بعد استشهاد الإمام الحسین (علیه السلام) فی یوم عاشوراء نقل الرأس الشریف إلى الکوفة وظهرت له کرامات وکذلک فی أثناء الطریق لما سیر بالسبایا والرؤوس إلى دمشق. فمن کراماته بعد أن ذهب به عمر بن سعد وأصحابه إلى الکوفة لابن زیاد لعنه الله تعالى ما رواه المفید فی إرشاده قال: فلما أصبح عبید الله بن زیاد بعث برأس الحسین (علیه السلام) فدیر به فی سکک الکوفة (کلها) وقبائلها. فروى عن زید بن أرقم أنه قال: لما مرّ به علیّ وهو على رمح وأنا فی غرفة لی فلما حاذانی سمعته یقرأ: (أم حسبت أن أصحاب الکهف والرقیم کانوا من آیاتنا عجبا)(1) وقف والله شعری علیّ ونادیت رأسک یا بن رسول الله أعجب وأعجب(2).
ومن کراماته ما ذکره ابن حجر الهیثمی فی صواعقه قال: ولما قتلوه (أی الحسین علیه السلام) بعثوا برأسه إلى یزید فنزلوا أول مرحلة فجعلوا یشربون بالرأس فبینما هم کذلک إذ خرجت علیهم من الحائط ید معها قلم من حدید فکتب سطراً بدم:
أترجو أمة قتلت حسیناً *** شفاعة جده یوم الحساب
فهربوا وترکوا الرأس(3) وأخرجه منصور بن عماد، وذکر غیره أن هذا البیت وجد بحجر قبل مبعث النبی (صلى الله علیه وآله) بثلاثمائة سنة وأنه مکتوب فی کنیسة من أرض الروم ولا یدری من کتبه(4).
وروى قصة هذه الکرامة أیضاً فی کتابه مناقب آل أبی طالب(5) عن دلائل النبوة عن أبی بکر البیهقی بالإسناد إلى أبی قبیل وأمالی أبی عبد الله النیسابوری أیضاً: أنه لما قتل الحسین (علیه السلام) واحتز رأسه قعدوا فی أول مرحلة یشربون النبیذ ویتحیون بالرأس فخرج علیهم قلم من حدید من حائط فکتب سطراً بالدم:
أترجو أمة قتلت حسیناً *** شفاعة جده یوم الحساب
قال: فهربوا وترکوا الرأس ثم رجعوا.
وفی کتاب ابن بطة أنهم وجدوا ذلک مکتوباً فی کنیسة، وقال أنس بن مالک احتفر رجل من أهل نجران حفرة فوجد فیها لوح من ذهب مکتوب فیه هذا البیت وبعده:
فقد قدموا علیه بحکم جور *** فخالف حکمهم حکم الکتاب
ستلقى یا یزید غداً عذابـاً *** من الرحمن یا لک من عذاب
فسألنهم منذ کم هذا فی کنیستکم؟ فقالوا قبل أن یبعث نبیکم بثلاثمائة عام.
ومن کراماته ما ذکره ابن حجر الهیثمی قال:
(ولما کانت الحرس على الرأس کلما نزلوا وضعوه على رمح وحرسوه فرآه راهب فی دیر فسأل عنه، فعرفوه به فقال: بئس القوم أنتم هل لکم من عشرة آلاف دینار ویبیت الرأس عندی هذه اللیلة، قالوا نعم. فأخذه وغسله وطیبه ووضعه على فخذه وقعد یبکی إلى الصبح ثم أسلم لأنه رأى نوراً ساطعاً إلى عنان السماء من الرأس ثم خرج من الدیر وما فیه وصار یحترم أهل البیت).
وکان مع هؤلاء الحرس دنانیر أخذوها من عسکر الحسین (علیه السلام) ففتحوا أکیاسها یقتسمونها فرأوها خزفاً وعلى أحد جانبی کل منها (ولا تحسبن الله غافلاً عما یعمل الظالمون) وعلى الآخر (وسیعلم الذین ظلموا أی منقلب ینقلبون)(6).
ونظیر هذه الکرامة ما رواه علی بن شهراشوب رحمه الله(7)، عن النطنزی فی الخصائص(8) لما جاؤوا برأس الحسین (علیه السلام) ونزلوا منزلاً یقال له قنسرین(9) أطلع راهب من صومعته إلى الرأس فرأى نوراً یخرج من فیه ویصعد إلى السماء، فأتاهم بعشرة آلاف درهم وأخذ الرأس وأدخله صومعته، فسمع صوتاً ولم یر شخصاً قال: طوبى لک، طوبى لمن عرف حرمته. فرفع الراهب رأسه وقال یا رب بحق عیسى تأمر هذا الرأس بالتکلم معی، فتکلم الرأس وقال: یا راهب أی شیء ترید؟ قال: من أنت، قال: أنا ابن محمد المصطفى، وأنا ابن علی المرتضى، وأنا ابن فاطمة الزهراء، وأنا المقتول بکربلاء، وأنا المظلوم، أنا العطشان، فسکت. فوضع الراهب وجهه على وجهه فقال لأرفع وجهی عن وجهک حتى تقول أنا شفیعک یوم القیامة. فتلکم الرأس فقال: أرجع إلى دین جدی محمد (صلى الله علیه وآله)، فقال الراهب: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. فقبل الشفاعة، فلما أصبحوا أخذوا منه الرأس فلما بلغوا الوادی نظروا الدراهم قد صارت حجارة. وقد ذکرت للرأس الشریف کرامات أخرى ذکرها ابن شهراشوب فی مناقبه وصاحب البحار وغیرهما من الشیعة والسنة. واکتفینا منها بما ذکرناه للدلالة على مناقب الرأس وکراماته، والله ولی التوفیق.
المصادر :
1- سورة الکهف: الآیة 9
2- وروی هذه الکرامة فی البحار الجزء العاشر ص 222 طبع حجری عن المفید (رض)
3- الصواعق ص 119 طبع المطبعة الشرقیة: بمصر سنة 1308.
4- وفی تاریخ القرمانی ص 108 وصلوا إلى دیر فی الطریق فنزلوا فیه لیقیلوا به فوجدوا مکتوباً على بعض جدرانه هذا البیت. وفی الخطط المقریزیة ج 2 ص 285 کتب هذا قدیماً ولا یدری من قائله، وقد ذکر هذا فی أکثر من مصدر من المصادر التاریخیة المهمة. ذکره فی مجمع الزوائد لابن حجر ج 6 ص 199 وکذلک ذکره فی الإصابة ج 3 ص 489، وفی الخصائص للسیوطی ج 2 ص 122 وفی تاریخ ابن عساکر ذکره أیضاً فی الجزء الرابع ص 342 والصواعق المحرقة ص 116 - والکواکب الدریة ج 1 ص 57، والإتحاف بحب الأشراف ص 23 وفی اللهوف ذکره ابن طاووس ص 98 ونسبه إلى تاریخ بغداد لابن النجار. وفی مثیر الأحزان لابن نما ص 53 حفروا فی بلاد الروم حفرة قبل أن یبعث النبی بثلاثمائة سنة فأصابوا حجراً مکتوب علیه بالمسند هذا البیت والمسند کلام أولاد شیت.
5- مناقب آل أبی طالب الجزء الثالث ص 218.
6- الصواعق لابن حجر ص 122.
7- المناقب لابن شهراشوب الجزء الثالث ص 217.
8- هو کتاب الخصائص العلویة لأبی عبد الله محمد بن أحمد النطنزی، أحد علماء إخواننا السنة الذین روى عنهم ابن شهراشوب، ذکره فی أول الجزء الأول من کتاب المناقب الذی نقلنا عنه هذه الکرامة فی جملة طرق العامة التی یعتمد علیها فیما یرویه فی کتابه ونطنز هذه، بلدة بین قم وأصفهان. کما فی القاموس.
9- قنسرین: تقع جنوبی حلب تبعد عنها مقدار 25 کیلومتراً وهی فی طریق الذاهب من حلب إلى حمص إلى الشام وکانت فی ذلک الزمان بلدة عظیمة. ولم یبق منها إلى الآن سوى أطلال تشیر إلى موضعها السابق. وقد أقیم مکانها قریة اسمها العیس. هکذا أخبرنا المطلعون على وضع قنسرین.
/ج