إن الرجل والمرأة یتأتى لهما تهذیب نفسیهما فی المجتمع و داخل المنزل، وتتحلیان بالفضائل والصفات الحمیدة، أی أنهما یستطیعان بلوغ مقام التخلیة بالإضافة إلى مقام التحلیة.
إن علماء الأخلاق یعتبرون بلوغ هاتین المرحلتین أو المقامین أمراً صعباً. أی أن من الصعب على الفرد الحامل للصفات الرذیلة التخلّی عن تلک الصفات، وقلع جذورها من الأساس، وزرع شجرة الفضیلة فی نفسه کی تنبت بدل الصفات الرذیلة، صفات إنسانیة حمیدة.
(فلا اقتحم العقبة، وما أدراک ما العقبة، فکّ رقبة) (1).
إن الإنسان یستطیع أن یصل إلى مقام التخلیة، إلى المقام الذی یتحرر فیه من الصفات الرذیلة بالرغم من الصعوبة التی یلاقیها على هذا السبیل، والأمر الأصعب من ذلک هو ذلک الذی یزرع الإنسان فیه نبتة الخیر فی نفسه لیبلغ مقام التحلیة أو مقام التزین والتحلّی بالصفات الحمیدة والسامیة.وبناء على ذلک یستطیع الفرد قلع جذور الجزع والفزع من قلبه لیزرع فی مکانها ملکة الصبر، ولکن هذا الأمر یحتاج إلى مواظبة واستمراریة فی العمل، لأن النفس الأمارة بالسوء إذا ما تُرکت على هواها انساقت خلف الموبقات، وإنها ـ أی النفس ـ کالفیل الذی ینبغی أن یضربه صاحبه بالمطرقة على رأسه باستمرار، فإذا غفل عنه لحظة ولم یطرق على رأسه، انحرف به إلى حیث الهلکة.
إذن، یستطیع الإنسان أن ینال المقام السامی الرفیع إذا سعى جاهداً لذلک، وتمکن من الصفات الرذیلة، ومن ثم أوجد الصفات الفاضلة فی نفسه ونماها لیل نهار کی تثمر ثمراً طیباً، وأن الأنبیاء والرسل جاؤوا من أجل هذه القضیة، بالإضافة إلى أن کتبهم جمیعاً کانت تحت على ذلک.
وفی القرآن آیات کثیرة تبیّن لکم صحة ما نقول منها:
(هُو الذی بعث فی الأمیّین رسولاً منهم یتلو علیهم آیاته ویزکیهم ویعلّمهم الکتاب والحکمة) (2).
إن الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله جاء بمعجزة القرآن لکی یهذب الناس ویزکیهم ویرفع من مستواهم العلمی، وأن الأنبیاء لم یوافقوا لهذا العمل الشاق بالرغم من مساعیهم الجادة على هذه الطریق.
إن على الرجل والمرأة أن یلتفتا إلى أن البیت هو أفضل مکان للتربیة والتعلیم، وإنهما کمعلم الأخلاق لا یفرقان عنه شیئاً، بل قد یکونا أفضل منه إذا کانا جادّین فی عملهما من أجل الله تعالت أسماؤه، لذا یمکن القول بأن تشکیل الأسرة یعتبر بمثابة تشکیل مجلس للأخلاق.
فمعلّم الأخلاق یسعى من جل تهذیب تلمیذه، وبعد التهذیب یسعى مرة ثانیة ویجاهد من أجل رفعه إلى مقام التحلیة، أی التحلی بالصفات والفضائل الإنسانیة، ولکن قد یصادف التلمیذ معلماً یهذّبه، وفی أثناء التهذیب یسعى الجرّ رجله إلى الصفات والفضائل الإنسانیة، وهذا ما تفعله الأسرة مع أبنائها. فالزوج یهذّب زوجته، والزوجة تسهم فی تهذیب زوجها، وکلاهما یسعى من أجل تهذیب الأبناء، وإیصالهم إلى الفضائل الإنسانیة الحسنة، وعلیه یمکن أن نقول إن الأسرة فی واقع الأمر تقوم بعملین فی آن واحد.
مقام الصبر
یستطیع الزوجان إذا استعانا ببعضهما البعض، وخدم أحدهما الآخر وسعیا جمیعاً لتربیة الأبناء أن یبتعدا عن الجزع والفزع.إن هاتین الصفتین الرذیلتین، ملاصقة للإنسان کظلّه، ولکن بالعمل الجادّ یمکن أن تقلع من جذورهما وإلى الأبد، وقد تطرق القرآن المجید إلى هذه المسألة الحساسة وبیّن بأن هذه الصفات موجودة فی طبیعة البشر أساساً، ولکن المصلّین ـ على سبیل المثال ـ یتأتى لهم أن یبتعدوا عنها.
(إن الإنسان خلق هلوعاً إذا مسه الشر جزوعاً، وإذا مسه الخیر منوعاً إلا المصلّین) (3).
یقال إن الإنسان میّال مع الأهواء یأخذه الجزر ویردّه المدّ ویضیع بینهما، والهلوع یعنی بها المیّال، کحصیة الشارع الصغیرة التی تدفعها الأقدام یمیناً وشمالاً، لذا یقول القرآن بهلعه، کونه یتهاوى لأقل المصائب والبلایا، وعلى العکس من ذلک تراه متکبراً حینما تُقبل الدنیا علیه.
وأما الجزع والفزع فقد عدّهما علم الأخلاق من الصفات السیئة، وأن الفرد الذی یحمل بین جنبیه فزعاً، یتهاوى مقابل أتفه جملة توجّه إلیه، إذا ما لاحظ یوماً أن سلوک ابنه سیء یصرخ ویولول ولا یدری ماذا یفعل؟ وهذه هی من الصفات السیئة التی یحملها الإنسان فی العادة، أما الصفة الحسنة التی تقابل هذه فی الجانب الآخر فهی: الصبر والاستقامة التی سیثبت الباری من التزم بها.قال تعال فی محکم کتابه العزیز:
(إنَّما یُوفَّى الصابرون أجرهُم بغیرِ حساب) (4).
إن للمصلی أجراً معلوماً، وکذا الأمر بالنسبة للصیام، والخمس، والزکاة، وکذا الذهاب إلى سوح القتال، وإن المسألة الوحیدة التی یثیب الباری علیها بغیر حساب هی الصبر.
الصبر على المصائب، الصبر على البلایا، الصبر على تربیة الأولاد، صبر المرأة على سوء خُلق زوجها، وصبر الزوج على الإساءات التی قد تبدو من زوجته، وإن أفضل صبر یمکن أن یثاب علیه الإنسان هو ذاک الذی یحصل فی البیت أو فی المحیط العائلی.
إذا کان الرجل عاقلاً یمکن أن یصل إلى المقامات العلى من خلال تحمله سوء خلق زوجته وصبره علیها، بل ویمکن أن یتعلم الإنسان الصبر من ذلک المحیط، وعندها یضحى هو مدرسةً للصبر والتحمل.
قال رسول الله صلى الله علیه وآله:
"من أقل ما أوتیتم الیقین، وعزیمة الصبر، ومن أُعطی حظّهُ منهما لم یبال ما فاته قیام اللیل وصیام النهار، ولأن تصبروا على مثل ما انتم علیه أحبّ إلیّ من ان یوافینی کلّ امرىءٍ منکم بمثل عمل جمیعکم..."(5).
إن العاقل وحده هو الذی یتمکن من الوصول إلى الجنّة، وإن محبی أمیر المؤمنین علیّ"ع" لا یذوقون من العذاب إلا قلیلة، وإن دخلوا جهنم فإنهم سیترکونها سریعاً، لیصلوا على جنة الخلد عند ملیک مقتدر، وما ذلک إلاّ تطهیر لهم من الأدران التی یمکن أن تعلق بالقلوب والأرواح الإنسانیة.
إن عدم الذهاب إلى جهنم لا یُعدّ شطارةً لأن المجانین لا یذهبون إلیها أیضاً، وکذا دخول الجنة لیس من الفطنة فی شیء، لأن الأطفال یدخلون الجنة أیضاً، وبغیر حساب، وإذا ما ذهبت أنت الآخر إلیها بدون حساب لا یمکن أن تعدّ فطِناً بالضرورة.
بل إن الفطن هو من استطاع کسب رضا الله تبارکت أسماؤه وجلّت صفاته.إنّ الإنسان یستطیع أن یعمل شیئاً لیکون قلبه مکاناً لله تعالى، عندها یکون قد کسب شیئاً قیّماً، أهم من ذهابه إلى الجنة، وفی هذه الدنیا مَنْ یتأتى له أن یکون قلبه مکاناً لعرش الله تبارک وتعال.
یتمکن من ذلک المؤمن الذی عبر مقام التحلیة ومقام التخلیة ویتمکن من ذلک من استطاع اجتثاث شجرة الرذیلة لیغرس بدلها شجرة الفضیلة، وهذا یمکن أن یتم على أحسن وجه داخل الأسرة الواحدة.
إن التضحیة والإیثار فضائل لا تمنح لکل فرد، وإن الشک، والظن، والحدّة، والانتقام صفات تتمتع بها الوحوش أیضاً لذا ومن أجل أن یتخلص الإنسان من الشک والحدة وروح الانتقام، ویصل إلى حالة الإیثار والتضحیة وباقی الصفات الحمیدة علیه أن ینتخب أفضل مکان لهذا الأمر ألا وهو الأسرة.
إن التربیة السلیمة تتنکر للضرب فی أصلها، وإن قاعدة تسلّط القوی على الضعیف لا یمکن أن تسود إلاّ فی شرعة الغاب، وقد یستخدمها البعض فی المحیط العائلی فیضرب زوجته وأبناءه، باعتباره قویاً وهم ضعفاء، حاله کحال الحیوانات التی إذا أردت أن تختبر قوتها فیما علیک إلاًّ أن تضع أمامها مقدارا من العلف لترى بنفسک کیف یدفع القوی الضعیف لیستأثر لوحده بذلک العلف، وهذا ما نرى شبیهه فی عالم الیوم حیث تستخدم القوى الکبرى قدرتها العسکریة، لتمتص دماء المستضعفین، ولتحکم بالجور والظلم متوسلة بالقوة والنار والحدید.
ولو فعل الرجل مثل فعل أولئک الظالمین، واستخدم قواه البدنیة فی ضرب أهله وعیاله، لکان من الأولى أن یُحْسَب على الحیوانات لا على البشر، ولا على المسلمین منهم، ومن فعل ذلک ـ حتى ولو کانت المرأة مقصّرة ـ واحمرّ وجه امرأته من ضربةٍ قویة کان علیه أن یؤد لها مثقالاً من الذهب الخالص، وإذا ما ضرب الرجل زوجته بشدة، فاسودّ بدنها، علیه أن یدفع لها ثلاثة مثاقیل ذهباً ولو کانت هی مخطئة بنسبة 100%.هل یجوز أن تضرب المرأة؟ وهل یجوز ضرب الولد بلا سبب؟ وهل یجوز أن یسبّ الرجل زوجه أو ولده؟.
إن هذه الأعمال لا یمکن أن تنسب إلاَّ إلى الوحوش ومن شابههم فی الفعل والقول.
جاء فی الخبر: إذا صار یوم القیامة نُصبت هناک خیمة من نار، وجیء بالرجال والنساء الذین ظلموا أنفسهم والآخرین باستخدامهم القوّة فادخلوا فیها، ثم یؤتى بمن رضی بعملهم، وبمن أعانهم على ذلک فیدخل معهم فی تلک الخیمة حتى یفرغ الناس من الحساب، لیُذهب بهم إلى جهنم وبئس المصیر.
من هو ذلک الشخص الذی یستطیع أن یضحّی ویتحمل فی سبیل قیام جیل صالح ومفید؟.
ومن هو ذلک الفرد الذی یستطیع أن یبتعد عن النظرة الضیقة لیحلّ محلّها سعة الصدر؟.
إن السیدة التی تصبر على أذى زوجها، ولا تُخرج ما بینها وبین زوجها من أسرار إلى خارج بیتها تقول: اللهم إننی صابرة من أجل الحظوة برضاک لأنک أمرتنا بالصبر، اللهم ارحمنا وارحم زوجی الذی یستعمل یده لضربی، واهدنی وإیاه إلى سواء السبیل، هذه السیدة بلغت مقام التضخیة والإیثار وسعة الصدر، ومثل هذه الامرأة لا بد وأن تحشر مع الزهراء البتول سلام الله علیها، لأن الزهراء"ع" کانت معروفة بسعة الصدر، وبالتضحیة والإیثار إلى الحد الذی جعلها تتصدق بإفطارها لثلاثة أیام متوالیة هی وبعلها وابناها حتى أنزل الله فیهم الآیة المبارکة: (ویطعمون الطعام على حُبّه مسکیناً ویتیماً وأسیراً) (6).
إن تلک الصابرة على الأذى والبلاء والشدة، وذلک الرجل الذی یتحمل المصائب وملمّات الدهر، ویصبر على ما یجری فی داره، بل ویضحّی من أجل أسرته سیحشرهم الباری تعالى مع أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب سلام الله علیه، لأنهم یؤثرون على أنفسهم کل شیء من أجل الفوز برضا الله تبارک وتعالى:
(ویؤثرون على أنفسهم ولو کان بهم خصاصة) (7).ورد فی شأن هذه الآیة روایات متعددة منها: إن أمیر المؤمنین علیّ(علیه السلام) اشترى رمّانة واحدة، وأراد أن یأتی بها على الزهراء"ع"، والتی کانت طریحة الفراش فی بیتها، وفی الطریق إلى المنزل عرّج أمیر المؤمنین"ع" على بیت أحد الفقراء لیسأل عن أحواله فرآه مریضاً، فقال له"'": أن یطلب منه شیئاً یأتی به إلیه، فأجاب: لا بأس برمّانة واحدة ـ وکان أعمى ـ عندها أطعمه الإمام علیّ"ع" تلک الرمانة التی کان یرید الذهاب بها إلى الزهراء"ع"، والجدیر بالذکر أنه لم یکن فصل أوان الرمان، ولم یکن فی السوق إلا تلک الرمانة الیتیمة.
على أیة حال من أراد الحظوة بشفاعة أمیر المؤمنین"ع"، فما علیه إلاّ أن یتشبّه به، یتشبه بطریقة إیثاره وتضحیته.
إن معنى الشفاعة فی أصلها هو التشبه، فمن أرادت من النساء نیل شفاعة فاطمة بنت محمّد(صلی الله علیه وآله وسلم) ینبغی لها أن تتشبّه بأفعالها سلام الله علیها، والتشبه بها یعنی الصبر على المصائب والنوائب، والإیثار والتضحیة.
یا عوائل الشهداء! هنیئاً لکم إذا ما کنتم صابرین على فقدانکم لأبنائکم، وآبائکم، الذین جادوا بأنفسهم من أجل رفعة هذا الدین الحنیف.
أیها النساء! یا من استشهد أزواجکن من أجل نصرة الإسلام المحمدی الأصیل وترکوا لکم أبناء صغاراً تحسنون تربیتهم، اعلموا بأن الثواب والأجر الجزیل الذی ستحظون به کل یوم یعدل أجر وثواب ذلک الشهید الذی حظی علیه مرة واحدة.
إن الصعوبة التی تلاقیها النساء الفاقدات لأزواجهن لیست مسألة هیّنة، ولکنها تهون عندما تفکر تلک النساء بما سینعمن به من ثواب جزیل وأجر جمیل یوم لا ینفع مال ولا بنون.إن زوجة الشهید المؤمنة، عندما تتمکن من نفسها، وتصبر على تربیة أبنائها، وعلى فراق زوجها، وعلى مسؤولیة الخطیرة الملقاة على عاتقها، ستصل فی یوم من الأیام إلى امتلاک "الصبر"، وحینها یضحى الصبر "ملکة" لدیها، وتتمکن من تجاوز مقام التخلیة إلى مقام التحلیة الذی یرى الإنسان من خلاله سهولة وهون البلایا والمصائب، إذا ما قیس بالأجر والثواب الذی سینعم به على الأبد عند رب السموات والأرض.
إن حیاة الفقراء صعبة للغایة، وقد لا توجد مشکلة بعد الشرک مثل الفقر، أما إذا صبر الفقیر على فقره، وصبرت المرأة على ضیق ید زوجها، بل وتمکنت من مواساة زوجها المسکین، اعتذر لهم الله تعالى فی یوم الجزاء على ما أصابهم من فقر وفاقة، وأدخلهم جناته بدون حساب على حدّ ما جاء فی الأخبار المتواترة، ولا أظنّ أن هناک مقاماً أسمى من هذا المقام الذی یعتذر فیه الباری جلّت أسماؤه فیه لهم جزاء صبرهم على ما لاقوا من ضیق وفقر وفاقة.
قال الإمام الصادق جعفر بن محمد"ع":
"لو یعلم المؤمن ما له فی المصائب من الأجر لتمنّى أن یُقرض بالمقاریض"(8).
وبناء على ما تقدم یمکن القول بأن البیت یمکن أن یکون مدرسة، وأی مدرسة؟ مدرسة تقوم بعملین مهمین الأول: قلع الصفات الرذیلة، والثانی: غرس الصفات النبیلة، فیا أیتها السیدة! اصبری على غضب وسوء خُلق زوجک کی تنالی "ملکة" الصبر وإذا ما حصل ذلک کان لک عند الله أفضل من کل ما فی الدنیا وکل ما فی الآخرة، وأنت کذلک أیها السید! ترفّع عن التوافه، ولا تجزع أو تفزع أو تغضب بسرعة، واعلم بأنک لو تمکنت من امتلاک "الصبر" فستکون قالعاً لجذور الرذیلة، وغارساً لشجرة الفضیلة وهذا خیرٌ لک من الحظوة بالجنة لو کنت تعلم بذلک:
(الَّذِینَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِیبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَیْهِ رَاجِعُونَ* أُولَٰئِکَ عَلَیْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِکَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (9).إن هذه الآیة المبارکة نزلت بحق الصابرین الملتزمین المؤمنین والذین ابتلوا بشیءٍ من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس، لکنهم تمکنوا من الحفاظ على دینهم بما لدیهم من صبر، یریدون بذلک الفوز برضا الله، وعندما فازوا صلّى الباری علیهم وأنزل علیهم رحمةً منه.
قال رسول الله صلى الله علیه وآله:
"بالصبر یتوقع الفرج، ومن یُدمِنْ قرع الباب یلج"(10).
أسمى من صلاة اللیل
إن إحدى فضائل تشکیل الأسرة، وتربیة الأبناء هو أنها أسمى من أیّة صلاة مستحبة، أی یمکن القول بأنها أسمى من صلاة اللیل بالرغم من أن صلاة اللیل مهمة جداً، وإن القرآن وعد بإعطاء المقام المحمود للذی یصلّی نافلة اللیل والناس نیام:(وَمِنَ اللَّیْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّکَ عَسَىٰ أَن یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) (11).
أما الثواب الذی یمکن أن یکون اسمى من ثواب قیام اللیل هو قیام المرأة فی قلب اللیل لترضع طفلها، أو لهدهدته حتى ینام، أو قیام تلک السیدة فی منتصف اللیل من أجل مداراة زوجها، أو قیام زوجها من أجل مداراتها.
جاء فی الخبر أن الرجل یغفر له جمیع ذنوبه إذا اغتسل غسل الجنابة، وکذا الأمر بالنسبة لزوجته حیث یغفر الله لها ما تقدم من ذنبها وما تأخّر حینما تغتسل.
والجدیر بالذکر أن بعض الروایات تتعرض إلى مسالة الغسل فتذکر بأن کل قطرة تسقط إلى الأرض من جسم الرجل أو امرأته بعد الغسل تضحى ملکاً یستغفر لهما یوم القیامة. وإذا ما حملت المرأة کانت أنفاسها عبادة، ونومها عبادة، ومشاکل حملها عبادة، وعندما تلد ولداً مجرداً من المعاصی تضحى هی الأخرى مجرّدة عن المعاصی بعدما یغفر الله جمیع خطایاها.
أیتها السیدة! احذری من أن یخالط عملک عمل لا یرضى الله به، أحذری أن تعصی الله من خلال عدم التزامک بما یقوله لک زوجک، واعلمی بأن طاعة الزوج واجبة ولازمة، وأنت أیها الرجل! ینبغی لک أن تعلم بأن مساعدة الزوجة فی الأمور المنزلیة فیه الثواب والأجر الجزیلان.جاء فی الأخبار أن رسول الله صلى الله علیه وآله دخل إلى بیت علیّ"علیه الاسلام" فرآه ینظف عدساً، فأخبره(صلی الله علیه وآله وسلم) بأن مساعدة الزوجة فیه الثواب الکثیر ثم قال وقال وقال حتى بلغ بذلک ثواب الشهید.
أخرج البیهقی عن أسماء بنت یزید الأنصاریة أنّها أتت النبیّ صلى الله علیه وآله وهو بین أصحابه فقالت: "بأبی أنت وأمی! إنی وافدة النساء إلیک، واعلم ـ نفسی لک الفداء ـ أنّه ما من امرأة کائنة فی شرق ولاغرب سمعت بمخرجی هذا إلا وهی على مثل رأیی، إن الله بعثک بالحق إلى الرجال والنساء، فآمنّا بک وبإلهک الذی أرسلک، وإنّا معاشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بیوتکم، ومقتضى شهواتکم، وحاملات أولادکم، وإنکم معاشر الرجال فضّلتم علینا بالجمعة والجماعات وعیادة المرضى وشهود الجنائز والحجّ بعد الحجّ، وافضل من ذلک الجهاد فی سبی الله، وإن الرجل منکم إذا خرج حاجا معتمراً أو مرابطاً حفظنا لکم أموالکم، وغزلنا لکم أثوابکم، وربّینا لکم أموالکم فما نشارککم من الأجر یا رسول الله؟.
فالتفت النبیّ صلى الله علیه وآله وأصحابه بوجهه کله ثم قال: "هل سمعتم مقالة قطّ أحسن من مسألتها من أمر دینها من هذه؟" فقالوا: یا رسول الله ما ظنّنا أن امرأة تهتدی على مثل هذا!.
فالتفت النبیّ صلى الله علیه وآله إلیها ثم قال لها: "انصرفی أیتها المرأة وأعلمی من خلفک من النساء أن حسن تبعّل إحداکنّ لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته یعدل ذلک کلّه.
فأدبرت المرأة وهی تهلّل وتکبّر استبشاراً"(12).
وجاء فی الخبر أن المرأة التی تطهو وتنظف وترتب الأمور فی بیتها لها مثل ثواب الشهید، ولا تظن امرأة بأن الثواب یقتصر على الذهاب إلى مکة فقط.قالت لی إحدى النساء: توسط لی فی الذهاب المستجب إلى مکة! فقلت لها إذا کنت ترومین ثواب سبعین حجة فما علیک إلاّ أن تُنفقی أموالک هذه التی تریدین بها مکة للفقراء والضعفاء والمساکین، وعندها تغیّر لونها وقالت لی: کلا، لن أفعل ذلک، فإن کان فیک قدرة على ذلک فافعل، وإلاَّ فلا تتحدث أکثر من طاقتک!
قال الإمام الباقر محمد بن علیّ علیه السلام:
"لأن أعول أهل بیت من المسلمین، وأشبع جوعتهم، وأکسو عریهم، وأکفّ وجوههم عن الناس، أحبّ إلیَّ من أن أحجّ حجَّة، وحجّة، وحجّة، حتى انتهى إلى عشرة ومثلها، ومثلها، ومثلها، حتى أنتهی إلى سبعین"(13).
إن الذی یکدّ على عیاله، ویسعى جاهداً من أجل جلب لقمة العیش إلیهم یمکن أن یعتبر کالمجاهد فی سبیل الله تبارک وتعالى "الکاد على عیاله کالمجاهد فی سبیل الله، وإن من تبسم بوجه زوجه، وشکرها على ما تقوم به من أعمال یومیة فی المنزل أضحت له کحور العین فی جمالها وخصالها، ولا تظنوا أن حور العین کنساء الدنیا، کلا، إنهن أسمى وأرفع من ذلک کثیراً وإن الواحدة منهن لو خرجت إلى الدنیا، لما احتاج الناس بوجودها على شمس أو قمر.
وکذا الأمر بالنسبة للزوجة التی تستقبل زوجها بوجه حسن، وثغر باسم، وبکلام مؤدب ولطیف ینسیه التعب الذی کان یعانی منه قبل لحظات.
جاء فی الخبر أن الرسول الأکرم(صلی الله علیه وآله وسلم) رأى فی لیلة المعراج أن بعض الملائکة فی الجنة جلسوا جانباً بدون عمل، وبعضهم یعمل قلیلاً، ثم یرکن جانباً، فسأل(صلی الله علیه وآله وسلم) جبرئیل"علیه السلام" عن ذلک فأجاب بأنهم ینتظرون قدوم مواد البناء من الحیاة الدنیا.
لذا ینبغی القول بأن العمل الصالح، الإنفاق، والتصدق وما على ذلک یمکن أن یحتسب مواد بنائیة، تستعمل فی بناء القصور والدور والمساکن التی تعدّ للخیّرین المحسنین.
المصادر :
1- البلد /11 ـ 13
2- الجمعة/2
3- المعارج/ 19 ـ 22
4- الزمر/10
5- بحار الأنوار/ ج82، ص137.
6- الدهر/8
7- الحشر/9
8- بحار الأنوار/ 67، ص240.
9- البقرة/156 – 157
10- بحار الأنوار/ ج71، ص96.
11- الإسراء/79
12- الدرّ المنثور/ ج2، ص153.
13- بحار الأنوار/ ج99، ص5.
/ج