وهي فرقة كلامية من أهل السنة ظهرت في بداية القرن الثاني الهجري، واعتمدت على العقل في تأسيس عقائدها، وتميزت بثرائها الفكري والعلمي واطلقت عليها مسميات متعددة كالعدلية والموحدة والمفوضة والقدرية والمعطلة وغيرها.
ويرجع سبب تسميتها بالمعتزلة حسب تصور المؤرخين إلى أمرين لأمرين :
الاول يتعلق بالاعتزال السياسي الذي قام به مجموعة من الصحابة في الخلاف بين الامام علي (علیه السلام) ومعاوية.
والثاني : يتعلق باعتزال واصل بن عطاء عن شيخه الحسن البصري في مسائل فقهية فكرية.
عوامل الظهور :
ـ لما انتشرت افكار المجبّرة الداعية الى تحجيم دور العقل وتغييبه وتبني السلطة الرسمية لفكرة الجبر، برزت المعتزلة كتيّار يدعو الى حرّية اختيار العبد (الانسان) في افعاله واطلاق دور العقل البشري وتأكيدهم على استقلالية الانسان في سلوكه، ساعد هذا العامل على تعاطف الناس معهم.
ـ ان المعتزلة ـ كفرقة فكرية ـ اكدوا على التوحيد وعلى العدل الاجتماعي، ولهذين المبدأين أهمية كبرى لدى الناس في عصر كثرت فيه المظالم الاجتماعية وكثر فيه القول بتشبيه وتجسيم الذات الالهية.
النشأة والتطور :
ـ ان الحسن البصري لما طرد واصلاً من مجلسه واعتزل عند سارية من سواري مسجد البصرة وانضم الى صديقه عمرو بن عبيد، قال الناس يومئذ فيهما : انهما قد اعتزلا قول الامة وسمي اتباعهما وقتئذٍ بالمعتزلة.
ـ في زمن هارون الرشيد نبغت المعتزلة ونشطت الحركة الفكرية وثاروا على الجمود حتى جاء عصر المأمون وكان يميل الى حرية الفكر، وبذلك استطاع المعتزلة ان يواصلوا نشاطهم، فقد كانوا يتحرقون الى نشر اصولهم فوجدوا في المأمون بغيتهم ونظروا اليه بعين الاكبار اذ وجدوا فيه ركنا شديدا، فكان مذهبهم اقرب المذاهب الى نفس المأمون فقربهم واصبحوا اصحاب نفوذ في القصر، واغتـنموا فرصة استمالة المأمون والمعتصم والواثق لهم فاطلقوا ايديهم في السياسة وبلغوا الذروة الى ان جاء المتوكل فاخذوا ينحدرون عن المكانة التي وصلوا لها بسبب مضايقة المتوكل لهم ومحاربته لافكارهم ومنها قولهم بخلق القرآن.
ـ تشدد المعتزلة في مهاجمتهم العنيفة للفرق الاخرى يعد السبب الاساسي في انتكاستهم وهزيمتهم امام قوة المحدثين ورجوع الاكثرية الى الجمود والتسليم امتثالا لامر السلطة. يقول المسعودي : « لما افضت الخلافة للمتوكل امر بترك النظر والمباحثة والجدال والترك لما عليه الناس ايام المعتصم والواثق، وأمر الناس بالتسليم والتقليد، وامر الشيوخ والمحدثين بالتحدث واظهار السنة والجماعة ».
الافكار والمعتقدات :
ـ أركان الاعتقاد عند المعتزلة خمسة : التوحيد، والعدل، والوعد، والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ـ بأن الله واحد لا شريك له، وذهبوا الى نفي الصفات عنه جلّ جلاله، وانها عين ذاته.
ـ ان المؤمن اذا خرج من الدنيا على طاعة وتوبة استحق الثواب والعوض، واذا خرج من غير توبة عن كبيرة.
ارتكبها استحق الخلود في النار، لكن عقابه يكون أخف من عقاب الكافر وسموا هذا النمط وعداً ووعيداً.
ـ ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان عقلاً ونقلاً، وهما واجبان باللسان والقلب واليد.
ـ ان الفاسق من المسلمين بالمنزلة بين المنزلتين، وهي انه لا مؤمن ولا كافر.
ـ ان الله منزه عن كل قبيح، وان ما ثبت انه قبيح ليس من فعله ولا يصف بالقدرة على ما يقبح.
ـ ان العبد قادر خالق لأفعاله خيرها وشرها مستحق على ما يفعله ثواباً وعقاباً في الدار الآخرة، والرب منزه ان يضاف اليه شرّ أو ظلم.
ـ ان اصول المعرفة وشكر النعمة واجبة قبل ورود السمع والحسن والقبح، يجب معرفتهما بالعقل كما يجب اعتناق الحسن واجتناب القبح. وان ورود التكاليف الالهية الطاف من الباري تعالى أرسلها الى العباد بتوسط الانبياء عليهم السلام امتحاناً واختباراً.
ـ بعصمة الانبياء جميعاً وانهم لا يجوز ان تقع مـنهم معصية بعمد لا صغيرة ولا كبيرة.
ـ ان الايمان اقرار باللسان ومعرفة وعمل بالجوارح، وان كل من عمل فرضاً أو نفلاً فهو ايمان، وكلما ازداد الانسان خيراً ازداد ايماناً وكلما عصى نقص ايمانه.
ـ انه مالم يأمر الله تعالى به أو ينهى عنه من اعمال العباد لم يشأ الله شيئاً منه.
ـ لا امامة الا بالنص والتعيين ظاهراً وهو رأي الفرقة النظامية.
ـ لاتجوز الصلاة الا خلف الفاضل.
ـ ان علياً (علیه السلام) هو الافضل والأحق بالامامة، وانه لولا ما يعلمه الله ورسوله من ان الاصلح للمكلفين تقديم المفضول عليه لكان من تقدم عليه هالكاً. ـ ان لمقدورات الله تعالى ولأفعاله ومعلوماته غاية ونهاية، وان الجنة والنار تفنيان ويفنى أهلهما حتى يكون الله سبحانه آخر لا شيء معه، كما كان اول لا شيء معه.
ـ انكار الشفاعة.
ـ بوجوب الاصلح على الله تعالى وبأن أوامر الله ونواهيه تابعة للمصالح والمفاسد وبأن أفعال العباد ليست مخلوقة لله.
ـ باستحالة رؤية الله سبحانه وتعالى بالابصار.
أبرز الشخصيات :
1 ـ واصل بن عطاء
2 ـ عمرو بن عبيد
3 ـ ابو الهذيل العلاف
4 ـ ابراهيم النظام
5 ـ عثمان بن خالد الطويل
6 ـ حفص بن سالم
7 ـ القاسم السعدي
8 ـ الحسن بن ذكوان
9 ـ عبد الرحيم الخياط
10 ـ عبد السلام بن محمد الجبائي
11 ـ ابو يعقوب الشحام
12 ـ أحمد بن خابط
الانتشار ومواقع النفوذ :
ـ ان اول ظهور للمعتزلة كان في البصرة في العراق.
ـ نعم انتشرت افكار المعتزلة في مختلف مناطق الدولة الاسلامية كخراسان وترمذ واليمن والجزيرة العربية والكوفة وأرمينية اضافة الى بغداد.
أحداث ووقائع :
ـ كان واصل بن عطاء المعتزلي الـثغ يبدل الراء غيناً، وكان يخلص كلامه بحيث لا تسمع منه الراء حتى يظن خواص جلسائه أنه غير ألـثغ، وفي احد الايام دفعت اليه رقعة مضمونها :
أمر أمير الامراء الكرام ان يُحفَر بَئر على قارعة الطريق ليشرب منه الصادر والوارد. فقرأ على الفور : حكم حاكم الحكام الفخام ان يُنبشَ جب على جادة الممشى فيسقى منه الصادي والغادي، فغير كل لفظ برديفه وهذا من روائع الاقتدار.
ـ كان القاضي عبد الجبار المعتزلي جالساً يوماً في مجلس الصاحب بن عباد فدخل عليهم ابو اسحاق الاسفراييني، وكان جبري المذهب، والقاضي نصيراً لمذهب المخيرة، فبعد أن وقعت عين القاضي عليه صاح منادياً : « سبحان من تنزه عن الفحشاء » كناية عن ابي اسحاق ينسب كل الاشياء ومن جملتها الفحشاء الى ذات الله، وبدون أن يدافع ابو اسحاق عن عقيدته ردّ قائلاً : « سبحان من لا يجري في ملكه الاّ ما يشاء » كناية عن القاضي الذي يؤمن بعقيدة التفويض التي تجعل لله شريكاً في افعاله بينما ترى الانسان مستقلاً في أفعاله، وليس له حاجة الى الله.
ـ حصلت مناظرة بين القاضي أحمد بن ابي دؤاد وأحمد بن حنبل حول خلق القرآن وقدمه.
قال : ابن ابي دؤاد : اليس الشيء الا قديماً او حادثاً ؟
قال ابن حنبل : نعم.
قال ابن ابي دؤاد : او ليس القرآن شيئاً ؟
قال ابن حنبل : نعم.
قال ابن ابي دؤاد : اوليس لا قديم الا الله ؟
قال ابن حنبل : نعم.
قال ابن ابي دؤاد : فالقرآن اذن حادث.
فقال ابن حنبل : انا لست متكلماً.
من ذاكرة التاريخ :
ـ اخبر زعيم الطائفة السمنية ببلاد السند ملكهم بان البناء الفكري للدين الاسلامي هش ولا يصمد عند المناظرة فدعا الملك السندي هارون الرشيد فيبعث له من فقهاء الاسلام ما يكون احلاً للمناظرة على شرط ان المغلوب ملزم في دخول دين الغالب وقبل هارون هذه الدعوة، ثم بعث كبير قضاة بغداد فدارت المحاورة بين السمني وقاضي بغداد مبعوث هارون.
قال السمني : اخبرني عن معبودك هل هو قادر ؟
فقال القاضي : نعم.
قال السمني : هل هو قادر على ان يخلق مثله ؟
فقال القاضي : هذه المسألة من الكلام والكلام بدعة واصحابنا ينكرونه.
قال السمني : ومن هم اصحابك ؟
فقال القاضي : محمد بن الحسن وابو يوسف وابو حنيفة.
فالتفت السمني الى الملك وقال له : قد أعلمتك بجهلهم وغلبتهم بالسيف فرجع القاضي مهزوماً الى بغداد.
فبعث ملك السند برسالة الى هارون يقول فيها :
«اني قد ابتدأتك وانا على غير يقين مما حكي لي والآن قد تيقنت بحضور القاضي ».
فثارت ثائرة هارون فأخذ يبحث عن حل فأشير اليه ان يخرج علماء الكلام من السجون، فهم الاقدر على حل هذه المسألة. فأخرج علماء المعتزلة وعرض عليهم مسألة السمني فأجاب شاب منهم وهو معمر بن عباد قائلاً : ان هذا السؤال الذي سأله السمني محال لأن المخلوق لا يكون محدثاً والمحدث لا يكون مثل القديم فقد استحال ان يقال يقدر ان يخلق مثله أو لا يقدر كما استحال ان يقال ان يكون جاهلاً أو عاجزاً فجهز هارون الرشيد جماعة من المعتزلة لمناظرة السمني بالفلسفة والجدل بالكلام بعد ان عجز باسلوب الحديث والنقل المأثور.
ـ ذكر المؤرخون من الاحداث الفريدة ماقام به الواثق لما استفكَّ من الروم اربعة الاف من الاسارى اشترط فيهم ان من قال : القرآن مخلوق يخلص من الاسر، ويعطى دينارين، ومن امتنع عن ذلك فيترك في الاسر ولا يفك.
خلاصة البحث :
المعتزلة : فرقة كلامية من أهل السنة ظهرت في بداية القرن الثاني الهجري، واعتمدت على العقل في تأسيس عقائدها.
يرجع سبب تسميتها بالمعتزلة لأمرين :
الأول : يتعلق بالاعتزال السياسي الذي قام به مجموعة من الصحابة في الخلاف بين الامام علي (علیه السلام) ومعاوية.
والثاني : يتعلق باعتزال واصل بن عطاء عن شيخه الحسن البصري في مسائل فقهية فكرية.
ـ لما انتشرت افكار المجبرة التي ساعدت على تحجيم دور العقل وتغييبه، وتبني السلطة الرسمية لفكرة الجبر برزت المعتزلة كتيار يدعو الى حرية العقل واستقلالية الانسان في سلوكه، ساعد هذا العامل على تعاطف الناس مع تيار المعتزلة.
ـ ان تأكيد المعتزلة على التوحيد وعلى العدل الاجتماعي اعطاهم أهمية كبرى لدى الناس في عصر كثرت فيه المظالم الاجتماعية وكثر فيه القول بتشبيه وتجسيم الذات الالهية.
ـ من افكارهم ومعتقداتهم القول بأن الفاسق من المسلمين بالمنزلة بين المنزلتين لا مؤمن ولا كافر، وقالوا ان العبد قادر خالق لافعاله خيرها وشرها مستحق على ما يفعله ثواباً وعقاباً في الدار الآخرة.
ـ ان الجنة والنار تفنيان ويفنى أهلها حتى يكون الله سبحانه آخر لا شيء معه كما كان أول لا شيء معه.
ـ باستحالة رؤية الله سبحانه وتعالى بالابصار.
ـ ان أول ظهور للمعتزلة في كان البصرة في العراق ثم انتشرت افكارهم في مختلف مناطق الدولة الاسلامية كخراسان وترمذ واليمن والجزيرة العربية والكوفة وارمينيا اضافة الى بغداد.
المصدر : تحقیق راسخون 2014