![التوحید في الاحادیث التوحید في الاحادیث](https://rasekhoon.net/_files/thumb_images700/article_ar/A12075.jpg)
عن فتح بن يزيد الجرجاني، قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام أسأله عن شئ من التوحيد فكتب إلي بخطه - قال جعفر: وإن فتحا أخرج إلى الكتاب فقرأته بخط أبي - الحسن عليه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الملهم عباده الحمد، وفاطرهم على معرفة ربوبيته، الدال على وجوده بخلقه، وبحدوث خلقه على أزله، وبأشباههم على أن لاشبه له، المستشهد آياته على قدرته، الممتنع من الصفات ذاته ومن الابصار رؤيته، ومن الاوهام الاحاطة به لا امد لكونه ولاغاية لبقائه لا يشمله المشاعر و لا يحجبه الحجاب فالحجاب بينه وبين خلقه لامتناعه مما يمكن في ذواتهم ولا مكان ذواتهم مما يمتنع منه ذاته، ولافتراق الصانع والمصنوع والرب والمربوب، والحاد والمحدود، أحد لابتأويل عدد، الخالق لابمعنى حركة السميع لابأداة، البصير لابتفريق آلة، الشاهد لابمماسة، البائن لاببراح مسافة الباطن لاباجتنان،
باب معنى الواحد والتوحيد والموحد
1- حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن أحمد ابن محمد بن عيسى، عن أبي هاشم الجعفري، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي الثاني عليهما السلام، ما معنى الواحد؟ فقال: المجتمع عليه بجميع الالسن بالوحدانية.هذا الحديث رواه الكليني رحمه الله في باب معاني الاسماء من الكافي، ورواه المجلسي رحمه الله في البحار في باب التوحيد ونفي الشريك عن المحاسن والاحتجاج وفيه بلفظ (الاحد) كلهم عن أبي هاشم الجعفري، والسؤال ليس عن المفهوم لان السائل عارف به ولا عن الحقيقة الشرعيه اذ ليس له حقيقة شرعية وراء ما عند العرف، بل عن معنى الواحد في حق الله تعالى انه بأي معنى يطلق عليه تعالى، فأجاب عليه السلام أنه يطلق عليه بالمعنى الذي اجتمع الناس كلهم بلسان فطرتهم عليه، وذلك المعنى أنه تعالى لا شبيه له ولا شريك له في الالوهية وصنع الاشياء كما أشار اليه بالاستشهاد بقوله تعالى (ولئن سئلتهم - الاية) كما في الخبر الآتى، وصرح به بعد ذكر الآية بقوله: (بعد ذلك له شريك وصاحبه)؟ ! استفهاما انكاريا كما في البحار عن الاحتجاج، ولا يخفى أن الحديث هنا وما في الكافي والمحاسن والاحتجاج واحد الا أن الرواة غيروه بالتقطيع والنقل بالمعنى، أو أبوهاشم نفسه فعل ذلك عند نقله للرواة المتعددين، فلذلك ترى لفظ الحديث فيها مختلفا.
2- حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني، وعلي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنهما، قالا: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، عن علي بن محمد، ومحمد بن الحسن جميعا، عن سهل بن زياد، عن أبي هاشم الجعفري، قال: سألت أبا جعفر الثاني عليه السلام ما معنى الواحد؟ قال: الذي اجتماع الالسن عليه بالتوحيد، كما قال الله عزوجل: (ولئن سئلتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله)(1)
3- حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن سعيد بن يحيى البزوري، قال: حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي، قال: حدثنا أبي، عن المعافي بن عمران، عن إسرائيل، عن المقدام بن شريح بن هانئ، عن أبيه، قال: إن أعرابيا قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: يا أمير - المؤمنين أتقول: إن الله واحد؟ قال: فحمل الناس عليه، قالوا: يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسم القلب، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: دعوه، فإن الذي يريده الاعرابي هو الذي نريده من القوم، ثم قال: يا أعرابي إن القول في أن الله واحد على أربعة أقسام: فوجهان منها لا يجوزان على الله عزوجل، و وجهان يثبتان فيه، فأما اللذان لا يجوزان عليه، فقول القائل: واحد يقصد به باب الاعداد، فهذا مالا يجوز، لان مالا ثاني له لا يدخل في باب الاعداد، أما ترى أنه كفر من قال: ثالث ثلثة.
وقول القائل: هو واحد من الناس، يريد به النوع من الجنس، فبهذا مالا يجوز عليه لانه تشبيه، وجل ربنا عن ذلك و تعالى . الجنس في اللغة يأتي بمعنى التشابه والتماثل، وقوله عليه السلام: (يريد به النوع من الجنس) أي يريد القائل بالواحد هكذا الوحدة النوعية التي تنتزع من الافراد المتجانسة المتماثلة كافراد الانسان مثلا، والفرق بين القسمين اللذين لايجوز ان عليه تعالى أن الاول يثبت له وقوعا أو امكانا فردا آخر مثله في الالوهية أو صفة غيرها وان لم يكن مجانسا له في حقيقته والثاني يثبت له فردا آخر من حقيقته، فالمنفى أولا الوحدة العددية وثانيا النوعية.
وأما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل: هو واحد ليس له في الاشياء شبه، كذلك ربنا، وقول القائل: إنه عزوجل أحدي المعنى، يعنى به أنه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم كذلك ربنا عزوجل.
قال مصنف هذا الكتاب: سمعت من أثق بدينه ومعرفته باللغة والكلام يقول: إن قول القائل: واحدا واثنين وثلاثة إلى آخره إنما وضع في أصل اللغة للابانة عن كمية ما يقال عليه، لا لان له مسمى يتسمى به بعينه، أو لان له معنى سوى مايتعلمه الانسان بمعرفة الحساب ويدور عليه عقد الاصابع عند ضبط الآحاد و العشرات والمئات الالوف، وكذلك متى أراد مريد أن يخبر غيره عن كمية شئ بعينه سماه باسمه الاخص ثم قرن لفظ الواحد به وعلقه عليه يدل به على كميته لا على ما عدا ذلك من أوصافه، ومن أجله يقول القائل: درهم واحد، وإنما يعني به أنه درهم فقط، وقد يكون الدرهم درهما بالوزن، ودرهما بالضرب، فاذا أراد المخبر أن يخبر عن وزنه قال: درهم واحد بالوزن، وإذا أراد ان يخبر عن عدده وضربه قال: درهم واحد بالعدد ودرهم واحد بالضرب، وعلى هذا الاصل يقول القائل: هو رجل واحد، وقد يكون الرجل واحدا بمعنى أنه إنسان وليس بانسانين، ورجل وليس برجلين، وشخص وليس بشخصين، ويكون واحد في الفضل واحدا في العلم واحدا في السخاء واحدا في الشجاعة، فاذا أراد القائل أن يخبر عن كميته قال: هو رجل واحد، فدل ذلك من قوله على أنه رجل وليس هو برجلين، وإذا أراد أن يخبر عن فضله قال: هذا واحد عصره، فدل ذلك على أنه لاثاني له في الفضل، وإذا أراد أن يدل على علمه قال: إنه واحد في علمه، فلو دل قوله: واحد بمجرده على الفضل والعلم كما دل بمجرده على الكمية لكان كل من أطلق عليه لفظ واحد أراد فاضلا لا ثاني له في فضله وعالما لاثاني له في علمه وجوادا لاثاني له في جوده، فلما لم يكن كذلك صح أنه بمجرده لايدل الا على كمية الشئ دون غيره وإلا لم يكن لما اضيف إليه من قول القائل: واحد عصره ودهره معنى، ولا كان لتقييده بالعلم والشجاعة معنى، لانه كان يدل بغير تلك الزيادة وبغير ذلك التقييد على غاية الفضل وغاية العلم والشجاعة، فلما احتيج معه إلى زيادة لفظ و احتيج إلى التقييد بشئ صح ما قلناه، فقد تقرر أن لفظة القائل: واحد اذا قيل على الشئ دل بمجرده على كميته في اسمه الاخص، ويدل بما يقترن به على فضل المقول عليه وعلى كماله وعلى توحده بفضله وعلمه وجوده، وتبين أن الدرهم الواحد قد يكون درهما واحدا بالوزن، ودرهما واحدا بالعدد ودرهما وحدا بالضرب، وقد يكون بالوزن درهمين وبالضرب درهما واحدا، وقد يكون بالدوانيق ستة دوانيق وبالفلوس ستين فلسا ويكون بالاجزاء كثيرا، وكذلك يكون العبد عبدا واحدا ولايكون عبدين بوجه، ويكون شخصا واحدا ولا يكون شخصين بوجه، ويكون أجزاء كثيرة وأبعاضا كثيرة، وكل بعض من أبعاضه يكون جواهر كثيرة متحدة اتحد بعضها ببعض، وتركب بعضها مع بعض، ولايكون العبد واحدا وإن كان كل واحد منا في نفسه إنما هو عبد واحد، وإنما لم يكن العبد واحدا لانه مامن عبد إلا وله مثل في الوجود أو في المقدور، وإنما صح أن يكون للعبد مثل لانه لم يتوحد بأوصافه التي من أجلها صار عبدا مملوكا، ووجب لذلك أن يكون الله عزوجل متوحدا بأوصافه العلى وأسمائه الحسنى، ليكون إلها واحدا ولا يكون له مثل، ويكون واحدا لاشريك له ولا إله غيره، فالله تبارك وتعالى واحد لا إله الا هو، وقديم واحد لاقديم إلا هو، وموجود واحد ليس بحال ولامحل ولاموجود كذلك إلا هو، وشئ واحد لايجانسه شئ، ولايشاكله شئ، ولايشبهه شئ، ولاشئ كذلك إلا هو، فهو كذلك موجود غير منقسم في الوجود ولا في الوهم، وشئ لايشبهه شئ بوجه، وإله لا إله غيره بوجه، وصار قولنا: ياواحد ياأحد في الشريعة اسما خاصا له دون غيره لايسمى به إلا هو عزوجل، كما أن قولنا: الله اسم لايسمى به غيره.
وفصل آخر في ذلك وهو أن الشئ قد يعد مع ماجانسه وشاكله وماثله، يقال: هذا رجل، وهذان رجلان، وثلاثة رجال، وهذا عبد، وهذا سواد، وهذان عبدان، وهذان سوادان، ولايجوز على هذا الاصل أن يقال: هذان إلهان إذ لا إله إلا إله واحد، فالله لايعد على هذا الوجه، ولايدخل في العدد من هذا الوجه بوجه، وقد يعد الشئ مع مالا يجانسه ولايشاكله، يقال: هذا بياض، وهذان بياض وسواد، وهذا محدث، وهذان محدثان، وهذان ليسا بمحدثين ولا بمخلوقين، بل أحدهما قديم والآخر محدث وأحدهما رب والآخر مربوب، فعلى هذا الوجه يصح دخوله في العدد، وعلى هذا النحو قال الله تبارك وتعالى: (مايكون من نجوى ثلثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا )(2) وكما أن قولنا: إنما هو رجل واحد لايدل على فضله بمجرده فكذلك قولنا: فلان ثاني فلان.
لايدل بمجرده إلا على كونه، وإنما يدل على فضله متى قيل: إنه ثانيه في الفضل أو في الكمال أو العلم.
فأما توحيد الله تعالى ذكره فهو توحيده بصفاته العلى، وأسمائه الحسنى كان كذلك إلها واحدا لاشريك له ولاشبيه، والموحد هو من أقر به على ما هو عليه عزوجل من أوصافه العلى، وأسمائه الحسنى على بصيرة منه ومعرفة وإيقان و إخلاص، وإذا كان ذلك كذلك فمن لم يعرف الله عزوجل متوحدا بأوصافه العلى، وأسمائه الحسنى ولم يقر بتوحيده بأوصافه العلى، فهو غير موحد، وربما قال جاهل من الناس: إن من وحد الله وأقر أنه واحد فهو موحد وإن لم يصفه بصفاته التي توحد بها لان من وحد الشئ فهو موحد في أصل اللغة، فيقال له: أنكرنا ذلك لان من زعم أن ربه إله واحد وشئ واحد، ثم أثبت معه موصوفا آخر بصفاته التي توحد بها فهو عند جميع الامة وسائر أهل الملل ثنوي غير موحد ومشرك مشبه غير مسلم، و إن زعم أن ربه إله واحد وشئ واحد وموجود واحد، وإذا كان كذلك وجب أن يكون الله تبارك وتعالى متوحدا بصفاته التي تفرد بالالهية من أجلها وتوحد بالواحدانية لتوحده بها ليستحيل أن يكون إله آخر، ويكون الله واحدا والا له واحدا لاشريك له ولا شبيه لانه إن لم يتوحد بها كان له شريك وشبيه كما أن العبد لما لم يتوحد بأوصافه التي من اجلها كان عبدا كان له شبيه، ولم يكن العبد واحدا وإن كان كل واحد منا عبدا واحدا، وإذا كان كذلك فمن عرفه متوحدا بصفاته وأقر بما عرفه واعتقد ذلك كان موحدا وبتوحيد ربه عارفا.
والاوصاف التي توحد الله عزوجل بها وتوحد بربوبيته لتفرده بها هي الاوصاف التي يقتضي كل واحد منها أن لايكون الموصوف به إلا واحدا لايشاركه فيه غيره ولايوصف به إلا هو، وتلك الاوصاف هي كوصفنا له بأنه موجود واحد لايصح أن يكون حالا في شئ، ولا يجوز أن يحله شئ، ولا يجوز عليه العدم والفناء والزوال، مستحق للوصوف بذلك بأنه أول الاولين، وآخر الآخرين، قادر يفعل مايشاء ولايجوز عليه ضعف ولا عجز، مستحق للوصف بذلك بأنه أقدر القادرين وأقهر القاهرين، عالم لايخفى عليه شئ، ولايعزب عنه شئ، ولايجوز عليه جهل ولاسهو ولا شك ولانسيان، مستحق للوصف بذلك بأنه أعلم العالمين، حي لايجوز عليه موت ولا نوم، ولاترجع إليه منفعة ولاتناله مضرة، مستحق للوصف بذلك بأنه أبقى الباقين وأكمل الكاملين، فاعل لايشغله شئ عن شئ ولايعجزه شئ ولا يفوته شئ، مستحق للوصف بذلك بأنه إله الاولين والآخرين وأحسن الخالقين وأسرع الحاسبين، غني لايكون له قلة، مستغن لايكون له حاجة، عدل لايلحقه مذمة ولايرجع إليه منقصة، حكيم لاتقع منه سفاهة، رحيم لايكون له رقة فيكون في رحمته سعة، حليم لايلحقه موجدة، ولا يقع منه عجلة، مستحق للوصف بذلك بأنه أعدل العادلين وأحكم الحاكمين وأسرع الحاسبين، وذلك لان أول الاولين لايكون إلا واحدا وكذلك إقدر القادرين وأعلم العالمين وأحكم الحاكمين وأحسن الخالقين، وكلما جاء على هذا الوزن، فصح بذلك ماقلناه، وبالله التوفيق ومنه العصمة والتسديد.
المصادر :
التوحيد للشيخ الجليل الصدوق المتوفي سنة 381
1- العنكبوت: 61، ولقمان: 25، والزمر: 38، والزخرف: 9
2- المجادلة: 7.
/ج