هناك جملة من الأسباب الداعية إلى هذا التساؤل ( المعاصر ) على الرغم مما يترتب عليه من آثار سلبية خطيرة تحدد مقدار ما يمتلكه أصحابه من الثقافة الإسلامية ، مع مدى موضوعيتهم ، وقيمة مزاعمهم ، فضلا عن درجة صلتهم برسالة الإسلام ، حیث أن التقية من المفاهيم الإسلامية الثابتة ثبوت أي مفهوم إسلامي آخر متفق عليه ، وأنها ضرورة شرعية لا يختلف ثبوتها عن ثبوت أية ضرورة شرعية أخرى ، زيادة على كونها ضرورة عقلية أيضا ، وأبعد من ذلك أنها من الغرائز الفطرية التي يشترك بها الإنسان والحيوان معا ، ومن هنا كان السعي إلى النفع واتقاء الخطر مشاهدا حتى عند الحيوانات التي ليس من شأنها أن تفقه دليلا شرعيا كان أو عقليا .
وهذا يدل على أن إنكار التقية ووصفها بالنفاق ، إنما هو إنكار للفطرة ، فضلا عن كونه إنكارا لضرورة شرعية وعقلية . وعليه لا بد من التوفر على أسباب هذا القول الساذج المتطرف ، فنعرضها كالآتي :
السبب الأول :
الجهل بمعنى التقية ، وعدم القدرة الكافية على التفريق بينها وبين النفاق لشبهة اشتراكهما بصفة إظهار الإنسان لشئ هو على خلاف ما يبطن .السبب الثاني :
حسن ظن الخلف بما قاله المتعصب ( 1 ) أو الشاذ من السلف ( 2 ) . مع تقليدهم تقليدا أعمى من غير روية ولا تحقيق أو تدقيق ( 3 ) !السبب الثالث :
التمسك بالقسم المحرم من التقية ، لعدم معرفة أقسامها الأخر من الوجوب ، والإباحة ، والاستحباب ، والكراهة ، كما بيناه في أقسامها .السبب الرابع :
نصرة الآراء الموروثة والتعصب لها ، وعدم تحقيق الأمور على وجوهها ، مع تعميم هذا الاتجاه السلبي بين البسطاء من الناس ، لكي يتمرنوا تدريجيا على قبوله واعتقاد صحته ، ورفض ما خالفه مهما كانت أدلته .السبب الخامس :
الخوف الحقيقي من التقريب بين المذاهب الإسلامية ، والعمل بكل وسيلة للإطاحة بكل المساعي الشريفة الرامية إلى جمع كلمة المسلمين ، لأن في وحدة المسلمين القضاء المحتم على تلك الشرذمة التي عرفت بشذوذها أصولا وفروعا .السبب السادس :
إشاعة الكذب المحض على الشيعة الإمامية بهدف التشنيع عليهم ولو بالكذب على جميع المسلمين كزعمهم أن التقية من النفاق ، أو كقولهم عن الشيعة الإمامية : . . . وهم يتوسعون في مفهوم التقية إلى حد اقتراف الكذب والمحرمات ( 4 ) ونحو هذا من الأكاذيب المعبرة عن عدم الشعور بالمسؤولية ، مع انعدام الحياء ، وفقدان الورع والتقوى .السبب السابع :
الدعم المادي الذي تقدمه بعض الجهات المشبوهة بصلاتها المعروفة مع أعداء المسلمين لمن باع ضميره وذمته لقاء ثمن بخس دراهم معدودة لترويج الباطل الذي يضمن سلامة عروشهم عبر ديمومة الوضع الراهن وبقائه في مجتمعنا الإسلامي ، حتى وإن أدى ذلك إلى الطعن بمفاهيم الإسلام كمفهوم التقية وغيرها من المفاهيم الإسلامية الناصعة مثل التوسل بالأنبياء والصالحين ، وزيارة قبورهم ، وطلب شفاعتهم ونحوها .ولكي تتضح الحقيقة أكثر ، وتغلق المنافذ بوجه المشعوذين والمشنعين على الشيعة بالتقية ، فلا بد من بيان بعض الصور الواردة في كتب العامة في التقية على مستوى القول والفعل والفتوى ، لكي يكون ذلك بمثابة المرآة الصافية التي يمكن النظر من خلالها إلى ما هو موجود فعلا من صور التقية في كتب العامة .
المصادر :
1- كالفخر الرازي في كتابه : محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين : 365 ، ط 1 ، دار الكتاب العربي ، بيروت / 1404 ه . والشهرستاني في الملل والنحل 1 : 159 - 160 ، ط 3 ، مطبعة أمير ، قم / 1409 ه ، فقد ذكرا أن التقية من وضع الرافضة ! وهو كما ترى لا يليق بشأنهما بأي وجه من الوجوه
2- كمؤسس الفرقة الوهابية محمد عبد الوهاب في رسالته ( في الرد على الرافضة ) : 20 ، تحقيق الدكتور ناصر بن سعيد ، نشر دار طيبة ، الرياض ( بدون تاريخ ) .
3- أنظر على سبيل المثال لا الحصر ما في الكتب الآتية بشأن التقية من تقليد أعمى أو كذب وافتراء :
بطلان عقائد الشيعة / محمد عبد الستار التونسوي : 52 و 72 و 73 و 78 و 79 ، دار العلوم ، القاهرة / 1983 م ، نشر المكتبة الإمدادية بمكة المكرمة . /تبديد الظلام / إبراهيم سليمان الجبهان : 483 ، ط 3 ، السعودية / 1408 ه .
التشيع بين مفهوم الأئمة والمفهوم الفارسي / الدكتور محمد البنداري : 235 ، دار عمان ، الأردن / 1408 ه .
الثورة الإيرانية في ميزان الإسلام / محمد منظور نعماني الهندي ، ترجمة الدكتور محمد البنداري : 122 و 180 و 182 - 187 و 222 ، ط 1 ، دار عمان ، الأردن / 1408 ه
الخطوط العريضة / محب الدين الخطيب : 9 و 10 ، ط 9 ، جدة ، السعودية / 1380 ه
4- الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة : 302 ، ط 2 ، الرياض / 1409 ه .
/ج