
عام (1952م) منح الدکتور بیرجرونفیل عقداً بسنتین لیعمل فی مستشفى الملک سعود، وذهب إلى المملکة، وعندما انتهت مدّة السنتین فتح عیادته الخاصة، واستمر بها الى وقت قریب، وفی خلال هذه المدّة تجوّل فی داخل البلاد. وهو هنا یحدّث عما أبصره بعینه، وسمعه بأذنیه فی بلاد العرب الجیرة العربیة..
عدت من «المملکة السعودیة» قریباً بعد أن کنت أزاول مهنة الطب فی عدّة بلدان مختلفة، وصرّح لی بالعمل حتى فی البقاع البعیدة
التی لا یصرّح بدخولها إلاّ لعددٍ قلیل جدّاً من غیر العرب. ولن تجد فی أیّة بقعة من بقاع العالم من الوحشیة، والمذابح، والجوع مثل ما تجده الیوم فی السعودیة حیث أصبحت تفوق قصص ألف لیلة ولیلة الخرافیة!.
إن الزیت الموجود فی باطن الأرض قد جذب الشرکات الامریکیّة، کما أن موضع «السعودیة» الجغرافی جعلها حلیفة مرتبطة أشد الارتباط بالولایات المتحدة الامریکیة التی أنشات المطارات العسکریة، وتکلّفت الکثیر فی بناء القواعد والمؤسسات الحربیة.. والثروة التی تنفق فی سبیل الفساد، والإفساد والترف، وبناء القصور المجهّزة بتکییف الهواء، ووسائل اللّهو، والعبث، والملیئة بالرقیق والحریم التابع للملک سعود وعائلته، لم یکن لها ولو تأثیر بسیط على مستوى الحیاة العامة للشعب، التی تشبه حیاة الحیوان، والتی لا یمکن للمرء أن یصدّقها أبداً، ولم تتحسّن هذه الحیاة منذ عدّة قرون.
التمثیل بالإنسان الحیّ
فإذا خطرت ببالنا مسألة الجریمة وکیفیة العقاب نرى أن العربی الفقیر الذی یتّهم بالسرقة ـ وهی الجریمة الشائعة ـ یلقى القبض علیه، ویودع فی سجن حقیر کاللّحد لیس به نوافذ. ومن الناحیة النظریة نجد أن البولیس هو السلطة التی تتولى عمل التحریات الخاصة بالجریمة المزعوم ارتکابها، ولکن التحریات تستدعی أناساً على جانب من الذکاء أکثر من رجال البولیس السذج البسطاء الذین معظمهم أمیّون لا یمکنهم القراءة، أو الکتابة. والطریقة المألوفة فی معاملة المتهم هی أن یضرب بالسیاط حتى یعترف، وإن لم یعترف، فهناک طریقة أخرى، وهی: قلع الأظافر، والکی بالنار، وربط عضوه التناسلی بسلک معدنی دقیق مع إطعامه أشیاء مدرّة للبول، وتکبیل یدیه، وتعذیبه، وسیعترف بعد ذلک! حتماً!.. ولو فی غیبوبته!، وقد أدخلت «على السعودیة» وسائل هذا النوع من العذاب من قبل شخص جاء به جون فیلبی من العراق، ووضعه مدیراً للأمن العام ویدعى مهدی بک..وفی إمکانی أن أذکر من نتائج الکشوف الطبیة التی کنت أقوم بها أنّه یکفی المتهم سبع جلدات (دون ما سواها) حتى یعترف سواء کان مذنباً أو بریئاً!. ثم یحضر المتهم بعد ذلک أمام «القاضی» وهو رجل الدین الجاهل الذی یصدر الأحکام ارتجالاً فی کل منطقة حسب مزاجه!.
ومعظم هؤلاء «القضاة» الذین یکون تعیینهم الحقیقی تعییناً من الناحیة السیاسیة، هم أمیّون مثل رجال البولیس سواءٌ بسواءٍ، فاذا تصادف أن کان مع المتهم ثمة نقود، (وهذا من النادر أن یحدث) فإنّ المتهم یمکن إنقاذه بالرشوة وتکون العقوبة فی هذه الحالة هی مجرد ضربة عدداً من السیاط. ولکن النتیجة العادیة من «المحاکمة» والمحاکمة کلها تتلخص فی أن رجل الدین أو البولیس یقول:
إن المتهم قد اعترف بالجریمة! هی صدور النطق بالحکم «السعودی» بصورة مباشرة من القرآن الذی یصرفونه حسب أهوائهم، هذا بصرف النظر عما اذا کان السجین قد سرق ریالاً واحداً، أو تمرة، أو قطعة رغیب لإنقاذ حیاته من الجوع، فإنّ الحکم یستوی فی ذلک، فإذا سرق لأول مرة فإنّ یده الیمنى یجب أن تقطع من ناحیة المعصم، وإذا سرق مرة أخرى، فیجب أن تبتر رجله الیسرى، وثالث مرة تقطع قدمه. من ناحیة المفصل.
ولا تظنوا أنّ فیما أقوله مبالغة فقد أشرفت بنفسی على بعض هذه العملیات المضحکة التی ذهب ضحیّتها أحد الفقراء.
أمّا اللّص الحقیقی فذلک الحاکم الذی یأمر بقطع ثلاثة أعضاء من جسم الفقیر العاطل عن العمل، ولیس هناک ثمة خلاف «فی تطبیق الحکم» کما قلت إذا کان المتهم قد سرق کسرة من الخبز لیطعم بها عائلته التی تموت جوعاً، فإنّ «الحکم» لا یخفف وهو واجب التنفیذ فی هذا الصدد!.
وبصفتی طبیباً فقد کنت أحضر مئات من هذه «المحاکمات» العلنیة وذلک لکی أعالج السجین بعد أن ینتهی منه هؤلاء الموظفون والعبید.
ولقد صمّمت على أن أقدم تقریراً عن هذه الوحشیة إلى العالم الخارجی مهما کان فی ذلک الأمر من مخاطرة. وقد أدخل الحکام أخیراً بعض التحسینات على هذه التشویهات فی المدن الکبیرة فقط…
فعندما تجرى هذه التشویهات فی إحدى المدن الکبیرة یحضر بعض الأطباء لاستعمال «ضاغطة الشرایین» ویعالج الضحیة من الصدمة، ثم یأخذه بعد ذلک الى الصیدلیة..
وتجرى هذه «التحسینات» کما قلت فی المدن التی یوجد فیها عدد من الأجانب الذین یهزأون ویبکون أحیاناً لهذه المناظر المؤلمة.
أما فی المدن الصغیرة فإن الأیدی والأرجل تغمس فی الزیت المغلی بعد قطعها لإیقاف نزیف الدم! وغالباً ما یموت الضحیة.
وأمّا فی القرى البعیدة فان السجین یترک لیعالج نفسه بنفسه، أی یموت موتاً بطیئاً..
وفی البلاد المتمدنة التی یسیطر علیها الامریکان کالظهران مثلاً، تعطى للسجین حقنة ضد (التیتانوس) وهی إحدى الوسائل التی تمیز البلاد «المتمدنة» عن البلاد المتأخرة فی المملکة العربیة السعودیة السعیدة!.
وقد صرح لی شخص مطلع جداً ومن الحاشیة بأنه «قد زاد عدد الذین قطعت أیدیهم وأرجلهم عن (100) ألف رجل وطفل وأمرأة منذ أن حل فی البلاد حکم العائلة السعودیة» فلیتصوّر الأوروبی مصیر هؤلاء الناس وعائلاتهم.. بل لیتصوّر العرب الذین یهاجمون الاستعمار الغربی ووحشیته، بینما یغمسون رؤوسهم فی رمال الصحراء عن مخازی بعضهم وهمجیتهم..
جریمة القتل
وإذا کانت الجریمة المرتکبة هی القتل (سواء کان صادراً عن إرادة أو غیر إرادة) فلا تختلف عمّا إذا کان القتل مقصوداً به مجرد الدفاع عن النفس أم لا!. فإنّ النظام السعودی لم یمیّز بین هذا وذاک! والعقاب یجب أن یطبق تطبیقاً حرفیاً وهذا على الفقیر فقط کما أسلفت.عقوبة الزنى
وعقوبة الزنى هی التی تبدو أکثر بربریّة ووحشیة من جمیع العقوبات السعودیة، وإنّنی قد رأیت تنفیذ هذه العقوبة. ولکنی لم أتحمّل تنفیذها بهذا الشکل البشع على الرغم من طبیعتی کطبیب.فالمرأة الفقیرة التی یلقى القبض علیها بتهمة الزنى، تجرّد من ثیابها حتى تصبح عاریة ثم تربط بالحبال، وتؤخذ إلى المدینة أو القریة لتجوب الطرقات لیتمکّن کل إنسان من مشاهدتها.
وفی المیدان الرئیس حیث توجد حفرة ما، تدفن هذه المرأة هناک، وهی حیة ما عدا رأسها یکون مرتفعاً نوعاً ما عن سطع الأرض، ثم تحضر عربة محمّلة بالصخور الى هذا المیدان ویتسلّح کل فرد من الخدم والعبید لرجم الفقیرة بهذه الصخور، ثم یقفون خارج دائرة معینة حول هذه المرأة، وعندما تعطى إشارة من رئیس الشرطة فإنّ هؤلاء القوم یبدأون بقذف الحجارة وتصویبها إلى هذه الضحیّة المسکینة، التی تکون قد ارتکبت الخطیئة لتطعم أطفالها، وتستمر هذه العملیة حتى تموت هذه المرأة، ثم بعد ذلک یأخذون فی إخراج الجثة الخاصة بهذه المرأة لإعادة دفنها بطریقة «صحیحة» هناک.
ولا فرق فی هذا التشریع بین الرجل والمرأة، وغالباً ما یؤتى بالرجل والمرأة معاً فیربطان ظهراً لظهر ویرجمان حتى الموت بالطریقة سالفة الذکر.
هذا إذا کانا من الفقراء.
أما الأمراء والکبار فإنّهم یختطفون النساء، والغلمان من الشوارع، دون حسیب، أو رقیب وغالباً ما تذبح الضحیّة، بعد إتیان الفاحشة بها، وتعاد مذبوحة لترمى على عتبة باب أهلها.وماذا یفعل الأهل بعد ذلک؟ … ولمن الشکوى؟ فالخصم هو الحاکم..
ولیس هناک منازل علنیة للدعارة وفی الحقیقة فإنّا نجد أن الدعارة موجودة وتمارس بصورة وحشیة فی القصور..
حکم العبید!
وهناک حرکة کبیرة فی شراء وبیع الجواری والعبید، ولیس هناک تحید للجواری والعبید من البنات، وخاصة (بالنسبة إلى) الملک وأمراء العائلة المالکة والأتباع. وأکبر سوق علنی للرقیق موجود فی مکة.ومن سخریة القدر أن هذه المدینة تعتبر من أقدس المدن العربیة والاسلامیة على الإطلاق. فهناک یمکن للعبید من النساء أو الجواری
(العبدة هی امرأة افریقیة أمّا غیر الافریقیة فتعتبر جاریة) أن تباع بثمن یتراوح بین (150 جنیهاً الى 300 جنیه) وهذا یتوقف على مقدار جمالهن، أو جمالهم اذا کانوا ذکوراً. وتذهب البنات الى السوق بطرق مختلفة کثیرة فبعضهنّ قد اختطفن من أطراف الجزیرة الصحراویة الفقیرة حیث کنّ یعشن عیشة الحیوانات..
والبنت الجمیلة الجذابة التی یشتریها رجل سعودی غنی، تعیش عیشة راضیة، وهناک عدد کبیر من البنات یفضلن هذه العلاقة، أو هذه العیشة الفخمة نسبیّاً على حیاة القصور المفزعة. ومع ذلک فإنّ غالبیة البنات اللائی یعرضن للبیع یحضرن الى السوق بواسطة تجّار الرقیق الذین یبیعونهنّ کما تباع المواشی. ویعمل تجار الرقیق على ربط هؤلاء البنات مع بعضهن بالسلاسل ثم یعرضن فی السوق بالجملة (من خمسة إلى خمسین وستین) دفعة واحدة.
والذین یرغبون فی الشراء یعطی لهم الوقت الکافی الذی یرغبونه لفحص البضاعة، وتکون البنات لابسات ثیابهنّ، ولکن لا یلبسن النقاب على وجوههن (وهو النقاب الذی تلبسه المرأة السعودیة). فالعبدة یجب أن تکشف وجهها!
وإذا رغب المشتری فی شراء إحدى هؤلاء الفتیات، فإنّ الوسیط یخلی سبیلها ثم یأخذها المشتری إلى خیمته لیجری علیها اختباراً خاصاً لفحص الثدی والسن، والبطن وکافة أنحاء جسمها، فإنّ الدین السعودی یقول: (من اشترى ولم یر فله الخیار حتى یرى).
والمشتری المرتقب یجوز له أن یصطحب معه طبیباً لفحص الفتاة، ومعرفة ما بها من أمراض.
وفی احدى الحالات التی طلبت بها للکشف على فتاة عمرها خمسة عشر عاماً أراد أن یشتریها أمیر سعودی معروف بالشذوذ الجنسی، والتعذیب، فإنّنی لم أساعده بشهادة طبیة فی صالح الفتاة، وذلک حتى لا تقع هذه الضحیّة بین قبضتیه.
وعلى الرغم من الحقیقة وهی أن الفتاة کانت ملائمة وحالتها الصحّیة لا بأس بها، فاننی قد أعطیتها شهادة طبیّة غیر حسنة، وألغیت بذلک صفقة البیع.
إنّ سماسرة بیع الرقیق یحتفظون بهؤلاء العبید والجواری (ذکوراً واناثاً) فی غرف ذات قضبان حدیدیة فی منازلهم الخاصة. وذلک لیضمنوا بقاء البکارة للنساء.. ومعظم هؤلاء الأرقاء اختطفوا أصلاً من الیمن، وقطر، ودبی، وعمان، والبریمی، والجنوب العربی، وسوریا، ولبنان، والعراق، والأردن، وفلسطین، والمناطق الصحراویة فی الحجاز ونجد.
ومتوسط ثمن الجاریة الصحیحة البدن (1500) ألف وخمسمائة جنیه. ولکن ما یتکبّده (یدفعه) تاجر الرقیق فی هذا الصدد هو مبلغ زهید بخس دراهم معدودة کافیة له لکی یستحوذ على مثل هذه الفتاة.
وتعیش الجاریة مع زوجات السعودی الحرائر!. (وعشرٌ من الجواری یعتبرون أقل عدد ملائم لرجل سعودی ثری) ویجب علیهن أن یعملن فی المنزل.
أما الزوجات فهنّ لا یعملن شیئاً من الأعمال المنزلیة.
وإنّی لم أر أیّ سعودی یمنع من شراء وحفظ هذه الجواری على الرغم من أنّه کانت هناک فی الماضی بعض حالات تدلّ على تحریر الرقیق.
وتستّراً على الفضائح نلاحظ:
أن السعودیّین یتشدّدون الآن فی طرد غیر العربیات من سوق الرقیق وبامکان أی واحد أن یحضر هذه الأسواق العلنیة.إنّ المنظمات الدولیة التی تتحرى تجارة الرقیق فی السعودیة حاولت من آن لآخر أن تتعرّف على بعض الوسطاء الذین یعملون فی تجارة الرقیق، ولکنّها لم تحاول منعه فی السعودیة، وإن حاولت فإنّها لا یمکن أن تتمکن من منعه لوجود هذا الحکم العجیب، وبعض هؤلاء الارقّاء حاول شراء نفسه، وکان هؤلاء ممّن لهم مقدرة على الاندماج بالوطنیین، وأراد العیش فی عالم أفضل من عالم العبید.. ولکنّ کثیراً منهم اکتشف أمره، وکان عقابهم دائماً هو القتل أو الخصی أمام العامة الذی یجتمعون فی میدان عام، ویترکون بعد ذلک لیموتوا.
والفائدة التی تعود من شراء الجاریة ـ بدلاً من استخدام أمرأة تعمل بأجر زهید جداً ـ هو أن هناک مخاطرة فی الاتصال الجنسی ومزاولته مع خادمة لیست من العبید، بینما یمکن للسید أن یفعل ما یشاء مع أیة فتاة تکون عبدة له أو جاریة، وأیضاً فان العبد أو العبدة فیهما استثمار حسن.
ذلک أن کثیراً من السعودیین یأخذون معهم خمسة أو ستة من العبید فی رحلاتهم ثم یبیعونهم أثناء السفر على طول الطریق کأنهم شیکات مع المسافرین، أو یعلّمونهم قیادة السیارات، وبعض الحرف لاستثمار حیاتهم.
ومسألة شراء زوجة ما (بقصد الزواج) هی فی الواقع طریقة غیر مأمونة العواقب إذا قورنت بشراء الجاریة أو المحظیة، ذلک لأن وجه المرأة یجب أن یکون مغطى دائماً، ولا یمکن للرجل أن یرى وجه المرأة العادیة التی یرید أن یتخذها السعودی زوجة له.. وعلى ذلک فإنّ العریس المرتقب غالباً ما یستشیر العجائز من أهل الحی نظیر أجر معلوم وهن اللائی یخبرنه عن أجمل الفتیات.. حسب أذواقهن!. والمأمول من الزوج أن یتفاوض بعد ذلک مع والد الفتاة، ویمتد هذا التفاوض فی الغالب الى مدّة سبعة أشهر.
والفتاة الجمیلة یدفع مهرها مبلغاً یتراوح فی حدود (265) جنیه.. ولن یحظة العریس بمعاینة زوجته المرتقبة قبل اللیلة الأولى أو الثانیة للزواج.. وغالباً ما یفر العریس، أو العروس عندما یشاهد کل منهما الآخر..
ومع ذلک فإنّ والد الفتاة یحجز لدیه النقود التی دفعت له، وعلى العکس من ذلک إذا حدث أن هربت الفتاة بعد الزواج، وفی ذلک یکون والد الفتاة ملزماً بأن یدفع الى الزوج ضعف المبلغ الأصلی الذی دفعه مهراً لابنته.
أین تذهب الثروة؟
وکل ثروة البلاد لا یمکن تصدیقها تذهب إلى سعود وعائلته الملکّی، الاّ البعض من هذه الثروة فهو یذهب فی مشروعات لا تعود إلاّ على نفس العائلة السعودیة وأتباعها بالمال الوفیر.إنّ هذه الثروة الکبیرة لم تحدث أی تغییر فی معیشة هؤلاء الناس أو حتى إصلاح الطرق البدائیة الخربة.. ومتوسط منزل المواطن هو عبارة عن حجرة قذرة، أو حجرتین. ویتکوّن الأثاث من کلیم (فراش صوفی بسیط) على الأرض وهو بکل ما یمکن تدبیره کسریر. وجمع المیاه یجب أن تحمل بواسطة الصفائح من الآبار. أمّا المراحیض ودورات المیاه فلم نسمع بها. والحمام أیضاً غیر موجود. وعلى الرغم من أن تعالیم القرآن تتطلّب أن یغسل الشخص أذنیه، ووجهه، ویدیه، وأنفه، وقدمیه قبل أن یؤدی الصلاة، وأن هناک خمس صلوات فی الیوم، على الرغم من کل ذلک فان السعودیین الحکام یحاولون تجهیل شعبهم لیمرّ المواطن على هذا مرّ الکرام، ویتمسّح على هذه الأعضاء من جسمه لیلمسه مجرّد اللّمس فقط، لتفتک به الجراثیم الناتجة عن تراکم الأوساخ!.
ولقد لعب البنسلین دوراً کبیراً فی تخفیض بعض الأمراض مثل السیلان، ولکن الزهری الذی غالباً ما یکون وراثیاً لا یزال منتشراً، وهذه المشکلة مؤلمة. وقد قدم (بنى) الملک سعود بعض المستشفیات فی بعض المدن الکبرى ولکنه لا یوجد ثمة شخص یدیر هذه المستشفیات، وهذه المستشفیات بما فیها من معدّات هائلة لا تزال شاغرة یعلوها الصدأ، والتراب.
وفی مستشفى الملک سعود الخاص بالعائلة المالکة (یوجد أکثر من (300) أمیر من الدم الملکی الذی غالباً ما تکون أمراضهم ناتجة عن التخمة، أو السمنة، أو الرغبة فی اصطیاد الممرضات) وهو غاص بالأطباء المتمرّنین، والموظفین الأمیرکان الذین یشتغلون هناک بأجور خیالیة. أمّا أبناء الشعب فان المرض یعتبر جزءاً من حیاتهم، فلا أطباء، ولا عنایة طبیة..
ویعیش العربی هناک على وجبة واحدة من الرز والتمر، فإذا ما کان سعیداً فإنّه یأکل مرّة واحدة فی الشهر قطعة من لحم الماعز.
والأطفال الذین هم من أبناء الأغنیاء یعطون فی بعض الأحیان لبن الجمال، وإلاّ فانهم أیضاً یعیشون على الأرز، والمیاه. لأنّ معظم الأموال تصرف على الملذّات الجنسیة..
الحیاة العامّة
والناس هناک یضعون حولهم سیاجاً قدسیّاً، ذلک أن کل إنسان یخاف من کرباج رجال البولیس والدین السعودی، ولکنهم فی داخل جحورهم، ومنازلهم العاریة یفعلون کل ما یمکن أن یفعلوه..إنّ کبارهم یلعبون المیسر مع مراقبة البولیس، وتحت حمایة الحکم نفسه.
ویشترکون فی اللّذّة الجنسیة مع إحدى الجاریات التی یمتلکها شخص منهم، فإذا تصادف وضبط أحد آخر غیر الذی یمتلک هذه الفتاة فإنّ العقاب یکون الجلد بالنّسبة لهذه الجریمة..
وقد علمت من أحد المقرّبین للعائلة أن الأمراء یمارسون اللّذة الجنسیة مع قریباتهم وأقربائهم الصغار أیضاً، ویبیعون الأفیون على الشعب لیدخنه، ولکن ثمة عقوبة موجودة فی ذلک وهی الضرب بالسیاط بشکل قاس. وهکذا یبیعون الأفیون ویجلدون المشتری.
وقد یسمح بالرقص فی بعض الأحیان حیث تقرع الطبول (وتعزف الآلات) الموسیقیة، ولکن یمکن للرجل الرقص مع الرجال والنساء مع النساء.
ولا یمکن للرجل السعودی ان یعطی صوته فی الانتخابات حیث لیس هناک برلمان، ولیس هناک بالطبع اجتماع لهذا البرلمان،
والانتخابات محرّمة، والکلمة العلیا فقط تصدر من البیت السعودی. ولیس هناک سکک حدید، أو طرق ذات صفة مستدیمة..
أین تذهب الأموال؟!
وفیما عدا المدن الکبیرة فلیست هناک مدارس فی البلاد، ولیست هناک مشروعات لهذه المدارس.وأبناء الملک سعود لهم مدرسّون خصوصیون، وبینما تجد التعاسة والشقاء یخیّمان على عدد کبیر من المواطنین فی البلاد، نجد أن الکمالیات تسیطر على الحیاة الموجودة فی القصور الملکیة.
إنّ الزیت الموجود فی البلاد یقدّر بثلاثة أضعاف الزیت الموجود فی الولایات المتحدة، وکل هذا الذهب السائل یعتبر ملکاً خاصاً لآل سعود!.
فلیس «لجلالته» أن یعمل شیئاً بصدد هذا الزیت وهذه الآبار «التی یمتلکها» إن رؤوس الأموال الامریکیة، والموظفین الأمریکیین هم فقط کل شیء.. ولکن فی النهایة وبمعنى آخر فی نهایة کل عام یعطى الملک مئة ملیون جنیه بالإضافة إلى ما یستحصله بطرق أخرى.
وکل هذه الأموال تهدر دون وعی. فالسیارات الکادیلاک تطلب بالعشرات. والطائرات الخاصة، وکذلک أجهزة تکییف الهواء فی القصور التی توجد فی جمیع أنحاء «مملکة العائلة» وکذلک السیارات المصفّحة، والمذهّبة الملکیة المکیّفة بالهواء، التی تقابل الملک أینما حل فی البلاد، أو رحل، کل ذلک یتطلب أموالاً باهضة، وعملة صعبة ولکن.. لکل شیءٍ نهایة..
القصور والحریم
وأخر قصر ملکی انتهی من عمله فی جدّة تکلّف تسعة ملایین جنیه، وأمثاله فی الریاض ومکة، والمدینة، والظهران.. وفی الوقت الحاضر یمتلک سعود (124) قصراً خاصاً به بما فیها قصر آخر یبنى الآن فی الدمام. ویتکون حریم سعود فقط من (3000) ثلاثة آلاف أمرأة. وثلاثة من هؤلاء الزوجات یکنّ دائماً على استعداد یومیّاً.. ومعظم النساء، والجواری یتنافسن فی اللّون، والعمر، والجمال والحجم.. والسعودیون یعتبرون الحیاة الجنسیة لازمة مستلزمة من مستلزمات المظهر الملکی. ولیس هناک من یعلم من موظفی القصور الرسمیّة ما هو عدد بنات الملک سعود. وقد قیل لی من مصدر موثوق أن الملک له (130) ولداً آنذاک.وسعود یهتم کثیراً بالأولاد.. فهو یلعب معهم ویمنح کلاً منهم مرتّباً ثابتاً خیالیّاً. وعندما یبلغ عمر الابن سن الـ (12) عاماً یظهر ومعه من سیارات الکادیلاک وعدد من الخدم، والجواری، والنساء والعبید.. وعندما زارت السعودیة الملکة ثریا ملکة إیران السابقة منذ عدة سنوات أهداها الملک سعود من المجوهرات ما یعادل (35000) جنیه. وعدداً من السیارات المذهبة.
السَّفه
وفی أثناء زیارته الأخیرة لواشنطن، أدهش موظفی المطاعم بالمنح التی کان یهبها کساعات الذهب التی کان یخلعها على جمیع الجوسونات.وفی أثناء حکم الوالد عبدالعزیز بن سعود عندما کان یسافر الأمراء السعودیّون إلى بیروت، وأوروبا کانوا ینفقون أموالاً باهضة جداُ من الذهب، ولکن الملک سعود قد عمل على إیجاد مخصّصات للبیت المالک، فجعل إخوانه الاُمراء (وعددهم لا یحصى) یعیشون على مبلغ ثابت لکلّ منهم متوسطه (10500 جنیه شهریاً) علاوة على المصاریف الأخرى التی یمکن أن تستحصل عن طریق المصاریف اللاّزمة لإدارة قصورهم، وسیاراتهم الکادیلاک، والطائرات الخاصة، والحریم الخ..
وقد عین سعود أخاه الأمیر فیصل رئیساً للوزارة، ووزیراً للخارجیة بمرتب شهری قدره (100000) مئة ألف جنیه فی السنة. وقد أعطى مثل هذا المرتب الى أربعة آخرین من الأمراء الذین عینهم فی وزارته. ومع ذلک فإنّ «مجلس الوزراء المستوزرین» هذا لیس إلاّ صورة ناطقة بلسان الحکم السعودی ووحشیّته. وسعود بطیء التفکیر، بطیء الحرکة، لیس لدیه ما یؤهله لیتعامل، ویتفرّغ للمشکلات السعودیة. وقد تعلّم سعود من والده الطرق الوحشیة التی کان یجریها والده فی الصحراء.
فهو لم یدخل مدرسة ما، ولم یتعلّم شیئاً ، ولکنه تعلم کیف یکون لصّاً خطیراً، ومواجاً شهیراً..
وقد ساعد والده على تقویة الرقابة حول المملکة العربیة السعودیة عن طریق قطع الرقاب للقبائل المعارضة، والثائرة على الوضع الفاسد.
والملک الحالی جاء بعد موت والده فی عام (1953م) وذلک بالنسبة لماضیه الشریر، فهو لا یمکنه أن یفهم، أو یحاول ان یفهم المشاکل المعاصرة فی بلاده. فمثلاً عندما دعی سعود إلى زیارة رسمیة لشرکة آرامکو حیث یعمل بها (15000) عامل من العرب هناک (هذا هو کل العدد الذی یعمل فی الصناعة فی جمیع أنحاء المملکة السعودیة السعیدة.
کان هناک مظاهرة بقیادة (4000) من العمال لمقابلة الموکب الملکی قبل وصوله بقلیل، وکنت بنفسی موجوداً فی الشرکة فی ذلک الوقت، وعلى ذلک فإنّی شاهد عیان لما حدث عندما وصل الملک. عندما وصل سعود وحاشیته إلى بوابة الشرکة بدأ العمال بالصیاح:
(فلیسقط الظلم. فلیسقط المستعمرون الأمریکان) وذلک فی (9/6/1956م).
وهنا التفت سعود الى رئیس الحرس وأعطاه أمراً: على الفور نزل الحراس الخصوصیون بین العمال، وبدأوا بضرب المتظاهرین حتى أماتوا الکثیر منهم.
وتعتبر آرامکو بما فیها من الامریکان الفنّیّین الشریان الحیوی للعرش السعودی، وبدون هذه الشرکة لا یمکنهم أن یستحوذوا على قطرة من الزیت من باطن الأرض، کما أنهم لا یمکنهم أن یدیروا هذه الشرکة بما فیها من الآلات المعقّدة لأنّهم لا یعلّمون أبناء الشعب، ولا یعتمدون علیهم، لسبب واحد هو أنهم یخشونهم.
وفی الواقع انه لکی یکون سعر الزیت منخفضاً، ومبلغ الـ (100) ملیون جنیه بعیدة عن أن یشترک فیها أحد، لابدّ أن یکون معظم الشعب (المسعدن) جاهلاً بما یجری فی العالم الآخر من أحداث، ولکن الشعب یفهم واقعه تماماً وهو یغلی کالبرکان، رغم عدم تعلیمه.
المصدر : کتاب تجدید کشف الارتیاب ص (57) الى (69)
/ج