العدالة

العدل ضد الظلم، وهو مناعة نفسية، تردع صاحبها عن الظلم، وتحفّزه على العدل، وأداء الحقوق والواجبات. وهو سيد الفضائل، ورمز المفاخر، وقوام المجتمع المتحضر، وسبيل السعادة والسلام.
Monday, July 28, 2014
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
العدالة
العدالة

 






 

العدل ضد الظلم، وهو مناعة نفسية، تردع صاحبها عن الظلم، وتحفّزه على العدل، وأداء الحقوق والواجبات.
وهو سيد الفضائل، ورمز المفاخر، وقوام المجتمع المتحضر، وسبيل السعادة والسلام.
وقد مجّده الاسلام، وعنى بتركيزه والتشويق اليه في القرآن والسنة:
قال تعالى: «إنّ اللّه يأمر بالعدل والاحسان»(1).
وقال سبحانه: «وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى»(2).
وقال عز وجل: «إنّ اللّه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل»(3).
وقال الصادق عليه السلام: «العدل أحلى من الشهد، وألين من الزبد، وأطيب ريحاً من المسك»(4).
وقال الراوي لعلي بن الحسين عليه السلام أخبرني بجميع شرائع الدين؟ قال: «قول الحق، والحكم بالعدل، والوفاء بالعهد»(5)
وقال الرضا عليه السلام: «استعمال العدل والاحسان مؤذن بدوام النعمة»(6)
للعدل صور مشرقة تشع بالجمال والجلال، وإليك أهمها:

1- عدل الانسان مع اللّه عز وجل، وهو أزهى صور العدل، وأسمى مفاهيمه، وعنوان مصاديقه، وكيف يستطيع الانسان أن يؤدي واجب العدل للمنعم الأعظم، الذي لا تحصى نعماؤه، ولا تعدّ آلاؤه؟!

وإذا كان عدل المكافأة يُقدّر بمعيار النعم، وشرف المنعم، فمن المستحيل تحقيق العدل نحو واجب الوجود، والغني المطلق عن سائر الخلق، الا بما يستطيعه قصور الانسان، وتوفيق المولى عز وجل له.
وجماع العدل مع اللّه تعالى يتلخص في الايمان به، وتوحيده، والاخلاص له، وتصديق سفرائه وحججه على العباد، والاستجابة لمقتضيات ذلك من التوله بحبّه والتشرف بعبادته، والدأب على طاعته، ومجافاة عصيانه.

2- عدل الانسان مع المجتمع:

وذلك برعاية حقوق أفراده، وكفّ الأذى والاساءة عنهم،وسياستهم بكرم الأخلاق، وحسن المداراة وحبّ الخير لهم، والعطف على بؤسائهم ومعوزيهم، ونحو ذلك من محققات العدل الاجتماعي.
وقد لخّص اللّه تعالى واقع العدل العام في آية من كتابه المجيد: «إن اللّه يأمر بالعدل والاحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون»(7)
وقد رسم أمير المومنين عليه السلام منهاج العدل الاجتماعي بايجاز وبلاغة، فقال لابنه:
«يا بنُيّ إجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحبّ لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب أن تُظلم، وأحسن كما تحب أن يحسن اليك، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك، وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك، ولا تقل ما لا تعلم وإن قلّ ما تعلم، ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك»
أوصى عليه السلام ابنه الكريم أن يكون عادلاً فيما بينه وبين الناس كالميزان، ثم أوضح له صور العدل وطرائقه إيجاباً وسلباً.

3- عدل البشر الأحياء مع أسلافهم الأموات، الذين رحلوا عن الحياة، وخلّفوا لهم المال والثراء، وحرموا من متعه ولذائذه، ولم يكسبوا في رحلتهم الأبدية، الا أذرعاً من أثواب البلى، وأشباراً ضيقة من بطون الأرض.

فمن العدل أن يستشعر الأحياء نحو أسلافهم بمشاعر الوفاء والعطف وحسن المكافاة، وذلك بتنفيذ وصاياهم، وتسديد ديونهم، وإسداء الخيرات والمبرات اليهم، وطلب الغفران والرضا والرحمة من اللّه عز وجل لهم.
قال الصادق عليه السلام: «إنّ الميّت ليفرح بالترحم عليه، والاستغفار له، كما يفرح الحي بالهدية تُهدى اليه».
وقال عليه السلام: «من عمل من المسلمين عن ميت عملاً صالحاً، أضعف اللّه له أجره، ونفع اللّه به الميت»(8)

4- عدل الحكام:

وحيث كان الحكام ساسة الرعية، وولاة أمر الأمة، فهم أجدر الناس بالعدل، وأولاهم بالتحلي به، وكان عدلهم أسمى مفاهيم العدل، وأروعها مجالاً وبهاءً، وأبلغها أثراً في حياة الناس.
بعدلهم يستتب الأمن، ويسود السلام، ويشيع الرخاء، وتسعد الرعية.
وبجورهم تنتكس تلك الفضائل، والأماني الى نقائضها، وتغدو الأمة آنذاك في قلق وحيرة وضنك وشقاء.

محاسن العدل:

فطرت النفوس السليمة على حب العدل وتعشقه، وبغض الظلم واستنكاره. وقد أجمع البشر عبر الحياة، وإختلاف الشرائع والمبادئ،
على تمجيد العدل وتقديسه، والتغني بفضائله ومآثره، والتفاني في سبيله.
فهو سرّ حياة الامم، ورمز فضائلها، وقوام مجدها وسعادتها، وضمان أمنها ورخائها، وأجل أهدافها وأمانيها في الحياة.
وما دالت الدول الكبرى، وتلاشت الحضارات العتيدة، الا بضياع العدل والاستهانة بمبدئه الأصيل، وقد كان أهل البيت عليهم السلام المثل الأعلى للعدل، وكانت أقوالهم وافعالهم دروساً خالدة تنير للانسانية مناهج العدل والحق والرشاد.

وإليك نماذج من عدلهم:

قال سوادة بن قيس للنبي صلى اللّه عليه وآله في أيام مرضه: يا رسول اللّه إنك لما اقبلت من الطائف استقبلتك وأنت على ناقتك العضباء، وبيدك القضيب الممشوق، فرفعت القضيب وأنت تريد الراحلة، فأصاب بطني، فأمره النبي أن يقتصّ منه، فقال: اكشف لي عن بطنك يا رسول اللّه فكشف عن بطنه، فقال سوادة: أتأذن لي أن اضع فمي على بطنك، فأذن له فقال: أعوذ بموضع القصاص من رسول اللّه من النار يوم النار. فقال صلى اللّه عليه وآله: يا سوادة بن قيس اتعفو أم تقتص؟ فقال: بل أعفو يا رسول اللّه. فقال: اللهم أعف عن سوادة بن قيس كما عفا عن نبيك محمد(9)
وقال أبو سعيد الخدري: جاء أعرابي الى النبي صلى اللّه عليه وآله يتقاضاه ديناً كان عليه، فاشتدّ عليه حتى قال له: أحرّج عليك
إلا قضيتني، فانتهره أصحابه وقالوا: ويحك، تدري من تكلم؟!! قال: إني أطلب حقّي. فقال النبي صلى اللّه عليه وآله: هلا مع صاحب الحق كنتم، ثم أرسل الى خولة بنت قيس فقال لها: إن كان عندك تمر فأقرضينا، حتى يأتي تمرنا فنقضيك. فقالت: نعم بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه. قال: فأقرضته فقضى الأعرابي وأطعمه. فقال: أوفيت أوفى اللّه لك؟ فقال: اولئك خيار الناس، إنه لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع.
وقيل: إن الاعرابي كان كافراً، فأسلم بمشاهدة هذا الخلق الرفيع، وقال: يا رسول اللّه ما رأيت أصبر منك(10)

وهكذا كان أمير المؤمنين علي عليه السلام:

قال الصادق عليه السلام لما ولي علي صعد المنبر فحمد اللّه، وأثنى عليه، ثم قال: إني لا أرزؤكم من فيئكم درهماً، ما قام لي عذق بيثرب، فلتصدقكم أنفسكم، أفتروني مانعاً نفسي ومعطيكم؟!! قال: فقام اليه عقيل كرّم اللّه وجهه فقال له: اللّه، لتجعلني وأسود بالمدينة سواء، فقال: اجلس، أما كان هنا أحد يتكلم غيرك، وما فضلك عليه إلا بسابقة أو بتقوى(11)
وجاء في صواعق ابن حجر ص 79 قال: وأخرج ابن عساكر أن عقيلاً سأل علياً عليه السلام فقال: إني محتاج، وإني فقير فاعطني. قال: إصبر حتى يخرج عطاؤك مع المسلمين، فأعطيك معهم، فألح عليه، فقال لرجل: خذ بيده وانطلق به الى حوانيت أهل السوق فقل له دقّ هذه الأقفال، وخذ ما في هذه الحوانيت. قال: تريد أن تتخذني سارقاً؟ قال: وأنت تريد أن تتخذني سارقاً، ان آخذ أموال المسلمين فأعطيكها دونهم؟ قال: لآتين معاوية. قال: أنت وذاك. فأتى معاوية فسأله فأعطاه مائة ألف، ثم قال: اصعد على المنبر، فاذكر ما أولاك به عليّ وما أوليتك، فصعد فحمد اللّه، وأثنى عليه، ثم قال: ايها الناس اني أخبركم أني أردت علياً عليه السلام على دينه فاختار دينه، وإني أردت معاوية على دينه فاختارني على دينه(12)
ومشى اليه عليه السلام ثلة من أصحابه عند تفرق الناس عنه، وفرار كثير منهم الى معاوية، طلباً لما في يديه من الدنيا، فقالوا: يا أمير المؤمنين إعط هذه الأموال، وفضّل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش على الموالي والعجم، ومن تخاف عليه من الناس فراره الى معاوية، فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام: «أتأمروني أن أطلب النصر بالجور، لا واللّه ما أفعل، ما طلعت شمس، ولاح في السماء نجم، واللّه، لو كان مالهم لي لواسيت بينهم، وكيف وإنما هي أموالهم»(13)
وقال ابن عباس: اتيته (يعني امير المؤمنين علياً) فوجدته يخصف نعلا، ثم ضمها الى صاحبتها، وقال لي: قوّمها. فقلت: ليس لهما قيمة. قال: على ذلك. قلت: كسر درهم. قال: واللّه، لهما أحب اليّ من أمركم هذا إلا أن أقيم حداً (حقاً) أو ادفع باطلاً(14)
وهو القائل: «واللّه لئن أبيت على حسك السعدان مسهداً، واجرُّ في الأغلال مصفداً، أحب اليّ من أن القى اللّه ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد، وغاصباً لشيء من الحطام، وكيف أظلم أحداً لنفس يسرع الى البلى قفولها، ويطول في الثرى حلولها»(15)
المصادر :
1- النحل: 90
2- الانعام: 152
3- النساء: 58
4- الوافي ج 3 ص 89 عن الكافي، وهو من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس
5- البحار م 16 كتاب العشرة ص 125 عن خصال الصدوق
6- البحار م 16 كتاب العشرة ص 125 عن عيون اخبار الرضا
7- النمل: 90
8- هذا الخبر وسابقه عن كتاب من لا يحضره الفقيه للصدوق
9- سفينة البحار ج 1 ص 671
10- فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج 1 ص 122 عن صحيح ابن ماجة
11- البحار م 9 ص 539 عن الكافي
12- فضائل الخمسة عن الصحاح الستة ج 3 ص 15
13- البحار م 9 ص 533 بتصرف
14- سفينة البحار ج 1 ص 570 بتصرف
15- سفينة البحار ج 2 ص 606 عن النهج



 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.