذرّة وانتهاءً بالمجرّة ـ لا ختلّت النظم القائمة فیه، ولساد الفناء فی مجمل عالم الطبیعة.
فإذا ما انعدمت المحبة فی المنزل، وبین افراد الأسرة الواحدة فسوف تنفلت عرى الالفة، ویؤول المنزل إلى قبر یملأه العذاب الشدید، لأن الدار الخالیة من المحبة لا یمکن أن تکون فیها حیاة حقیقیة، لا یمکن أن یکون فیها إلاّ الموت، الموت التدریجی المقرون بالعذاب.
وبناء على ذلک منح الباری تعالت أسماؤه فی وقت تشکیلها عنایةً خاصة ورحمة منه ولطفاً حتى یسکن الواحد إلى الآخر:
(ومن آیاته أن خلق لکم من أنفسکم أزواجاً لتسکنوا إلیها، وجعل بینکم مودة ورحمة) (1).
هل تعلمون أن لکل بناء ملاطاً ـ وهو ما یوضع من الإسمنت ونحوه بین قطع الطابوق أو الحجر لتماسکها ـ وأن ملاط الزواج وتشکیل الأسرة هو المحبة والود والألفة؟.
قال الرسول الکریم محمد بن عبد الله صلى الله علیه وآله وسلم:
(ما بُنِی فی الإسلام أحبَّ إلى الله عز وجل من التزویج)(2).
أما الآن فسنبحث فی مسألتین: الأولى: ما هی المسائل التی یمکن أن تبعثر المحبة فی البیت، بل ویمکن أن تقتضی علیها بالمرة.
المسألة الثانیة: ما هی القضایا التی تساعد على ترسیخ عرى المحبة فی البیت.
ألف: آفات المحبة:
1 ـ الحدّة:
إن أول شیء یمکن أن یُذهب المحبة من البیت إلى غیر رجعة هی الحدة، الاختلاف، الغضب، وهذه کلها لا تبقی على الألفة والانسجام والودّ فی البین العائلی.فإذا ما ردّت المرأة على زوجها بحدّة، اشتعلت نار الغضب، وإذا ما تفاقم الأمر بدت العداوة والبغضاء لتصل فی نهایة الأمر إلى کسر زجاجة المحبة، وحینما تبدل المحبة بالنفور، وهذا ما تفعله الحدّة فی أغلب الأحیان، ناهیک عن مسألة القیاس التی یستعملها بعض الرجال فهی الأخرى تُمیت المحبة فی کلا القلبین، وتبدل الألفة بالنفور، کأن یقول الرجل لامرأته: إنک لا تجدین شیئاً بالمرة، وإن جارتنا فلانة أفضل منک بکثیر حیث یقول زوجها بأنها امرأة جیدة، وطاهیة ماهرة و.. و...
إن مثل هذه العبارات تنزل على رأس المرأة، کالصاعقة التی تهوی على زرع یابس بالإضافة إلى تهیئة القلب لأن یکون قاسیاً من جرّاء الحقد الذی جلبته تلک العبارات، وقد أکد علماء النفس على هذه القضیة فحرّموا مقارنة الزوجة بغیرها من النساء، وتنکّروا للتحدث إلیها على هذه الشاکلة، لأن المرأة لا یمکن أن تنسى هذه العبارات ما دامت حیّة، وإذا أراد الشخص أن یشطب على تلک العبارات فسوف یحتاج على جهد إضافی للوصول إلى قلبها ثانیةً.
قال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم:
"قول الرجل للمرأة إنِّی أحبّک لا یذهب من قلبها أبداً"(3).
2 ـ الضرب والبذاءة
إن مسألة الضرب والبذاءة لا ترتبط بما نبحث فیه أصلاً، وأکرر مقولتی التی طالما ذکَّرت بها إخوانی وهی، إذا جرى السبّ والشتائم على لسان رجل أو امرأة ـ والعیاذ بالله ـ فسیعرف الجمیع بأن هذا الرجل وتلک المرأة لا یتمتعون بشخصیة إسلامیة ولا إنسانیة بالمرة، وأن الله تبارکت أسماؤه، ورسوله الکریم(صلی الله علیه وآله وسلم )یمقتان مثل هؤلاء الأفراد."کان للإمام الصادق جعفر بن محمد(علیه السلام )صدیقٌ لا یکاد یفارقه، إذا ذهب مکاناً، فبینما هو یمشی معه فی الحذَّائین ومعه غلامٌ له سندیٌّ یمشی خلفهما، إذْ التفت الرجل یرید غلامه ثلاث مرات فلم یره، فلما نظر فی الرابعة، قال: یا ابن الفاعلة أین کنت؟ قال: فرفع أبو عبد الله الصادق(علیه السلام )یده فصکَّ بها جبهة نفسه، ثم قال: سبحان الله تقذف أمَّهُ؟ قد کنتُ أرى أنَّ لک ورعاً فإذا لیس لک ورع؟ فقال: جعلت فداک إن أمَّةُ سندیّة مشرکة، فقال: ما علمت أن لکل أمةٍ نکاحاً، تنحَّ عنّی، قال: فما رأیته یمشی معه حتى فرّق الموت بینهما"(4).من هذا نفهم بأن الرجل الذی یسبّ ابنه، أو امرأته حتى ولو کان هناک قصورٌ منهما فهو مغضبٌ لله جلَّت صفته، وأن المرأة التی تشتم زوجها أو ابنها لا ینبغی لها أن تتوقع من الباری تعالى غیر الغضب .
قال الإمام الباقر محمد بن علی علیه السلام:
"دخل یهودی على رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم )وعائشة عنده فقال: السَّامُ علیکم فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم ): علیکم، ثم دخل آخر فقال مثل ذلک، فرد علیه(صلی الله علیه وآله وسلم )کما ردّ على صاحبه ثم دخل آخر فقال مثلَ ذلک فردّ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم )کما ردّ على صاحبیه فغضبت عائشة فقالت: علیکم السام والغضب واللعنة یا معشر الیهود یا إخوة القردة والخنازیر فقال لها رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم ): یا عائشة إن الفحش لو کان ممثلاً لکان مثال سوء، إنَّ الرفق لم یُوضع على شیءٍ قطّ إلاَّ دانه ولم یُرفع عنه قطّ إلا شانه، قالت: یا رسول الله أما سمعت قولهم: السام علیکم؟ فقال: بلى! أما سمعت ما رددت علیهم؟ قلتُ: علیکم، فإذا سلّم علیکم مسلم فقولوا سلام علیکم، وإذا سلم علیکم کافر فقولوا: علیک" (5).
قال تعال فی محکم کتابه المجید:(یوم تَجِدُ کُلُّ نفسٍ ما عمِلتْ مِنْ خَیرٍ مُحْضراً، وما عملت من سوءٍ، تودُّ لو أنَّ بینها وبینه أمراً بعیداً) (6).
لذا یجب على المسلم أینما کان، وکیفما کان، أن یکون مؤدباً، ملتزماً، یُدرک ما یقول، وهذا ما یوصی به الإمام الصادق جعفر بن محمد(علیه السلام )أصحابه دائماً، فالمعلم لا یجدر به أن یکون لعّاناً ولا بذیئاً مع تلامیذه، والزوجة یجب علیها أن تبتعد عن السبّ والشتیمة، وکذا الولد علیه أن ینتبه لهذه المسألة الحساسة والمهمة، ولیعلم الجمیع بأن المسلم لیس بلعّان ولا طعّان ولا فاحش ولا بذیء.
أما بالنسبة للضرب فهو الآخر حاله کحال السبّ والشتم والبذاءة فی الکلام، وأن الرسول الأکرم(صلی الله علیه وآله وسلم )نهى عنه کثیراً، وهدد الرجل الضارب لزوجته بسبعین ضربة سوط من ید مالک جهنم فی یوم القیامة لأن الضرب لیس من شأن السملم الحقیقی، لیس من عمل الإنسان الواعی، ومن فعل ذلک، رجلاً کان أو امرأة عُدَّ أحمق ووضیعاً، وعلیه نخرج من هذا البحث لأن البذاءة والضرب تمیت القلوب، بعد أن تُذهب المحبة منها.
سأل رجل النبیّ صلى الله علیه وآله فقال: یا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا علیه؟ قال: "أن تطعمها إذا طعمت، وتکسوها إذا اکتسیت، ولا تضرب الزوجة ولا تقبّح، ولا تهجر إلاَّ فی البیت"(7).
3 ـ التجریح باللسان
إن التجریح باللسان یُذهب بالمحبة والود والألفة، ویقلب الحیاة العائلیة رأساً على عقب، ویؤدی بالمجتمع الصغیر إلى ما لا تحمد عقباه.قال الإمام الصادق جعفر بن محمد"ع":
(قال الله تعالى: من أهان لی ولیًّا فقد أرصد لمحاربتی)(8).
یجب على المسلم أن یصبر على زوجته إذا رأى منها بعض ما لا بعجبه من تصرفها، ویعرف لها ضعفها بوصفها أنثى، فوق نقصها باعتبارها إنساناً، ویعرف لها حسناتها بجانب أخطائها ومزایاها إلى جوار عیوبها وفی الحدیث عن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم )أنه قال:
"لا یفرک ـ أی لا یبغض ـ مؤمن مؤمنةً إن سخط منها خلقاً رضی منها غیره"(9).وکما أوجب الإسلام على الزوج الاحتمال والصبر على ما یکره من زوجته أمرت الزوجة هی الأخرى أن تعمل على استرضاء زوجها بما عندها من قدرة وسحر، وحذّرها أن تبیت وزوجها غاضب.
وإن المرأة التی تقول لزوجها: إننا لم نر خیراً فی هذه الدار تحبط بقولها ذاک کل أعمالها، وکذا بالنسبة للرجل الذی یقول لزوجته: إننی لم أرّ منک خیراً مذ تزوجتک.
یجب علینا جمیعاً الانتهاء عن إهانة بعضنا لبعض، وخصوصاً النساء اللواتی تتحین بعضهنّ الفرص لإهانة أزواجهنَّ أمام أخواتهنَّ أو صدیقاتهنَّ أو ما شابه ذلک.
إن التجریح والإهانة على قسمین: قسم یزول من القلب سریعاً، وهو ما ینقلب على صاحبه فی القبر إلى عقرب ینهش أصابع یده ورجله ثم یزول؛ وقسم آخر یکون التجریح کالسیف البتّار ضربته عمیقة، وهذا ما ینقلب فی القبر على عقرب ینهش جسم الشخص البذیء إلى یوم القیامة، ویقال فی الخبر إن مثل هذه العقارب أشد لسعاً من نار جهنم.
رأى أحدهم فی المنام عالماً معروفاً کان قد توفی منذ زمن، فسأله عن وضعه؟ فأجاب: الحمد لله، فأنا أمتلک هنا حدیقةً غناء، ولی من الحور العین الکثیر، وقد بُنِیّ لی قصرٌ لا یمکن أن یحلم به من کان فی الحیاة الدنیا، وإن الملائکة لتروح وتذهب فی قصری وهی لی خادمة، ولکننی حینما أصحو صباحاً، لا أصحو إلاّ على لسعة عقربٍ یأتینی کل صباح فیبقى الألم فی رجلی إلى الصباح التالی لیبادرنی بلسعةٍ جدیدة.
فسأله صاحبنا: ما الذی فعلته فی دنیاک؟.
فأجاب: اسأت إلى أحدهم فی القول، واستهانت علیّ المسألة فنسیت أن استغفر وأتوب من تلک الإساءة، ولو کنت قد استغفرت وتبت لکنت قتلت هذه العقرب التی ما فتأت تأتینی کل یوم.
إن ماء التوبة یمکن ان یغسل کی شیء وإنه یمکن أن یذهب بالحقد والضغینة من قلب المهان، ولکن الویل لمن لا یتوب ولا یعرف الاستغفار، والأنکى من ذلک أنه یفتخر ویقول: لا استطیع الجلوس فی البیت هادئاً ما لم أسمع زوجی عبارتین تغیظانها!.وکما أوجب الإسلام على الزوج الاحتمال والصبر على ما یکره من زوجته أمرت الزوجة هی الأخرى أن تعمل على استرضاء زوجها بما عندها من قدرة وسحر، وحذّرها أن تبیت وزوجها غاضب.
وإن المرأة التی تقول لزوجها: إننا لم نر خیراً فی هذه الدار تحبط بقولها ذاک کل أعمالها، وکذا بالنسبة للرجل الذی یقول لزوجته: إننی لم أرّ منک خیراً مذ تزوجتک.
یجب علینا جمیعاً الانتهاء عن إهانة بعضنا لبعض، وخصوصاً النساء اللواتی تتحین بعضهنّ الفرص لإهانة أزواجهنَّ أمام أخواتهنَّ أو صدیقاتهنَّ أو ما شابه ذلک.
إن التجریح والإهانة على قسمین: قسم یزول من القلب سریعاً، وهو ما ینقلب على صاحبه فی القبر إلى عقرب ینهش أصابع یده ورجله ثم یزول؛ وقسم آخر یکون التجریح کالسیف البتّار ضربته عمیقة، وهذا ما ینقلب فی القبر على عقرب ینهش جسم الشخص البذیء إلى یوم القیامة، ویقال فی الخبر إن مثل هذه العقارب أشد لسعاً من نار جهنم.
رأى أحدهم فی المنام عالماً معروفاً کان قد توفی منذ زمن، فسأله عن وضعه؟ فأجاب: الحمد لله، فأنا أمتلک هنا حدیقةً غناء، ولی من الحور العین الکثیر، وقد بُنِیّ لی قصرٌ لا یمکن أن یحلم به من کان فی الحیاة الدنیا، وإن الملائکة لتروح وتذهب فی قصری وهی لی خادمة، ولکننی حینما أصحو صباحاً، لا أصحو إلاّ على لسعة عقربٍ یأتینی کل صباح فیبقى الألم فی رجلی إلى الصباح التالی لیبادرنی بلسعةٍ جدیدة.
فسأله صاحبنا: ما الذی فعلته فی دنیاک؟.
فأجاب: اسأت إلى أحدهم فی القول، واستهانت علیّ المسألة فنسیت أن استغفر وأتوب من تلک الإساءة، ولو کنت قد استغفرت وتبت لکنت قتلت هذه العقرب التی ما فتأت تأتینی کل یوم.
إن ماء التوبة یمکن ان یغسل کی شیء وإنه یمکن أن یذهب بالحقد والضغینة من قلب المهان، ولکن الویل لمن لا یتوب ولا یعرف الاستغفار، والأنکى من ذلک أنه یفتخر ویقول: لا استطیع الجلوس فی البیت هادئاً ما لم أسمع زوجی عبارتین تغیظانها!.فالذی یحب امرأته فی الله ناجٍ لا محالة، لیس کالذی یحبّها من أجل إرضاء شهوته، لأن مثل هذا الحب لیس من الرجولة فی شیء، وإنه حب حیوانی، وإن إرضاء الشهوة هو أحد الفوائد الصغیرة فی تشکیل الأسرة.
فالرجل علیه أن یحبّ زوجته، هذا إذا اعتبر نفس مسلماً، وکذا المرأة ینبغی لها أن تحب زوجها فی الله إذا کانت تدّعی الإسلام، بالمرأة یجب أن تفتخر إذا کان زوجها مجروحاً بسبب دفاعه عن الإسلام، وتفتخر إذا استشهد فی سبیل إعلاء کلمة الله جلّت صفاته، أو استشهد ابن لها على هذا الطریق الصائب.
ما بالنسبة للرجل فیجب علیه أن یفتخر إذا کانت زوجته علویة من نسل الرسول(صلی الله علیه وآله وسلم )أو نسل علیّ بن أبی طالب"ع"، وإذا کانت تصلّی وتصوم وتنفق فی سبیل المولى تعالت أسماؤه.
یقول محمد بن الحکیم ـ وکان شیخاً مسناً متفتح الضمیر محنّی الظهر یستند على عصاً له ـ یقول: جئت إلى الإمام الهمام الباقر محمد بن علیّ(علیه السلام )فسلّمت علیه وطلبت أن أجلس إلى جنبه، فلم یأبَ علیّ ذلک، فجلست إلیه وقلت له: یا بن رسول الله أنا من اصحابکم، واعلم أن حلالکم حلال وحرامکم حرام، وإننی أحبکم وأوالیکم، وأعادی من یعادیکم فهل أنا من الناجین؟.
فقال الإمام(علیه السلام )بعد أن تفتحت أساریره: لقد قال أحدهم لأبی الإمام السجاد علی بن الحسین(علیهما السلام )مثلما قلت لی وسأله مثلما سألتنی فأجابه: بأنه سیرى الرسول(صلی الله علیه وآله وسلم )وأمیر المؤمنین علیّ(علیه السلام )وفاطمة الزهراء(علیه السلام )والحسن والحسین علیهما السلام حینما تبلغ نفسک هذه ـ وأشار إلى حنجرته ـ وعند الصراط، وعند الحوض.وما إن سمع محمد بن الحکیم هذا الخبر حتى شرع بالبکاء وطلب من الإمام(علیه السلام )أن یعید علیه الخبر، فما کان من الإمام(علیه السلام )الباقر إلاَّ أن یعید علیه الخبر، وعندها غُشی علیه، وحینما افاق مدّ یدیه إلى الإمام الباقر(علیه السلام )لیتبرّک بیدیه وبجسمه؛ بعد ذلک طلب الرجل من الإمام(علیه السلام )الإذن بالرحیل لیذهب من حیث أتى فتابعه الإمام"علیه السلام بنظره حتى غاب عن الأنظار ثم التفت إلى أصحابه وقال: من أراد منکم أن ینظر إلى رجل من أهل الجنّة فلینظر لذلک الرجل، ثم قال علیه السلام:
(ما شیعتنا إلاّ من اتقى الله وأطاعه، وما کانوا یعرفون إلا بالتواضع والتخشع وأداء الأمانة وکثرة ذکر الله والصوم والصلاة والبرّ بالوالدین وتعهد الجیران من الفقراء وذوی المسکنة والغارمین والأیتام وصدق الحدیث وتلاوة القرآن، وکف الألسن عن الناس إلا من خیر، وکانوا أمناء عشایرهم فی الأشیاء)(10).فالمتقی والمطیع لله بارکت أسماؤه لا ینبغی له أن یکرّه نفسه إلى الآخرین من خلال غضب أو عصبیّة، لأن ذلک یوجب الحقد والضغینة، ویمنع صعود الدعاء إلى السموات العلى، ویذهب البرکة من الدار، ومن المدینة، ومن البلد، فاتقوا الله واصلحوا ذات بینکم عسى الله تعالى أن یرحمنا ویرحمکم.
إن من علائم المؤمن أن یحب للآخرین ما یحبّ لنفسه، ویکره لهم ما یکرهه لها.
قال الإمام الهمام الباقر محمد بن علیّ(علیه السلام) علیه السلام:
"قولوا للناس أحسن ما تحبّون أن یقال لکم، فإنّ الله یبغض اللعّان السبّاب الطعّان على المؤمنین، الفاحش المتفحش، السائل الملحف، ویحبّ الحیی الحلیم العفیف المتعفف"(11).
إن الحضانة مسألة لیست بالهیّنة، وذا أردت أن تطمئن لما اقول فلا بأس علیک أیها الرجل أن تجرّب ذلک لمدة ساعة أو ساعتین لترى بنفسک صعوبة القضیة.إنک لا تستطیع أن تقوم بدور الحاضن فی البیت لمدة یوم کامل، وإذا ما کانت دارک فیها بعض السلالم فستطلع یوماً مائة مرة لتهیئة الطعام أو لترتیب وضع الأطفال، وهذا ما تفعله زوجتک یومیاً.
وإذا کان لا بدّ لنا من قول فسنقول لک: علیکم بمساعدة زوجتک فی المنزل، وإذا رفضت ذلک فسنقول لک: هل أنت أفضل من امیر المؤمنین وسید الوصیین علیّ(علیه السلام )الذی کان یعین الزهراء علیها السلام فی أعمال المنزل والدلیل على ذلک تلک الروایة التی جاء فی مقدمتها، أن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم )دخل دار أمیر المؤمنین(علیه السلام )فرآه ینظف عدساً، بینما کانت ابنته البتول علیها السلام تمارس عملاً بیتیاً آخر.
وکان الرسول الأکرم محمد بن عبد الله صلى الله علیه وآله یحلب الشاة، ویخبز الخبز، ویساهم فی أغلب أعمال المنزل، وهذا ما ثبتته الأخبار والروایات المتواترة.
إن المنزل یحتاج إلى من یصرف علیه، وأن الرجل یخرج صباحاً إلى عمله لیلتقی بهذا وذاک، ویتعامل مع الناس ویداری نفسیاتهم لیحصل فی نهایة المطاف على مقدارٍ من المال یصرفه على أسرته، وعند رجوعه فی المساء إلى المنزل یتوقع أن یحصل على قدرٍ کاف من الراحة والهدوء، لیدیم عمله فی الیوم التالی، فإذا ما کنت أیتها السیدة عابسة الوجه، غاضبة، غیر متبسّمة، تشکین إلیه هذه وتلک، فسوف یزداد تعباً بالإضافة إلى تعبه الذی جاء به إلى البیت.
وأنت أیها الرجل إذا ما رأیت زوجتک على هکذا حال، تبسّم فی وجهها بالرغم من مشاکلک وتعبک وعنائک، فمثلما لا تحبّ أن تراها عابسة الوجه، فهی الأخرى تکره أن تراک غیر باسم، فما تحبّه من غیرک علیک أن تعمل به ابتداءً حتى تحصل علیه، فإن فعلت ذلک ملأت البرکة دارک، وأصابتک رحمةٌ من الله واسعة، وغشتک الرأفة الإلهیة فی الدنیا والآخرة إن شاء الله تعالى.
قال الصادق جعفر بن محمد(علیه السلام):(لا غنى بالزوجة فیما بینها وبین زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال وهنّ: صیانة نفسها عن کلّ دنس حتى یطمئن قلبه إلى الثقة بها فی حال المحبوب والمکروه، وحیاطته لیکون ذلک عاطفاً علیها عند زلّة تکون منها، وإظهار العشق له بالخلابة، والهیئة الحسنة لها فی عینه)(12).
المصادر :
1- الروم/21
2- وسائل الشیعة/ ج14، ص3.
3- وسائل الشیعة/ ج14، ص10.
4- أصول الکافی/ ج4، ص16.
5- أصول الکافی/ ج4، ص464.
6- آل عمران/30
7- أبو داود وابن حبان فی (صحیح).
8- أصول الکافی/ ج4، ص41.
9- صحیح مسلم بن الحجاج ـ باب النکاح.
10- تحف العقول/ ص216.
11- تحف العقول/ ص220 ط.بیروت.
12- بحار الأنوار/ ج78، ص237.
/ج