لا شکّ أنّ لکلّ نبیّ من أنبیاء الله سبحانه کرامة اختصّه الله سبحانه بها، إلّا أنّ خاتم النبیّین محمّد بن عبد الله صلى الله علیه وآله وسلم قد اختصّه الله سبحانه وتعالى بکرامات عدّة حال وجوده المقدّس بین الناس، وحتّى بعد وفاته، ونحن ذاکرون فی هذا الدرس أبرز کراماته صلى الله علیه وآله وسلم ومسلّطون الضوء علیها مجتمعة.
یقول الله تعالى فی محکم کتابه:
﴿وَمَا کَانَ اللّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِیهِمْ وَمَا کَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ یَسْتَغْفِرُونَ﴾(1)
1ـ الأسوة الحسنة
﴿لَقَدْ کَانَ لَکُمْ فِی رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن کَانَ یَرْجُو اللَّهَ وَالْیَوْمَ الْآخِرَ وَذَکَرَ اللَّهَ کَثِیرًا﴾(2).وهذه من أهمّ الکرامات للنبیّ الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم حیث اعتبره الله أسوة وقدوة لجمیع الناس إلى یوم القیامة، ووصف الله سبحانه هذه الأسوة بأنّها حسنة، لأنّه کثیراً ما یتّبع الناس بعض القادة والزعماء والملوک ویقتدون بهم، أو بآبائهم، وقد ذمّ الله سبحانه هذا النحو من الاتّباع بقوله: ﴿وَإِذَا قِیلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَیْنَا عَلَیْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ کَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ یَعْقِلُونَ شَیْئاً وَلاَ یَهْتَدُونَ﴾ (3).
لکن اتّباع الرسول صلى الله علیه وآله وسلم أمر مطلوب، حیث عدّه الله سبحانه أسوة حسنة واختصّه بمکارم الأخلاق، ففی الروایة عن الإمام أبی عبد الله علیه السلام: "إنّ الله خصّ رسوله بمکارم الأخلاق، فامتحنوا أنفسکم، فإن کانت فیکم فاحمدوا الله عزّ وجلّ وارغبوا إلیه فی الزیادة منها، فذکرها عشرة... الحدیث"(4).
وفی الحدیث عن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال: "إنّی لأکره للرجل أن یموت وقد بقی خلّة من خلال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم لم یأتِ بها"(5).
وفی حدیث مستفیض: "إنّ أحسن السنن سنّة الأنبیاء"(6).
وفی حدیث آخر: "خیر السنن سنّة محمّد صلى الله علیه وآله وسلم.
وطریقة فهم هذه الأحادیث تعطی النتیجة التالیة:
إنّ خیر السنن هی سنّة الأنبیاء وخیرهم سنّة سنّة نبیّنا محمّد صلى الله علیه وآله وسلم ، وعلى الإنسان أن یتبع ویقتدی بسنّته وسیرته وصفاته وخلاله، وهذه کرامة اختصّه الله بها صلى الله علیه وآله وسلم على سائر العالمین.
2ـ رحمة للعالمین
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاکَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِینَ﴾(7) فهو صلى الله علیه وآله وسلم لیس رحمة لأهل مکّة أو أهل المدینة فقط ولیس رحمة للمسلمین الّذین کانوا معه، ولا للمسلمین عامّة، وإنّما هو بنصّ الآیة القرآنیة رحمة للعالمین جمیعاً، فی الدنیا والآخرة.3ـ أمان من العذاب
فقد ورد فی النهج الشریف أنّه (أی أمیر المؤمنین علیه السلام ) قال: "کان فی الأرض أمانان من عذاب الله، وقد رُفع أحدهما فدونکم الآخر فتمسّکوا به، أمّا الأمان الّذی رفع فهو رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم وأمّا الأمان الباقی فالاستغفار؛ قال تعالى: ﴿وَمَا کَانَ اللّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِیهِمْ وَمَا کَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ یَسْتَغْفِرُونَ﴾(8)". فهو صلى الله علیه وآله وسلم قد اختُصّ بهذه الکرامة أنّه أمان لأهل الأرض، فرفع الله سبحانه العذاب أی عذاب الاستئصال عن أمّة النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم ببرکة وجوده بینما کانت الأمم السابقة مهدّدة ومعذّبة بهذا العذاب.4- اتّباعه یوجب محبّة الله ومغفرة الذنوب
﴿قُلْ إِن کُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِی یُحْبِبْکُمُ اللّهُ وَیَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِیمٌ ﴾(9) فالآیة القرآنیة صریحة بأنّ اتّباع النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم له ثمرة عظیمة وکرامة اختصّه الله بها ألا وهی محبّة الله للعبد الّذی یتّبع النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم ، والله إذا أحبّ عبداً قرّبه منه وأدخله الجنّة، ولا یدخل الجنّة مذنب وصاحب ذنوب، لذلک یترتّب على هذه المحبّة أن یغفر الله سبحانه ذنوب العبد أیضاً وهذه کرامة أخرى للنبیّ صلى الله علیه وآله وسلم.ومن الطبیعی جدّاً أنّ الحبّ لا بدّ أن یستتبع عملاً "إنّ المحبّ لمن یحبّ مطیع".
5ـ اتّباعه هدایة ورشاد
﴿قُلْ یَا أَیُّهَا النَّاسُ إِنِّی رَسُولُ اللّهِ إِلَیْکُمْ جَمِیعًا الَّذِی لَهُ مُلْکُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ یُحْیِی وَیُمِیتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِیِّ الأُمِّیِّ الَّذِی یُؤْمِنُ بِاللّهِ وَکَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ﴾(10).إنّ اتّباع النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم له ثمرة على صعید الهدایة للإنسان وهو ما یرتبط بحیاة الإنسان المتَّبِع للنبیّ صلى الله علیه وآله وسلم ، حیث یوصله النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم بهذا الاتّباع إلى الهدایة وإلى الرشاد.
6ـ واسطة فی المغفرة
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِیُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوکَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِیمًا﴾(11). إنّ هذه الآیة تشیر إلى أنّ الاستغفار بالنسبة إلى المنافقین سواء استغفر لهم الرسول صلى الله علیه وآله وسلم أم لا لم یکن لیجدیهم نفعاً:﴿سَوَاء عَلَیْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن یَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا یَهْدِی الْقَوْمَ الْفَاسِقِینَ﴾(12) لأنّ حقیقة الاستغفار هو الاعتذار إلى الله عزّ وجلّ وطلب المغفرة والرضوان منه لیتوب على العاصی ویعفو عن سوء صنیعه، وهذا المعنى یلحق المؤمنین الّذین عملوا السوء بجهالة ثمّ ندموا عن قریب فاعتذروا إلى الله لیتوب علیهم بالمغفرة، فکانت کرامة النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم أنّه واسطة للمغفرة لهؤلاء المؤمنین المذنبین، فیعطف علیهم تحنّناً وإشفاقاً ویستغفر لهم الله وعندها تظهر کرامة هذا النبیّ العظیم صلى الله علیه وآله وسلم فیغفر الله لهم.
7ـ الوسیلة إلى الله سبحانه
روى الشیخ الطوسی أنّه یُستحبّ إذا سمع المؤذِّن یؤذّن أن یقول: ".... اللهمّ ربّ هذه الدعوة التامّة والصلاة القائمة آتِ محمّداً الوسیلة والشفاعة والفضیلة وارزقه المقام المحمود الّذی وعدته...."(13).وفی حدیث عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم أنّه قال: "نحن الوسیلة إلى الله والوصلة إلى رضوان الله"(14).
وفی هذا المضمون روایات عدیدة تشیر إلى أنّ النبیّ الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم أُختص بکرامة من الله هو وأهل بیته علیهم السلام ألا وهی أنّهم کانوا الوسیلة إلیه سبحانه، فهم الهادون إلیه والدّالّون علیه والمرشدون إلى سبیله. وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى فی کتابه أن نبتغی الوسیلة إلیه بقوله: ﴿یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَیهِ الْوَسِیلَةَ وَجَاهِدُواْ فِی سَبِیلِهِ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ﴾(15).
8ـ طاعتهُ مقرونة بطاعة الله
﴿یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللَّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَکُمْ﴾(16) وکذلک فی سورة التغابن الآیة 12، وسورة النساء الآیة، 95، وسورة المائدة الآیة، 92، وسورة النور، الآیة 54.نلاحظ أنّه سبحانه قرن بین طاعته وطاعة النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم ، وهذه کرامة أخرى یُفهم من خلالها أنّ من أراد التقرُّب إلى الله تعالى علیه أن یتقرّب بالنبیّ صلى الله علیه وآله وسلم ولا فرق بین طاعة الله وطاعة النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم فطاعته طاعة الله وغضبه غضب الله، وأذیّته أذى الله، وبذلک تُمثّل هذه الکرامة فی وجوده المقدّس أنّه المعیار والمیزان فی الأرض لمعرفة رضا الله سبحانه.
9ـ حکمه حکم الله
﴿یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ أَطِیعُواْ اللّهَ وَأَطِیعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِی الأَمْرِ مِنکُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِی شَیْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن کُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْیَوْمِ الآخِرِ ذَلِکَ خَیْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِیلاً ﴾(17). ومن الواضح أنّ العطف بحرف الواو یفید کما قال أهل اللغة التشریک فی الحکم والمعنى: فردّوه أی النزاع إلى الله والرسول فالله والرسول مشترکان معاً فی الحکم، فأیّهما یحکم یکون الحقّ والصواب، وهذا یعنی أنّ حکمه هو حکم الله، وقضاءه قضاء الله سبحانه، وهذه من أعظم الکرامات الّتی أختصّه الله بها.10ـ خطاب الله له
فنلاحظ أنّ الله سبحانه وتعالى کلّما أراد أن یُنادی النبیّ الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم ناداه بخطاب یا أیّها النبیّ أو یا أیّها الرسول ولم یناده باسمه أبداً فی القرآن الکریم، بینما نجد هذه الکرامة غیر ظاهرة مع سائر الأنبیاء حیث ناداهم سبحانه بأسمائهم، یا آدم، یا نوح، یا موسى، یا عیسى، یا إبراهیم..... وهکذا.﴿وَقُلْنَا یَا آدَمُ اسْکُنْ أَنتَ وَزَوْجُکَ الْجَنَّةَ وَکُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَیْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَکُونَا مِنَ الْظَّالِمِینَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّیْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا کَانَا فِیهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُکُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَکُمْ فِی الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِینٍ * فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ کَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَیْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِیمُ﴾(18), ﴿وَنَادَیْنَاهُ أَنْ یَا إِبْرَاهِیمُ﴾, ﴿وَإِذْ قَالَ اللّهُ یَا عِیسَى ابْنَ مَرْیَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِی وَأُمِّیَ إِلَهَیْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَکَ مَا یَکُونُ لِی أَنْ أَقُولَ مَا لَیْسَ لِی بِحَقٍّ إِن کُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِی نَفْسِی وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِی نَفْسِکَ إِنَّکَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُیُوبِ﴾(19).
11ـ الشفاعة
عن الإمام الباقر علیه السلام أنّه قال: قال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: "إنّما شفاعتی لأهل الکبائر من أمّتی"(20).وفی روایة یُوضّح فیها الإمام الصادق علیه السلام کیف تکون الشفاعة لأهل الکبائر، حیث سأله ابن أبی عمیر: یا بن رسول الله کیف تکون الشفاعة لأهل الکبائر والله تعالى یقول: ﴿وَلَا یَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْیَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾(21) فقال علیه السلام: "یا أبا أحمد ما من مؤمن یذنب ذنباً إلّا ساءه ذلک وندم علیه، وقد قال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم:
کفى بالندم توبة، وقال علیه السلام: "من سرّته حسنته وساءته سیّئته فهو مؤمن، فمن لم یندم على ذنب یرتکبه فلیس بمؤمن ولم تجب الشفاعة له إلى أن قال: قال النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم: "لا کبیر مع الاستغفار ولا صغیر مع الإصرار"(22).
والشفاعة لهذه الفئة من الناس مختصّة بالنبیّ الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم فهی کرامة عظیمة اختصّه الله بها.
ومن الطبیعی جدّاً أنّ لشفاعة النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم وأهل البیت علیهم السلام شروطاً لا بدّ من توفّرها فی العبد، فلا ینبغی الاعتماد على الشفاعة فقط، ولیس المقام للحدیث عن هذه الشروط.
هذه بعض کرامات رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم وکفى بواحدة فقط أن تخلّد صاحبها فی الدنیا والآخرة، وتجعله محترماً مصاناً لدى عامّة الناس، لکن لا یُدرک الناس عظمة هذا النبیّ الکریم، ولا فضله ولا حقیقة واحدة من کراماته. وهو صلى الله علیه وآله وسلم رغم کلّ خصائصه وشمائله وقدرته وولایته وقربه من الله سبحانه یتحمّل الأذى حیّاً ومیتاً، فقد قالها وکأنّه "أرواحنا فداه" ما زال یردّدها "ما أوذی نبیّ مثل ما أُوذیت".
أبو طالب والنبیّ صلى الله علیه وآله وسلم
روى أبو سعید الواعظ فی کتاب شرف المصطفى أنّه لمّا حضرت عبد المطلب الوفاة دعا ابنه أبا طالب فقال له: یا بنیّ قد علمت شدّة حبّی لمحمّد ووجدی به أنظر کیف تحفظنی فیه؟ قال أبو طالب: یا أبه لا توصنی بمحمّد فإنّه ابنی وابن أخی، فلمّا توفّی عبد المطلب کان أبو طالب یؤثره بالنفقة والکسوة على نفسه وعلى جمیع أهله. وعن ابن عباس قال أبو طالب لأخیه: یا عبّاس أخبرک عن محمّد إنّی ضممته فلمّا أفارقه ساعة من لیل أو نهار فلم أأتمن أحداً حتّى نوّمته فی فراشی فأمرته أن یخلع ثیابه وینام معی فرأیت فی وجهه الکراهیة فقال:
یا عمّاه اصرف بوجهک عنّی حتّى أخلع ثیابی وأدخل فراشی، فقلت له: ولم ذاک؟ فقال: لا ینبغی لأحد أن ینظر إلى جسدی فتعجّبت من قوله وصرفت بصری عنه حتّى دخل فراشه فإذا دخلت أنا الفراش إذا بینه وبینی ثوب والله ما أدخلته فی فراشی فأمسّه فإذا هو ألین ثوب ثمّ شممته کأنّه غمس فی مسک، وکنت إذا أصبحت فقدته فکان هذا دأبی ودأبه، وکنت کثیراً ما أفتقده فی فراشی فإذا قمت لأطلبه بادرنی من فراشی، ها أنا ذا یا عمّ فارجع إلى مکانک.
وکان النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم یأتی زمزم فیشرب منها شربة فربما عرض علیه أبو طالب الغدا فیقول لا أریده أنا شبعان. وکان أبو طالب إذا أراد أن یعشّی أولاده أو یغدّیهم یقول کما أنتم حتّى یحضر ابنی، فیأتی رسول الله فیأکل معهم فیبقى الطعام. وروى القاضی المعتمد فی تفسیره قال أبو طالب: لقد کنت کثیراً ما أسمع منه إذا ذهب من اللیل کلاماً یعجبنی وکنّا لا نُسمّی على الطعام ولا على الشراب حتّى سمعته یقول: بسم الله الأحد، ثمّ یأکل فإذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله کثیراً. فتعجّبت منه وکنت ربما أتیت غفلة فأرى من لدن رأسه نوراً ممدوداً قد بلغ السماء ثمّ لم أر منه کذبة قطّ ولا جاهلیة قطّ ولا رأیته یضحک فی غیر موضع الضحک ولا مع الصبیان فی لعب ولا التفت إلیهم وکانت الوحدة أحبّ إلیه(23).
المصادر :
1- سورة الأنفال، الآیة: 33
2- سورة الأحزاب، الآیة: 21.
3- سورة البقرة، الآیة: 170.
4- مکارم الأخلاق، الشیخ الطبرسی، ص 19.
5- م. ن، ص 39.
6- إرشاد القلوب، الدیلمی، ج 1، ص 157.
7- سورة الأنبیاء، الآیة: 107.
8- سورة الانفال، الآیة: 33. نهج البلاغة، ج 4، ص 19.
9- سورة آل عمران، الآیة: 31.
10- سورة الأعراف، الآیة: 158.
11- سورة النساء، الآیة: 64.
12- سورة المنافقون، الآیة: 6.
13- المبسوط، الشیخ الطوسی، ج 1، ص 97.
14- مستدرک سفینة البحار، علیّ النمازی الشاهرودی، ص 304.
15- سورة المائدة، الآیة: 35.
16- سورة محمد، الآیة: 33.
17- سورة النساء، الآیة: 59.
18- سورة البقرة، الآیة: 35 37.
19- سورة المائدة، الآیة: 116.
20- وسائل الشیعة، الحر العاملی، ج 15، ص 334 ح 4.
21- سورة الأنبیاء، الآیة: 28.
22- وسائل الشیعة، الحر العاملی، ج 15، ص 335، ح 11.
23- مناقب آل أبی طالب، ابن شهر آشوب، ج 1، ص 35.
/م