جعفر مرتضى العاملی
الحدیث عن ولایة الحرمین الشریفین وإدارة شؤونهما، هو حدیث طویل، ومتشعب، ومترامی الأطراف سواء من الناحیة التاریخیة، أو السیاسیة، أو التشریعیة، أو غیر ذلک..
ولکن ما یهمنا هو معالجة هذه المسألة من الناحیة القرآنیة، من أجل أن نتعرّف على نظرة القرآن إلى هذه القضیة، وکیفیة تعامله معها، مع الإلماح إلى بعض الرکائز والمنطلقات التی اعتمدت علیها تلک النظرة، وعلى أساسها کان ذلک التعامل.
إننا إذا رجعنا إلى کتاب الله الخالد، الذی لا ریب فیه، ولا یأتیه الباطل من بین یدیه، ولا من خلفه.. فإننا نستخلص منه الحقائق التالیة:
البلد النموذجی:
أنه تعالى حین اختبر البشریة، من لدن آدم، ببیته الحرام، الذی جعله للناس قیاماً، قد وضعه، حسبما روی عن أمیر المؤمنین علیه الصلاة والسلام.(بأوعر بقاع الأرض حجراً، وأقل نتائق الدنیا مدراً، وأضیق بطون الأودیة قطراً، بین جبال خشنة، وعیون وشلة، وقرى منقطعة، لا یزکو بها خف ولا حافر، ولا ظلف. ثم أمر آدم وولده أن یثنوا أعطافههم نحوه، فصار مثابة، لمنتجع أسفارهم، وغایة لملقى رحالهم، تهوی إلیه الأفئدة من مغاور سحیقة الخ..)(1)
نعم.. ولقد أراد الله سبحانه لهذا البلد بالذات والذی یفقد أدنى مقومات الحیاة: اقتصادیاً، واجتماعیاً، وثقافیاً، وتربویاً الخ.. أراد له، أن یکون البلد النموذجی والمثل الأعلى والأسمى فی کل ذلک بکل ما لهذه الکلمة من معنى.
أراده أن یکون رمزاً ومثالاً للأمن والسلام، ثم رمزاً للحریة المسؤولة والواعیة، والهادیة إلى طریق التکامل، وبناء الذات، سواء على مستوى الفرد أو على مستوى الجماعة. ثم أن یکون البلد الفرید، والرضی فی علاقاته الاجتماعیة، والفذ الرائع فی طاقاته الإیمانیة، والزاخر بالمعطیات الفضلى، فی إخلاص العبادة له تعالى، ورفض کل شرک، وعبادة لغیره. وأن یکو الأمثل والأغنى فی روافده العاطفیة، والنموذج الحی، والمتمیز فی رخائه الاقتصادی. ثم أن یکون بلد الرشاد، والهدایة، والوعی. بلد الطهر، والخیر، والبرکات.
نعم.. لقد أراد الإسلام لهذا البلد، الذی لا یملک شیئاً من مقومات الحیاة، بمختلف مناحیها، ومجالاتها – أن یکون النموذج الفذ، والفرید والأسمى، والمثل الرائد، الذی تتجسد فیه طموحات الإسلام وأهدافه، وإنجازه الهائل، وقدراته الفائقة.
ولتتجلى فیه على أکمل وجه وأتمّه آیات الله البیّنات، وخوارق العادات، فی مجال بناء الإسلام للحضارة وتربیة الإنسان.
ولا نقول ما تقدّم من عند أنفسنا، بل الإشارة إلیه تصریحاً، أو تلویحاً قد وردت فی العدید من الآیات القرآنیة ویکفی أن نذکّر هنا بالآیات التالیة:
قال تعالى، فی حکایته لدعاء شیخ الانبیاء، إبراهیم (علیه السلام):
﴿رَبَّنَا إِنِّی أَسْکَنْتُ مِنْ ذُرِّیَّتِی بِوَادٍ غَیْرِ ذِی زَرْعٍ عِنْدَ بَیْتِکَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِیُقِیمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِی إِلَیْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ یَشْکُرُونَ﴾(2)
وقال تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَیْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِی بِبَکَّةَ مُبَارَکاً وَهُدًى لِلْعَالَمِینَ * فِیهِ آیَاتٌ بَیِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِیمَ وَمَنْ دَخَلَهُ کَانَ آمِناً﴾(3)
وقال عز وجل: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِیمَ مَکَانَ الْبَیْتِ أَنْ لاَ تُشْرِکْ بِی شَیْئاً وَطَهِّرْ بَیْتِیَ لِلطَّائِفِینَ وَالْقَائِمِینَ وَالرُّکَّعِ السُّجُودِ﴾(4)
فقد أشارت هذه الآیات إلى أن البیت بواد غیر ذی زرع ولا یرغب فیه أحد، وقد أراد الله له أن یکون أهلاً بالناس، تهوی إلیه أفئدتهم، ویعیشون فی رخاء وفی سعة یرزقهم الله من الثمرات. کما وأراد الله له أن یکون مبارکاً وهدى للعالمین. وفیه آیات بینات ومطهراً. وبلد العبادة والتوحید، والتقوى. وآمناً ویجبى إلیه ثمرات کل شیء، کما فی سورة القصص الآیة رقم 57.
هذا عدا عن الآیات القرآنیة الأخرى، التی ستأتی طائفة منها، وعداً عمّا روی عن النبی صلى الله علیه وآله وسلم، والأئمة المعصومین علیهم الصلاة والسلام فی هذا المجال.
الحرم الآمن:
وفیما یرتبط بجعل الحرم ومکة، حرماً وبلداً آمناً، انطلاقاً من احتضانه لأقدس، وأشرف وأوّل بیت وضع للناس، وهی الکعبة المعظمة، زادها الله شرفاً، وعزّة وبهاء، فقد تکرّر التأکید على ذلک فی آیات کثیرة، وفی مناسبات مختلفة، فعدا عن الآیات المتقدمة، نذکّر بقوله تعالى: ﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِینِ﴾(5)وقوله: ﴿جَعَلَ اللهُ الْکَعْبَةَ الْبَیْتَ الْحَرَامَ قِیَاماً لِلنَّاسِ﴾(6)
وقوله: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِیمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً﴾(7)
وقوله: ﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِی حَرَّمَهَا﴾(8)
وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِیمَ مَکَانَ الْبَیْتِ أَنْ لاَ تُشْرِکْ بِی شَیْئاً وَطَهِّرْ بَیْتِیَ لِلطَّائِفِینَ وَالْقَائِمِینَ وَالرُّکَّعِ السُّجُودِ﴾(9)
وثمة آیات أخرى، وفیما ذکرناه کفایة..
جمیع الناس فی البیت سواء:
هذا وقد قرر القرآن الکریم ـ کما صرحت به الآیة السابقة ـ بالإضافة إلى ما تقدّم: أن الله سبحانه، قد جعل بیته والمسجد الحرام، للناس، کل الناس، سواء العاکف المقیم فیه، أو البادی الذی یحج إلیه من غیر أهله وهدى للعالمین. ومن دخله کان آمناً. وقیاماً للناس، وهو: للطائفین والقائمین والرکع السجود ـ وکل ذلک أیضاً قد صرّحت به النصوص الواردة عن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم)، وعن الأئمة الهداة(علیهم السلام)، فلیس لأحد کائناً من کان، أن یمنع أحداً من المسلمین، من أداء مناسکه، وإقامة شعائره. وکل منع وصد عنه، وکل مضایقة للناس فی ذلک، فهو بظلم وتعد توعّد الله علیه بالنکال والعذاب. فقال: ﴿إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا وَیَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِی جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاکِفُ فِیهِ وَالْبَادِ وَمَنْ یُرِدْ فِیهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِیمٍ﴾(10)ویلاحظ: أن وجود التنوین فی قوله: ﴿بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾، إنّما هو للإشارة إلى ان هذا الحکم ینسحب على کل ظلم، مهما کان صغیراً وقلیلاً، وبعض الروایات قد أشارت إلى هذا التعمیم أیضاً(11)
کیف تتحقق تلک الأهداف الإلهیة:
وبعد.. فإن کل عاقل بصیر، إذا لاحظ ما قدّمناه، وأخذ بعین الاعتبار واقع الناس فی العالم، واختلاف حالاتهم، ومستویاتهم على الصعید الفکری، والسیاسی والمذهبی. ولاحظ کذلک التفاوت والاختلاف فیما بینهم: فی فهمهم، وفی عواطفهم، وطموحاتهم، وخصائصهم، وغیر ذلک من أمور. ثم.. إلى تفهّم حقیقة: أن التعامل مع أی شیء، لابد وأن یکون من منطلَق إدراک واقعه، بما له من الخصائص والحالات، ومن خلال ارتباطه بسائر ما یحیط به، لیتم التحرّک نحو الهدف الأسمى، من الموقع الطبیعی، ومن خلال انسجام القدرات والوسائل فیما بینها، وبین الغایات والأهداف.وإذا أدرک أیضاً، أن ذلک ینسحب على نقطة الارتکاز لحرکة الإسلام وانطلاقته، أعنی مکّة والمسجد الحرام، بما لها من دور فاعل وحسّاس وشامل فی عملیة بناء الإسلام لحیاة الإنسان، فکراً وحضارة وإنسانیّة متکاملة، بکل ما لهذه الکلمة من معنى.
نعم.. إنه إذا لاحظ، وأدرک کل ذلک. فلابد ان تتکوّن لدیه القناعة الکاملة بأن هذا البیت، الذی أسّس على التّقوى، لابد له لیحقّق أهدافه الإلهیة الشاملة فی الإنسان، وفی الإیمان والإسلام، من مدبّر لأموره ومتول لشؤونه، یستطیع أن یدرک الحقائق التی ألمحنا إلیها آنفاً، ویتفاعل وینطلق لتحقیق الأهداف الإلهیّة بکل دقّة ووعی، وبکل إخلاص وثبات.
ولیس ذلک أی کان من الناس، وإنما هم فئة خاصة لهم مواصفات معینة من شانها أن تحقق هذا الهدف المنشود، بصورة أکمل وأتم، ولیست هذه الفئة إلا "المتّقّون" الذین یخافون ربّهم، ویخلصون له، ویهتدون بهدیه، وهم بأمره یعملون.
وبدیهی أنّ ذلک الذی ذکرناه، هو صریح حکم العقل، وهو ما تقضی به الفطرة، حینما تتاح للعقل الفرصة لتقییم الواقع بصورة صحیحة وسلیمة، وتترک للفطرة الحریّة فی التأثیر، والتصدّی، دون أن یقهرها قاهر الهوى، أو أن تتأثّر بلفحات المیول. والذین یتجاهلون هذه الحقیقة، فإنّهم "لا یعلمون" على حسب التعبیر القرآنی الدّقیق.
إدارة الحرمین:
نعم.. ولقد قرّر القرآن، بصورة قاطعة: أن ولایة بیته، والتصدّی لخدمة حرمه، لا یناله أی کان من النّاس.بل ذلک حق لجماعة خاصّة، نص القرآن على وصفهم ونعتهم، وحرم غیرهم من أن یکون لهم ذلک، فقال: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلاَ یُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ یَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا کَانُوا أَوْلِیَاءهُ إِنْ أَوْلِیَاؤُهُ إِلاَ الْمُتَّقُونَ وَلَکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لاَ یَعْلَمُونَ﴾(12). فقال عن الذین یصدّون عن المسجد الحرام، وغیر المتّقین: ﴿وَمَا کَانُوا أَوْلِیَاءهُ﴾. ثم أثبت الولایة للفریق الآخر، الذی لیس کذلک، فقال: ﴿إِنْ أَوْلِیَاؤُهُ إِلاَ الْمُتَّقُونَ﴾. نعم.. المتّقون.
والمتّقون فقط، لا یشارکهم فی ذلک أحد، حتّى ولو کان من جماعة المسلمین، فضلاً عمن عداهم. کما أنّه تعالى قد ذکر لهم وصفاً آخر، له قیمته وأهمیته البالغة، فیما یرتبط بالأهداف السّامیة والکبرى،التی من أجلها وضع الله البیت للناس، وهو: أن لا یکونوا ممن یستحقون العذاب، لأنهم ممن یصدون الناس عن المسجد الحرام فضلاً عن الصد عن سبیل الله تعالى، فإن هؤلاء أیضاً قد توعّدهم الله بالنّکال والعذاب الألیم، حسبما صرّحت به الآیة الشریفة السّابقة، التی تعرّضت لاستواء العاکف والبادی، فی المسجد الحرام.
وإذا کان الله سبحانه قد توعّد بالنّکال والعذاب الألیم، کل من یظلم الناس فی بیته، فقال: ﴿وَمَنْ یُرِدْ فِیهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِیمٍ﴾(13)
فهل هناک ظلم أعظم من مضایقة النّاس، ومنعهم من أداء شعائرهم الدینیة، حسبما یرون، ویعتقدون؟! هذا فضلاً عن مواجهتهم بشتّى أنواع الإهانات، والتّهم، والشتائم، والتکفیر، والتشریک، ثم الضرب المبرح، إن لم یصل الأمر فی بعضهم إلى حد التّعرّض للموت المحتّم فی هذا السبیل!!
وخلاصة الأمر: إن ولایة البیت والحرم، لا یصحّ أن یتصدّى لها أی کان، وبل هی أمر خاص بالمتّقین، والذین لا یصدّون عن المسجد الحرام، ولا یریدون فیه بإلحاد بظلم، مهما کان قلیلاً أو صغیراً.
وهؤلاء فقط، هم القادرون على تحقیق أهداف الله سبحانه، من وضع بیته مثابة للناس وأمناً، ویکون لهم دورهم الرّئیس، فی تمکین مکّة من أداء دورها الطلیعی والرائد فی عملیة بناء المجتمع الإسلامی السلیم وتربیة الإنسان.
وبعد ما تقدم فإن لنا أن نتساءل:
إن اولئک الذین یصدّون فعلاً لإدارة الحرمین الشریفین. هل یحق لهم ذلک؟ أم أنهم معتدون، وغاصبون، یبتزّون المتّقین من المسلمین حقّهم، الذی جعله الله سبحانه وتعالى لهم؟وإذا کانوا معتدین وغاصبین، فما هو تکلیف المسلمین تجاه هذا الأمر الخطیر والهام؟ وهل یصح منهم السکوت على أمر مصیری کهذا؟
وإذا لم یکن السکوت مشروعاً، فما هی الوسائل التی یمکن استخدامها فی مجال احقاق الحق، وإبطال الباطل، وإرجاع الأمور إلى نصابها ؟
فی بدایات الإجابة:
وإننا فی مقام الإجابة على هذه الأسئلة، لابد لنا من تقییم إجمالی لواقع هذه الفئة التی تنصّب نفسها لهذا الأمر الخطیر والهام. ولیتّضح بعد ذلک، إن کانوا ممّن یتوفّر فیهم الشّرط الأساس للتصدی لإدارة الحرمین الشریفین.. أم لا.ونحن هنا.. فی حین نعترف بعدم التمکن من استیعاب کل ما یفید فی هذا المجال، فإننا نشیر إلى أن ما نرید أن نثیره فی هذه العجالة – وإن کان بمثابة لمحات خاطفة وسریعة – إلا أنه کاف لجعل المسلمین یراجعون حساباتهم، ویعیدون تقییم الواقع الراهن، وفق المعاییر الصحیحة والسلیمة التی قررها القرآن، وجاءت بها السنة النبویة الشریفة، وحکم بها العقل القویم، واقتضتها الفطرة السلیمة.
الوهابیة والإسلام:
إن من یراجع حیاة وتاریخ هذه الفئة، لیس فقط یخرج بحقیقة، أنهم لیسوا مصداقاً للوصف القرآنی الذی جعله الله سبحانه ملاک استحقاق الولایة على البیت وسدانته وإنما هم أجلاف ومجرمون، بل ویسیرون باّتجاه آخر غیر الاتجاه الذی یریده الله سبحانه لعباده الصالحین.ونستطیع أن نلخص ذلک فی ضمن الحدیث فی الاتجاهات التالیة:
الاتجاه الأول: الوهابیة والمقدسات الإسلامیة:
إن تاریخ هذه الفئة، لیدلّ دلالة قاطعة على أن هؤلاء لا یحترمون المقدسات الإسلامیة، ولا یعظمون الکعبة المقدسة، ولا الحرم النبوی الشریف، کما ینبغی لها وله. بل إنهم لا یحترمون الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم نفسه، وکشاهد على ما نقول، نشیر إلى الأمور التالیة:
السیاسة الحجاجیة تجاه الرسول:
بالنسبة للرسول الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم، فیکفی أن نذکر: أن زعیمهم الأول، یقول عن النبی صلى الله علیه وآله وسلم: إنه "طارش". وبعض أتباعه یقول بحضرته، أو یبلغه فیرضى: عصای هذه خیر من محمد، لأنه ینتفع بها فی قتل الحیّة، والعقرب، ونحوها ومحمد قد مات، ولم یبق فیه نفع، وإنما هو طارش(14)، والطارش: الرسول فی الحاجة.وهذه سیاسة حجاجیة تجاه الرسول الأکرم (صلی الله علیه وآله وسلم) بدأها الحجاج، ثم خالد القسری فی العهد الأموی ومن تبعهم، حیث فضلوا الخلیفة على الرسول(15)، کما أنهم لم یکن یعجبهم طواف الناس بقبر النبی (صلی الله علیه وآله وسلم)، فقد خطب الحجاج، وذکر الذین یزورون قبر رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) بالمدینة، فقال: تباً لهم، إنما یطوفون بأعواد، ورمة بالیة هلا طافوا بقصر أمیر المؤمنین عبد الملک ؟ ألا یعلمون: أن خلیفة المرء خیر من رسوله(16)؟
وهؤلاء أیضاً قد أخذوا بهذه السیاسة، وزادوا علیها ما لم یجرأ على زیادته الحجاج، ولا من جاء بعده، کما أن هؤلاء قد منعوا من زیارة الرسول الأکرم (صلی الله علیه وآله وسلم) (17)، ومن التبرک بآثاره، کما هو معروف ومعلوم لدى کل أحد.
وشاع أنهم ضربوا القبة النبویة الشریفة بالرصاص، وإن کانوا هم قد أنکروا ذلک(18) لکن إنکارهم لا یدل على أن لها حرمة عندهم، ما داموا یحرمون البناء على القبور مطلقاً، ومن دون استثناء حتى للقبة النبویة الشریفة، التی یحاولون الاعتذار الضمنی عن خوفهم من الإقدام على تخریبها، بأنها قبة للمسجد(19)، ومعنى ذلک: أنها لو کانت قبة على القبر لم تسلم من الإهانة والتخریب ایضاً.
کما أنهم قد نبهوا کل ما کان فی الحجرة النبویة الشریفة من مجوهرات، وتحف(20)
هذا کله.. عدا عن إقدامهم على هدم المساجد، المبنیة فی بعض المواضع، التی کان لها شأن فی التاریخ الإسلامی، بالإضافة إلى هدم المقامات، والقباب والمزارات، ومحو آثارها، ومنها مقامات ومزارات أهل البیت علیهم السلام فی البقیع(21)، وکانوا وما زالوا یمنعون الناس، ویصدونهم عن سبیل الله ظلماً وبغیاً وعتواً وعلواً، فکانوا مصداقاً بارزاً للآیة الشریفة المتقدمة فی مطلع هذا البحث.
السیاسة الیزیدیة تجاه مکة والکعبة:
واما فیما یرتبط بإهانتهم لمکة المکرمة، والکعبة الشریفة، فیکفی أن نشیر هنا إلى أنهم فی ما سلف من أیامهم، قد حاصروا مکة أکثر من مرة(22) وفی أحداها: تعرض أهلها للمخصمة الشدیدة، والمجاعة المحاقة، حتى مات منهم الکثیرون، وهاجر من هاجر، "وبعضهم مات، وهو یمشی، وترى الأطفال موتى فی کل زقاق، فهرع الناس إلى الحسینیة من الطرق الصعبة، خوفاً من السطوة بهم، فمنهم من قتل، ومنهم من مات جوعاً"(23)وحینما دخل سعود بن عبد العزیز مکة، فی أوائل القرن الثالث عشر للهجری، خطب الناس، فکان مما قال:
"اعلموا أن مکة حرام ما فیها، لا یختلى خلالها، ولا ینفر صیدها وإنما أجلت ساعة من نهار. إلى أن قال: ولم نزل ندعو الناس للإسلام، وجمیع من تراه عیونکم، ومن تسمعون به من القائل، إنما أسلموا بهذا السیف، ورفع سیفه تجاه الکعبة"(24)
فلیلاحظ: أنه حین یجعل نفسه مکان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، حتى لیدعی: أن الکعبة المحرمة إلى الأبد، بنص رسول الله، قد أحلت ساعة من نهار، ویدعی: أن المسلمین الذین قهرهم على مذهبه إنما دخلوا فی الإسلام، بعد أن کانوا غیر مسلمین ـ أنه بعد ذلک کله لا یتورع عن أن یرفع سیفه تجاه الکعبة، دونما خشیة ولا خجل.
هذا بالإضافة إلى أنهم قد منعوا الناس من الحج واعتبروا: أن کل من لیس وهابیاً فهو مشرک، وقد استمر هذا المنع لعدة سنوات(25)، هذا عدا عن منعهم من التبرک بمقام إبراهیم علیه الصلاة والسلام، ومن لمسه، وتقبیله(26)
وأعظم من ذلک کله، وأمر وأدهى: أن وزارة أوقافهم، قد رأت أن جمیع مشکلات المسلمین قد حلت، وکل قضایاهم على ما یرام، ولم یبق أمامهم إلا التقریظ، والثناء، والدفاع عن: یزید القرود، والفهود، شارب الخمر، وقاتل النفس المحرمة، وقاتل سید شباب أهل الجنة، وسبط رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، الإمام الحسین(علیه السلام)، وأهل بیته وصحبه، فنشرت هذه الوزارة کتاباً فی تقریظه والدفاع عنه، بعنوان: حقائق عن امیر المؤمنین یزید بن معاویة.
ولیت الإمام أحمد بن حنبل حاضر فی هذا الوقت، لینظر إلى من یدعون احترام آرائه، کیف یدافعون، ویقرظون رجلاً قد حکم فی نفسه بکفره، وخروجه عن الإسلام(27)
ولیت عمر بن عبد العزیز، الذی ضرب من وصف یزید بأمیر المؤمنین عشرین سوطاً(28)، حاضر أیضاً، لنرى کیف یؤدب شیوخ هؤلاء وحکامهم، على جرأتهم ووقاحتهم هذه.
ولعل تقریظهم ودفاعهم عن الطاغیة یزید، قد جاء لأجل رد الجمیل لیزید، وشکره على ما فعله بالحسین وأهله وصحبته ثم بأهل المدینة فی وقعة الحرة المشهورة، وعلى ما فعله بالکعبة، ومکة، حینما نصب المنجنیق على أبی قبیس، وذلک معروف ومشهور، ولا یکاد یخلو منه کتاب یؤرخ للأحداث فی عهد یزید الطاغیة.
ومهما یکن من أمر: إننا نجد التطابق الواضح ایضاً، بین السیاسة الوهابیة من جهة وبین السیاسة الحجاجیة الیزیدیة الأمویة من جهة أخرى.
فهؤلاء کالحجاج، وکسلفه یزید، وکسائر الأمویین، لا یقیمون للکعبة وزناً، ولا تمنعهم حرمتها من رمیها بالمنجنیق، کما فعله الحجاج وغیره، بل لقد رماها الحجاج بما نربأ بأنفسنا عن ذکر اسمه(29)
وأنفذ الولید الخلیفة الأموی رجلاً مجوسیاً، لیبنی له على الکعبة مشربة للخمر کما أنه قد ذهب فی عهد هشام إلى مکة، ومعه خمر، وقبة دیباج على قدر الکعبة، وأراد أن ینصبها علیها، ویجلس فیها، فخوّفه أصحابه من ثورة الناس، حتى امتنع(30)
وبالنسبة لمقام إبراهیم، فلقد کان الحجاج یرید أن یضع رجله علیه، فیمنعه ابن الحنفیة ویزجره(31)
وکان خالد القسری یمسی زمزم أم الجعلان(32)، وله أیضاً قضایا صریحة فی إهانة الکعبة الشریفة(33). وتتبع أمثال هذه الموارد لا مجال له فی عجالة کهذه.
الاتجاه الثانی: تعظیم خصوم الإسلام:
وإذا کنا نعلم، أن من عادة الناس إذا أرادوا تکریم شخص، وتخلید اسمه، معظماً ممجداً: أن یطلقوا اسمه على إحدى المؤسسات أو الجامعات، أو على أحد الشوارع الرئیسیة، وما إلى ذلک مما یدخل فی هذا المجال.فإن أبا سفیان بن حرب، الرجل الذی أنفق عمره، وکل ما قدر علیه من نفیس وعزیز فی حرب الإسلام، ونبی الإسلام صلى الله علیه وآله وسلم. وإن کان قد أعلن ـ مکرهاً ـ بالشهادتین فی فتح مکة ـ أن أبا سفیان هذا ـ لم یقدم للإسلام، ولا للمسلمین أیة خدمة أو نفع یذکر، یستحق به تعظیماً، وتمجیداً، دون سائر الصحابة الأخیار، الذین قدموا کل نفیس وعزیز فی سبیل إعزاز هذا الدین، وظهور الإسلام على أعدائه ومناوئیه.
ولکننا نجد أن أبا سفیان هذا یستأثر من حکام الحجاز بکل عنایة وتقدیر، واهتمام، فیطلقون اسمه على أحد الشوارع الرئیسیة فی مکة، التی انطلق منها لمحاربة هذا الدین، والقضاء علیه فی مهده.
والغریب الملفت هنا: أن هذا الشارع یقع فی منطقة شعب أبی طالب، ناصر النبی الأعظم(صلی الله علیه وآله وسلم)، والمدافع عن الإسلام والمسلمین بلسانه، ویده، وبکل ما یملک.
وهب أن لهم بعض العذر فی تعظیمهم لأبی سفیان، لأنه جد سلفهم وإمامهم یزید الطاغیة، قاتل الحسین ومفتعل وقعة الحرة، ومنتهک حرمة البیت، والذی یصدرون الکتب فی تعظیمه، والدفاع عنه.
ولکن لیت شعری، بماذا یکون الاعتذار عنهم فی تعظیمهم لأعدى أعداء الدین وأشد الناس على نبی الإسلام، أعنی أبا لهب، الذی نزلت فیه سورة قرآنیة کاملة، لتخلد ذمه وتعلن خزیه، ولتبقى قرآناً یتلى على مر السنین والدهور ؟!
نعم.. بماذا یمکن الاعتذار عنهم على إطلاقهم اسم أبی لهب اللعین هذا على أحد الشوارع الرئیسیة فی أقدس بلد، یرید الله له أن یکون رمزاً للسلام والإسلام، وللإیمان والتقوى، والنبل والفضیلة والطهر، والهدایة. وما هو وجه التناسب بین هذا البلد الإلهی المقدس، وبین أبی لهب المشرک عدو الله والدین والإنسانیة ؟
الاتجاه الثالث: الجرائم والموبقات:
أما فیما یرتبط بما یتمتع به هؤلاء من استقامة وتقوى، على صعید العمل والممارسة. فإننا نجدهم أیضاً أبعد ما یکونون عن روح التقوى، والعمل الصالح.والغریب فی الأمر: أنهم مهما حاولوا إخفاء هذه الحقیقة، فإنها تأبى إلا شیوعاً وانتشاراً وقد ظهر ولا یزال یظهر الکثیر من تلکم الأفاعیل، على صفحات الجرائد والمجلات العالمیة، ومختلف وسائل الإعلام الاخرى.
وبالنسبة إلى التحلل الأخلاقی:
فقد نشرت وثائق کثیرة ومصورة، لکثیر من تصرفاتهم المائعة والخلیعة، والمنافیة لأخلاقیات الإسلام ولتعالیمه السامیة.حتى لقد نشر فی بعضها وعلى شاشات التلفزیون أیضاً صور حیة للملک الحالی لهذه الفئة، وهو یضع الصلیب فی عنقه، إلى جانب زملائه الصلیبیین الحاقدین، من حکام بریطانیا الشر والبلاء والفساد(34)
هذا عدا عما نشر فی کتاب تاریخ آل سعود وکتاب الیمانی وآل سعود وغیر ذلک من وثائق وحقائق، ولسنا هنا فی صدد تتبع واستقصاء ذلک.
وفیما یرتبط بموادة زعماء هذه الفئة، وحکامها، لمن حاد الله سبحانه، وتولیهم لأعدائه، وشدتهم وحربهم لأولیاء الله تعالى، منذ ظهور دعوتهم، ونشوء دولتهم، وکذلک تفریطهم بفلسطین، حتى وقعت بأیدی شذاذ الآفاق من الیهود، فإن ذلک لا یخفى على أی مراجع لتاریخ دعوتهم، ودولتهم وسائر مواقفهم سابقاً ولاحقاً. ولذا فلا نرى حاجة للإفاضة فیه.
وأما عن جرائمهم وموبقاتهم وولوغهم فی دماء الناس. فتلک حدث عنها ولا حرج، ولا نرید أن نستوعب کل ما سجله التاریخ فی هذا المجال. فإنه مما یحتاج إلى مؤلف، بل إلى مؤلفات مستقلة ولکننا نکتفی بالتذکیر هنا بما فعلوه فی الطائف، حینما دخلوا إلیها عنوة فی سنة 1217ﻫ.ق، فقتلوا الناس قتلاً عاماً حتى الأطفال وکانوا یذبحون الطفل الرضیع على صدر أمه، وفتشوا عمن توارى فی البیوت، وقتلوه وقتلوا من فی المساجد، وهم فی الصلاة، وبقیت جماعة تقاوم، تزید على المائتین وعشرین رجلاً، فأعطوهم الأمان، فلما تمکنوا منهم قتلوهم أیضاً(35)
وکذلک فعلوا بهذا البلد مرة أخرى فی سنة 1342ﻫ.ق(36) بالإضافة إلى أنهم قد قتلوا أهل ینبع أیضاً(37)
الاتجاه الرابع: الوهابیة، وأمن مکة:
إن هؤلاء اللذین استولوا بالقوة والقهر على الحرمین الشریفین، بعد أن عانى أهلهما منهم الأمرین، وهلک الکثیرون من أهل مکة جوعاً، عدا من قتل منهم، بسبب حصارهم لها، حسبما قدمناه.إن هؤلاء، کانوا ولا یزالون، لا یتقون الله فی حجاج بیت الله الحرام، وزائری حرم رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم.
ولم ینس الناس بعد، ما فعلوه فی أوائل دعوتهم، واشتداد شوکتهم، بحجاج الیمن حیث قتلوهم، وکانوا زهاء ألف حاج، غیلة وغدراً، ولم ینج منهم سوى رجلین أخبرا بما کان(38)
کما لم ینس الناس قتلهم ونهبهم للوافدین إلى مکة(39)، ثم منعهم الناس من الحج، لعدة سنوات، حینما سیطروا على مکة المکرمة، حسبما أسلفناه.
کما أنهم قد قتلوا جملة من بنی شیبة، سدنة البیت، کانوا مصطافین فی الطائف فی سنة 1342ﻫ.ق(40)، إلى غیر ذلک من جرائم ارتکبوها، وعظائم اقترفوها، لسنا فی مجال تفصیلها هنا.
وکذلک.. فإن حجاج بیت الله تعالى، لا یزالون یعانون الکثیر من الإهانات، والشتائم، بل والضرب المبرح فی أحیان کثیرة، إن لم ینته الأمر فی بعضهم إلى القتل لممارستهم شعائرهم الدینیة، وعدم قبولهم بما یرید هؤلاء إجبارهم علیه بالقهر والجبروت، مما لا اساس له من عقل أو شرع، وإنما یستند إلى محض ترهات وأباطیل. وعلى أساس هذه الأباطیل والترهات، تراهم یعتبرون کل من خالفهم بالرأی، أو بالمذهب مشرکاً حلال الدم، ویمکنهم ممارسة شتى أنواع الظلم والاضطهاد، وحتى القتل ضده، دونما وازع أو رادع.
وبالأمس القریب وفی سنة 1400ﻫ.ق قد هتکوا حرمة المسجد الحرام، وقتلوا من قتلوا، وفعلوا الأفاعیل، فی قضیة اعتصام جهیمان القیسی وصحبه، مع نسائهم وأطفالهم بالحرم المکی الشریف، وقد اقتحمت الحرم الشریف فرقة فرنسیة بقیادة الکابتن (بول باریل) بعد حصار دام أسبوعین، وقتال دام أکثر من ثلاثة أسابیع(41)
ثم ارتبکوا أخیراً جریمتهم النکراء، التی لم یجرأ على ارتکاب مثلها فی رحاب الحرم الشریف أعتى الطواغیت، وأشرّ السفاحین، عبر العصور حین قتلوا بصورة فظیعة ومریعة المئات وجرحوا الألوف من المؤمنین الذین لا ذنب لهم، إلا أن یقولوا: ربنا الله وحده، وإلا إنهم یرفعون شعار البراءة من المشرکین، ومن اعداء الله سبحانه، تأسیاً منهم برسول الإسلام الأعظم صلى الله علیه وآله وسلم، الذی أرسل مبعوثة إلى مکة، لیعلن براءة الله ورسوله من المشرکین، فی قضیة تبلیغ سورة براءة المعروفة لدى کل احد.
فیتضح من مجموع ما تقدم: أن أولئک الذین یبیحون لأنفسهم ارتکاب أقبح الجرائم وأفظعها، وأعظم الموبقات وأبشعها، فی حق المسلمین الأخیار، والأتقیاء الأبرار، فی الشهر الحرام، وفی البلد الحرام إن هؤلاء ـ لا یملکون التقوى التی تؤهلهم لأن یتولوا بیت الله، وحرمه الآمن، لاسیما وانهم أیضاً: لا یتورعون عن الصد عن سبیل الله وعن مقدساته، ومهابط وحیه، ویصدون الناس عن المسجد الحرام، ویظلمون الناس فیه أسوأ الظلم وأفحشه.
وقد أصدر الله سبحانه حکمه الصریح والقاطع فی حق هؤلاء، وفی حق کل من هو على شاکلتهم حینما قال: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلاَ یُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ یَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا کَانُوا أَوْلِیَاءهُ إِنْ أَوْلِیَاؤُهُ إِلاَ الْمُتَّقُونَ وَلَکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لاَ یَعْلَمُونَ﴾(42) صدق الله العلی العظیم.
مسؤولیة المسلمین تجاه الحرمین الشریفین:
أما بالنسبة لمسؤولیة المسلمین تجاه الحرمین الشریفین، فإن من الواضح: أن الأهمیة البالغة لمکة وحساسیة موقعها المصیری والرائد فی مستقبل الإسلام، والإیمان والإنسان، حتى على مستوى البشریة جمعاء لیعطینا: أن أی تجاهل، أو تغافل أو تفریط بمکة وبمستقبلها، لیعتبر تفریطاً هائلاً وبغیضاً جداً، یمقته الوجدان، وترفضه الفطرة، ویأباه الفکر والعقل الإنسانی، ویراه ضربة ممیتة، وخیانة کبرى للدین والإنسان على حد سواء.ولسنا بعد هذا بحاجة للتذکیر بالمسؤولیة الشرعیة الخطیرة، وما یترتب على ذلک من مؤاخذة، وعذاب ألیم. فإن ذلک من أبده البدیهیات، وأوضح الواضحات.
ولعل تجاهل بیت الله الحرام، والانصراف عن التفکیر بمصیره وعدم الجدیة فی العمل على إنقاذه، من الحالة التی انتهى إلیها، لا یمکن إلا أن یکون أحد الموارد التی ینظر إلیها التحذیر، الذی روی أن أمیر المؤمنین علیه السلام أصدره، حینما قال:
"الله الله، فی بیت ربکم، فلا یخلون منکم ما بقیتم، فإنه إن ترک لم تناظروا، وإنه إن خلا منکم لم تنظروا"(43)
الوسائل المتوفرة فی مجال التصدی:
وأخیراً فإن المسؤولیة الشرعیة، تحتم على المسلمین ـ کخطوة أولى ـ أن یقوموا بفضح وتعریة هذه الفئة الباغیة والحاقدة، التی تبتز المتقین حقهم فی تولی شؤون بیت الله الحرام، وأن یعلنوا براءتهم منها، ومن أفاعیلها وأباطیلها المنافیة لتعالیم الإسلام، وتعریف الناس بحقیقة هذا الحکم الإلهی فی ولایة حرمه وبیته، الذی صدع به القرآن الکریم، ولیظهر ـ من ثم ـ بغی هذه الفئة، وفجورها، وابتزازها حقاً لیس لها. ولیعرف العالم کله أن هؤلاء لا یمثلون فی موقعهم، وفی موقفهم، ومسلکیتهم رأی الإسلام، ولا صفاءه ولا أصالته، ولا هم الأمثولة الصحیحة والسلیمة له، ولا التجسید الحی لمبادئه وأخلاقیاته، ومواقفه وأهدافه.وبعد.. فإن هناک الکثیر الکثیر من وسائل الضغط والتصدی لهذه الفئة، سیاسیة منها وغیرها، یمکن الاستفادة منها فی مجال إرغامها على التوقف عن الإساءة للإسلام، ولنبیه، ولمقدساته. ولسنا هنا فی صدد تقصی ذلک.وفقنا الله سبحانه للسیر على هدى الإسلام، والالتزام بتعالیمه، والعلم على تحقیق أهدافه النبیلة والسامیة.وهو ولینا وهو الهادی إلى سواء السبیل.
المصادر :
1- نهج البلاغة، الخطبة القاصعة، ورقمها: 187
2- إبراهیم 37.
3- آل عمران 96.
4- الحج 26.
5- التین 3.
6- المائدة 97.
7- إبراهیم 35.
8- النمل 91.
9- القصص 57.
10- الحج 25.
11- راجع تفسیر المیزان، ج14، ص377، عن الکافی.
12- الأنفال 34.
13- الحج 25.
14- کشف الارتیاب ص139 وراجع ص430 عن خلاصة الکلام ص230.
15- العقد الفرید ج2 ص354 والأخبار الطوال ص346 وتهذیب تاریخ دمشق ج4 ص72 والأغانی تج19 ص60.
16- النصائح الکافیة ص81 والکامل للمبرد ج1 ص222 شرح النهج للمعتزلی ج15 ص242 والبدایة والنهایة ج9 ص131 وسنن أبی داود ج4 ص209، والعقد الفرید ج5 ص51 والاشتقاق ص188 ووفیات الأعیان ج2 ص7 والغدیر ج10 ص51 وبهج الصباغة ج5 ص291و319و338.
17- کشف الارتیاب ص501/502.
18- کشف الارتیاب ص60.
19- کشف الارتیاب ص61.
20- کشف الارتیاب ص34/35 و450 عن الجبرتی فی تاریخه.
21- کشف الارتیاب ص22/23و59/60/61و358.
22- المصدر السابق ص27و28و29و30.
23- المصدر السابق ص32.
24- المصدر السابق ص22.
25- کشف الارتیاب ص6و9و34و35 عن تاریخ نجد للآلوسی والجبرتی، وغیرهما.
26- کشف الارتیاب ص441.
27- الاتحاف بحب الإشراف ص68و63.
28- الصواعق المحرقة ص222 وتاریخ الخلفاء ص209.
29- راجع عقلاء المجانین ص178 والفتوح لابن أعثم ج2 ص486، وذکروا: أنه رماها بالعذرة والعیاذ بالله.
30- راجع بهج الصباغة ج5 ص340 عن الطبری، والأغانی.
31- المنصف لعبد الرزاق ج5 ص49 والطبقات الکبرى لابن سعد ج5 ص94، وربیع الأبارر ج1 ص43 وفیه زیادة.
32- راجع الأغانی ج19 ص60و59 تهذیب تاریخ دمشق ج5 ص82.
33- راجع الأغانی ج19 ص60و59.
34- راجع على سبیل المثال مجلة الوحدة الإسلامیة، عدد محرم سنة 1408ﻫ.ق ص30 وعدد صفر سنة 1408ﻫ.ق من مجلة ISLAMQ AGRISI .
35- کشف الارتیاب ص18و19.
36- المصدر نفسه ص55.
37- المصدر نفسه ص27.
38- المصدر نفسه ص54.
39- کشف الارتیاب ص27.
40- المصدر السابق ص55.
41- راجع مجلة الوحدة الإسلامیة عدد2 صفر 1408ﻫ.ق ص10.
42- الأنفال 34.
43- مقاتل الطالبین ص39 وراجع: نهج البلاغة، الکتاب رقم47، بشرح عبده ج3 ص86، والمعرون والوصایا ص151، وتاریخ الطبری حوادث سنة 40ﻫ ج5 ص148 والکافی ج7 ص51 وتحف العقول ص198، ومن لا یحضره الفقیه ج4 ص190، والمناقب للخوارزمی ص278 والبدایة والنهایة ج7 ص328 وکشف الغمة ج2 ص58 وعنهم فی مصادر نهج البلاغة ج3 ص380 و381.
/ج