لابد وأن العائلة قد استبشرت وابتهجت بولادة السیدة زینب ( علیها السلام ) ، لأنها أول طفلة یحتفی بها بیت علی وفاطمة ( علیهما السلام ) فقد سبق وان ازدان البیت الطاهر بولیدین صبیین هما الحسن ( علیه السلام ) الذی ولد منتصف شهر رمضان فی السنة الثالثة للهجرة ، والحسین ( علیه السلام ) الذی ولد فی الثالث من شعبان للسنة الرابعة من الهجرة ، وتأتی الآن زینب ( علیها السلام ) فی السنة الخامسة کما یرجح ذلک المحققون (1) وبعد عام أو أکثر أنجبت السیدة الزهراء ( علیها السلام ) بنتاً أخرى هی أم کلثوم لتکون شقیقة لأختها زینب ( علیها السلام)
وخلافاً لما کان منتشراً عند بعض العرب فی الجاهلیة من التشاؤم والاستیاء عند ولادة البنت واعتبارها مولوداً ناقص القیمة والشأن ، بل قد تسبب لهم العار والفضیحة ، کما أنها لا تنفعهم فی المعارک والحروب ، ولذلک کان بعضهم یئدها عند ولادتها بقتلها أو بدفنها حیة کما أشار إلى ذلک القرآن الکریم بقوله : ( وإذا بشر أحدهم بالانثى ظل وجهه مسوداً وهو کظیم * یتوارى من القوم من سوء ما بشر به اُیمسکه على هون أم یدسه فی التراب ألا ساء ما یحکمون ) (2)
خلافاً لذلک فقد أرسى الإسلام ثقافة سلوکیة جدیدة فی المجتمع الإسلامی تدین تلک النظرة الأحتقاریة للبنت وتجعلها مساویة فی الشأن والقیمة للولد ، وأکثر من ذلک فان الرسول ( صلى الله علیه وآله ) کان یتحدث عن البنات بایجابیة أکبر ، ویربی المسلمین على أن یکونوا أکثر احتفاءً وسرواً بقدوم البنت .
وننقل هنا بعض الأحادیث والنصوص الواردة عن النبی ( صلى الله علیه وآله ) ، وعن الأئمة الطاهرین ( علیهم السلام )
بشر رسول الله ( صلى الله علیه وآله ) بابنة فنظر الى وجوه أصحابه فرأى الکراهة فیهم ، فقال : ما لکم ؟ ! ریحانة أشمها ورزقها على الله ( عز وجل ) .
وکان رسول الله ( صلى الله علیه وآله ) أبا بنات (3) .
عن حذیفة بن الیمان قال : قال رسول الله ( صلى الله علیه وآله ) : « خیر أولادکم البنات » (4) .
عن رسول الله ( صلى الله علیه وآله ) قال : « نعم الولد البنات المخدرات من کانت عنده واحدة جعلها الله ستراً من النار ، ومن کانت عنده اثنتان أدخله الله بهما الجنة ، ومن یکن له ثلاث أومثلهن من الاخوات وضع عنه الجهاد والصدقة » (5) .
عن النبی ( صلى الله علیه وآله ) قال : « من عال ابنتین أو ثلاثاً کان معی فی الجنة » (6) .
وعنه ( صلى الله علیه وآله ) : « من کانت له ابنة واحدة کانت خیراً له من ألف جنة وألف غزوة وألف بدنة وألف ضیافة » (7) .
عن الإمام موسى بن جعفر عن آبائه ( علیهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله علیه وآله ) : « ومن یمن المرأة أن یکون بکرها جاریة » یعنی أول ولدها (8) .
عن ابن عباس قال : قال رسول الله ( صلى الله علیه وآله ) : « من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها الى عیاله کان کحامل صدقة الى قوم محاویج ولیبدأ بالأناث قبل الذکور ، فانه من فرّح أنثى فکأنما أعتق رقبة من ولد اسماعیل » (9) .
وسبب آخر یؤکد على حتمیة السرور والأبتهاج الذی غمر البیت النبوی عند ولادة زینب هو المعرفة المسبقة التی أوحاها الله ( تعالى ) لرسوله ( صلى الله علیه وآله ) بالمکانة العظیمة الدور الریادی الذی ستقوم به هذه الولیدة فی الأمة الإسلامیة لذلک تشیر احدى الروایات الى أن تسمیة السیدة زینب ( علیها السلام ) قد تمت من قبل الله ( تعالى ) یقول العلامة الشیخ جعفر النقدی ما نصه :
لما ولدت زینب ( علیها السلام ) جاءت بها أمها الزهراء ( علیها السلام ) الى أبیها أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) ، وقالت : سمّ هذه المولودة .
فقال : ما کنت لأسبق رسول الله ( صلى الله علیه وآله ) .
وکان فی سفر له ، ولما جاء النبی ( صلى الله علیه وآله ) وسأله علی عن اسمها ، فقال : ما کنت لأسبق ربی ( تعالى) .
فهبط جبرئیل یقرأ على النبی السلام من الله الجلیل ، وقال له : سم هذه المولودة زینب فقد اختار الله لها هذا الاسم . ثم أخبره بما یجری علیها من المصائب ، فبکى النبی ( صلى الله علیه وآله ) (10) .
ولم یذکر الشیخ النقدی مصدر هذه الروایة ، لکن العلامة الشیخ محمد جواد مغنیة نقل الروایة فی کتابه : ( الحسین وبطلة کربلاء ) عن جریدة ( الجهوریة ) المصریة ( 31 ـ 10 ـ 1972 م ) للکاتب المصری یوسف محمود .
ویقول العلامة السید محمد کاظم القزوینی : سماها جدها الرسول زینباً ، والکلمة مرکبة من زین الأب ) (11) .
وتتحدث الکاتبة الأدیبة عائشة بنت الشاطئ عن الأجواء التی سادت البیت النبوی عند ولادة السیدة زینب ، فتقول :
وبدا کأن کل شیء یعد الولید بحیاة سعیدة ، وأقبل المهنئون من بنی هاشم والصحابة ، یبارکون هذه الزهرة المتفتحة فی بیت الرسول ، تنشر فی المهد عبیر المنبت الطیب ، وتلوح فی طلعتها المشرقة ووجهها الصبیح ، ملامح آباء وأجداد لها کرام .
لکنهم فوجئوا ـ لو صدقت الأخبار ـ بظلال حزینة تلف المهد الجمیل ! ظلال ربما لا یکون لأکثرها مکان فی کتاب تاریخ یکتب للتحقیق العلمی لکن لها مکانها فی النفس البشریة ووقعها على الوجدان .
حدثوا أن نبوءة ذاعت عند مولد الطفلة ، تشیر الى دورها الفاجع فی مأساة « کربلاء » وتحدث بظهر الغیب عما ینتظرها فی غدها من محن وآلام .
کانت المأساة معروفة فیما یقولون ، قبل موعدها بأکثر من نصف قرن من الزمان ففی ( سنن ابن حنبل ج 1 ص 85 ) أن جبرئیل أخبر محمداً بمصرع الحسین وآل بیته فی کربلاء .
وینقل ابن الأثیر فی ( الکامل ) أن الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) أعطى زوجه أم سلمة تراباً حمله له أمین الوحی من التربة التی سیراق فوقها دم الحسین وقال لها : إذا صار هذا التراب دماً فقد قتل الحسین .
وإن أم سلمة حفظت ذلک التراب فی قارورة عندها فلما قتل الحسین صار التراب دماً ، فعلمت أن الحسین قتل واذاعت فی الناس النبأ .
وسوف نسمع المؤرخین بعد ذلک فی حوادث عامی : ( 60 ـ 61 ) یذکرون أن ( زهیر بن القین البجلی ) وهو عثمانی الهوى خرج من مکة بعد أن حج عام ( 60 ) فصادف خروجه مسیر الحسین الى العراق فکان زهیر یسایر الحسین الا أنه لا ینزل معه ، فاستدعاه الحسین یوماً فشق علیه ذلک ، ثم أجابه فلما خرج من عنده أقبل على أصحابه ، فقال :
« من أحب منکم أن یتبعنی والا فإنه آخر العهد » .
ثم راح یروی لهم قصة قدیمة من عهد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) : قال انه خرج مع جماعة من المسلمین فی غزوة لهم فظفروا وأصابوا غنائم فرحوا بها ، وکان معهم « سلمان الفارسی » فأشار الى أن الحسین سیقتل : ثم قال سلمان لأصحابه : « اذا أدرکتم سید شباب أهل محمد فکونوا أشد فرحاً بقتالکم معه ، منکم بما أصبتم الیوم من الغنائم » .
قال ابن الأثیر : وتوجه زهیر ـ بعد أن حدث أصحابه بحدیث سلمان الفارسی ـ فودع أهله وطلق زوجته مخافة أن یلحقها أذى ، ولزم الحسین (علیه السلام) حتى استشهد معه .
وکان الحسین (علیه السلام ) فیما یروی المؤرخون یعلم منذ طفولته بما قدّر له ، کما کان دور أخته زینب حدیث القوم منذ ولدت . فهم یذکرون أن سلمان الفارسی أقبل على علی بن أبی طالب (علیه السلام ) یهنئه بولیدته ، فألفاه واجماً حزیناً ، یتحدث عما سوف تلقى ابنته فی کربلاء .
وبکى علی الفارس الشجاع ذو اللواء المنصور ، والملقب بأسد الإسلام ! .
أکانت هذه الروایات جمیعاً من مخترعات الرواة ومبتدعات السمّار ؟ أکانت من اضافات المنقّبین وتصورات المتحدثین عن الکرامات ؟ أکانت من شطحات الواهمین ورؤى المغرقین فی الخیال ؟ .
ذلک ما اطمأن الیه المستشرقون وقرّره « رونالدسون » فی کتابه ( عقیدة الشیعة ) ، و « لامنس » فی ( فاطمة وبنات محمد ) .
أما المؤرخون المسلمون فما یشک أکثرهم فی أن هذه الروایات کلها صادقة لا ریب فیها ، وقلّ منهم من وقف عند خبر منها مرتاباً أو متسائلاً . ولیس الأقدمون وحدهم هم الذین نزهوا مثل هذه الروایات عن الشک ، بل ان من کتاب العصر من لا یقل عنهم ایماناً بتلک الظلال التی أحاطت بمولد زینب . فهذا الکاتب الهندی المسلم « محمد الحاج سالمین » یصف فی الفصل الأول من کتابه ( سیدة زینب (کیف استقبلت الولیدة بالدموع والهموم ، ثم یمضی ـ بعد أن ینقل بعض المرویات عن النّبوءة المشئومة ـ فیمثل النبی العظیم (صلی الله علیه وآله وسلم ) وقد انحنى على حفیدته یقبّلها بقلب حزین وعینین دامعتین ، عالماً بتلک الأیام السّود التی تنتظرها وراء الحجب .
ویمضی « سالمین » فیتساءل : « ترى الى أی مدى کان حزنه حین رأى بظهر الغیب تلک المذبحة الشنعاء التی تنتظر الغالی ! وکم اهتّز قلبه الرقیق الحانی وهو یطالع فی وجه الولیدة الحلوة ، صورة المصیر الفاجع المنتظر ؟ ! (12) .
المصادر :
1- زینب الکبرى / النقدی ص 18
2- سورة النحل ، الآیات 58 ـ 59
3- وسائل الشیعة/ الحر العاملی ج 15 ، ص 102 .
4- بحار الأنوار / المجلسی ج 101 ، ص 91 .
5- المصدر السابق ص 91 .
6- الطفل نشوءه وتربیته / مؤسسة البعثة ص 272 .
7- المصدر السابق ص 272 .
8- المصدر السابق ص 273 .
9- بحار الأنوار / المجلسی ج 101 ، ص 104 .
10- زینب الکبرى / النقدی ص 16
11- فاطمة الزهراء من المهد الى اللحد / القزوینی ص 229
12- السید زینب /عائشة بنت الشاطیء ص 28
/ج