التفویض بالمعنى الأخص وقل عنه بالمعنى الضیق فهو یشمل الفرعین أعنی الفرع الأول ( تفویض أمر الخلق والرزق ... الخ ) والفرع الثانی ( تفویض أمر الدین والسیاسة ) .
التفویض فی أمر الخلق والرزق لا یتم لهم إلا من خلال مسألتهم ودعائهم . أما کونهم یخلقون أو یرزقون أو یحیون ... بمحض إرادتهم ، أو أنهم یفعلون ذلک حقیقة او بقدرتهم وما شابه ذلک ، على وجه الاستقلال ، فهو غیر صحیح ، بل إنه کفر وشرک ، والذی یدلل على أن القائل بهذا التفویض کافر هو الأدلة العقلیة والنقلیة وعلیه یصدق الغلو على من یقول بهذا التفویض ، فهو ظال ومظل .
وما جاء فی الأخبار والروایات على أهم یرزقون أو یخلقون أو مما فوض إلیهم أمر الخلق والرزق والأحیاء فلا بد من تأویلها أو حملها على کونهم أسباب لإیجاد هذه المصادیق فی الخارج وذلک بتوسلهم إلى الله سبحانه وطلبهم الحثیث من الباری ، فسبحانه إن فعل ذلک فإنما یفعله مقارناً لإرادتهم واستجابة لطلبهم ، وهذا أحد أقسام التفویض المعقول ، وکما عرفت قبل قلیل القسم الآخر ، وهو التفویض إلیهم أمر الرزق والخلق ، وأنهم یفعلون ذلک بأنفسهم ولکن بإذن الله . وأنت عارف خبیراً أن الأئمة المعصومین کرامتهم من الله کبیرة ومنزلتهم عنده عظیمة ولما کانوا یشخصون بعض المصالح الخارجیة ویدرکون فی الجملة المنافع والمضار التی سوف تترتب على مسألتهم ، کان منهم السؤال والتوسل إلى الله بقضاء حاجتهم وإنجاح طلبتهم وقد ترتب على سؤالهم الإجابة الصادقة الحقة السریعة إکراماً لهم ، وسبحانه یقول : ( وإذا سألک عبادی عنی فإنی قریب أجیب دعوة الداعی إذا دعانی ) ، وقال تعالى : ( أدعونی أستجب لکم ...) .
هذا شأن أی مؤمن یدعو الله ، کیف لو کان الداعی إماماً معصوماً وولیاً من أولیائه ؟! مهما یکن ، لو حصلت لهم الإجابة فهی تعد من باب المعجزة والکرامة ، إظهاراً لعلو منزلتهم وجلالة قدرهم وعظم شأنهم وإخلاصهم ...
عن أبی الحسن علی بن أحمد الدلال القمی قال : اختلفت جماعة من الشیعة فی أن الله عز وجل فوض إلى الأئمة صلوات الله علیهم أن یخلقوا ویرزقوا فقال قوم : هذا محال لا یجوز على الله تعالى ، لأن الأجسام لا یقدر على خلقها غیر الله عز وجل ، وقال آخرون : بل الله أقدر الأئمة على ذلک وفوض إلیهم فخلقوا ورزقوا ، وتنازعوا فی ذلک نزاعاً شدیداً ، فقال قائل : ما بالکم لا ترجعون إلى أبی جعفر محمد بن عثمان فتسألوه عن ذلک لیوضح لکم الحق فیه ، فإنه الطریق إلى صاحب الأمر ، فرضیت الجماعة بأبی جعفر وسلمت وأجابت إلى قوله ، فکتبوا المسألة وأنفذوها إلیه ، فخرج إلیهم من جهة توقیع ، نسخة :
إن الله تعالى هو الذی خلق الأجسام ، قسم الأرزاق لأنه لیس بجسم ولا حال فی جسم ، لیس کمثله شیء وهو السمیع البصیر .
وأما الأئمة علیهم السلام ، فإنهم یسألون الله تعالى فیخلق ، ویسألونه فیرزق إیجابا لمسألتهم وإعظاماً لحقهم (1) .
فهذه الروایة ناظرة إلى نفی التفویض بالمعنى المتعارف المستلزم لسلب القدرة عن الله تعالى الذی یقوله المفوضة ، ومما یدل على ذلک الروایة الآتیة :
عن أبی نعیم محمد بن أحمد الأنصاری قال : وجه قوم من المفوضة والمقصرة کامل بن إبراهیم المدنی إلى ابی محمد علیه السلام قال : کامل فقلت فی نفسی أسأله لا یدخل الجنة إلا من عرف معرفتی وقال بمقالتی ، قال : فلما دخلت على سیدی أبی محمد نظرت إلى ثیاب بیضاء ناعمة علیه ، قلت فی نفسی ولی الله وحجته یلبس الناعم من الثیاب بیضاء ناعمة علیه ، قلت فی نفسی ولی الله وحجته بلیس الناعم من الثایاب ویأمرنا نحن بمواساة الإخوان وینهاناً عن لبس مثله فقال متبسماً : یا کامل وحسر عن ذراعیه ، فإذا مسح أسود خشن على جلده ، فقال : هذه لله وهذا لکم ، فسلمت جلست إلى باب علیه ستر مرخى فجاءت الریح فکشفت طرفه فإذا أنا بفتى کأنه فلقة قمر من أبناء أربع سنین أو مثلها ، فقال : لی یا کامل بن إبراهیم فاقشعررت من ذلک وألهمت أن قلت : لبیک یا سیدی فقال : جئت إلى ولی الله وحجته وبابه تسأله هل یدخل النة إلا من عرف معرفتک وقال بمقالتک فقلت أی والله قال إذن والله یقل داخلها ، والله إنه لدخلها قوم یقال لهم الحقیقة ، قلت یا سیدی ومن هم ؟
قال قوم من حبهم لعلی یحلفون بحقه ولا یدرون ما حقه وفضله ، ثم سکت صلوات الله علیه عنی ساعة ثم قال : وجئت تسأله عن مقالة المفوضة کذبوا بل قلوبنا أوعیة لمشیئة الله فإذا شاء شئنا ، والله یوقول : ( وما تشاؤون إلا أن یشاء الله ...) ثم رجع الستر إلى حالته فلم أستطع کشفه (2) .
توضیح :
قوله علیه السلام : ( بل قلوبنا أوعیة لمشیئة الله فإذا شاء شئنا ) . یعنی إن إرادتنا تابعة لإرادة الله فی الأمور التکوینیة ، فنحن یمکن أن نخلق ونرزق ونحیی ونمیت ، لکن بإرادة الله وإذنه ، لا بدون إرادته منه ولا إذن ، ومن المعورف أن السؤال کان عن التفویض أمر الخلق والرزق وأشباه ذلک إلیهم .
ومما ورد فی دعاء الإمام الرضا علیه السلام :
اللهم إنی بریء من الحول والقوة ولا حول ولا قوة إلا بک ، الله إنی أعوذ بک وأبرأ إلیک من الذین ادعوا لنا ما لیس لنا بحق الله إنی أبرأ إلیک من الذین قالوا فینا ما لم نقله فی أنفسنا ، الله لک الخلق ومنک الرزق وإیاک نعبد وإیاک نستعین ، الله أنت خالقنا وخالق آبائنا الأولین وآبائنا الآخرین ، اللهم لا تلیق الربوبیة إلا بک ولا تصلح الإلهیة إلا لک ، فالعن النصارى الذین صفروا عظمتک والعن المضاهین لقولهم من بریتک .
اللهم إنا عبیدک وأبناء عبیدک لا نملک لأنفسنا نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حیاة ولا نشوراً ، الله من زعم إنا أرباب فنحن منه براء ومن زعم أ، إلینا الخلق وعلینا الرزق فنحن براء منه کبراءة عیسى ابن مریم علیه السلام من النصارى ، اللهم إنا لم ندعهم إلى ما یزعمون ، فلا تؤاخذنا بما یقولون واغفر لنا ما یدعون ولا تدع على الأرض منهم دیاراً ، إنک إن تذرهم یضلوا عبادک ولا یلدوا إلا فاجراً کفاراً (3) .
العبارات المنضودة فی کلام الإمام سلام الله علیه کلها صریحة ناطقة بعبودیتهم لله سبحانه وأن حولهم وقوتهم بالله ومن الله . ثم براءته علیه السلام ممن غالى فیهم او جعلهم یخلقون أو یرزقون ... ثم أکد علیه السلام مقام الربوبیة والتی لا یستحقها إلى الله جل ثناؤه وعلى مقامه ...
أقول لا بد أن لا یتوهم القاریء عندما یطلع على الأخبار التی فیها معاجز أهل البیت علیهم السلام کإحیاء المیت على أیدیهم وأمثاله ...
فقد اشرنا فی ذلک أنه من باب الکرامة أو المعجزة أولاً . ثم إنه تجری تلک المعاجز والمناقب لإظهار مکانتهم عند الله ، وقد شرفهم سبحانه وأکرمهم باستجابة دعواتهم ثانیاً .
وثالثاً : إن الذی یجری على أیدیهم لیس من محض قدرتهم أو إرادتهم بل إنما هو بإشاءة ، فما شاء یشاؤون .. فهم الفاعلون الحقیقیون ، سواء کان إحیاء أو إماتة ، لکن کل ذلک بإذن الله وحوله وقوته إرادته وإقداره ، لا أنهم مستقلون فی ذلک بحیث لم یستمدوا قدرتهم من الله تعالى وهو لا یتمکن من ردعهم ومنعهم . عن أبی بصیر قال دخلت على أبی عبد الله وأبی جعفر علیه السلام وقلت لهما أنتما ورثة رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم قال نعم قلت فرسول الله وارث الأنبیاء علم کلما علموا ؟ فقال لی نعم ، فقلت أنتم تقدرون على أن تحیوا الموتى وتبرؤوا الأکمه والابرص ؟ فقال لی نعم بإذن الله .
ثم قالوا ادنوا منی یا أبا محمد (4) فمسح یده على عینی ووجهی وأبصرت الشمس والسماء والأرض والبیوت وکل شیء فی الدار قال : أتحب أن تکون هکذا ولک ما للناس وعلیک ما علیهم یوم القیامة او تعود کما کنت ولک الجنة خالصاً قلت أعود کما کنت ، قال فمسح علی عینی فعدت کما کنت ، قال علی فحدثت به ابن أبی عمیر فقال أشهد أن هذا حق کما أن النهار حق (5) .
عن صالح بن میثم الأسدی ، قال دخلت أنا وعبایة بن ربعی على امرأة فی بنی والبة ، قد احترق وجهها من السجود ، فقال لها عبایة یا حبابة هذا ابن أخیک قالت وأی أخ ؟ قال صالح بن میثم . قالت ابن أخی والله حقاً . ابن أخی ألا أحدثک حدیثاً سمعته من الحسین بن علی علیه السلام قالت فحدث بین عینی وضح فشق ذلک علی واحتسبت علیه ایاماً ، فسأل عنی ، ما فعلت حبابة الوالبیة ؟ فقالوا إنها حدث بها حدث بین عینینها ، فقال لأصحابه : قوموا إلیها فجاء مع أصحابه حتى دخل علی وأنا فی مسجدی هذا فقال یا حبابة ما أبطأ بک علی ؟ قلت یابن رسول الله ، ماذا الذی منعنی إن لم أکن اضطررت إلى المجیء إلیک اضطراراً ، لکن حدث هذا بی قال فکشفت القناع فتفل علیه الحسین بن علی علیه السلام ، فقال : یا حبابة أحدثی لله شکراً فإن الله قد درئه عنک ، قال : فخررت ساجدة ، قالت : فقال یا حبابة ارفعی رأسک وانظری فی مرآتک ، قال فرفعت رأسی فلم أحسن منه شیئاً فحمدت الله (6) ...
قول الإمام صریح جداً فی هذا الحدیث الذی یدلل أن هذه الکرامة التی ظهرت على یده المبارکة إنما کانت من الله ( ... أحدثنی لله شکراً فإن الله قد درثه عنک ... ) فالإمام لم یدعی هذه المنقبة هی بقدرته استقلالاً ولم ینسبها لنفسه بل قال إن الله قد درثه عنک ... فالإمام نسب هذا الفعل إلى الله تعالى لأنه هو الذی أعطاه القدرة على ذلک ، ولکن الفعل فعل الإمام علیه السلام ، وهو الذی عافاها ، لکن بإذن الله ، ومعلوم أن المرأة یجب أن تشکر الله سبحانه لأن الشفاء کان بإذنه ، وقد مر فی روایة أبی بصیر عن الإمام الصادق الباقر علیه السلام حیث قال : فقلت أنتم تقدرون على أن تحیوا الموتى وتبرؤوا الأکمه والأبرص ؟ فقال نعم بإذن الله . وهذا الأذن لا فی مقابلة وعرضه بل فی طوله ، لأن العمل أسند إلیهم .
دفع وهم :
لقد مر فی روایة أبی بصیر أن الأئمة علیهم السلام یحیون الموتى ویبرؤون الأکمه والأبرص فهو من عملهم لکن بإذن الله ، وفی روایة صالح بن میثم الاسدی ذکرت أن کرامات الأئمة علیهم السلام کانت عمل الله بطلب الأئمة .
أقول قد یتصور القارئ أن بین الروایتین شیء من التعارض ، ولکن لیس کذلک ، بل إن کلتا الصورتین متحققة ، أی بعض الأوقاب یطلب الأئمة من الله فیجیب دعوتهم ، وبعض الأوقات هم یفعلون بإذن الله .
وکیفما کان فما یوافق روایة أبی بصیر المتقدمة قوله تعالى على لسان عیسى : ( وابرأ الأکمه والأبرص وأحیی الموتى بإذن الله ) ، وقوله تعالى : ( وتبریء الأکمه والأبرص وتحیی الموتى بإذنی ) .
حیث أسند الإحیاء إلى عیسى إلا أنه لم یکن بمعزل من الإرادة الإلهیة ، بل ربما الذی حصل هو بدعاء عیس حیث طلب من الله فأجاب دعوته . وبما أن الأئمة علیهم السلام أفضل من الأنبیاء بنی إسرائیل فبطریق أولى ، فإذا ثبت الإحیاء والإبراء إلى عیسى بنص القرآن فیثبت للأئمة بطریق الأولویة . فکل ما یجاب عنه بالنسبة إلى عیسى یجاب بالنسبة إلى الأئمة وبالتالی یرتفع الإشکال .
أما التفویض فی الدین والسیاسة والأحکام ... بالمناظر الضیق أو المعنى الأخص مما لا شک فی ثبوته للأئمة المعصومین الذین ورثوا هذا الحق من النبی صلى الله علیه وآله وسلم ، وکما ستعرف أن هذا القسم یراد به تشریع بعض الأحکام التی ترکها الله سبحانه لنبیه لیعلم من یطجع الرسول ومن یعصیه ، وهذا قد کان سبق فی علم الله ، إلا أن الرسول لم یکن لیطلع على هؤلاء ، فوکل إلیه هذا المقدار من التشریع حتى یکون على بینة من أمر أصحابه بصورة خاصة والمسلمین بصورة عامة .
التفویض للرسول والاخبار فی ذلک
لابد من القول بأن معرفة النبی ومنزلته عند الله أمر مهم فی غایة الأهمیة ، وهذا المعرفة سوف تکون الفصیل لفهم الأخبار والأحادیث الواردة فی هذا الباب فمن کرامة الله لنبیه صلى الله علیه وآله وسلم أمضى منته فی أمته والتی أصبحت لزاماً على المسلمین اتباعها فأنزلها الله منزلة التشریع من حیث الوجوب فی الأمر والنهی والعلة فی هذا الإمضاء ، لینظر کیف طاعة المسلمین لنبیهم وإخلاصهم له .
عن الکلینی بإسناده عن أب إسحاق النحوی قال : دخلت على أبی عبد الله علیه السلام فسمعته یقول : إن الله عز وجل إدب نبیه على على محبته فقال ( وإنک لعلى خلق عظیم ) (7) ، ثم فوض إلیه فقال عز وجل : ( وما اتاکم الرسول فخذوه وما نهاکم عنه فانتهوا ) (8) وقال عز وجل : ( من یطع الرسول فقد أطاع الله ) (9) ، قال : ثم قال وإن نبی الله فوض إلى علی وائتمنه فسلمتم وحجد الناس فوالله لنحیکم أن تقولوا إذا قلنا وأن تصمتوا إذا صمتنا ونحن فیما بینکم وبین الله عز وجل ، ما جعل الله لأحد خیراً فی خلاف أمرنا (10) .
وعنه بإسناده عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر وأبا عبد الله علیهم السلام یقولان : إن الله عز وجل فوض إلى نبیه أمر خلقه (11) لینظر کیف کاعته ثم تلا هذه الآیة : ( وما أتاکم الرسول فخذوه وما نهاکم عنه فانتهوا ) (12) .
وعنه أیضاً بإسناده عن زید الحشام قال سمعت أبا عبد الله علیه السلام فی قوله تعالى : ( هذا عطاؤنا فامنن أو أمسک بغیر حساب ) (13) قال أعطى سلیمان ملکاً عظیما ثم حرت هذه الآیة فی رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم فکان له أن یعطی ما شاء ویمنع من شاء ، وأعطاه الله أفضل مما أعطى سلیمان لقوله : ( وما أتاکم الرسول فخذوه وما نهاکم عنه فانتهوا ) (14) .
عن محمد بن الحسین الصفار بإسناده عن أبی أسامة عن أبی جعفر علیه السلام قال : إن الله خلق محمداً صلى الله علیه وآله وسلم عبداً فأدبه حتى إذا بلغ أربعین سنة أوحى إلیه وفوض إلیه الأشیاء فقال : ( وما أتاکم الرسول فخذوه وما نهاکم عنه فانتهوا ) (15) .
وعنه بإسناده عن إسماعیل بن عبد العزیز قال : قال لی جعفر بن محمد أن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم کان یفوض إلیه أن الله تبارک وتعالى فوض إلى سلیمان ملکه فقال هذا عطاؤنا فامنن أو أمسک بغیر حساب ، أن الله الله فوض إلى محمد نبیه فقال : ( وما أتاکم الرسول فخذوه وما نهاکم عنه فانتهو ) فقال رجل إنما کان رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم مفوضاً إلیه فی الزرع والضرع . فلوى جعفر عنه عنقه مغضباً فقال فی کل شیء والله فی کل شیء (16) .
وعنه بإسناده عن أبی حمزة الثمالی قال : قرأت هذه الآیة إلى أبی جعفر لیس لکم من الأمر شیء قول الله تعالى لنبیه وأنا أرید أن أسأله عنها فقال أبو جعفر علیه السلام : بل وشیء یشیء مرتین وکیف لا یکون له من الأمر شیء فقد فوض الله إلیه دینه فقال : ( وما أتاکم الرسول فخذوه وما نهاکم عنه فانتهو ) فما أحل رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم فهو حلال وما حرم فهو حرام (17) .
عن محمد بن سنان قال : کنت عند أبی جعفر علیه السلام فذکرت اختلاف الشیعة فقال إن الله لم یزل فرداً متفرداً فی الوحدانیة ثم خلق محمداً وعلیاً وفاطمة علیهما السلام فمکثوا ألف دهر ثم خلق الأنبیاء وأشهدهم خلقها وأجرى علیها طاعتهم وجعل فیهم ما شاء ، وفوض أمر الأشیاء إلیهم فی الحکم والتصرف والإرشاد والأمر والنهی فی الخلق ، لأنهم الولاة فلهم الأمر والولایة والهدایة فهم أبوابه ونوابه وحجابه یحللون ما یشاء ویحرمون ما شاء ولا یفعلون إلا ما شاء عباد مکرمون لا یشبقون بالقول وهم بأمره یعملون .
فهذه الدیانة التی من تقدمها غرق فی بحر الإفراط ومن نقصهم عن هذه المتراتب التی رتبهم الله فیها زهق فی بر التفریط ، ولم یوف آل محمد حقهم فیما یجب على المؤمن من معرفتهم ثم قال : خذها یا محمد فإنها من مخزون العلم ومکنونه (18) .
هذه الأخبار وغیرها قد وصلت فی الشهرة حد التواتر ، وکلها قائلة بالتفویض للرسول فی أمر الدین ، وستعرف بعد قلیل إن شاء الله ما هو حدود هذا التفویض .
المصادر :
1- الإحتجاج 2 / 471 ، وغیبة الطوسی من 178 .
2- غیبة الطوسی 149 .
3- البحار 25 / 343 .
4- کان أبو بصیر مکفوف البصر وکأنما رغب أن یکون مبصراً وأن یبراء من علته هذه .
5- بصائر الدرجات 289 .
6- بصائر الدرجات / 291 .
7- سورة القلم ، الآیة : 4 .
8- سورة الحشر ، الآیة : 7 .
9- سورة النساء ، الآیة : 80 .
10- أصول الکافی 1 / 265 .
11- التفویض هنا یراد به امر الدین بدلیل قوله لینظر کیف طاعته ، ثم الإستدلال بالآیة یؤکد من أن المراج به هی الأمور العبادیة أو قل ما یخص أمر الدین . ( ما أتاکم الرسول فخدوه وما نهاکم عنه فانتهوا ... ) .
12- أصول الکافی 1 / 266 .
13- سورة ص / 38 .
14- أصول الکافی 1 / 268 .
15- بصائر الدرجات / 398 .
16- بصائر 400 .
17- البصائر 402 .
18- البحار 25 / 339 .
/ج