الفعل الإنساني و العدل الإلهي

من المطالب الأساسية التي طرقت في هذا الباب قضية الجبر والاختيار ولقد عكس لنا تاريخ الجدل الكلامي اتجاهين ضحى احدهما بحرية الإنسان لمصلحة التوحيد الافعالي (الأشاعرة) وضحى الآخر بالتوحيد الأفعالي لمصلحة إرادة الإنسان (المعتزلة) ووقفت
Monday, June 30, 2014
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
الفعل الإنساني و العدل الإلهي
 الفعل الإنساني و العدل الإلهي

 






 

من المطالب الأساسية التي طرقت في هذا الباب قضية الجبر والاختيار ولقد عكس لنا تاريخ الجدل الكلامي اتجاهين ضحى احدهما بحرية الإنسان لمصلحة التوحيد الافعالي (الأشاعرة) وضحى الآخر بالتوحيد الأفعالي لمصلحة إرادة الإنسان (المعتزلة) ووقفت مدرسة الإمامية موقفاً وسطاً (لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين).
ومسألة الجبر والاختيار تنحل إلى مسألتين مسألة كلامية: كما بينا في أصل النزاع بين الأشاعرة والمعتزلة. ومسألة فلسفية وروح البحث فيها يرجع إلى أن فاعل هذه الأفعال سواء فرضناه في المسألة الأولى الإنسان أو الله أو هما معاً هل تصدر منه اختياراً أو بلا اختيار ومن هنا يعرف أن المسألة الكلامية لا تكفي وحدها لحسم النزاع في بحث الجبر والاختيار(1).
وَفي بحث الطلب والإرادة في علم الأصول استعرض الشهيد الصدر في المستوى الكلامي من البحث خمسة احتمالات:
الاحتمال الأول: أن يكون الفاعل محضاً هو الإنسان ولا نصيب لرب العباد في الفاعلية وهذا مذهب التفويض وهو مذهب المعتزلة الذين اعتقدوا امكانية استقلال المعلول بقاء عن علته وانه بحاجة إلى هذه العلة أو إلى سببه حدوثاً لا بقاء.
الاحتمال الثاني: أن يكون الفاعل محضاً هو الله وأن الانسان له القابلية فقط كقابلية الخشب أن يكون مقعداً وهذا الاحتمال قريب من نظرية الكسب الاشعري ولكنه باطل بالوجدان.
الاحتمال الثالث: أن يكون لكل من الله والإنسان نصيب في الفاعلية فالانسان هو الفاعل المباشر بما اوتي من قدرة وسلطان وعضلات والله هو الفاعل غير المباشر من باب أن هذه القوى مخلوقة حدوثاً وبقاء له ومفاضة آنا فآنا ومعطاة من قبل الله.
الاحتمال الرابع: أن يكون الله هو الفاعل المباشر لكن الارادة ومبادئها مقدمات إعدادية.
الاحتمال الخامس: فاعلية واحدة تنسب إلى الله بنظر وإلى العبد بنظر آخر بناء على قوله إن نسبة العبد إلى الله نسبة الربط والفناء ونسبة المعنى الحرفي إلى المعنى الاسمي ويرى باقر الصدر أن هذا الاحتمال الأخير مبني على تصور صوفي لا يفهمه وبالتالي لا يبقى سوى احتمالين الثالث والرابع ويكون كلاهما صورة معقولة لمبدأ (الأمر بين الأمرين)، ولكنه في الأخير يبطل الرابع (لكن مجرد اختيار المذهب الشيعي في المسألة الأولى (المستوى الكلامي من البحث) القائل بأن للإنسان دخلا في الفاعلية كما أن لله دخلا فيها أو اختيار المذهب المعتزلي القائل بأن الانسان هو الفاعل محضاً لا يحتم كون الإنسان مختاراً غير مجبور في فعله فلعل صدور الفعل من الإنسان كصدور الإحراق من النار بناء على فاعلية النار للاحراق)(2)
ولذلك فالمشكلة لا تنحل إلاّ ببحث (المسألة الثانية الفلسفية): وهي ناشئة من (شبهة فلسفية تنفي الاختيار حتى بعد الاعتراف بأن الفعل فعل الإنسان وهذه الشبهة مركبة من مقدمتين:
المقدمة الأولى: ان الاختيار ينافي الضرورة فان الضرورة تساوق الاضطرار المقابل للاختيار من قبيل حركة يد المرتعش التي هي ضرورية.
المقدمة الثانية: أن صدور الفعل من الإنسان يكون بالضرورة لأن الفعل صادر منه ممكن من الممكنات فتحكمه القوانين السائدة في كل عالم الإمكان القائلة (بأن الممكن ما لم يجب بالغير لم يوجد) فالجمع بين هاتين المقدمتين تثبت ان الإنسان غير مختار في أفعاله إذ لا يصدر منه فعل إلاّ بالضرورة والضرورة تنافي الاختيار)(3).
بلغة أخرى أن الشبهة ناشئة من التلازم بين الضرورة التي تفرضها عموم قانون العلية لعالم الممكنات وبين الحرية التي تتنافى مع الضرورة... فكيف نوفق بين العلية والحرية؟ هذه هي المعضلة التي أرهقت عقول الفلاسفة والاصوليين!... لقد طرحت عدة مسالك لحل المعضلة استعرضها الشهيد الصدر في بحثه الأصولي وناقشها... (4)
هذه المسالك تتراوح بين انكار المقدمة الأولى... (الضرورة تنافي الاختيار) وبين انكار المقدمة الثانية: (قوانين العلية)، أو انكار عموم قوانين العلية وأنها لا تشمل الافعال الإنسانية الاختيارية (محاولة المحقق النائيني) وبين مسلك آخر يرى ان الطبيعة جهزت الإنسان بقابليات يصعب معها التنبؤ بتصرفه والاختيار ينتزع مِنْ هذه الفرصة.. ان كل هذه المحاولات قاصرة عن اثبات الاختيار.. وانما حلت المشكلة صورياً..
وهنا يظهر ابداع الصدر لنظريته المشهورة التي تعتبر الحل الجذري الوحيد لهذه المعضلة الا وهي (نظرية السلطنة): فالسلطنة مفهوم قبالة مفهومي الوجوب والإمكان، وخروج الممكن من حد الاستواء يتحقق بأحد أمرين: إما الوجوب بالغير وإما السلطنة يقول باقر الصدر: (فلو وجدت ذات في العالم تمتلك السلطنة رأى العقل بفطرته السليمة ان هذه السلطنة تكفي للوجود)(5).
والسلطنة تشترك مع الإمكان من حيث تساوي نسبتها إلى الوجود والعدم ولكنها تختلف عنه في كون الإمكان لا يكفي لتحقيق أحد الطرفين بل يحتاج تحقيقه إلى مؤونة زائدة وأما السلطنة فيستحيل فرض الحاجة معها إلى ضم شيء آخرإليها لتحقيق أحد الطرفين إذ بذلك تخرج عن كونها سلطنة وهي كالوجوب لانها كافية لتحقيق الشيء وتمتاز عنه أن صدور الفعل من الوجوب ضروري ومن السلطنة ليس ضرورياً فالبون شاسع بين (له ان يفعل) و(عليه أن يفعل). ويرى السید محمد باقر الصدر ان السلطنة موجودة في الإنسان والدليل على ذلك منحصر في الشرع والوجدان.
المصادر :
1- المدرسة القرآنية/ محمد باقر الصدر ص238
2- میزان الحکمة ص30
3- میزان الحکمة ص30
4- مباحث الدليل اللفظي، ج2، للسيد محمود الهاشمي، ص30 إلى 35
5- میزان الحکمة ص37



 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.