
عز الدین أبی الحسن علی بن محمد بن عبد الکریم الجزری الموصلی الشیبانی من بنو شیبان من بکر بن وائل من ربیعة ولد علی بن أبی الکرم محمد بن محمد المعروف بعز الدین بن الأثیر فی (4 من جمادى الآخرة سنة 555هـ = 13 من مایو 1160م) بجزیرة ابن عمر، وعنی أبوه بتعلیمه، فحفظ القرآن الکریم، وتعلم مبادئ القراءة والکتابة، ثم استکمل دراسته بالموصل بعد أن انتقلت إلیها أسرته، وأقامت بها إقامة دائمة، فسمع الحدیث من أبی الفضل عبد الله بن أحمد، وأبی الفرج یحیى الثقفی، وتردد على حلقات العلم التی کانت تُعقد فی مساجد الموصل ومدارسها، وکان ینتهز فرصة خروجه إلى الحج، فیعرج على بغداد لیسمع من شیوخها الکبار، من أمثال أبی القاسم یعیش بن صدقة الفقیه الشافعی، وأبی أحمد عبد الوهاب بن علی الصدمی. ورحل إلى الشام وسمع من شیوخها، ثم عاد إلى الموصل ولزم بیته منقطعا للتألیف والتصنیف.عاصر دولة صلاح الدین الأیوبی، ورصد أحداثها ویعد کتابه الکامل فی التاریخ مرجعا لتلک الفترة من التاریخ الإسلامی.
کانوا ثلاثة إخوة، برزوا فی علوم اللغة والأدب والتاریخ والحدیث والفقه، واشتهر کل واحد منهم بـ"ابن الأثیر"، وهم جمیعا من أبناء بلدة "جزیرة ابن عمر" التابعة للموصل، وکان أبوهم من أعیان هذه البلدة وأثریائها، أما أکبرهم فهو مجد الدین أبو السعادات المبارک بن محمد، فقیه محدث، اشتغل بدراسة القرآن والحدیث والنحو حتى صار علما بارزا، وترک مؤلفات عظیمة أشهرها: "جامع الأصول فی أحادیث الرسول" جمع فیه الکتب الصِّحَاح الستة، وتوفی سنة (606هـ = 1209م).
وأما أصغرهم فهو ضیاء الدین أبو الفتح نصر الله، المعروف بضیاء الدین بن الأثیر، الکاتب الأدیب، أتقن صنعة الکتابة، واشتهر بها بجودة أسلوبه وجمال بیانه، التحق بخدمة صلاح الدین وأبنائه فی حلب ودمشق، وترک مصنفات أدبیة قیّمة، أشهرها: "المثل السائر فی أدب الکاتب والشاعر"، وهو من أهم الکتب التی تعالج فن الکتابة وطرق التعبیر، وتوفی سنة (637هـ = 1239م).
أما أوسطهم فهو عز الدین بن الأثیر المؤرخ الکبیر، وهو موضع حدیثنا.
ثقافته
فی رحلته الطویلة لطلب العلم وملاقاة الشیوخ، والأخذ منهم، درس ابن الأثیر الحدیث والفقه والأصول والفرائض والمنطق والقراءات؛ لأن هذه العلوم کان یجیدها الأساتذة المبرزون ممن لقیهم ابن الأثیر، غیر أنه اختار فرعین من العلوم وتعمق فی دراستهما هما: الحدیث والتاریخ، حتى أصبح إماما فی حفظ الحدیث ومعرفته وما یتعلق به، حافظا للتواریخ المتقدمة والمتأخرة، خبیرا بأنساب العرب وأیامهم وأحبارهم، عارفًا بالرجال وأنسابهم لا سیما الصحابة.وعن طریق هذین العلمین بنى ابن الأثیر شهرته فی عصره، وإن غلبت صفة المؤرخ علیه حتى کادت تحجب ما سواها. والعلاقة بین التخصصین وثیقة جدا؛ فمنذ أن بدأ التدوین ومعظم المحدثین العظام مؤرخون کبار، خذ مثلا الإمام الطبری، فهو یجمع بین التفسیر والفقه والتاریخ، والإمام الذهبی کان حافظا متقنا، وفی الوقت نفسه کان مؤرخا عظیما، وکذلک کان الحافظ ابن عساکر بین هاتین الصفتین… والأمثلة کثیرة یصعب حصرها.
مؤلفاته
وقد توافرت لابن الأثیر المادة التاریخیة التی استعان بها فی مصنفاته، بفضل صلته الوثیقة بحکام الموصل، وأسفاره العدیدة فی طلب العلم، وقیامه ببعض المهام السیاسیة الرسمیة من قبل صاحب الموصل، ومصاحبته صلاح الدین فی غزواته -وهو ما یسر له وصف المعارک کما شاهدها- ومدارسته الکتب وإفادته منها، ودأبه على القراءة والتحصیل، ثم عکف على تلک المادة الهائلة التی تجمعت لدیه یصیغها ویهذبها ویرتب أحداثها حتى انتظمت فی أربعة مؤلفات، جعلت منه أبرز المؤرخین المسلمین بعد الطبری وهذه المؤلفات هی:
* الکامل فی التاریخ، وهو فی التاریخ العام .
* والتاریخ الباهر فی الدولة الأتابکیة، وهو فی تاریخ الدول، ویقصد بالدولة الأتابکیة الدولة التی أسسها عماد الدین زنکی فی الموصل سنة (521هـ = 1127م) وهی الدولة التی عاش فی کنفها ابن الأثیر.
* وأسد الغابة فی معرفة الصحابة، وهو فی تراجم الصحابة .
* واللباب فی تهذیب الأنساب، وهو فی الأنساب .
* الکامل فی التاریخ
وهو تاریخ عام فی 12 مجلدًا، منذ الخلیقة وابتداء أول الزمان حتى عصره، حیث انتهى عند آخر سنة (628هـ) أی إنه یعالج تاریخ العالم القدیم حتى ظهور الإسلام، وتاریخ العالم الإسلامی منذ ظهور الإسلام حتى عصره، والتزم فی کتابه بالمنهج الحولی فی تسجیل الأحداث، فهو یسجل أحداث کل سنة على حدة، وأقام توازنًا بین أخبار المشرق والمغرب وما بینهما على مدى سبعة قرون وربع قرن، وهو ما أعطى کتابه طابع التاریخ العام أکثر أی تاریخ عام لغیره، وفی الوقت نفسه لم یهمل الحوادث المحلیة فی کل إقلیم، وأخبار الظواهر الجویة والأرضیة من غلاء ورخص، وقحط وأوبئة وزلازل.ولم یکن ابن الأثیر فی کتابه ناقل أخبار أو مسجل أحداث فحسب، وإنما کان محللا ممتازا وناقدا بصیرا؛ حیث حرص على تعلیل بعض الظواهر التاریخیة ونقد أصحاب مصادره، وناقش کثیرا من أخبارهم.. وتجد لدیه النقد السیاسی والحربی والأخلاقی والعملی یأتی عفوا بین ثنایا الکتاب، وهو ما جعل شخصیته التاریخیة واضحة تماما فی کتابة على الدوام.
وتعود أهمیة الکتاب إلى أنه استکمل ما توقف عنده تاریخ الطبری فی سنة (302هـ) وهی السنة التی انتهى بها کتابه، فبعد الطبری لم یظهر کتاب یغطی أخبار حقبة تمتد لأکثر من ثلاثة قرون، کما أن الکتاب تضمن أخبار الحروب الصلیبیة مجموعة متصلة منذ دخولهم فی سنة (491=1097) حتى سنة (628هـ= 1230)، کما تضمن أخبار الزحف التتری على المشرق الإسلامی منذ بدایته فی سنة (616هـ= 1219م). وقد کتب ابن الأثیر تاریخه بأسلوب نثری مرسل لا تکلف فیه، مبتعدا عن الزخارف اللفظیة والألفاظ الغریبة، معتنیا بإیراد المادة الخبریة بعبارات موجزة واضحة. * أُسْد الغابة
وموضوع هذا الکتاب هو الترجمة لصحابة الرسول صلى الله علیه وسلم الذین حملوا مشعل الدعوة، وساحوا فی البلاد، وفتحوا بسلوکهم الدول والممالک قبل أن یفتحوها بالطعن والضرب. وقد رجع ابن الأثیر فی هذا الکتاب إلى مؤلفات کثیرة، اعتمد منها أربعة کانت عُمُدًا بالنسبة له، هی: "معرفة الصحابة" لأبی نعیم، و"الاستیعاب فی معرفة الأصحاب" لابن الأثیر، و"معرفة الأصحاب" لابن منده، و"الذیل على معرفة الأصحاب" لابن منده.
وقد اشتمل الکتاب على ترجمة (7554) صحابیا وصحابیة تقریبا، یتصدره توطئه لتحدید مفهوم الصحابی؛ حتى یکون القارئ على بینه من أمره. والتزم فی إیراد أصحابه الترتیب الألفبائی، ویبتدئ ترجمته للصحابی بذکر المصادر التی اعتمد علیها، ثم یشرع فی ذکر اسمه ونسبه وهجرته إن کان من المهاجرین، والمشاهد التی شهدها مع الرسول صلى الله علیه وسلم إن وجدت، ویذکر تاریخ وفاته وموضعها إن کان ذلک معلوما، وقد طبع الکتاب أکثر من مرة.
وفاته
ظل ابن الأثیر بعد رحلاته مقیما بالموصل، منصرفا إلى التألیف، عازفا عن المناصب الحکومیة، متمتعا بثروته التی جعلته یحیا حیاة کریمة، جاعلا من داره ملتقى للطلاب والزائرین حتى توفی فی (شعبان 639هـ= 1232م).المصدر : تحقیق راسخون 2014 / سیر أعلام النبلاء/أسد الغابة فی معرفة الصحابة
/ج