إن الأحادیث المتضمنة لسهو النبی صلى الله علیه وآله وسلم عند علماء الجمهور هی محل نقاش فیما بینهم ، فمنهم من نفى عنه السهو ، وهو ما ذهب إلیه أبو إسحاق الأسفراینی الشافعی ومنهم جوز علیه صلى الله علیه وآله وسلم السهو بشرط التنبیه علیه من قبل الله سبحانه . وقسم ثالث جوز علیه صلى الله علیه وآله وسلم السهو بشرط عدم الإصرار على أنه یعد من الخطأ . (1)
ثم اختلفوا ف أصل الحدیث المروی عن ذی الیدین بکونه منسوخاً بحدیث ابن مسعود .
وبعد کل ذلک فإن فتاواهم قد اختلفت ، ولهم فی ذلک مذاهب متعددة ، بالخصوص عند جمهور السلف .
والذی استعرضناه یکفی لإبطال ، قول السید الزواوی فی تعلیقه على مسند الإمام الشافعی ، والذی ذهب إلى تجویز السهو على النبی صلى الله علیه وآله وسلم .
أدلة عدم السهو
بعد استعراضنا للروایات والأخبار من الخاصة والعامة فی سهو النبی بینا بعض فتاوى أهل السنة من المذاهب الأربعة واختلافهم فی سهو النبی مع اختلاف الروایات التی نقلوها فی هذا الصدد ، ثم أشرنا إلى من خالف قولهم کأبی إسحاق الأسففراینی وأبو حنیفة ...أقول أن القائلین بسهو النبی من بین المسلمین هم أغلب علماء الجمهور وقد مر ، ومن الخلاصة الشیخ الصدوق وشیخه محمد بن الحسن ابن أحمد بن الولید . ولم یتابعهم إلا الشذاذ من الناس ، وأما الطائفة المحقة ـ قدیماً وحدثاً ـ فإجماعهم على خلاف ما ذهب إلیه ابن الولید والشیخ الصدوق ( رضی الله عنه )
قال الصدوق فی الفقیه : أن الغلاة والمفوضة لعنهم الله ینکرون سهو النبی صلى الله علیه وآله وسلم ویقولون : لو جاز أن یسهو علیه السلام فی الصلاة جاز أن یسهو فی التبلیغ لأن الصلاة علیه فریضة کما أن التبلیغ علیه فریضة ، وهذا لا یلزمنا ، وذلک لأن جمیع الأحوال المشترکة یقع على النبی صلى الله علیه وآله وسلم فیما یقع على غیره ، وهو متعبد بالصلاة کغیره ممن لیس بنبی ولیس کل من سواه بنبی کهو ، فالحالة التی أختص بها هی النبوة والتبلیغ ما یقع الصلاة لأنها عبادة مخصومة ، و الصلاة عبادة مشترکة ، وبها یثبت له العبودیة وبإثبات النوم له عن خدمة ربه عز وجل من غیر إرادة وله قصد منه إلیه نفی الربوبیة عنه ، لأن الذی لا تأخذه سنة ولا نوم هو الله الحی القیوم ، ولیس سهو النبی صلى الله علیه وآله وسلم کسهونا من الله عز وجل وإنما أسهاه لیعلم أنه بشر مخلوق فلا یتخذ رباً معبوداً دونه ولیعلم الناس بسهوه حکم السهو متى سهوا .
وسهونا من الشیطان ولیس للشیطان على النبی صلى الله علیه وآله وسلم والأئمة سلطان ، إنما سلطانه على الذین یتولونه والذین هم به مشرکون ، وعلى ن تبعه من الغاوین ثم یقول :
وکان شیخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الولید یقول : أول درجة من الغلو نفی السهو عن النبی صلى الله علیه وآله وسلم ولو جاز أن یرد الأخبار الواردة فی هذا المعنى لجاز أن یرد جمیع الأخبار ... (2)
هذا خلاصة ما قاله الشیخ الصدوق وشیخه ابن الولید . أما ردنا على من قال بسهو النبی صلى الله علیه وآله وسلم فهی الأدلة النقلیة والعقلیة :
أما الأدلة النقلیة فهی المأخوذة من الکتاب والسنة والإجماع المنقول ، أما من الکتاب : فقوله تعالى : ( وما ینطق عن الهوى إن هو إلا وحی یوحى ) (3)
وقال تعالى : ( إن اتبع إلا ما یوحى إلی ) (4)
وقوله تعالى : ( وکذلک أوحینا إلیک روحاً من أمرنا ما کنت تدری ما الکتاب ولا الإیمان ولکن جعلناه نوراً نهدی به من نشاء من عبادنا وانک لتهدی إلى صراط مستقیم صراط الله الذی له ما فی السماوات وما فی الأرض ألا إلى الله تصیر الأمور ) (5)
عن الصفار قال حدثنا محمد بن عبد الحمید عن منصور بن یونس عن أبی بصیر قال قلت لأبی عبد الله علیه السلام جعلت فداک عن قول الله تبارک وتعالى : ( وکذلک أوحینا إلیک روحاً من أمرن ) .
قال علیه السلام یا أبا محمد خلق الله أعظم من جبرائیل ومیکائیل وقد کان مع رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم یخبره ویسدده وهو مع الأئمة یخبرهم ویسددهم (6)
وقال تعالى : ( وما أتاکم الرسول فخذوه وما نهاکم عنه فانتهوا ) (7)
وقال تعالى : ( سنقرئک فلا تنسى ) (8)
وقال تعالى : ( إنما یرید الله لیذهب عنکم الرجس أهل البیت ویطهرکم تطهیرا ) (9)
وقال تعالى : ( وتعیها إذن واعیة ) (10)
روى المفسرون من العامة والخاصة أنها نزلت فی أمیر المؤمنین علیه السلام وأنه قال ما سمعت من رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم فنسیته ، وهذا عام مطلق فی التبلیغ وغیره فإذا کان أمیر المؤمنین علیه السلام ینفی عنه السهو والنسیان فالنبی صلى الله علیه وآله وسلم بطریق الأولویة یثبت عنه نفی السهو والنسیان .
وقال تعالى : ( إن الله اصطفى آدم ونوح وآل إبراهیم وآل عمران على العالمین ) (11)
والاصطفاء والاختیار والاجتباء نظائر على وزن افتعال ، والاصطفاء من الصفوة والصافی الذی خلص من الشوائب والأشیاء العالقة الکدرة .
فمثل سبحانه خلوص هؤلاء القوم من الفساد والنقص ظاهراً وباطناً بخلوص الصافی من شوائب الأدناس وذمائم الصفات وقبائح الأفعال ولا شک أن السهو والنسیان من الصفات الذمیمة ، وأن الساهی أو الناسی إن لم یستحق الذم فهو قطعاً لا یستحق المدح . فإن آل عمران من آل إبراهیم وآل إبراهیم هم آل محمد صلى الله علیه وآله وسلم وهؤلاء علیهم السلام بحکم العقل معصومون منزهون عن کل قبیح ونقص وقد علمت أن النسیان والهو قبح ونقص ، کما أن الله سبحانه لا یختار لأمته ولا یصطفى لهم إلا من یکون طاهره مثل باطنه فی الطهارة والعصمة .
وقال تعالى : ( قل إن کنتم تحبون الله فاتبعونی یحببکم الله ) (12) دلت الآیة على وجوب متابعة الرسول فی أفعاله وأوامره وأقواله ، فلو جاز علیه السهو والنسیان لوجبت متابعته فیهما وهذا باطل لا یقول به أدنى عاقل ، وأقله أنه یلزم جواز المتابعة وهذا کذلک واضح بطلانه .
وقال تعالى : ( ورحمتی وسعت کل شیء فسأکتبها للذین یتقون ، ویؤتون الزکاة ، والذی هم بآیاتنا یؤمنون ، الذی یتبعون الرسول النبی الأمی ) (13)
دلالة الآیة واضحة کما تقدم فی الآیة السابقة .
ومن السنة : فالأدلة کثیرة نقتصر على بعض الروایات الصادرة عنهم علیهم السلام : الصفار عن الحسین بن محمد ،، عن المعلى عن عبد الله بن إدریس ، عن محمد بن سنان عن المفضل ، عن أبی عب الله علیه السلام قال : یا مفضل إن الله تبارک وتعالى جعل للنبی صلى الله علیه وآله وسلم خمسة أراح : روح الحیاة ، فیه دب ودرج ، وروح القوة فیه نهض وجاهد ، وروح الشهوة فیه أکل وشرب وأتى النساء من الحلال ، وروح الإیمان فیه أمر وعدل ، وروح القدس لا ینام ولا یغفل ولا یلهو ولا یسهو ، والأربعة الأرواح تنام وتلهو وتغفل وتسهو ، وروح القدس ثابت یرى به ما فی الأرض شرقها وغربها برها وبحرها ، قلت : جعلت فداک یتناول الإمام ما ببغداد بیده ؟ قال : نعم وما دون العرش (14)الطوسی بإسناده عن محمد بن علی بن محبوب عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن بکیر عن زرارة قال سألت أبا جعفر علیه السلام هل سجد رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم سجدتی السهو قط ؟ قال : لا ولا یسجدها فقیه . قال الشیخ الذی أفتى به ما تضمنه هذا الخبر فأما الأخبار التی قدمناها من أنه سها فسجد فهی موافقة للعامة وإنما ذکرناها لأن مما تضمنه من الأحکام معمول بها ... (15)
وعن الصاادق علیه السلام عن آبائه عن أمیر المؤمنین علیه السلام فی بیان صفة الإمام : فمنها أنه یعلم الإمام المتولی علیه أنه معصوم من الذنوب کلها صفیرها وکبیرها لا یزل فی الفتیا ولا یخطئ فی الجواب ، لا یسهو ولا ینسى ، ولا یلهو بشیء من أمر الدنیا ..
وفی طیات الحدیث قال علی علیه السلام : وعدلوا عن أخذ الأحکام من أهلها ممن فرض الله طاعتهم ، ممن لا یزل ولا یخطیء ولا ینسى (16) .
الکلینی ، عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن علی بن حدید عن سماعه بن مهران قال کنت عند أبی عبد الله علیه السلام وعنده جماعة من موالیه فجرى ذکر العقل والجهل فقال أبو عبد الله صلى الله علیه وآله وسلم اعرفوا العقل وجنده والجهل وجنده تهتدوا قال سماعه : فقلت جعلت فداک لا نعرف إلا ما علمتنا ... ثم ذکر الإمام الصادق علیه السلام ما للعقل من جنده وما للجهل منن جند ، ثم قال علیه السلام : فکان مما أعطى العقل من الخمسة والسبعین الجند :
الخیر وهو وزیر العقل وجعل ضده الشر وهو وزیر الجهل . والعلم وضده الجهل والتسلیم وضده الشک .. والتذکیر وضده السهو .. والحفظ وضده النسیان .. والطاعة وضدها المعصیة .. الخ
ثم قال علیه السلام فلا تتجمع هذه الخصال کلها من أجناد العقل إلا فی نبی أو وصی نبی أو مؤمن امتحن قلبه للإیمان وأما سائر ذلک من موالینا فإن أحدهم لا یخلو من أن یکون فیه بعض هذه الجنود حتى یستکمل وینقى من جنود الجهل فعند ذلک یکون فی الدرجة العلیا مع الأنبیاء والأوصیاء وإنما یدرک ذلک بمعرفة العقل وجنوده وبمجانبة الجهل وجنوده (17) .
وفی الخبر المروی عن الإمام الرضا علیه السلام فی فضل الإمام وضفاته قال علیه السلام ... والإمام عالم لا یجهل وراع لا ینکل ، معدن القدس والطهارة والنسک والزهادة ، العلم والعبادة ، مخصوص بدعوة الرسول صلى الله علیه وآله وسلم ونسل المطهرة البتول ، لا مغمرز فیه فی نسب ولا یدانیه ذو حسب ، فی البیت من قریش والذروة من هاشم والعترة من الرسول صلى الله علیه وآله وسلم والرضا من الله عز وجل شرف الأشراف والفرع من عبد مناف نامی العلم ، کامل الحلم ، مضطلع بالإمامة عالم بالسیاسة مفروض الطاعة قائم بأمر الله عز وجل ، ناصح لعباد الله ، حافظ لدین الله ...
إن الأنبیاء والأئمة صلوات الله علیهم یوفهم الله ویؤتیهم من مخزون علمه وحکمه ما لا یؤتیه فیرهم فیکون علمهم فوق علم أهل الزمان ... إلى أن یقول :
وأن العبد إذا اختاره الله عز وجل لأمور عباده ، شرح صدره لذلک ، وأودع قلبه ینابیع الحکمة ، وألهمه العلم إلهاماً فلم یع بعده بجواب ، ولا یجید فیه عن الصواب ، فهو معصوم مؤید ، موفق ، مسدد ، قد أمن من الخطایا والزلل والعثار یخصه الله بذلک لیکون حجته وشاهد على خلقه ، وذلک فضل الله یؤتیه من یشاء والله ذو الفضل العظیم ... (18)
وفی الحدیث المستفیض المشهور بین الخاصة والعامة عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم قال صلوا کما رأیتمونی أصلی (19)
فلو جاز علیه السهو والنسیان ـ وبالخصوص فی مورد الزیادة الرکنیة أو النقصیة الرکنیة المبطلة للصلاة حتى سهواً ـ لما جاز الاقتداء به فی شیء من الصلاة التی یحتمل وقوع السهو فی کل واحد منها ، فالرسول صلى الله علیه وآله وسلم یأمرالمسلمین بمتابعته لکونه فی مقام التبلیغ فکیف یأمرهم بالمتابعة مع جواز وقوع السهو منه فی صلاته ؟! وهذا یعنی متابعته حتى فی السهو والمبطل وهذا باطل لا محالة .
فی الخصال عن العجلی عن ابن زکریا القطان عن ابن حبیب عن ابن بهلول عن ابن معاویة عن سلمان بن مهران عن أبی عبد الله علیه السلام قال : عشر خصال من صفات الإمام :
العصمة ، والنصوص ، وأن یکون أعلم الناس ، واتقاهم لله ، وأعلمهم بکتاب الله ، وأن یکون صاحب الوصیة الظاهرة ، ویکون له المعجزة والدلیل وتنام عینه ولا ینام قلبه ، ولا یکون له فیء ، ویرى من خلفه کما یرى من بین یدیه (20)
وفی کشف الغمة من کتاب الدلائل للحمیری عن محمد بن الأقرع قال : کتبت إلى أبی محمد علیه السلام أسأله عن الإمام هل یحتلم ؟
وقلت فی نفسی بعدما فصل الکتاب : الاحتلام شیطنة وقد أعاذ الله أولیاءه ، من ذلک فرد الجواب :
الأئمة حالهم فی المنام حالهم فی الیقظة لا یغیر النوم منهم شیئاً قد أعاذ الله أولیاءه من لمة الشیطان کما حدثتک نفسک (21) .
وفی الحدیث المشهور المستفیض بین الخاصة والعامة قوله صلى الله علیه وآله وسلم :
( خذوا عنی مناسککم ) ووجه الاستدلال واضح حیث یأمرهم صلى الله علیه وآله وسلم بمتابعته فی الأفعال والأقوال والأوامر ، وقد عرفت فیما تقدم أنا لا یأمر بمتابعته فی الأفعل إلا لکونه ما یصدر عنه صلى الله علیه وآله وسلم هو على أتم الصحة والصواب .
وروى الکلینی فی کتاب الحجة عن علی بن محمد عن بعض أصحابنا عن ابن أبی عمیر عن جریر عن زرارة عن أبی جعفر علیه السلام : قال :
للإمام عشرة علامات یولد مطهراً مختوناً ، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعاً صوته للشهادتین ولا یجنب ولا تنام عینه ولا ینام قلبه ولا یتثأب ولا یتمطى ویرى من خلفه کما یرى من أمامه ، ونجوه کرائحة المسک والأرض موکلة بستره وابتلاعه وإذ لبس درع رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم کان علیه وافقاً وإذا لبسها غیره من الناس طویلهم وقصیرهم زادت علیه شبراً وهو محدث إلى أن تنقضی أیامه (22) .
وجه دلالة الحدیث واضحة وهو دال على نفی السهو عنهم فی حال النوم فضلاً عن حال الیقظة .
وروى الصدوق فی العلل ، فی باب العلة التی من أجلها صارت الإمامة فی ولد الحسین دون ولد الحسن علیه السلام الصدوق بإسناده عن أبی جعفر علیه السلام قال : قال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم لأمیر المؤمنین علیه السلام اکتب ما أخاف علیک النسیان ، وقد دعوت الله لک أن یحفظک ولا ینسیک ولکن اکتب لشرکائک . قال قلت : ومن شرکائی یا نبی الله ؟ قال الأئمة من ولدک ... الحدیث (23) .
أقول کیف لا یخاف صلى الله علیه وآله وسلم على الوصی النسیان ویقع ذلک منه فینسى نصف صلاته ویحتاج إلى ذی الشمالین أی ذی الیدین فیذکره ما نسی ویدلیه على اشتباهه وخطأه فیرده عن الشک والسهو کی یضیف رکعتین لتتم بها الصلاة ؟! ألیس ذلک اجتراء على الرسول فیما نسبوه إلى السهو والنسیان ؟!
عن محمد بن الحسن الصفار قال حدثنا أحمد بن عیسى عن الحسین القلانسی قال سمعته یقول فی هذه الآیة یسألونک عن الروح قل الروح من أمر ربی قال ملک أعظم من جبرائیل ومیکائیل ولم یکن مع أحد ممن مضى غیر محمد صلى الله علیه وآله وسلم وهو مع الأئمة ولیس کما ظننت (24) .
وعن الصفار قال حدثنا محمد بن عیسى بن أسباط عن علی بن أبی حمزة عن أبی بصیر عن أبی جعفر صلى الله علیه وآله وسلم سألته عن قول الله عز وجل ( ینزل الملائکة بالروح من أمره على من یشاء من عباده ) (25) فقال جبرائیل الذی نزل على الأنبیاء والروح تکون معهم ومع الأوصیاء لا تفارقهم تفقههم وتسددهم من عند الله وأ،ه لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم وبهما عبد الله واستعبد الخلق وعلى هذا الجن والأنس والملائکة ولم یعبد الله ملک ولا نبی ولا إنسان ولا جان إلا بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وما خلق الله خلقاً إلا للعبادة (26) .
والأحادیث الرابعة عنهم فی هذا الباب أی تسدیدهم وتوفیقهم ، وأن روح القدس یحفظهم من الخطأ والزلل والسهو والنسیان أنها لأحادیث کثیرة معتبرة وقد اکتفینا بما أوردناه ، وقد أورد الحر العاملی إحدى وأربعین دلیلاً من السنة فی نفی السهو فراجع .
الإجماع :
أولاً : قال السید المرتضى فی تنزیه الأنبیاء فی الرد على النظام وجعفر ابن مبشر ومن وافقهما فی باب السهو والغفلة :.. لأن السهو یزیل التکلیف ویخرج الفعل من أن یکون ذنباً مؤاخذاً به ولهذا لا یصح مؤاخذة المجنون والنائم وحصول السهو فی أنه مؤثر فی ارتفاع التکلیف بمنزلة فقد القدرة والآلاف والأدلة فلو جاز أن یخالف حال الأنبیاء علیهم السلام فی صحة تکلیفهم مع السهو جاز أن یخالف حالهم لحال أمتهم فی جواز التکلیف مع فقد سائر ما ذکرنا وهذا واضح فأما الطریق الذی به یعلم أن الأئمة علیهم السلام لا یجوز علیهم الکبائر فی حال الإمامة فهو أن اإمام أنما احتیج إلیه لجهة معلومة ، وهی أن یکون المکتفون عند وجوده أبعد من فعل القبیح وأقرب من فعل الواجب ...، فلو جاز علیه الکبائر لکانت علة الحاجة إلیه ثابتة فیه وموجبة وجود إمام یکون إماماً له والکلام فی إمامته
کالکلام فیه وهذا یؤدی إلى وجود ما لا نهایة له من الأئمة وهو باطل والانتهاء إلى إمام معصوم وهو المطلوب (27)
ثانیاً : قال الشیخ المجلسی ( قدس سره الشریف ) : أن أصحابنا الإمامیة اجمعوا على عصمة الأنبیاء والأئمة ـ صلوات الله علیهم ـ من الذنوب الصغیرة والکبیرة عمداً وخطأ ونسیاناً قبل النبوة والإمامة وبعدهما : بل من وقت ولادتهم إلى أن یقولوا الله سبحانه ، ولم یخالف فیه إلا الصدوق محمد بن بابویة وشیخه ابن الولید ( قدس الله روحهما ) فجوزوا الإسهاء من الله تعالى ، لا السهو الذی یکون من الشیطان ، ولعل خروجهما لا یخل بالإجماع ، لکونهما معروفی النسب ، وأما ا لسهو فی غیر ما تعلق بالواجبات والمحرمات کالمباحات والمکروهات فظاهر أکثر أصحابنا أیضاً الإجماع على عدم صدوره عنهم (28)
قال المفید فی أوائل المقالات : أن الأئمة القائمین مقام الأنبیاء علیهم السلام فی تنفیذ الأحکام وإقامة الحدود وحفظ الشرائع وتأدیب الأنام معصومون کعصمة الأنبیاء وأنهم لا یجوز منهم صغیرة إلا ما قدمت ذکر جوازه على الأنبیاء (29) وأنه لا یجوز منهم سهو فی شیء فی الدین ولا ینسون فی الأحکام وعلى هذا مذهب سائر الإمامیة إلا من شذ منهم وتعلق بظاهر روایات لها تأویلات على خلاف ظنه الفاسد فی هذا الباب (30) والمعتزلة بأسرها تخالف فی ذلک (31)
وقال المفید فی تصحیح الاعتقاد : وأما نص أبی جعفر ( رضی الله عنه ) بالغلو على من نسب مشائخ القمیین وعلمائهم إلى التقصیر فلیس نسبة هؤلاء القوم إلى التقصیر علامة على غلو الناس ، إذ فی جملة المشار إلیهم بالشیخوخة والعلم من کان مقصراً وإنما یجب الحکم بالغلو على من نسب المحققین إلى التقصیر سواء کانوا من أهل قم أم من غیرها من البلاد وسائر الناس ، وقد سمعنا حکایة ظاهرة عن أبی جعفر محمد بن الحسن بن الولید رحمه الله لم نجد لها دافعاً فی التفسیر ، وهی ما حکی عنه أن قال أول درجة الغلو نفی السهو عن النبی والإمام علیه السلام عن مراتبهم ورأینا فی أولئک من یقول أنهم ملتجئون فی حکم الشریعة إلى الرأی والظنون ویدعون مع ذلک أنهم من العلماء وهذا هو التقصیر الذی لا شبهة فیه .. (32)
قال أبو صلاح الحلبی : والصفات التی یجب کون الرسول صلى الله علیه وآله وسلم علیها هی أن یکون معصوماً فیما یؤدی ، لأن الخطأ علیه فی الآداء تمنع من الثقة به ، ویسقط فرض أتباعه ، وذلک ینقص جملة الغرض بإرساله ، وأن یکون معصوماً من القبائح لکونه رئیساً وملطوفاً برئاسته لغیره حسب ما دللنا علیه ولان تجویز القبیح علیه یقتضی إیجاب القبیح ولأن تعظیمه واجب على الاطلاق والستخفاف به فسق ـ على مذاهب من خالفنا ـ وکفر عندنا ووقع القبیح منه یوجب الإستخفاف فیقتضی ذلک وجوب البراءة منه مع وجوب الموالاة له (33) .
قال المحقق الطوسی : ویجب فی النبی العصمة لیحصل الوثوق فیحصل الغرض ولوجوب متابعته وضدها والإنکار علیه ، وکنال العقل والذکاء والفطنة وقوة الرأی وعدم السهو وکلما ینفر عنه من دناءة الأباء وعهر الأمهات والفظاظة والغلظة والابنة وشبهها والأکل على الطریق وشبهه (34) .
قال العلامة الحلی ( قدس سره الشریف ) فی شرح کلام المحقق الطوسی الآنف الذکر : یجب أن یکون فی النبی هذه الصفات التی ذکرها وقوله وکمال العقل عطف على العصمة وقوة الرای بحیث لا یکون ضعیف الرای متردداً فی الأمور متحیراً لان ذلک من أعظم المنفرات عنه وأن لا یصح علیه السهو لئلا یهو عن بعض ما أمر بتبلیغه وأن یکون منزهاً عن دناءه الاباء وعهر الأمهات لان ذلک منفر عنه وأن یکون منزها عن الغلظة لئلا یحصل النفرة عنه وأن یکون منزها عن الأمراض المنفة نحو الابنة وسلس الریح والجذام والبرص وعن کثیر من المباحات الصارفة عن القبول القادحة فی تعظیمه نحو الأکل على الطریق وغیر ذلک لأن ذلک کله ما ینفر عنه فیکون منافیاً للغرض من البعثة (35) .
وقال العلامة الحلی فی الرسالة السعدیة : أنه لا یجوز علیه الخطأ والنسیان وذهبت أخرى إلى جواز ذلک حتى قالوا أن النبی صلى الله علیه وآله وسلم کان یصلی الصبح یوماً فقرأ مع الحمد والنجم إذا هوى إلى أن یصل إلى قوله : ( افرأیتم اللات والعزى ومناة الثلاثة الاخرى ) قرأ تلک الغرانیق الأولى منها الشفاعة ترجى ، ثم استدرک . وهذا فی الحقیقة کفر .
وأنه صلى یوماً العصر رکعتین وسلم ثم قام إلى منزله وتنازعت الصحابة فی ذلک وتجادلوا فی الحدیث إلى أن طلع النبی صلى الله علیه وآله وسلم فقال لهم فی ماحدث بینکم ؟ فقالوا یا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسیت فقال لم أقصر ولم أنس فیما سئلتم قالوا یا رسول الله صلیت العصر رکعتین فلم یقبل النبی صلى الله علیه وآله وسلم حتى شهد بذلک جماعة فاقام فاتم صلاته وهذا المذهب فی غایة الردائة ، والحق الأول فإنه لو جاز علیه السهو والخطأ لجاز ذلک فی جمیع أفعاله فلم یبق وثوق بإخباراته عن الله تعالى ولا بالشرائع والأدیان لجواز أن یزید فیهما سهوا ، فتنفى فائدة البعثة ومن المعلوم بالصروره وصف النبی صلى الله علیه وآله وسلم بالعصمة أحسن وأکمل من وصفة بضدها فیجب المصیر إلیه لما فیه من الأحراز عن الضرر والمظنون بل المعلوم (36) .
قال الفاضل المقداد : من صفات النبی صلى الله علیه وآله وسلم کونه معصوماً ... والدلیل على أنه معصوم أنه لو لم یکن معصوماً لجوز المکلفون عند أمره لهم ونهیه أیاهم أن یکون کاذباً فی ذلک فلا یمتثلون ما یأمرهم به وینهاهم عنه فتنتهی فائدة البعثة لان فائدة البعثة تبلیغ التکلیف من الله تعالى للمکلف وفیه تعریض للثواب الذی هو وجه حسنن التکلیف فلا یکون فی بعثة الأنبیاء فائدة وکل ما لا فائدة فیه عبث والعبث قبیح والقبیح لا یصدر منه (37) .
قال المحقق فی مختصر النافع ، بعدما أورد جملة من فتاواه فی أحکام السهو فی الزیادة والنقیصة :
( والحق رفع منصب الإمامة عن السهو فی العبادة ) (38) .
أقول مقام النبوة أرفع شأناً من منصب الإمامة فمن باب أولى أن ینزه النبی صلى الله علیه وآله وسلم عن السهو .
وقال العلامة فی المنتهى ، فی مسألة التکبیر فی سجدتی السهو : احتج المخالف بما رواه أبو هریرة عن النبی صلى الله علیه وآله وسلم قال : ثم کبر وسجد ، والجواب : هذا الحدیث عندنا باطل لاستحال السهو على النبی صلى الله علیه وآله وسلم (39) .
وقال فی مسألة بیان محل سجدتی السهو ...
احتج مالک بأن النبی صلى الله علیه وآله وسلم سجد للنقصان فی الصلاة وللزیادة بعدها احتج الأخرون من أصحابنا لما رواه الشیخ عن أبی الجارود قال قلت لأبی جعفر علیه السلام متى أسجد للسهو قال قبل التسلیم فإنک إذا صلیت فقد ذهبت حرمة صلاتک ، واحتج الشافعی بما رواه عن النبی صلى الله علیه وآله وسلم أنه سجد قبل التسلیم ثم سلم وعن الزهری قال کان آخر الأمرین سجود قبل التسلیم .
والجواب عن الأول أنه نادر مع ما نقلناه فالترجیح لما ذکرناه ، ویحتمل أن یکون ذلک خرج مخرج التقیة قاله الشیخ .
وخبر الشافعی لاحجة فیه لإحتمال أن یکون الإشاره بالسجود قبل التسلیم (40) ...
قال الشهید فی الذکرى .
وخبر ذی الیدین متروک بین الإمامیة لقیام الدلیل العقلی على عصمة النبی صلى الله علیه وآله وسلم عن السهو ، ولم یصیر إلى ذلک غیر ابن بابویه ثم قال هذا حقیق بالإعراض عنه لأن الأخبار معارضة بمثلها فیرجع إلى قضیة العقل ولو صح النقل وجب تاویله على أن إجماع الامامیة فی الأعصار السالفة على هذین الشیخین واللاحقة لهما على نفی سهو الأنبیاء والائمة علیهم السلام (41) .
المصادر :
1- نسیم الریاض فی شرح الشفاء ـ القاضی عیاض ت 544 هـ ، ج 4 / 137 الهامش . القاضی عیاض .
2- من لا یحضره الفقیه 1 / 234 ، ط 5 ، دار الکتب الإسلامیة ، طهران .
3- النجم / 3 و 4 .
4- سورة الأنعام ، الآیة : 50 .
5- سورة الشورى ، الآیة : 52 ـ 53 .
6- بصائر الدرجات 475 .
7- سورة الحشر ، الآیة : 7 .
8- الأعلى / 6 .
9- سورة الماعون ، الآیة : 4 و 5 .
10- سورة الحاقة ، الآیة : 12 .
11- سورة آل عمران ، الآیة : 33 .
12- سورة آل عمران ، الآیة : 31 .
13- سورة الأعراف ، الآیة : 156 و 157 .
14- بصائر الدرجات 474 / . بصائر الدرجات 465 ـ 485 .
15- التهذیب 1 / 350 ، الحدیث 1454 .
16- المحکم والمتشابه 79 و 124 .
17- أصول الکافی ، کتاب العقل والجهل 1 / 15 ـ 17 ، الحدیث 14 .
18- أصول الکافی 1 / 202 ـ 203 ، کتاب الحجه الحدیث الأول .
19- المغنی لابن قدامه 1 / 460 وشرح الموطأ للباجی 1 / 142 .
20- الخصال 1 / 49 و 50 وأصول الکافی 1 / 388 .
21- ) کشف الغمة 307 .
22- أصول الکافی کتاب الحجة ، باب موالید الأئمة 1 / 388 الحدیث الثامن .
23- علل الشرائع ـ الشیخ الصدوق 1 / 208 ط 2 ، 1966 ، م الحیدریة .
24- بصائر الدرجات 482 .
25- ) سورة النحل ، الآیة : 2 .
26- بصائر الدرجات 483 .
27- تنزیة الأنبیاء ـ السید المرتضى 355 ـ 436 هـ ص 8 ، منشورات الرضی قم .
28- البحار 17 / 108 ط 3 ، 1983 مؤسسة الوفاء ، دار احیاء التراث العربی بیروت ، .
29- الشیخ المفید /اوائل المقالات ص 690
30- من شذ منهم ، أی أبو جعفر الصدوق وشیخه ابن الولید قدس الله أرواحهم ، أقول ومن الذین أدرکناهم محمد تقی التستری من المعاصرین صاحب کتاب قاموس الرجال .
31- أوائل المقالات المفید 74 .
32- تصحیح الاعتقاد ـ المفید ( ت 413 هـ ) ص 240 ـ 241 .
33- تقریب المعارف فی الکلام تقی الدین ، أبو الصلاح الحلبی ت 374 ـ 447 هـ ص 103 ، ط سنة 1404 ، قم .
34- شرح التجوید ـ المحقق الطوسی ، المسألة الثالثة فی وجوب عصمة النبی .
35- کشف المراد فی شرح الاعتقاد ـ العلامة الحلی ، ص 349 ـ 350 ، مؤسسة النشر الإسلامی قم ، 1407 .
36- الرساله السعدیة للعلامة الحلی الحسن بن المطهر ت 648 ـ 726 هـ ، من کتاب کلمات المحققین ص 355 ، منشورات مکتبة المفید ثم 1402 .
37- شرح الاعتماد على واجب الاعتقاد ، الفاضل المقداد ص 396 ، وهذه الرسالة من بین ثلاثین رساله جمعت تحت عنوان کلمات المحققین منشورات مکتبة المفید ـ قم ط حجریة 1315 .
38- مختصر النافع ـ نجم الدین جعفر بن حسن الحلی ت 676 هـ ، ص 45 ، وزارة الأوقاف المصریة / القاهرة .
39- منتهى المطلب ـ العلامة الحسن بن یوسف الحلی ت 762 هـ ، 1 / 418 ط حجریة .
40- منتهى المطلب 1 / 419 .
41- ذکرى الشیعة فی أحکام الشریعة ، الشیهد بن مکی العاملی ت 786 ، ص 215 ط حجریة ، منشورات بصیرتی .
/ج