إن لتشکیل الأسرة فوائد کثیرةً، وکثیرةً جداً، وإن إرضاء الغریزة الجنسیة مقابل تلک الفوائد لا یعدّ شیئاً، ولو افترضنا أننا استفدنا من بحوثنا السابقة بأن قتل النفس الأمَّارة بالسوء والذی یعنی قتل جمیع الرغبات والمیول ومن جملتها الغریزة الجنسیة حرام بنظر الإسلام، وأن الغریزة الجنسیة لا تعدّ شیئاً مهماً إذا ما قیست بالفوائد التی تصدر عن تشکیل الأسرة.
إن الفائدة الأولى التی یمکن أن تنتج عن تشکیل الأسرة هی إرضاء الفطرة، وهی فائدة مهمة جداً، لأن الرجل للمرأة، والمرأة تنجذب إلى الرجل، وإن الأولاد هم حاصل تجاذب المرأة والرجل وهذا أمر طبیعی، لذا تکون المرأة منجذبةً نحو الرجل منذ الیوم الأول الذی وضع فیه الإنسان قدمه على الکرة الأرضیة، وأن الرجل تجذبه المرأة، ویکون نتاجهما من الأولاد متعلقاً بهما فقط.إن أوّل من أحیا هذه الفطرة هو نبیّ الله آدم أبو البشر وزوجه حواء علیهما السلام لتبقى هذه الفطرة إلى یومنا هذا، ولو تمکنت إحدى الأُسر من تقدیم نسل صالح للمجتمع ستحظى حتماً بالأجر والثواب، وهذا هو نظر الإسلام العظیم، وقد لا یکون هناک أجر ولا ثواب فی الإسلام أسمى من هذا، لذا تکون الآیة المبارکة التالیة دلیلاً على قیمة الإنسان الرفیعة. (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِکَ کَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِی إِسْرَائِیلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَیْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِی الْأَرْضِ فَکَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِیعًا وَمَنْ أَحْیَاهَا فَکَأَنَّمَا أَحْیَا النَّاسَ جَمِیعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَیِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ کَثِیرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِکَ فِی الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) (1).
لقد ذیّل الإمام الصادق جعفر بن محمد"علیه السلام" هذه الآیة بمعنى باطنی ودقیق وهو: إذا تمکن فرد من حرف آخر عن جادة الصواب، أو أخرجه من الطریق السمتقیم کان وزره کالذی قتل الناس جمیعاً، ومن هدى شخصاً إلى سواء السبیل بعد أن کان منحرفاً فکأنما أحیا الناس جمیعاً.
وبناء على ذلک یحذّر الإمام الصادق"علیه السلام" الناس من مغبّة التحدث جزافاً خشیة انحراف البعض عن جادة السواء.
وعلیه ینبغی لکم أن تحذروا تشویه سمعة العلماء أمام ابنائکم، ولا تسیئوا الظن بالمنبر والمحراب، لأنکم إن فعلتم ذلک تکونوا کالذی قتل الناس جمیعاً.
فالحذر الحذر من زلاّت أقلامکم، وشطحات ألسنتکم، وطریقة أعمالکم، واسعوا لتربیة الناس وفق ما جاء فی کتاب الله تعالى، فإذا تمکنتم من مدّ ید الهدى لأحدهم فلا تبخلوا علیه بذلک، واعموا أنکم بنجاته تنجون العالم کلّه.
وبناء على ما تقدم، یکون تفسیر الإمام الصادق"ع" الخالص لتلک الآیة هو: إذا استطاع زوجان تقدیم جیل صالح إلى المجتمع فسوف یکون ثوابها أکثر من ثواب ذلک الذی یبنی مسجداً، أو مدرسة، وسیکون ثوابها کثواب الذی أحیا الناس جمیعاً.
وعلیه یکون تقدیم الأبناء الصالحین إلى المجتمع الإسلامی أکثر ثواباً من بقیة الأعمال الصالحة، ولکن متى یمکن تقدیم الأبناء؟ یمکن ذلک بعد تشکیل الأسرة.نقرأ فی الروایات المتواترة، أن النبی الأکرم(صلی الله علیه وآله وسلم) والأئمة الأطهار"علیهم السلام" کانوا قد تطرّقوا کثیراً إلى أن الذی یموت ینقطع عمله، إلاَّ من کان لدیه أعمال باقیات صالحات ممتدات إلى الحیاة الأخرى، وأحد مصادیق هذه الباقیات الصالحات الأولاد الصالحون.
فمن ترک وراءه ابنة صالحة، أو ابن صالح فهو شریک معهما فی الثواب الذی یمکن أن یحصلا علیه من خلال قیامهم بالأعمال الخیّرة، ومثله کمثل ذلک الذی یسنّ سنّةً حسنة فیحصل هو على أجرها، وعلى مثل أجر من یعمل بها إلى یوم القیامة.
إذن، سیکون الوالد حاصلاً على مثل ثواب ما یحصل علیه أبناؤه الخیرون حتى بعد مماته.
نقل عن الشیخ الصدوق أنه نقل عن الإمام الباقر محمد بن علی"علیه السلام" فی "ثواب الأعمال" أنه قال:
"أیّما عبدٍ من عباد الله سُنّةَ هدىً، کان له أجر مثل أجر من عمل بذلک، من غیر أن ینقص من أجورهم شیء"(2).
إن الباری تبارک وتعالى کافأ الإنسان الذی قدّم أفراداً ـ أبناء ـ صالحین للمجتمع بثواب جزیل بالإضافة إلى الثواب الذی یحصل علیه من خلال تقدیم الأبناء للأعمال الخیّرة، فإذا صلّى الولد رکعتین حصل على ثوابهما، وحصل الوالد على مثل ذلک أیضاً، وحصلت والدته على مثل ذلک الأجر.
لقد قرأت الکثیر من الروایات التی تتعرض لهذه المسألة المهمة والتی تدور حول ثواب ذلک الشخص الذی یتمکن من تشکیل أسرة متدیّنة خیّرة، ویقدم إلى المجتمع أفراداً متدینین خیّرین، ومن فعل ذلک إنّما یکون فعله ذاک مطابقاً للفطرة السلیمة التی فطره الله علیها، على العکس من ذلک الذی یسعى جاهداً لأن یهلک الحرث والنسل، والذی لا یمکن أن یحسب إلا عدوًّا للبشریة.
إن عدوّ البشریة صمّم ومنذ الیوم الأول على سلب النسل الخیّر من المجتمع إلى الحدّ الذی شکّل معه المذاهب ـ بدون حیاء ـ من أجل تفتیت حالة تشکیل الأسرة، کیما یستطیع إهلاک الحرث والنسل من خلال شیوع الجنس بین أفراد البشر:( وَمِنَ النَّاسِ مَن یُعْجِبُکَ قَوْلُهُ فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَیُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِی قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ) (3).
فالبعض من الناس یتحدث بشکل فنّی، یتمکن معه من جذب عامّة الناس إلیه، بعد أن یدرس وضعیّة الناس الذین یرید أن یتحدث إلیهم، فتراه یتلطف للعوام بعد تحدید نقاط ضعفهم التی یؤخذون منها، وإذا ما رأى من یستمع إلیه طرح مذهبه من مثل مارکس، دورکهیم، نیتشه، وفروید، هذا بالإضافة إلى کتابة اطروحات تعتبر بمثابة نظام داخلی لذلک المذهب.
لقد استغل الکثیر من المستعمرین هذه المذاهب لتمریر مخططاتهم الجهنّمیة على عامّة الناس، بالرغم من أنهم یدرکون جیداً بأن تلک المذاهب مبتذلة، ووضعیة، ولا خیر فیها، ولکنهم تمکّنوا ـ إلى حدٍ ما ـ من توظیفها لخدمتهم کی لا یتعلّم البشر أصول الإنسانیة، وأصول الإسلام.
إن دعم المستغلّین الغربیین لهذه المذاهب لیس حبًّا فی سواد عیون مارکس أو دورکیهم، وإنما بغضاً للإسلام، وحقداً على البشریة "وهو ألدّ الخصام".
أما بالنسبة للصفة الثانیة التی تعرض لها القرآن المجید فی سورة البقرة فهی: إن هؤلاء الأعداء ـ أعداء البشریة ـ یسعون للإفساد دائماً حینما یکونون مقتدرین، أو متولّین زمام الأمور:
(وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِی الْأَرْضِ لِیُفْسِدَ فِیهَا وَیُهْلِکَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا یُحِبُّ الْفَسَادَ) (4).
إن الآیة الشریفة تحمل فی طیّاتها مصداقین الأول: أن البعض من الناس یحاول جهد الإمکان بعد تولّیه لمقالید الأمور أو السلطة أن یفسد، أو یحرف الناس عن جادة الصواب، والمصداق الثانی: هو محاولة هذا الشخص إهلاک الحرث والنسل.إن أحد هذین المصداقین شاهدناه ملیًّا بعد قیام ثورتنا هذه التی حدثت هنا فی إیران، حیث أفلت الشیطان کلبه من سلسلته التی کان قد ربطه بها مدّة من الزمن لیدخل إلى إیران، یدخل إلى قراها ویمارس قتل الناس بدون استثناء، یقتل المرأة یقتل الطفل، ثم یشرع بعد ذلک بتخریب کل شیءٍ عامر، ولا یتوقف عند هدم البیوت فقط، بل یتعداها إلى هدم المساجد، وقطع الأشجار، وسحق کل شیء یمکن أن یراه أمامه "یهلک الحرث والنسل".
وبعبارة أخرى أن المتسلطین على مقدرات الناس، هم أعداء البشریة وهم الذین یتحینون الفرص لحرف الناس عن المسیرة الطبیعیة للبشر، فتراهم یشجعون دائماً على التبرّج وترک الحجاب، وإفساد النساء والرجال من خلال تسهیل عملیات الاختلاط، حتى بلغ النساء على زماننا الحاضر وضعاً لا یحسدن علیه، کل ذلک ینفذه أعداء البشریة تحت طائلة التمدن والحضارة والثقافة وما على ذلک من المسمیّات التی لا تمت بصلةٍ إلى ما یفعلون.
إنّ إفساد النسل یعنی إفساد الأدمغة، إفساد الأفکار، وإفساد المستقبل، لذا ترى أعداء البشریة یرکّزون أعمالهم فی المدارس الابتدائیة والثانویة، وفی الجامعات لکی یتمکنوا من صرف أولئک الشباب عن المنبر والمحراب، وحتى إذا لم یکن للأعداء نصیب فی هذا الجیل، فإنهم یخططون لجرّ الجیل القادم إلى حیث الفساد والدعة.
إن مذهب "دورکهیم" یقول وبدون أدنى حیاء: ماذا یعنی تشکیل الأسرة؟ وإن الفیلسوف الإنجلیزی راسل والذی تحسب له الدنیا ألف حساب ـ وهو فی نظرنا لا یعلم شیئاً ـ قل فی آخر أیام عمره وحینما کان على فراش الموت: إن تشکیل الأسرة خطأٌ محضٌ! وکذا کان فرعون.
(إن فرعون علا فی الأرض، وجعل أهلها شیعاً یستضعف طائفةً منهم یُذبِّح أبناءهم، ویستحیی نساءهُم، إنه کان من المفسدین) (5).إن المفسرین إجمالاً یقولون بأن فرعون کان یذبّح أبناءهم بعد أن اطمأن بمجیء الذی سیذهب بعرشه، ولکن بعض المحققین وبعض أهل الذوق قالوا: إن فرعون کان یسلب روح الإنسانیة والرجولة من الرجال والأبناء، ویقدم للمجتمع نساءً بدون حیاء.
إن إحدى أعمال فرعون کانت تکمن فی تخریب وتدمیر النسل والحرث القادم، وإفساد النساء بعد تجریدهن من الحیاء بطرق مختلفة خبیثة.
لقد قسّمت الروایات الحیاء لنا على عشرة أقسام، تسعة منها للمرأة، وقسم واحد للرجل، ولکن انظر ما الذی یحدث حینما تذهب هذه الأقسام التسعة من المرأة؟.
إنها سوف تجرأ على فعل المحرمات، تجرأ على الخروج من منزلها معطّرة، متبّرجة، لا تلبس إلاّ الشفاف من الجوراب، وعندما تصل إلى سوق المدینة تراها توزّع الابتسامات هنا وهناک، وتمزح مع هذا، وتضحک مع ذاک بدون رادع، لأنها فقدت حیاءها الذی کان یردعها عن فعل ذلک ـ والعیاذ بالله.
الویل والثبور لذلک المجتمع، ولتلک المرأة! إن فرعون تمکن من جرّ نساء زمانه إلى مثل هذه الحالة لکی یوطّد أرکان حکومته، ولکی یتمکن من بسط سلطته على الناس ضمن حسابات مستقبل الجیل الذی کان یعیش آنذاک، والجبل الذی سیأتی من بعده.
وهذا ما نراه معمولاً به فی هذه الأیام، حیث یسعى المستعمرون والمستغلّون إلى ترتیب أوضاع الجیل القادم بالشکل الذی یجعل منهم مطایا لهم یرکبونها متى شاؤوا، وینزلون عنها متى رغبوا فی النزول.
الغیرة، الحیاء
عندما یتمکن أعداء الإنسانیة من إذهاب حیاء النساء، وأشغالهن بالشهوات وبعد أن یتمکنوا من قتل رجولة الرجال وسحق غیرتهم بحیث یضحى الواحد منهم لا یتحرک له ساکن حینما ینظر محرم إلى ابنته بشهوة، عندها یجب أن نقرأ الفاتحة على هکذا مجتمع.هل تعلمون لماذا نُصِّب رضاخان الشقیّ، وملک ترکیة ورفعت أعلامهم المشبوهة فی وقت واحد؟ إنهم فعلوا ذلک حتى یتمکنوا من جرّ النساء إلى السفور.وفی البدایة لم یکن رضاخان یرید أن تبلغ النساء تلک الحالة المزریة، وله فی ذلک الأمر مستمسکات، حیث کان یقول فی کلّ مجلس یجلسه: "إننی لم أکن أرغب فی أن تبلغ المسألة هذه الوخامة، بل أردت فقط نزع الإزار من على رؤوس النساء، ولکن النساء وبعد نزع إزارهن طلبن أکثر من ذلک وجرین وراء الحیاة القذرة".
کنت حینها طفلاً صغیراً، لا أتجاوز الأربعة أو الخمسة سنین، حیث کان أزلام رضاخان ینفذون عملیة منع الحجاب فی کل أرجاء البلد، ومن جملتها مدینة أصفهان التی کانت نساؤها یخاطبن أزلام السلطة ویرجونهم بعدم سلب الحجاب منهن، لکن المنفذین لتلک الأحکام کانوا یرددون قول: "لا نبغی شیئاً غیر سلب الإزار فقط، وإذا تمکنتنّ من التحجّب بشکله الشرعی بدون إزار فلن یتعرض أحد لکم، وإن رضاخان لا یطلب منکنّ أکثر من ذلک.
لکن الإنجلیز حینها کانوا یعلمون بأن سلب الإزار من النساء سیکون بدایة سلب الحجاب الإسلامی من البین الإسلامی، وقد تمکنوا من ذلک وأوصلوا النساء إلى حالةٍ یرثى لها، حیث کان البعض من النساء یفتخرن بخلاعتهن أمام الملأ العام.
قرأت فی زمن الطاغوت ـ الشاه ـ فی إحدى المجلات أن إحدى نجمات السینما من اللواتی خرجن على الحیاء کانت تسیر مع زوجها فی الشارع، فجاء إلیها جمع من المصوّرین لتصویرها وهی تلبس فستاناً أشبه ما یکون بلباس النوم الشفاف، وعندها فتحت أزرار ذلک الفستان لتبدی صدرها، لکن المصوّرین طافوا حولها لکی یمنعوا الناس من مشاهدتها، بعد ذلک التفتت إلى زوجها ـ الغیور جداً ـ لتقول: عجباً لإبداء هذه النجابة الحمقاء من قبل هؤلاء المصوّرین! أی کانت ترید القول إنها ترغب فی الظهور عاریة أمام المجتمع، وما سدّها لأزرار الفستان إلا کُرهاً وجبراً، ولو کان الأمر یقتصر علیها لبدت بدون ذلک الفستان.إن الأعمال التی کان یمارسها الشاه وملک ترکیة کانت بأمر من انجلترا آنذاک، وإن جمیع المستغلین والفراعنة والإنجلیز وغیرهم کانوا یرغبون ولا زالوا یودّون إفساد الجیل الحاضر والقادم من خلال إشاعتهم للفحشاء حتى یتمکنوا من إحکام سیطرتهم على الشعوب.
وبناء على هذا فسّر بعض المحققین الآیة "یذبّح أبناءهم ویستحیی نساءهم" على أن فرعون أراد إذهاب روح الرجولة من الوسط الرجولی، وإذهاب الحیاء من النساء کی یتمکن من التسلط على رقابهم بسهولة، أی أن أحد أعمال فرعون الوضعیة هو سحق الجیل الذی سیلی جیل زمنه معنویاً وروحیاً لیضحى متنکراً للفطرة السلیمة، وحینما ینحطّ الجیل لا یتأتى له التفکیر بتشکیل الأسرة، ولهذا أکّد القرآن الکریم والروایات المنقولة عن الرسول الأکرم(صلی الله علیه وآله وسلم) وأئمة أهل البیت"علیهم السلام" على مسألة تشکیل الأسرة، کون الجیل السلیم یمکن أن یأتی بالتمدن، والجیل السلیم یتحرق لمجتمعه، وکذا یمکن له أن یعمّر البلاد، ویرفع من مستویاته العلمیة.
أما الجیل الوضیع، والمریض نفسیاً ـ وهو مراد الصهاینة ـ لا یمکن أن یقدم غیر الشرّ والبغی والظلم.
إن البرامج الصهیونیة ترکّز على مسألة تضییع النسل والجیل القادم فی غیاهب الظلم والجور والفساد، وهذا ما تأکد لنا من مقولة الصهاینة التی یسعون دائماً إلى إدخالها حیّز التنفیذ، إلا وهی: قتل ثُلثی العالم من أجل جرّ الثلث الثالث على مذهب "دورکیهم".
ودورکهیم هذا کان صهیونیاً، أو جرّه إلى مذهب مارکس، وهو من کان یعتقد بشیوعیة الجنس، وکان هو الآخر یهودیاً، أو مذهب فروید الیهودی أو نیتشه الیهودی.
إن أصحاب المذاهب الغربیة جمیعهم یهود وصهاینة، ومن کان یهودیاً صهیونیاً هل تتوقع منه الخیر للجیل الجدید؟
إن تلک الحفنة الذرة وقفت أمام الإسلام الذی یقول بتربیة النشء تربیة إسلامیة إنسانیة، ویعدّ ذلک أفضل من بناء المسجد الذی یعبد فیه الله تبارک وتعالى، وأفضل من الذهاب إلى بیت الله الحرام، بل وأفضل من أسمى العبادات.
إن البعض من المسلمین یستطیع فعل الخیر على شتى المستویات، لکنه یستطیع تقدیم أثنین من أبنائه بعنوان خیّرین إلى المجتمع الذی یعیش فیه، ومن جهة أخرى نرى شخصاً آخر یتمکن من تقدیم أبناء صالحین للمجتمع الإسلامی فی الوقت الذی لا یتأتى له فعل الخیر، وهنا نقول من هو الأفضل بنظرکم؟.
إن الإسلام العظیم یقول بأفضلیة الذی یقدم أبناء صالحین للمجتمع على ذلک الذی لا یتأتى له ذلک بالرغم من أفعاله الخیّرة.
وبناء على ذلک أبارک للنساء اللواتی عرفن کیف یُحسِنَّ تربیة أبنائهن، وعرفن کیف یقدمن ثلاثة أو اربعة أبناء صالحین للمجتمع؛ إنهن وبالرغم من انشغالهن الیومی بالجهاد المنزلی، وجهاد حسن التبعل، تعتبر منازلهن أماکن مقدسة تدرّ علیهن الثواب الجزیل والأجر الجمیل جزاء تقدیمهن الجیل الخیّر الإنسانی الصالح "من أحیاها فکأنما أحیا الناس جمیعاً".
وعلیه أطلب من النساء والرجال أن یحذروا تقدیم ابناء غیر صالحین إلى المجتمع، وعندها یکون المجتمع ملوّثاً بأفرادٍ لا خیر فیهم ولا نفع.
النسل الصالح
یقول الإسلام: أیها السید! أیتها السیدة! احذروا التفکیر فی شخصٍ آخر على زمن المواقعة أو المباشرة، وتخبرنا الروایات الواردة عن رسول الإنسانیة محمّد بن عبد الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وعن الأئمة الأطهار سلام الله علیهم بأن الذی یفعل ذلک ویلدُ له ابن فاسد، أو ابن زانٍ فلا یلومنّ إلا نفسه.إن الإسلام یهتم بصلاح الأبناء إلى أقصى حالات الاهتمام، ویحسب لذلک ألف حساب، فهو یرفض أن یباشر الرجل زوجته وفی حجرتها طفل رضیع له من العمر عشرة أیام صاحٍ، إلاّ إذا کان نائماً، ویحذر من أن یسمع أحد أنفاس الزوجین أو کلامهما فی وقت المواقعة، ویؤکد على مسألة الامتناع عن النظر إلى ما حرّم الله تعالى لأن ذلک کلّه له تأثیرات سلبیة على روحیّة الطفل.فالکاسب ـ على سبیل المثال ـ الذی یمزح ویضحک مع النساء الأجنبیات اللواتی یأتینه لشراء ما عنده من بضاعة، لا یمکن أن یقدّم جیلاً صالحاً إلى مجتمعه، وکذلک المرأة التی توزّع الابتسامات هنا وهناک وتمزح مع غیر محارمها لا یتأتى لها تقدیم نسل صالح للمجتمع الذی تحیا فیه.
إن الإسلام العظیم یحث المسلمین على قراءة الأذان فی أذن الولید الیمنى، وقراءة الإقامة فی الأذن الیسرى کی لا یصیبه شر ولا مخمصة.
قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم):
"یا علی! إذا ولد لک غلام أو جاریة، فأذن فی أذنه الیمنى، وأقم فی الیسرى فإنه لا یضره الشیطان أبداً"(6).
وعن مولانا علیّ بن الحسین علیهما السلام قال:
"حدثتنی أسماء بنت عمیس قالت: حدثتنی فاطمة"ع" لما حملت بالحسن بن علیّ"ع" وولدته جاء النبیّ صلى الله علیه وآله، وأذن فی أذنه الیمنى، وأقام فی السیرى.. فلمّا کان بعد حول، ولد الحسین"ع" وجاءنی النبیّ صلى الله علیه وآله فقال: یا أسماء هلمّی أبنی، فدفعته فی خرقةٍ بیضاء، فأذّن فی أذنه الیمنى، وأقام فی الیسرى، ووضعته فی حجری فبکى"..(7).
وعن الصادق جعفر بن محمد علیه السلام أنه قال:
"من ساء خلقه فأذّنوا فی أذنه"(8).
ومن أراد أن یکون ابنه من المقرّبین إلى الإمام الحسین"ع" فلیمسح بتربة الإمام الحسین على لسانه ثم یسقیه لبن أمّه، ولیحذر المرء من إطعام ابنه طعاماً محرماً، أو مشبوهاً، ولیحاول جهد الإمکان أن یسقیه لبن أمّه، ولیعلم بأن لبن الأم یسهم کثیراً فی سلامة الطفل وتقبّله وفهمه مستقبلاً.علینا أن نحذر ونحتاط من أن نستخدم الکلام النابی أمام أبنائنا لأن ذلک سیجرّ الطفل إلى أن یکون هو الآخر سبّاباً أو لعّاناً، وهذا ما سیکتبه الحفظة الکرام فی وثیقة أعمالنا، کلمّا سبّ الأبناء أحداً من الناس:
"من سن سنة سیئة فعمل بها بعده کان علیه وزها، ومثل أوزارهم من غیر أن ینقص من أوزارهم شیئاً"(9).
ومن الطریف أن إحدى السیدات کانت تقول بأنها عندما کانت تشعر بحدوث نزاع فی دارها مع زوجها ترسل أبناءها إلى منزل أبیها وأمّها، ولا تدعوهم إلى المنزل ثانیة إلاّ بعد انتهاء ذلک النزاع، إنها حقًّا امرأة ذکیة.
أیها السید! ایتها السیدة! إذا أردتم اغتیاب أحدٍ، أو ممارسة نزاع أو خصام، أو سبّ مسلم، فما علیکما إلاّ أن تخرجا ابنکما الذی هو فی المهد وتضعوه على الثلج خارج منزلکما، کیلا یتعلم منکما الکلام البذیء، وإذا ما مات جسم الطفل، فهو أفضل من أن تموت روحه، لذا علیکما أن تفکّرا قلیلاً بالجیل القادم قبل أن تشرعا فی کل مرّة بالتعرض للآخرین بالسوء، أو بالتحدث بما لا یرتضیه الشرع المقدس.
لقد کانت أمهاتنا فی العهد الماضی یرتدین الأزر بالإضافة المقنعة، هذا علاوة على ارتدائهن لثوبین، وإذا أردن أن یتحدثن لأحدٍ من الرجال الغرباء وضعن فی أفواههن حصاةٍ کیلا تکون أصواتهن رقیقة فیطمع الذی فی قلبه مرضٌ.
وکان آباؤنا یواظبون على قراءة القرآن الکریم صباح مساء، وکانوا من الذین یرتادون المساجد ویستمعون إلى المحاضرات الإسلامیة، أما نحن وعلى حالنا هذه ماذا یتوقع لأبنائنا؟ وکیف هو الحال الذی سیصیرون إلیه؟.
إن هؤلاء النساء اللواتی کن یرتدین الأزر والمقانع ـ مع الأسف ـ کن یصطحبن کبریات بناتهن إلى الأسواق بدون إزار، وبکلّ جرأة، ولولا الخوف والخشیة من أزواجهن لخرجن هن کذلک بدون إزار! وهذا ما نراه الیوم، حیث تأتی بعض النساء إلى مرقد السیدة فاطمة بنت موسى بن جعفر"ع" کاسیات عاریات، وبدون أدنى حیاء.
قالت لی إحدى النساء الخیّرات أنها رأت فی منامها السیدة فاطمة علیها السلام تقول: کنت فی السابق امتعض من النساء الأجنبیات اللواتی یأتین مرقدی بدون حجاب، أما الیوم فأنا أئن من النساء اللواتی یدّعین الإسلام، بالإضافة إلى ادعائهنّ بأنهنّ منّا، ومن أحبابنا ومریدینا.
حقًّا کان حلماً عجیباً! الویل لمن تفعل ذلک من عذاب یوم القیامة وعذاب القبر.
إن ذلک الطفل الذی ینشأ فی حجر هکذا أمّ، أو ینشأ فی بیت یسمع فیه صوت الغناء والموسیقى صباح مساء، أو تعرض فیه الأفلام المبتذلة المهیّجة للشهوات، أو تسمع فیه الغیبة والتهمة والنمیمة، والنزاع والخلاف والضرب لا یمکن أن یکون نسلاً صالحاً! لذا ینبغی لکم أن تحذروا حدوث مثل هذه القضایا فی منازلکم.
وفی یوم القیامة تنادى بـ "یا أیتها القاتلة" أو ینادى الأب "أیها القاتل" عندها یقول: لم أکن أتمکن من هکذا فعل، فأنا أقل من ان أقتل أحداً، عندها یأتیه الجواب: إنک قتلت العالم بأسره لأنک لم تقدّم إلى المجتمع البشری نسلاً صالحاً.
المصادر :
1- المائدة/ 32
2- بحار الأنوار/ ج71، ص258.
3- البقرة/204
4- البقرة/205
5- القصص/4
6- تحف العقول/ ص17.
7- بحار الأنوار/ ج 104، ص111.
8- بحار الأنوار/ ج104، ص122.
9- کنز العمال/ خ43079.
/ج