أنّ المتأمِّل في الاَحاديث النبويّة، والآثار المرويّة تظهر فروق شتّى بين خروج الامام المهديّ المنتظر عجل الله فرجه الشريف آخر الزمان، وبين المسيح عيسى بن مريم صلّى الله على نبيّنا وآله وعليه وسلّم.
فمنها: ما ورد في الاَحاديث المستفيضة من كون المهديّ من هذه الاَمّة، وأنّه من وُلْد فاطمة عليها الصلاة والسلام، وأنّه من ذرّيّة الحسين السبط الشهيد عليه السلام .
ولا ريب أنّ ابن مريم عليه السلام ليس من هذه الاَُمّة المرحومة، بل هو من أنبياء بني إسرائيل، ولا هو من وُلْد فاطمة صلوات الله وسلامه عليه وعليها، بل هو ابن مريم العذراء، ليس له أبٌ فضلاً عن كونه من ذرّيّة الحسين عليه الصلاة والسلام، وهذا ممّا أطبق عليه بنو آدم أبد الآبدين، وهو من أعظم الفوارق وأبينها.
قال الشيخ عبـد الحقّ الدهلوي في اللمعات: قد تضافرت الاَحاديث البالغة حدّ التواتر في كون المهديّ من أهل البيت من أولاد فاطمة. ويدلّ على ذلك: ما أخرجه عبد الرزّاق في المصنَّف عن أبي سعيد الخدري، قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلاءً يصيب هذه الاَمّة حتّى لا يجد الرجل ملجأً يلجأ إليه من الظلم، فيبعث الله رجلاً من عترتي من أهل بيتي فيملاَ به الاَرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً... الحديث(1)
وأخرج ابن ماجة عن أبي سعيد أيضاً، أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يكون في أُمّتي المهديّ»(2)
وأخرج أيضاً عن عليّ عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «المهديّ منّا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة»(3)
ورواه أحمد وابن أبي شيبة ونعيم بن حمّاد في الفتن(4)
وأخـرج أيضـاً عـن عبـد الله بـن مسعود، قال: بينما نحن عنـد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ أقبل فتية من بني هاشم، فلمّا رآهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم «اغرورقت عيناه وتغيّر لونه، قال: فقلت: ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه! فقال:
نكرهه! فقال: «إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً وتشريداً وتطريداً حتّى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سـود، فيسـألون الخير فلا يُعْطَوْنَه، فيقاتلون فيُنصـرون، فيعطـون ما سألوا فلا يقبلونه حتّى يدفعوها إلى رجلٍ من أهل بيتي فيملؤها قسطاً كما ملؤوها جَوْراً»(5)
وأخرج أيضاً عن سعيد بن المسيّب، قال: كنّا عند أُمّ سلمة فتذاكرنا المهديّ، فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «المهديّ من وُلْد فاطمة»(6)
وفي لفظ أبي داود: «المهديّ من عترتي من وُلْد فاطمة»(7)
وأخرج أبو نعيم وابن ماجة، عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «نحن سبعة من وُلْد عبـد المطلب سادة أهل الجنّة، أنا، وحمزة، وعليّ، وجـعفر، والحـسن، والحسين، والمهديّ»(8)
وأخـرج أحـمد وابـن أبـي شـيبة وأبـو داود عـن عـليّ عليه السلام عـن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لو لم يبق من الدهر إلاّ يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملاَُها عدلاً كما مُلئت جوراً»(9)
وفي حديث عن ابن مسعود: «لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يبعث فيه رجلاً منّي، أو: من أهل بيتي..» الحديث(10)
وأخرج أبو داود عن أبي سعيد الخدريّ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «المهديّ منّي، أجلى الجبهة، أقنى الاَنف، يملاَ الاَرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً، يملك سبع سنين»(11)
أخرج أحمد وأبو داود والترمذي، عـن ابـن مسـعود، قـال: قـال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «لا تذهب الدنيا حتّى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطىَ اسمه اسمي»(12)
قال الترمذيّ: وفي الباب عن عليّ، وأبي سعيد، وأُمّ سلمة، وأبي هريرة، وهذا حديث حسن صحيح.
وأخرج الترمذي عن ابن مسعود أيضاً، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، قال: «يلي رجل من أهل بيتي يواطىَ اسمه اسمي»(13)
وأخرج أيضاً عن أبي سعيد، قال: خشينا أن يكون بعد نبيِّنا حدث، فسألنا نبيّ الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «إنّ في أُمّتي المهديّ..» الحديث(14)
وأخرج البخاريّ عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟!»(15)
وأخرج نور الدين الهيثمي في موارد الظمآن عن أبي هريرة أيضاً، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «لو لم يبق من الدنيا إلاّ ليلة لَمَلَكَ فيها رجل من أهل من أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم »(16)
وأخرج أحمد وابن أبي شيبة وأبو داود وأبو يعلى والطبراني، عن أُمّ سلمة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «يكون اختلاف عند موت خليفة، يخرج رجل من قريش من أهل المدينة إلى مكّة، فيأتيه ناس من أهل مكّة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام، فيبتعثون إليه جيشاً من أهل الشام، فإذا كانوا بالبيداء خُسِف بهم، فإذا بلغ الناس ذلك أتاه أهل الشام وعصائب من أهل العراق فيبايعونه، وينشأ رجل من قريش أخواله من كلب فيبتعثون إليهم جيشاً فيهزمونهم ويظهرون عليهم فيقسّم بين الناس فيؤهم، ويعمل فيهم بسُنّة نبيّهم صلى الله عليه وآله وسلم ، ويلقي الاِسلام بجرانه إلى الاَرض، يمكث سبع سنين»(17)
وأخرج أحمد والباوردي في المعرفة، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «أُبشّركم بالمهديّ، رجل من قريش [من عترتي](18)يبعث في أُمّتي على اختلاف من الناس وزلازل، فيملاَ الاَرض قسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، ويرضى عنه ساكن السماء وساكن الاَرض..» الحديث(19)
وأخرج الطبرانيّ في الاَوسط من طريق عمر بن عليّ، عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : أمِنّا المهديّ أم من غيرنا يا رسول الله؟ قال: «بل منّا، بنا يختم الله كما بنا فتح، وبنا يُستنقذون من الشرك..» الحديث(20)
وأخرج نعيم بن حمّاد وأبو نعيم من طريق مكحول، عن عليّ عليه السلام ، قال: قلت: يا رسول الله! أمِنّا آلَ محمّـد المهدي أم من غيرنا؟ فقال: «لا، بل منّا..» الحديث(21)
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنّف عن ابن سيرين، قال: «المهديّ من هذه الاَُمّة، وهو الذي يؤمّ عيسى بن مريم عليه السلام »(22)
وأخرج نعيم بن حمّاد عن قتادة، قال: قلت لسعيد بن المسيّب: المهديّ حقٌّ هو؟ قال: نعم. قلت: ممّن هو؟ قال: من وُلْد فاطمة(23)
وأخرج أيضاً عن علي عليه السلام ، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، قال: «المهديّ رجل من عترتي، يقاتل على سُنّتي كما قاتلت أنا على الوحي»(24)
وبالجملة: فقد تواترت الاَحاديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بأنّه من أهل بيته، وأنّه يملاَ الاَرض عدلاً كما صرّح بن الشبلنجيّ في نور الاَبصار(25)
وقال القنوجي في الاِذاعة: قال بعض حفّاظ الاَمّة وأعيان الاَئمّة: إنّ كون المهديّ من ذرّيّته صلى الله عليه وآله وسلم ممّا تواتر عنه، فلا يسوغ العدول والالتفات إلى غيره(26)
ومنها: ما ورد في حليتهما، فإنّ بينهما في ذلك اختلافاً بيّناً.
أخرج عبـد الرزّاق في المصنّف وأبو داود في سننه عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «المهديّ منّي، أجلى الجبهة، أقنى الاَنف، يملاَ الاَرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يملك سبع سنين»(27)
وأخرج أبو داود ـ كما في جامع الاَصول لابن الجزري ـ أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ليس بيني وبينه ـ يعني عيسى عليه السلام ـ نبيّ، وإنّه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه، فإنّه رجل مربوع، إلى الحمرة والبياض، ينزل بين مُمَصّرَتَين، كأنّ رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل..» الحديث(28)
وأخرج الحموئي في فرائد السمطين بإسناده عن أبي أُمامة الباهليّ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال: المهديّ من وُلْدي، ابن أربعين سنة، كأنّ وجهه كوكب درّيّ، في خدّه خال أسود، عليه عباءتان قطوانيّتان، كأنّه من رجال بني إسرائيل، يستخرج الكنوز، ويفتح مدائن الشرك»(29)
وروى نحوه نعيم بن حمّاد عن عبـد الله بن الحارث(30)
وأخرج في فرائد السـمطين أيضاً عن أبي سـعيد الخـدريّ، عـن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال: «المهديّ منّا أهلَ البيت، رجل من أُمّتي، أشمّ الاَنف، يملاَ الاَرض عدلاً كما مُلئت جوراً»(31)
ورواه أبو نعيم(32)
وأخرج أبو نعيم عن عبد الرحمن بن عوف، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «ليبعثنّ الله من عترتي رجلاً أفرق الثنايا، أعلى الجبهة، يملاَ الاَرض عدلاً، يفيض المال فيضاً»(33)
وأخرج الرويانيّ في مسنده وأبو نعيم عن حـذيفة، قـال: قـال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «المهديّ رجل من وُلْدي، لونه لون عربيّ، وجسمه جسم إسرائيلي، على خدّه الاَيمن خال، كأنّه كوكب درّي..» الحديث(34)
وأخرج أبو عمرو الداني في سننه عن حذيفة أيضـاً، قـال: قـال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «يلتفت المهديّ وقد نزل عيسى بن مريم كأنّما يقطر من شعره الماء، فيقول المهديّ: تقدّم صلّ بنا..» الحديث(35)
وفي اللوائح للسفارينيّ عن أبي جعفر الباقر عليه السلام ، قال: سُئل أمير المؤمنين عليّ عليه السلام عن صفة المهديّ، قال: «هو شابٌّ مربوع، حسن الوجه، يسيل شعره على منكبه، يعلو نور وجهه، سواد شعره ولحيته ورأسه».
قال: وفي رواية أُخرى عن عليّ عليه السلام : «أنّ المهديّ كثّ اللحية، أكحل العينين، برّاق الثنايا، في وجـهه خـال، أقـنى، أجـلى، فـي كتفـه عـلامة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ».
قال: وفي بعض الروايات: «المهديّ أزجّ، أبلج، أعين»(36)
ومنها: افتراقهما ـ عليهما الصلاة والسلام ـ في الاسم والكنية واللقب.
فالمهديّ عليه السلام اسمه: (محمّـد) وكنيته: (أبو القاسم) على المشهور.
وقيل: اسمه أحمد، وكنيته: أبو عبـد الله، وليس بشيءٍ.
والمسيح بن مريم عليه السلام اسمه: (عيسى).
ولقب المهديّ: الحجّة، والمنتظر، والقائم، والموعود، وغير ذلك.
ولقب عيسى: المسيح، وروح الله، وكلمته.
وأخرج أحمد وأبو داود الترمـذي عـن ابـن مسـعود، قـال: قـال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «لا تذهب الدنيا حتّى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي»(37)
قال الترمذيّ: حديث حسن صحيح.
وكذلك أخرج الطبراني في المعجم الكبير أحاديث كثيرة في ذلك بألفاظٍ مختلفة(38)
وأخرج نعيم بن حمّاد، عن ابن مسعود أيضاً، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: اسم المهديّ (محمّـد)(39)
وأخرج أبو داود عن عليّ عليه السلام أنّه نظر إلى ابنه الحسن فقال: إنّ ابني هذا سيّد كما سمّاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وسيخرج من صلبه(40) رجل يسمّى باسم نبيّكم، يشبهه في الخُلُق، ولا يشبهه في الخَلْق(41)
ومنها: أنّ مع المهديّ عليه الصلاة والسلام راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المعلّمة ـ كما أخرجه نعيم بن حمّاد عن عبـد الله بن شريك(42) ـ مكتوب عليها: «البيعة لله» ـ كما أخرجه نعيم عن ابن سيرين(43) ـ وكذلك أشياء أُخر.
فقد أخرج نعيم بن حمّاد أيضاً عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: يظهر المهديّ بمكّة عند العشاء، ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقميصه، وسيفه،وعلامات، ونور، وبيان... إلى آخره(44)
وقد جاء في أحاديث أنّ صاحب راية المهديّ رجل يقال له: «شعيب بن صالح التميمي»(45)
وظاهرٌ أنّه ليس لعيسى عليه السلام شيءٌ من ذلك.
ومنها: ما رواه الحفّاظ من أنّ عدد أصحاب المهديّ عليه الصلاة والسلام عدّة أهل بدر
أخرج الطبرانيّ في المعجم الاَوسط والحاكم عن أُمّ سلمة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «يُبايِعُ لرجل بين الركن والمقام عدّةُ أهل بدر..» الحديث(46)
ومعلومٌ أنّ عيسى بن مـريم عليهما السلام لا ينزل من السـماء بهـذا العـدد، ولا تجتمع معه تلك العِدّة، بل ينزل بعد خروج المهديّ عليه الصلاة والسلام متَّبعاً إيّاه.
ومنها: ما تواتر من خروج الدجّال والسفياني قبل ظهور المهديّ المنتظر عليه السلام (47)، وما ورد من خروج القحطانيّ بعده(48)
ومنها: مساعدة عيسى على قتل الدجّال بباب (لُدّ) كما صرّح به الآبري والشبلنجي في نور الاَبصار بتواتره(49)
ومنها: ما روي مستفيضاً من موت المهدي عليه السلام ببيت المقدس بعد انقضاء مدّة ملكه، وصلاة عيسى بن مريم والمسلمين عليه.
ومنها: ما روي من خروج المهديّ عليه السلام ومبايعته بين الركن والمقام (50)
أخرج أبو داود في سننه عن أُمّ سلمة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، قال: «يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من أهل المدينة هارباً إلى مكّة، فيأتيه ناس من أهل مكّة فيخرجونه وهو كاره، فيبايعونه بين الركن والمقام، ويبعث إليه بعث من الشام، فيخسف بهم بالبيداء بين مكّة والمدينة، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام، وعصائب أهل العراق، فيبايعونه بين الركن والمقام..» الحديث(51)
وأخرج نعيم بن حمّاد عن أبي هريرة، قال: يُبايَع المهديّ بين الركن والمقام، لا يوقظ نائماً ولا يهريق دماً(52)
وأمّا المسيح عيسى بن مريم عليه السلام فإنّه ينزل من السماء بعد ظهور المهديّ ووقوع البيعة له.
وقد دلّت السُنّة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على نزول عيسى بن مريم عليهما السلام على المنارة البيضاء شرقيّ دمشق، وحكمه بكتاب الله تعالى، وقتله اليهود والنصارى، وإهلاك أهل الملل في زمانه ـ كما قال ابن قيّم الجوزيّة في المنار المنيف(53)
وأخرج الطبرانيّ في الكبير عن أوس بن أوس: ينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقيّ دمشق ـ كما في الجامع الصغير للحافظ السيوطي(54)
وأخرج مسلم في صحيحه من حديث النوّاس بن سمعان، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ينزل ـ يعني المسيح بن مريم عليه السلام ـ عند المنارة البيضاء شرقيّ دمشق بين مهرودتين..» الحديث(55)
ومنها: أنّ عيسى بن مريم عليه السلام يقتدي بالمهديّ عليه السلام في الصلاة، فيكون المهديّ إماماً وعيسى مأموماً.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: تواترت الاَخبار بأنّ المهديّ من هذه الاَمّة، وأنّ عيسى بن مريم سينزل ويصلّي خلفه(56)
ويدلّ على ذلك أيضاً:
مـا أخـرجه البخـاري في صـحيحه عـن أبـي هـريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟!»(57)
وأخرج أبو نعيم، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «منّا الذي يصلّي عيسى بن مريم خلفه»(58)
وفي صحيح ابن حبّان من حديث عطيّة بن عامر نحوه(59)
وأخرج مسلم وأبو نعيم أيضاً ـ واللفظ له ـ عن جابرٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهديّ: تعالَ صلِّ بنا؛ فيقول: لا، إنّ بعضكم على بعض أُمراء، تكرمة الله لهذه الاَمّة»(60)
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنّف عن ابن سيرين، قال: المهديّ ينزل عليه ابن مريم، ويصلّي خلفه عيسى(61)
وأخرج نعيم بن حمّاد، عن عبـد الله بن عمرو، قال: المهديّ ينزل عليه ابن مريم ويصلّي خلفه عيسى(62)
تلك عشرة كاملة من وجوه الفرق بين المهدىي المنتظر والمسيح بن مريم عليهما الصلاة والسلام، وقد تستنبط وجوه أُخرى بالتأمّل في ما ورد من الاَحاديث في هذا الباب، لا تكاد تخفى على أُولي الاَلباب.
وفي ما أثبتناه هنا غنية وحجّة لمن آتاه الله الحكمة والهداية، وجنّبه سُبل الضلالة والغواية، إنّه خير هادٍ ومعين.
قال ابن حجر المكّي في الصواعق المحرقة ـ بعد حكاية كلام الشيخ أبي الحسين الآجري في صلاة المهديّ بعيسى بن مريم، المذكور آنفاً ـ: وما ذكره من أنّ المهديّ يصلّي بعيسى هو الذي دلَّت عليه الاَحاديث.
قال: وأمّا ما صحّحه السعد التفتازاني من أنّ عيسى هو الاِمام بالمهديّ لاَنّه أفضل فإمامته أَوْلى، فلا شاهد له في ما علّله به، لاَنّ القصد بإمامة المهديّ لعيسى إنّما هو إظهار أنّه نزل تابعاً لنبيِّنا، حاكماً بشريعته، غير مستقلٍّ بشيء من شريعة نفسه(63)
قال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواصّ ـ بعدما نقل كلام السدّي في اجتماع المهديّ وابن مريم وإمامة المهديّ بعيسى ـ: فلو صلّى المهديّ خلف عيسى لم يجز لوجهين:
أحدهما: لاَنّه يخرج عن الاِمامة بصلاته مأموماً فيصير تبعاً.
الثاني: لاَنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا نبيّ بعدي»؛ وقد نسخ جميع الشرائع، فلو صلّى عيسى بالمهديّ لتدنّس وجه «لا نبيّ بعدي» بغبار الشبهة(64)
وقد حكاه الشهاب القسطلاني في إرشاد الساري عن أبي الفرج ابن الجوزيّ(65)
قلت:
حديث الشيخين عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟!»(66)
وحديث مسلم عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «لا تزال طائفة من أُمّتي يقاتلون على الحقّ، ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم: تعالَ صلِّ لنا؛ فيقول: لا، إنّ بعضكم على بعض أُمراء، تكرمة الله هذه الاَمّة»(67)
صريحان في تفنيد دعوى التفتازانيّ ومن قلَّده في ذلك، والله المستعان.
وقد أفاد الاِمام الحافظ الكنجي في كتابه البيان في أخبار صاحب الزمان كلاماً في هذا المقام ينقطع دونه دابر المفسدين، ويذعن بمتانته كلّ ذي لبّ وحجى ـ وقد تقدّم شطر منه ـ فحقيق ببغاة الحقّ أن يقفوا عليه، ويتدبّروا فيه بإمعان، والله الموفّق والمستعان.
واخیرا
أنّ القول بوجود المهديّ عليه الصلاة والسلام، وخروجه هو الحقّ الذي أخبر به نبيّ الاِسلام، وأجمع عليه الاَئمّة الاَعلام، على مرّ العصور والاَيّام، فمخالفة هذا الاَمر الثابت المقطوع الذي كاد يلحق بالضروريّات، بل هو منها ـ كما مرّ عن شيخ الاِسلام البهائي ؛ ـ جرأة عظيمة، ومهلكة سحيقة، يُخشى على مقتحمها الكفر والارتداد عن ملّة الاِسلام، والعياذ بالله تعالى.
فليحذر الّذين يشكّكون في أمر المهديّ أن تصيبهم بذلك فتنة توجب خسرانهم وهلاكهم في الدارين، نسأل الله السلامة من الخذلان، والاستقامة على الهدى، والثبات على الحقّ، آمين.
قال شيخ الاِسلام ابن حجر الهيتميّ المكّيّ في القول المختصر ـ كما في البرهان(68): الذي يتعين اعتقاده ما دلَّت عليه الاَحاديث الصحيحة من وجود المهديّ المنتظر الذي يخرج الدجّالُ وعيسى في زمانه ويصلّي خلفه، وأنّه المراد حيث أُطلق المهدي.
وقال الشيخ العلاّمة محمّـد بن أحمد السفارينيّ في اللوائح: الصواب الذي عليه أهل الحقّ أنّ المهديّ غير عيسى، وأنّه يـخرج قـبل نـزول عيسى عليه السلام ، وقد كثرت بخروجه الروايات حتّى بلغت حدّ التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السُنّة حتّى عُدّ من معتقداتهم.
قال: فالاِيمان بخروج المهديّ واجب كما هو مقرّر عند أهل العلم، ومدوّن في عقائد أهل السُنّة والجماعة، وكذا عند أهل الشيعة أيضاً(69)
وقال الشيخ محمّـد ناصر الدين الاَلبانيّ: إنّ عقيدة خروج المهديّ ثابتة متواترة عنه صلى الله عليه وآله وسلم يجب الاِيمان بها، لاَنّها من أُمور الغيب، والاِيمان بها من صفات المتّقين، كما قال تعالى: (الَم / ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتّقين / الّذين يؤمنون بالغيب)(70) وإنّ إنكارها لا يصدر إلاّ من جاهل أو مكابر(71)
وقد صححّ القول بخروج المهديّ المنتظر عليه السلام في آخر الزمان جماعة من أعلام الحفّاظ وأئمّة الحديث كالعُقَيْلي والخطّابي وابن حِبّان البُسْتي والقاضي عياض والقرطبيّ وابن تيميّة وابن كثير وابن حجر العسقلاني وغيرهم، فلا يتجرّأ ـ بعد ذلك كلّه ـ على ردّ الاَحاديث وإنكار شأن المهدي عليه الصلاة والسلام إلاّ جاهل بليد أو مكابر عنيد، والله المستعان، وعليه التُّكلان.
والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّـد وآله الطيّبين الطاهرين.
المصادر :
1- المصـنّف 11/371 ـ 372 ح 20770
2- سنن ابن ماجة 2/1366 ح 4083
3- سنن ابن ماجة 2/1367 ح 4085
4- الفتن: 254 ح 996، مسند أحمد بن حنبل 1/84، المصنّف لابن أبي شيبة 15/197 ح 19490
5- سنن ابن ماجة 2/1366 ح 4082
6- سنن ابن ماجة 2/1368 ح 4086
7- سنن أبي داود 4/107
8- سنن ابن ماجة 2/24
9- سنن أبي داود 4/107، المصنّف لابن أبي شيبة 8/678 ح 194
10- سنن أبي داود 4/106
11- سنن أبي داود 4/107
12- مسند أحمد 1/377 وص 430، سنن أبي داود 4/107، سنن الترمذي 4/438 ح 2230
13- سنن الترمذي 4/438 ح 2231
14- سنن الترمذي 4/439 ح 2232
15- صحيح البخاريّ 4/325 ح 245
16- موارد الظمآن: 463
17- سنن أبي داود 4/ 107 ـ 108، مسند أحمد 6/316، المصنّف 11/376 ح 20769، مسند أبي يعلى12/369 ـ 370 ح 6940، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ 23/39 ح 931
18- ما بين المعقوفين أثبتناه من العرف الوردي في أخبار المهدي، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي
19- العرف الوردي في أخبار المهدي، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2/58
20- المعجم الاَوسط 1/97 ـ 98 ح 157
21- كتاب الفتن: 229، وانظر: العرف الوردي في أخبار المهدي، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2/62
22- المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ 8/679 ح 159
23- كتاب الفتن: 228
24- كتاب الفتن: 229
25- نور الاَبصار: 187 ـ 188، وانظر: موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2/47
26- الاِذاعة لما كان وما يكون: 147
27- المصنّف ـ لابن عبد الرزاق ـ 11/372 ح 20773، سنن أبي داود 4/107
28- سنن أبي داود 4/115 ح 4324
29- فرائد السمطين 2/314
30- كتاب الفتن: 225
31- فرائد السمطين 2/330
32- كتاب الفتن: 232، وانظر: العرف الوردي في أخبار المهدي، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2/58
33- العرف الوردي في أخبار المهدي المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2/63
34- العرف الوردي في أخبار المهدي، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2/66، 1/368
35- كتاب الفتن: 348 وص 352، العرف الوردي في أخبار المهدي، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2/81، موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 1/389
36- لوائح الاَنوار البهية وسواطع الاَسرار الاِلهية، المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2/12
37- مسند أحمد 1/377 وص 430، سنن أبي داود 4/107، سنن الترمذي 4/438 ح 2230، العرف الوردي في أخبار المهدي، المطبوع ضمن الحـاوي للفتاوي 2/58 ـ 59
38- المعجم الكبير 10/133 ـ 137 ح 10213 ـ 10230
39- كتاب الفتن: 227، وانظر: العرف الوردي في أخبار المهدي، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2/73
40- قد حقّقنا في رسالة مفردة كون المهدي المنتظر عليه السلام من ذرّيّة الحسين السبط الشهيد عليه السلام دون الحسن السبط عليه السلام ، والمقصود من إيراد هذا الحديث هنا الدلالة على حقّيّة خروج المهدي عليه السلام فحسب، فليُعلم ذلك
41- سنن أبي داود 4/108
42- كتاب الفتن: 220، العرف الوردي في أخبار المهدي، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2/75
43- كتاب الفتن: 220، العرف الوردي في أخبار المهدي، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2/75
44- كتاب الفتن: 213، العرف الوردي في أخبار المهدي، المطبوع ضمن الحاوي 0للفتاوي 2/71
45- كتاب الفتن: 190، العرف الوردي في أخبار المهدي، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2/69
46- المعجم الاَوسط 9/288 ح 9459، المستدرك على الصحيحين 4/431
47- البدء والتاريخ ـ للبلخي ـ 1/186، العرف الوردي في أخبار المهدي المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2/71 وص 75
48- كتاب الفتن: 247، البدء والتاريخ ـ للبلخي ـ 1/184
49- نور الاَبصار: 189، وانظر: كتاب الفتن: 341 ـ 342، صحيح مسلم 8/198
50- العرف الوردي في أخبار المهدي، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2/59 وص 61
51- سنن أبي داود 4/107
52- العرف الوردي في أخبار المهدي المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2/76
53- المنار المنيف: 148
54- المعجم الكبير1/217 ح 590، الجامع الصغير: 590 ح 10023
55- صحيح مسلم ـ كتاب الفتن وأشراط الساعة ـ باب ذكر الدجّال 8/197 ـ 198
56- فتح الباري 6/611 باب نزول عيسى بن مريم عليهما السلام
57- صحيح البخاريّ 4/325 ح 245
58- العرف الوردي في أخبار المهدي، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2/64
59- الاِحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 8/283 ـ 284 رقم 6764
60- صحيح مسلم 1/95، جامع الاَصول 10/ 329 ـ 330 ح 7832
61- المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ 8/679، وفيه: «المهدي من هذه الاَمّة وهو الذي يؤمّ الناس».
62- العرف الوردي في أخبار المهدي، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2/78
63- الصواعق المحرقة: 254 ـ 255
64- تذكرة الخواصّ: 325
65- إرشاد الساري 14/491
66- صحيح البخاري 4/325 ح 245، صحيح مسلم 8/94
67- صحيح مسلم 8/95
68- البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: 168 ـ 169
69- لوائح الاَنوار البهيّة وسواطع الاَسرار الاِلهية، المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2/20 ـ 21
70- سورة البقرة 2: 1 ـ 3
71- مجلّة التمدّن الاِسلامي ـ السنة 22 ـ المجلّد 27 و 28 ـ ص 646، المطبوعة ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2/391
/ج