معاجز وكرامات الامام الرضا عليه السلام

ذكر أصحاب السير والتأريخ من العامة والخاصة في كتبهم وموسوعاتهم التاريخية الكثير من معاجز الإمام الرضا (عليه السلام) وبراهينه وآياته الساطعة في شتى الموضوعات سواء كانت في حياته (عليه السلام) أو بعد شهادته على مدى الدهور
Monday, September 1, 2014
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
معاجز وكرامات الامام الرضا عليه السلام
معاجز وكرامات الامام الرضا عليه السلام

 






 

ذكر أصحاب السير والتأريخ من العامة والخاصة في كتبهم وموسوعاتهم التاريخية الكثير من معاجز الإمام الرضا (عليه السلام) وبراهينه وآياته الساطعة في شتى الموضوعات سواء كانت في حياته (عليه السلام) أو بعد شهادته على مدى الدهور والعصور. ونحن إذ نذكر شذرات منها على سبيل المثال لا الحصر للدلالة على ما يتمتع به (عليه السلام) من القداسة، والقرب، والكرامة عند الله سبحانه وتعالى.

1 - في ظهور آياته في الاستسقاء

عن أبي يعقوب يوسف بن محمد بن زياد، وعلي بن محمد بن سيار، عن الحسن بن علي العسكري، عن أبيه علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي النقي (عليهم السلام)، قال: إن الرضا (عليه السلام) لما جعله المأمون ولي عهده، جعل بعض حاشية المأمون والمتعصبين على الرضا (عليه السلام) يقولون: انظروا إلى الذي جاءنا من علي بن موسى الرضا ولي عهدنا، فحبس الله عز وجل علينا المطر. واتصل ذلك بالمأمون فاشتد عليه، فقال للرضا (عليه السلام): لو دعوت الله عز وجل أن يمطر للناس. فقال: نعم. قال: ومتى تفعل ذلك؟ وكان ذلك يوم الجمعة، فقال: يوم الاثنين، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاني البارحة في منامي ومعه أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: يا بني، انتظر يوم الاثنين، وابرز إلى الصحراء واستسق، فإن الله عز وجل يسقيهم، وأخبرهم بما يريك الله مما لا يعلمون كي يزداد علمهم بفضلك ومكانك من ربك عز وجل. فلما كان يوم الاثنين عمد إلى الصحراء، وخرج الخلائق ينظرون، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: اللهم يا رب، إنك عظمت حقنا أهل البيت، وتوسلوا بنا كما أمرت، وأملوا فضلك ورحمتك، وتوقعوا إحسانك ونعمتك، فاسقهم سقيا نافعا عاما غير رائث (أي: غير بطئ) ولا ضائر. وليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا إلى مستقرهم ومنازلهم. قال: فوالذي بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) بالحق نبيا، لقد هبت الرياح والغيوم، وأرعدت وأبرقت، وتحرك الناس كأنهم يريدون التنحي عن المطر. فقال الرضا (عليه السلام): على رسلكم أيها الناس، فليس هذا الغيم لكم، إنما هي لبلد كذا، فمضت السحابة وعبرت. فجاءت سحابة أخرى تشتمل على رعد وبرق، فتحرك الناس، فقال: على رسلكم، فما هذه لكم إنما هي لبلد كذا. فمضت، فما زال كذلك حتى جاءت عشر سحائب وعبرت، وهو يقول: إنما هي لكذا. ثم أقبلت سحابة جارية، فقال: أيها الناس، هذه بعثها الله لكم، فاشكروا الله على فضله عليكم، وقوموا إلى منازلكم ومقاركم، فإنها مسامتة لرؤوسكم، ممسكة عنكم إلى أن تدخلوا مقاركم، ثم يأتيكم من الخير ما يليق بكرم الله وجلاله.ونزل عن المنبر وانصرف الناس، فما زالت السحابة ممسكة إلى أن قربوا من منازلهم، ثم جاءت بوابل مطر، فملأت الأودية والحياض والغدران والفلوات، وجعل الناس يقولون: هنيئا لولد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كنز آيات الله (1).

2 - في استجابة دعواته (عليه السلام):

- روى محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن محمد بن الفضيل، قال: لما كان في السنة التي بطش فيها هارون بآل برمك، بدأ بجعفر بن يحيى، وحبس يحيى بن خالد، ونزل بالبرامكة ما نزل، كان الرضا (عليه السلام) واقفا بعرفة يدعو، ثم طأطأ رأسه حتى كادت جبهته تصيب قادمة الرحل، ثم رفع رأسه، فسئل عن ذلك فقال: إني كنت أدعو على هؤلاء القوم - يعني البرامكة - منذ فعلوا بأبي ما فعلوا، فاستجاب الله لي اليوم فيهم. فلما انصرفنا لم نلبث إلا أياما حتى بطش بجعفر، وحبس يحيى، وتغيرت أحوالهم (2).
- وعن موسى بن عمر بن بزيع، قال: كان عندي جاريتان حاملتان، فكتبت إلى الرضا (عليه السلام) أعلمه ذلك، وأسأله أن يدعو الله أن يجعل ما في بطونهما ذكرين، وأن يهب لي ذلك. قال: فوقع (عليه السلام): أفعل إن شاء الله. ثم ابتدأني (عليه السلام) بكتاب مفرد نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم، عافانا الله وإياك بأحسن عافية في الدنيا والآخرة برحمته، الأمور بيد الله تعالى، يمضي فيها مقاديره على ما يحب، يولد لك غلام وجارية إن شاء الله، فسم الغلام محمدا، والجارية فاطمة على بركة الله تعالى. قال: فولد لي غلام وجارية على ما قال (عليه السلام) (3).
- وعن محمد بن إسحاق الكوفي، عن عمه أحمد بن عبد الله بن حارثة الكرخي، قال: كان لا يعيش لي ولد، وتوفي لي بضعة عشر من الولد، فحججت ودخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، فخرج إلي وهو متزر بإزار مورد، فسلمت عليه، وقبلت يده، وسألته عن مسائل، ثم شكوت إليه بعد ذلك ما ألقى من قلة بقاء الولد، فأطرق طويلا ودعا مليا، ثم قال لي: إني لأرجو أن تنصرف ولك حمل، وأن يولد لك ولد بعد ولد، وتمتع بهم أيام حياتك، فإن الله تعالى إذا أراد أن يستجيب الدعاء فعل، وهو على كل شيء قدير. قال: فانصرفت من الحج إلى منزلي، فأصبت أهلي - ابنة خالي - حاملا، فولدت لي غلاما سميته إبراهيم، ثم حملت بعد ذلك، فولدت غلاما سميته محمدا، وكنيته بأبي الحسن، فعاش إبراهيم نيفا وثلاثين سنة، وعاش أبو الحسن أربعا وعشرين سنة، ثم إنهما اعتلا جميعا، وخرجت حاجا، وانصرفت وهما عليلان، فمكثا بعد قدومي شهرين، ثم توفي إبراهيم في أول الشهر، وتوفي محمد في آخر الشهر، ثم مات بعدهما بسنة ونصف، ولم يكن يعيش له قبل ذلك ولد إلا أشهرا .
- وعن أحمد بن محمد بن إسحاق الخراساني، قال: سمعت علي بن حمد النوفلي يقول: استحلف الزبير بن بكار رجل من الطالبيين على شيء بين القبر والمنبر، فحلف فبرص، وأنا رأيته وبساقيه وقدميه برص كثير، وكان أبوه بكار قد ظلم الرضا (عليه السلام) في شيء، فدعا عليه، فسقط في وقت دعائه عليه حجر من قصر، فاندقت عنقه (4).
- وعن داود بن محمد النهدي، عن بعض أصحابنا، قال: دخل ابن أبي سعيد المكاري على الرضا (عليه السلام) فقال له: أبلغ الله من قدرك أن تدعي ما ادعى أبوك؟! فقال له (عليه السلام): ما لك أطفأ الله نورك، وأدخل الفقر بيتك، أما علمت أن الله تعالى أوحى إلى عمران (عليه السلام): أني واهب لك ذكرا، فوهب له مريم، ووهب لمريم عيسى (عليه السلام)، فعيسى من مريم، ومريم من عيسى، وعيسى ومريم (عليهما السلام) شيء واحد، وأنا من أبي وأبي مني، وأنا وأبي شيء واحد. فقال له ابن أبي سعيد: فأسألك عن مسألة؟ فقال: لا أخالك تقبل مني، ولست من غنمي، ولكن هلمها.فقال: قال رجل عند موته: كل مملوك لي قديم، فهو حر لوجه الله تعالى. فقال: نعم، إن الله تعالى يقول في كتابه: *(حتى عاد كالعرجون القديم)* فما كان من مماليكه أتى له ستة أشهر فهو قديم حر. قال: فخرج الرجل، فافتقر حتى مات، ولم يكن عنده مبيت ليلة.

3 - في علمه (عليه السلام) بالمنايا والبلايا:

- من ذلك ما أورده الحاكم ورواه بإسناده، عن سعد بن سعد، عن الرضا (عليه السلام)، أنه نظر إلى رجل، فقال له: يا عبد الله، أوص بما تريد، واستعد لما لا بد منه، فمات الرجل بعد ذلك بثلاثة أيام.
- وعن يحيى بن محمد بن جعفر، قال: مرض أبي مرضا شديدا، فأتاه الرضا (عليه السلام) يعوده، وعمي إسحاق جالس يبكي، فالتفت إلي وقال: ما يبكي عمك؟ قلت: يخاف عليه ما ترى. قال: فقال لي: لا تغتمن، فإن إسحاق سيموت قبله. قال: فبرئ أبي محمد، ومات إسحاق.ثم قال: قبري وقبر هارون هكذا، وضم بإصبعيه.
- وعن حمزة بن جعفر الأرجاني، قال: خرج هارون من المسجد الحرام مرتين، وخرج الرضا (عليه السلام) مرتين، ويقول: ما أبعد الدار، وأقرب اللقاء يا طوس يا طوس يا طوس! ستجمعني وإياه.
- وعن الحسن بن علي الوشاء، قال: قال لي الرضا (عليه السلام): إني حيث أرادوا الخروج بي من المدينة جمعت عيالي، وأمرتهم أن يبكوا علي حتى أسمع، ثم فرقت فيهم اثني عشر ألف دينار، ثم قلت: إني لا أرجع إلى عيالي أبدا.
- وعن الحسن الوشاء أيضا، عن مسافر، قال: كنت مع الرضا (عليه السلام) بمنى، فمر به يحيى بن خالد مع قوم من آل برمك، فغطى وجهه من الغبار، فقال الرضا (عليه السلام): مساكين هؤلاء، لا يدرون ما يحل في هذه السنة! ثم قال: وأعجب من هذا هارون وأنا كهاتين - وضم بين إصبعيه -. قال مسافر: فما عرفت معنى حديثه حتى دفناه معه (5).
- وعن علي بن إبراهيم، عن ياسر، قال: لما عزم المأمون على الخروج من خراسان إلى بغداد، خرج وخرج معه الفضل بن سهل ذو الرئاستين، وخرجنا مع أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، فورد على الفضل بن سهل كتاب من أخيه الحسن بن سهل ونحن في بعض المنازل: إني نظرت في تحويل السنة فوجدت فيه أنك تذوق في شهر كذا وكذا يوم الأربعاء حر الحديد وحر النار، وأرى أن تدخل أنت وأمير المؤمنين والرضا الحمام في هذا اليوم، وتحتجم فيه، وتصب على بدنك الدم ليزول عنك نحسه. فكتب ذو الرئاستين إلى المأمون بذلك، فسأله أن يسأل أبا الحسن (عليه السلام) ذلك، فكتب المأمون إلى أبي الحسن (عليه السلام) يسأله فيه، فأجابه أبو الحسن: لست بداخل الحمام غدا، فأعاد عليه الرقعة مرتين، فكتب إليه أبو الحسن (عليه السلام): لست داخلا الحمام غدا، فإني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذه الليلة، فقال لي: يا علي، لا تدخل الحمام غدا، فلا أرى لك - يا أمير المؤمنين - ولا للفضل أن تدخلا الحمام غدا. فكتب إليه المأمون: صدقت - يا أبا الحسن - وصدق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لست بداخل الحمام غدا، والفضل أعلم. قال: فقال ياسر: فلما أمسينا وغابت الشمس، قال لنا الرضا (عليه السلام): قولوا: نعوذ بالله من شر ما ينزل في هذه الليلة. فلم نزل نقول ذلك، فلما صلى الرضا (عليه السلام) الصبح قال لي: إصعد السطح، استمع هل تجد شيئا؟ فلما صعدت سمعت الضجة، وكثرت وزادت، فلم نشعر بشيء فإذا نحن بالمأمون قد دخل من الباب الذي كان من داره إلى دار أبي الحسن (عليه السلام) وهو يقول: يا سيدي، يا أبا الحسن، آجرك الله في الفضل، فإنه دخل الحمام ودخل عليه قوم بالسيوف فقتلوه، وأخذ ممن دخل عليه ثلاثة نفر، أحدهم ابن خاله الفضل بن ذي القلمين.قال: واجتمع الجند والقواد ومن كان من رجال الفضل على باب المأمون، فقالوا: هو اغتاله، وشغبوا عليه وطلبوا بدمه، وجاؤوا بالنيران ليحرقوا الباب، فقال المأمون لأبي الحسن (عليه السلام): يا سيدي، نرى أن تخرج إليهم وترفق بهم حتى يتفرقوا. قال: نعم، وركب أبو الحسن (عليه السلام) وقال لي: يا ياسر اركب، فركبت، فلما خرجنا من باب الدار نظر إلى الناس، وقد ازدحموا عليه، فقال لهم بيده: تفرقوا. قال ياسر: فأقبل الناس والله يقع بعضهم على بعض، وما أشار إلى أحد إلا ركض ومضى لوجهه.
- وعن معلى بن محمد، عن مسافر، قال: لما أراد هارون بن المسيب أن يواقع محمد بن جعفر، قال لي أبو الحسن الرضا (عليه السلام): إذهب إليه وقل له: لا تخرج غدا، فإنك إن خرجت غدا هزمت وقتل أصحابك، فإن قال لك: من أين علمت هذا؟ فقل: رأيت في النوم. قال: فأتيته فقلت له: جعلت فداك، لا تخرج غدا، فإنك إن خرجت هزمت وقتل أصحابك. فقال لي: من أين علمت؟ قلت: في النوم. قال: نام العبد ولم يغسل استه. ثم خرج فانهزم وقتل أصحابه (6).
وعن محمد بن الوليد، عن أبي محمد الكوفي، قال: دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: فأقبل يحدثني ويسألني، إذ قال: يا أبا محمد، ما ابتلى الله عبدا مؤمنا ببلية فصبر عليها إلا كان له مثل أجر ألف شهيد. قال: ولم يكن ذلك في ذكر شيء من العلل، فأنكرت ذلك من قوله، أن حدثني بالوجع في غير موضعه. قال: فسلمت عليه وودعته، ثم خرجت من عنده، فلحقت أصحابي، وقد رحلوا، فاشتكيت رجلي من ليلتي. قال: فقلت: هذا لما تعبت، فلما كان من الغد تورمت. قال: ثم أصبحت وقد اشتد الورم، وضرب علي في الليل، فذكرت قوله، فلما وصلت إلى المدينة جرى منه القيح، وصار جرحا عظيما، لا أنام ولا أقيم، فعلمت أنه حدثني لهذا المعنى، فبقي بضعة عشر شهرا صاحب فراش، ثم أفاق، ثم نكس منها فمات (7).
- وعن محمد بن محمد بن مسعود الربعي السمرقندي، قال: حدثني عبد الله بن الحسن، عن الحسن بن علي الوشاء، قال: وجه إلي أبو الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ونحن بخراسان ذات يوم بعد صلاة العصر، فلما دخلت إليه قال لي: يا حسن، توفي علي بن أبي حمزة البطائني في هذا اليوم، وأدخل قبره في هذه الساعة، فأتاه ملكا القبر، فقالا له: من ربك؟ فقال: الله ربي. قالا: فمن نبيك؟ قال: محمد. قالا: فما دينك؟ قال: الإسلام. قالا: فما كتابك؟ قال: القرآن. قالا: فمن وليك؟ قال: علي. قالا: ثم من؟ قال: ثم الحسن. قالا: ثم من؟
قال: ثم الحسين. قالا: ثم من؟ قال: ثم علي بن الحسين. قالا: ثم من؟ قال: ثم محمد بن علي. قالا: ثم من؟ قال: ثم جعفر بن محمد. قالا: ثم من؟ قال: ثم موسى بن جعفر. قالا: ثم من؟ فتلجلج لسانه، فأعادا عليه، فسكت. قالا له: أفموسى بن جعفر أمرك بهذا؟ ثم ضرباه بمرزبة (عصا من حديد، والمطرقة الكبيرة تكسر بها الحجارة)، فألقياه على قبره، فهو يلهب إلى يوم القيامة. قال الحسن بن علي: فلما خرجت كتبت اليوم ومنزلته في الشهر، فما مضت الأيام حتى وردت علينا كتب الكوفيين بأن علي بن أبي حمزة توفي في ذلك اليوم، وأدخل قبره في الساعة التي قال أبو الحسن (عليه السلام).
- وعن داود الرقي، قال: قلت لأبي الحسن في السنة التي مات فيها هارون، أنه قد دخل في الأربع والعشرين، وأخاف أن يطول عمره. فقال: كلا والله، إن أيادي الله عندي وعند آبائي قديمة، لن يبلغ الأربع والعشرين سنة (8).
- وعن مسافر مولى أبي الحسن (عليه السلام)، قال: أمر أبو إبراهيم (عليه السلام) حين أخرج به أبا الحسن الرضا (عليه السلام) أن ينام على بابه في كل ليلة أبدا ما كان حيا إلى أن يأتيه خبره. قال: فكنا في كل ليلة نفرش لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) في الدهليز، ثم يأتي بعد العشاء فينام، فإذا أصبح انصرف إلى منزله، قال: فمكث على هذه الحال أربع سنين. فلما كان في ليلة من الليالي أبطأ عنا وفرش له، فلم يأت كما كان يأتي، فاستوحش العيال وذعروا، ودخلنا أمر عظيم من إبطائه، فلما كان من الغد أتى الدار ودخل إلى العيال، وقصد إلى أم أحمد، فقال لها: هاتي الذي أودعك أبي، فصرخت ولطمت وجهها، وشقت جيبها، وقالت: مات والله سيدي، فكفها وقال لها: لا تكلمي بشيء ولا تظهريه حتى يجئ الخبر إلى الوالي. فأخرجت إليه سفطا وألفي دينار، أو أربعة آلاف دينار، فدفعت ذلك أجمع إليه دون غيره، وقالت: إنه قال لي فيما بيني وبينه، وكانت أثيرة (أي: مفضلة وراجحة على غيرها) عنده: احتفظي بهذه الوديعة عندك، لا تطلعي عليها أحدا حتى أموت، فإذا مضيت فمن أتاك من ولدي فطلبها منك، فادفعيها إليه، واعلمي أني قد مت ، وقد جاءتني والله علامة سيدي. فقبض (عليه السلام) ذلك منها، وأمرهم بالإمساك جميعا إلى أن ورد الخبر، وانصرف فلم يعد لشيء من المبيت كما كان يفعل، فما لبثنا إلا أياما يسيرة حتى جاءت الخريطة (الخريطة: كيس تصان فيه الكتب) بنعيه، فعددنا الأيام وتفقدنا الوقت، فإذا هو قد مات في الوقت الذي فعل أبو الحسن الرضا (عليه السلام) ما فعل من تخلفه عن المبيت وقبضه لما قبض.
- وروي عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي، عن محمد بن الفضيل، أنه قال: نزلت ببطن مر (من نواحي مكة) فأصابني العرق المديني في جنبي وفي رجلي، فدخلت على الرضا (عليه السلام) بالمدينة. فقال: ما لي أراك متوجعا؟ فقلت: إني لما أتيت بطن مر أصابني العرق المديني في جنبي وفي رجلي. فأشار (عليه السلام) إلى الذي في جنبي تحت الإبط، وتكلم بكلام وتفل عليه. ثم قال (عليه السلام): ليس عليك بأس من هذا، ونظر إلى الذي في رجلي، فقال: قال أبو جعفر (عليه السلام): من بلي من شيعتنا ببلاء فصبر، كتب الله عز وجل له مثل أجر ألف شهيد. فقلت في نفسي: لا أبرأ والله من رجلي أبدا. قال الهيثم: فما زال يعرج منها حتى مات.
- وعن أحمد بن محمد بن عيسى، قال: كتب إليه (عليه السلام) علي بن الحسين بن عبد الله يسأله الدعاء في زيادة عمره، حتى يرى ما يحب، فكتب إليه في جوابه: تصير إلى رحمة الله خير لك، فتوفي الرجل بالخزيمية (9).
- وعن محمد بن عيسى، عن موسى بن مهران، أنه كتب إلى الرضا (عليه السلام) يسأله أن يدعو الله لابن له، فكتب (عليه السلام) إليه: وهب الله لك ذكرا صالحا، فمات ابنه ذلك، وولد له ابن.
- وعن موسى بن مهران، قال: رأيت علي بن موسى (عليه السلام) في مسجد المدينة وهارون يخطب، فقال: تروني وإياه ندفن في بيت واحد.
- وعن النضر بن سويد، قال: كان أبي مريضا، فدخلت المدينة على أبي الحسن الرضا (عليه السلام). فقلت له: جعلت فداك، إني خلفت أبي بالكوفة مريضا، فقال لي: آجرك الله، فلما قدمت الكوفة، وجدت أبي قد مات قبل مسألتي إياه عن الدعاء له بالعافية (10).

4 - في علمه بالمغيبات وما يكون:

- عن علي بن إبراهيم، عن بعض أصحابنا، قال: خرج الرضا (عليه السلام) من المدينة في السنة التي خرج فيها هارون، وهو يريد الحج، وانتهى إلى جبل عن يسار الطريق وأنت ذاهب إلى مكة، يقال له (فارع) فنظر إليه وقال: باني فارع وهادمه يقطع إربا إربا، فلم أدر ما معنى ذلك. فلما وافى هارون نزل بذلك الموضع من الجبل، وصعد جعفر بن يحيى ذلك الموضع من الجبل، وأمر أن يبنى له فيه مجلس، فلما رجع من مكة صعد إليه وأمر بهدمه، فلما انصرف إلى العراق قطع إربا إربا.
- وعن علي بن أحمد الوشاء الكوفي، قال: خرجت من الكوفة إلى خراسان، فقالت لي ابنتي: يا أبه، خذ هذه الحلة فبعها، واشتر لي بثمنها فيروزجا. قال: فأخذتها وشددتها في بعض متاعي، وقدمت مرو، فنزلت في بعض الفنادق، فإذا غلمان علي بن موسى - المعروف بالرضا (عليه السلام) - قد جاؤوني، وقالوا: نريد حلة نكفن بها بعض علمائنا. فقلت: ما هي عندي. فمضوا ثم عادوا، وقالوا: مولانا يقرأ عليك السلام، ويقول لك: معك حلة في السفط الفلاني، دفعتها إليك ابنتك، وقالت: اشتر لي بثمنها فيروزجا، وهذا ثمنها، فدفعتها إليهم، وقلت: والله لأسألنه عن مسائل، فإن أجابني عنها فهو هو، فكتبتها وعدوت إلى بابه، فلم أصل إليه لكثرة ازدحام الناس، فبينما أنا جالس إذ خرج إلي خادم، فقال: يا علي بن أحمد، هذه جوابات مسائلك التي جئت فيها، فأخذتها منه، فإذا هي جوابات مسائلي بعينها (11).
- وعن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن الحسين بن موسى بن جعفر، قال: كنا حول أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ونحن شبان من بني هاشم، إذ مر علينا جعفر بن عمر العلوي، وهو رث الهيئة، فنظر بعضنا إلى بعض، وضحكنا من هيئته، فقال الرضا (عليه السلام): سترونه من قريب كثير المال كثير التبع، فما مضى إلا شهر أو نحوه حتى ولي المدينة، وحسنت حاله، فكان يمر بنا ومعه الخصيان والحشم.
- وعن عبد الرحمن بن أبي نجران، وصفوان بن يحيى، قالا: جاءنا الحسين ابن قياما الواسطي - وكان من رؤساء الواقفة - فسألنا أن نستأذن له الرضا (عليه السلام) ففعلنا، فلما صار بين يديه، قال له: أنت إمام؟ قال: نعم. قال: إني أشهد الله أنك لست بإمام. قال: فنكت طويلا في الأرض منكس الرأس، ثم رفع رأسه إليه فقال له: ما علمك أني لست بإمام؟ قال: لأنا روينا عن أبي عبد الله أن الإمام لا يكون عقيما، وأنت قد بلغت هذه السن وليس لك ولد. قال: فنكس رأسه أطول من المرة الأولى، ثم رفع رأسه، وقال: إني أشهد والله أنه لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني الله ولدا مني. قال عبد الرحمن: فعددنا الشهر من الوقت الذي قال، فوهب الله له أبا جعفر 83: في أقل من سنة (12).
- وبإسناده، عن الحسن بن موسى، قال: خرجنا مع أبي الحسن الرضا (عليه السلام) إلى بعض أملاكه في يوم لا سحاب فيه، فلما برزنا، قال: هل حملتم معكم المماطر؟ قلنا: لا، وما حاجتنا إلى الممطر وليس سحاب، ولا نتخوف المطر. قال: قد حملته وستنظرون، قال: فما مضينا إلا يسيرا حتى ارتفعت سحابة ومطرنا، فما بقي منا أحد إلا ابتل.
- وعن أبي الحسين محمد بن هارون، عن أبيه، قال أخبرنا أبو جعفر محمد ابن الوليد، عن أبي محمد، قال: قدم أبو الحسن الرضا (عليه السلام) فكتبت إليه أساله الإذن لي في الخروج إلى مصر، وكنت أتجر إليها، فكتب إلي: أقم ما شاء الله، فأقمت سنتين، ثم قدمت الثالثة، فكتبت إليه أستأذنه، فكتب إلي: أخرج مباركا لك صنع الله لك، ووقع الهرج ببغداد، فسلمت من تلك الفتنة (13).
- وروي عن عبد الله بن محمد الهاشمي، أنه قال: دخلت على المأمون يوما فأجلسني، وأخرج من كان عنده، ثم دعا بالطعام فطعمنا، ثم تطيبنا، ثم أمر بستارة فضربت، ثم أقبل على بعض من كان في الستارة، فقال: بالله لما رثيت لنا من بطوس، فأخذت تقول: سقيا لطوس ومن أضحى بها قطنا (أي: مقيما)* من عترة المصطفى أبقى لنا حزنا قال: ثم بكى، وقال لي: يا عبد الله، أيلومني أهل بيتي وأهل بيتك أن نصبت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) علما؟ فوالله لأحدثنك بحديث تتعجب منه: جئته يوما فقلت له: جعلت فداك، إن آباءك موسى وجعفرا ومحمدا وعلي بن الحسين (عليهم السلام) كان عندهم علم ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة، وأنت وصي القوم ووارثهم، وعندك علمهم، وقد بدت لي إليك حاجة. قال: هاتها، فقلت: هذه الزاهرية حظيتي، ولا أقدم عليها أحدا من جواري، وقد حملت غير مرة وأسقطت، وهي الآن حامل فدلني على ما تتعالج به فتسلم. فقال: لا تخف من إسقاطها، فإنها تسلم، وتلد غلاما أشبه الناس بأمه، وتكون له خنصر زائدة في يده اليمنى ليست بالمدلاة، وفي رجله اليسرى خنصر زائدة ليست بالمدلاة، فقلت في نفسي: أشهد أن الله على كل شيء قدير. فولدت الزاهرية غلاما أشبه الناس بأمه، في يده اليمنى خنصر زائدة ليست بالمدلاة، وفي رجله اليسرى خنصر زائدة ليست بالمدلاة على ما كان وصفه لي الرضا (عليه السلام)، فمن يلومني على نصبي إياه علما؟ قال الشيخ الصدوق: إنما علم الرضا (عليه السلام) ذلك مما وصل إليه عن آبائه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وذلك أن جبرائيل (عليه السلام) قد كان نزل عليه بأخبار الخلفاء وأولادهم من بني أمية وولد العباس، وبالحوادث التي تكون في أيامهم، وما يجري على أيديهم، ولا قوة إلا بالله.
- وعن إبراهيم بن موسى القزاز - وكان يؤم في مسجد الرضا (عليه السلام) بخراسان - قال: ألححت على الرضا (عليه السلام) في شيء طلبته منه، فخرج يستقبل بعض الطالبيين، وجاء وقت الصلاة، فمال إلى قصر هناك، فنزل تحت شجرة بقرب القصر وأنا معه، وليس معنا ثالث. فقال: أذن، فقلت: ننتظر يلحق بنا أصحابنا؟ فقال: غفر الله لك، لا تؤخرن صلاة عن أول وقتها إلى آخر وقتها من غير علة عليك، ابدأ بأول الوقت، فأذنت وصلينا. فقلت: يا ابن رسول الله، قد طالت المدة في العدة التي وعدتنيها وأنا محتاج، وأنت كثير الشغل، ولا أظفر بمسألتك كل وقت. قال: فحك بسوطه الأرض حكا شديدا، ثم ضرب بيده إلى موضع الحك فأخرج سبيكة ذهب، فقال: خذها إليك بارك الله لك فيها، وانتفع بها، واكتم ما رأيت. قال: فبورك لي فيها حتى اشتريت بخراسان ما كان قيمته سبعين ألف دينار، فصرت أغنى الناس من أمثالي هناك (14).
- وعن أحمد بن عمر الحلال، قال: سمعت الأخرس بمكة يذكر الرضا (عليه السلام)،فنال منه، قال: فدخلت مكة فاشتريت سكينا فرأيته، فقلت: والله لأقتلنه إذا خرج من المسجد، فأقمت على ذلك، فما شعرت إلا برقعة أبي الحسن (عليه السلام): بسم الله الرحمن الرحيم، بحقي عليك لما كففت عن الأخرس، فإن الله ثقتي وهو حسبي.
- وعن إسحاق بن موسى، قال: لما خرج عمي محمد بن جعفر بمكة، ودعا لنفسه، ودعي بأمير المؤمنين، وبويع له بالخلافة، ودخل عليه أبو الحسن الرضا (عليه السلام)، فقال: يا عم، لا تكذب أباك وأخاك، فإن هذا الأمر لا يتم. قال: فخرج وخرجت معه إلى المدينة، فلم يلبث إلا قليلا حتى قدم الجلودي، فلقيه فهزمه، واستأمن إليه محمد بن جعفر، فلبس السواد، وصعد المنبر فخلع نفسه، وأكذب مقالته، وقال: إن هذا الأمر للمأمون، وليس لي فيه حق، ثم خرج إلى خراسان، فمات بجرجان (15).
- وعن الوشاء، قال: أتيت خراسان وأنا واقف، فحملت معي متاعا، وكان معي ثوب وشي في بعض الرزم ولم أشعر به، ولم أعرف مكانه، فلما قدمت مرو ونزلت في بعض منازلها، لم أشعر إلا ورجل مدني من بعض مولديها، فقال لي: إن أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول لك: ابعث إلي الثوب الوشي الذي عندك. قال: فقلت: ومن أخبر أبا الحسن بقدومي، وأنا قدمت آنفا، وما عندي ثوب وشي؟ فرجع إليه وعاد إلي، فقال: يقول لك: بلى، هو في موضع كذا وكذا، ورزمة كذا وكذا، فطلبته حيث قال، فوجدته في أسفل الرزمة، فبعثت به إليه.
- وعن يحيى بن بشار، قال: دخلت على الرضا (عليه السلام) بعد مضي أبيه (عليه السلام)، فجعلت أستفهمه بعض ما كلمني به. فقال لي: نعم يا سماع، فقلت: جعلت فداك، كنت والله القب بهذا في صباي، وأنا في الكتاب. قال: فتبسم في وجهي.
- وعن أبي علي الحسن بن راشد، قال: قدمت علي أحمال، فأتاني رسول الرضا (عليه السلام) قبل أن أنظر في الكتب، أو أوجه بها إليه، فقال لي: يقول الرضا (عليه السلام): سرح إلي بدفتر، ولم يكن لي في منزلي دفتر أصلا. قال: فقلت: وأطلب ما لا أعرف بالتصديق له، فلم أجد شيئا، ولم أقع على شيء، فلما ولى الرسول، قلت: مكانك. فحللت بعض الأحمال، فتلقاني دفتر لم أكن علمت به، إلا أني علمت أنه لم يطلب إلا الحق، فوجهت به إليه (16).
- وعن علي بن الحسين بن يحيى، قال: كان لنا أخ يرى رأي الإرجاء، يقال له عبد الله، وكان يطعن علينا، فكتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أشكوه إليه،وأسأله الدعاء، فكتب (عليه السلام) إلي، سيرجع حاله إلى ما تحب، وإنه لن يموت إلا على دين الله، وسيولد من أم ولد له غلام. قال علي بن الحسين بن يحيى: فما مكثنا إلا أقل من سنة حتى رجع إلى الحق، فهو اليوم خير أهل بيتي، وولد له بعد [كتاب] أبي الحسن من أم ولده تلك غلام.
- وعن الوشاء، قال: لدغتني عقرب، فأقبلت أقول: يا رسول الله، يا رسول الله، فأنكر السامع، وتعجب من ذلك، فقال له الرضا (عليه السلام): مه، فوالله لقد رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله). قال: وقد كنت رأيت في النوم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا والله ما كنت أخبرت به أحدا.
- روي أنه لما أنشد دعبل الخزاعي قصيدته في الرضا (عليه السلام) بعث إليه بدراهم رضوية فردها. فقال: خذها فإنك تحتاج إليها. قال: فانصرفت إلى البيت وقد سرق جميع مالي. فكان الناس يأخذون درهما منها ويعطوني دنانير، فغنيت بها (17).

5 - في علمه بحديث النفس:

- عن الحسن بن علي بن فضال، قال: قال عبد الله بن المغيرة: كنت واقفيا، فحججت على تلك الحالة، فلما صرت بمكة اختلج في صدري شيء، فتعلقت بالملتزم، ثم قلت: اللهم قد علمت طلبتي وإرادتي، فأرشدني إلى خير الأديان، فوقع في نفسي أن آتي الرضا (عليه السلام)، فأتيت المدينة، فوقفت ببابه، وقلت للغلام: قل لمولاك: رجل من أهل العراق بالباب. فسمعت النداء: أدخل يا عبد الله بن المغيرة. فدخلت، فلما نظر إلي قال لي: قد أجاب الله دعوتك وهداك لدينه. فقلت: أشهد أنك حجة الله وأمينه على خلقه (18).
- وعن أبان، عن معمر بن خلاد، قال: قال لي الريان بن الصلت: أردت أن تستأذن لي على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فأسلم عليه، وأحب أن يكسوني من ثيابه، وأن يهب لي من الدراهم التي ضربت باسمه. فدخلت على الرضا (عليه السلام) فقال مبتدئا: إن الريان بن الصلت يريد الدخول علينا، والكسوة من ثيابنا، والعطية من دراهمنا، فأذن له، فدخل وسلم، فأعطاه ثوبين وثلاثين من الدراهم التي ضربت باسمه.
- وعن علي بن إبراهيم بن هاشم، قال: حدثني الريان بن الصلت، قال: لما أردت الخروج إلى العراق، عزمت على توديع الرضا (عليه السلام) وقلت في نفسي: إذا ودعته سألته قميصا من ثياب جسده الشريف، لأكفن فيه، ودراهم من ماله الحلال الطيب، لأصوغ لبناتي منه خواتيم. فلما ودعته شغلني البكاء والأسى على مفارقته عن مسألته، فلما خرجت من بين يديه صاح بي: يا ريان، ارجع. فرجعت، فقال لي: أما تحب أن أدفع إليك قميصا من ثياب جسدي تكفن فيه إذا فني أجلك، أو ما تحب أن أدفع إليك دراهم تصوغ منها لبناتك خواتيم؟ فقلت: يا سيدي، قد كان في نفسي أن أسألك ذلك، فمنعني الغم لفراقك. فرفع (عليه السلام) الوسادة، وأخرج قميصا، فدفعه إلي، ورفع جانب المصلى فأخرج دراهم، فدفعها إلي، وكانت ثلاثين درهما (19).
- وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، قال: كنت شاكا في أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، وكتبت إليه كتابا أسأله فيه الإذن عليه، وقد أضمرت في نفسي أن أسأله إذا دخلت عليه عن ثلاث آيات قد عقدت قلبي عليها. قال: فأتاني جواب ما كتبت به إليه: عافانا الله وإياك، أما ما طلبت من الإذن علي فإن الدخول علي صعب، وهؤلاء قد ضيقوا علي في ذلك الوقت، فلست تقدر عليه الآن، وسيكون إن شاء الله. وكتب (عليه السلام) بجواب ما أردت أن أسأله من الآيات الثلاث في الكتاب، ولا والله ما ذكرت له منهن شيئا، ولقد بقيت متعجبا بما ذكر هو في الكتاب، ولم أدر أنه جوابي إلا بعد ذلك، فوقفت على معنى ما كتب به.
- وعن ابن أبي كثير، قال: لما توفي أبو الحسن موسى (عليه السلام) وقفت فحججت تلك السنة، فإذا أنا بعلي بن موسى الرضا (عليه السلام)، فأضمرت في نفسي أمرا فقلت: *(أبشرا منا واحدا نتبعه)* فمر كالبرق الخاطف علي فقال: أنا البشر الذي يجب عليك أن تتبعني. فقلت: يا مولاي معذرة إلى الله تعالى وإليك. فقال: مغفور لك إن شاء الله تعالى (20).
- وروى مالك بن نوبخت، عن جده أبي محمد الغفاري، قال: لزمني دين ثقيل، فقلت: ما لقضاء ديني غير سيدي ومولاي أبي الحسن الرضا (عليه السلام). فلما أصبحت أتيت منزله، واستأذنت عليه فأذن لي، فدخلت فقال لي ابتداء: يا أبا محمد، قد عرفنا حاجتك، وعلينا قضاء دينك. فلما أمسينا أتى بطعام الإفطار، فأكلنا. فقال: يا أبا محمد، تبيت أو تنصرف؟ فقلت: يا سيدي، إن قضيت حاجتي فالانصراف أحب إلي. قال: فتناول (عليه السلام) من تحت البساط قبضة ودفعها إلي، فخرجت ودنوت من السراج، فإذا هي دنانير حمر وصفر، فأول دينار وقع في يدي رأيت نقشه كان عليه: يا أبا محمد، الدنانير خمسون، ستة وعشرون منها لقضاء دينك، وأربعة وعشرون لنفقة بيتك. فلما أصبحت فتشت الدنانير، فلم أجد ذلك الدينار، وإذا هي لم تنقص شيئا (21).
- عن محمد بن عيسى اليقطيني، قال: سمعت هشاما العباسي يقول: دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) يوما، أريد أن أسأله يعوذني من صداع أصابني، وأن يهب لي ثوبين من ثيابه أحرم فيهما. فلما دخلت سألته عن مسائل فأجابني، ونسيت حوائجي، فلما قمت لأخرج، وأردت أن أودعه، قال لي: إجلس. فجلست بين يديه، فوضع يده على رأسي وعوذني، ثم دعا بثوبين سعيديين على عمل الوشي الذي كنت أطلبه، فدفعهما إلي(السعيدية: من برود اليمن).
- عن أبي حبيب النباجي، قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المنام وقد وافى النباج، ونزل في المسجد الذي ينزل فيه الحجاج في كل سنة، وكأني مضيت إليه وسلمت عليه، ووقفت بين يديه، فوجدت عنده طبقا من خوص نخل المدينة فيه تمر صيحاني، وكأنه قبض قبضة من ذلك التمر، فناولني، فعددته فكان ثماني عشرة، فتأولت أني أعيش بعدد كل تمرة سنة. فلما كان بعد عشرين يوما، كنت في أرض تعمر بين يدي للزراعة، إذا جاءني من أخبر بقدوم أبي الحسن الرضا (عليه السلام) من المدينة، ونزوله ذلك المسجد، ورأيت الناس يسعون إليه، فمضيت نحوه، فإذا هو جالس في الموضع الذي كنت رأيت فيه النبي (صلى الله عليه وآله)، وتحته حصير مثل ما كان تحته، وبين يديه طبق من خوص فيه تمر صيحاني، فسلمت عليه، فرد علي السلام، واستدعاني، فناولني قبضة من ذلك التمر، فعددته فإذا عدده مثل ذلك العدد الذي ناولني رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلت له: زدني منه يا بن رسول الله، فقال: لو زادك رسول الله (صلى الله عليه وآله) لزدناك (22).
- وعن أحمد بن عبيد الله، عن الغفاري، قال: كان لرجل من آل أبي رافع - مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) - يقال له: فلان، علي حق فتقاضاني، وألح علي، فلما رأيت ذلك، صليت الصبح في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم توجهت نحو الرضا (عليه السلام) - وهو يومئذ بالعريض (العريض: من قرى المدينة على بعد فرسخ منها.) - فلما قربت من بابه، إذا هو قد طلع على حمار، وعليه قميص ورداء، فلما نظرت إليه استحييت منه، فلما لحقني وقف ونظر إلي، فسلمت عليه - وكان شهر رمضان - فقلت: جعلت فداك، إن لمولاك فلان علي حقا، وقد والله شهرني، وأنا أظن في نفسي أنه يأمره بالكف عني، ووالله ما قلت له كم له علي، ولا سميت له شيئا، فأمرني بالجلوس إلى رجوعه. فلم أزل حتى صليت المغرب وأنا صائم، فضاق صدري، وأردت أن أنصرف، فإذا هو قد طلع علي وحوله الناس، وقد قعد له السؤال، وهو يتصدق عليهم، فمضى فدخل بينه ثم خرج، ودعاني فقمت إليه، ودخلت معه، فجلس وجلست معه، فجعلت أحدثه عن ابن المسيب (وهو هارون بن المسيب، وكان واليا على المدينة) - وكان كثيرا ما أحدثه عنه - فلما فرغت قال: ما أظنك أفطرت بعد؟ قلت: لا، فدعا لي بطعام فوضع بين يدي، وأمر الغلام أن يأكل معي، فأصبت والغلام من الطعام، فلما فرغنا قال: ارفع الوسادة وخذ ما تحتها، فرفعتها فإذا دنانير، فأخذتها ووضعتها في كمي. وأمر أربعة من عبيده أن يكونوا معي حتى يبلغوا بي منزلي، فقلت: جعلت فداك، إن طائف (الطائف: العاس بالليل) ابن المسيب يقعد، وأكره أن يلقاني ومعي عبيدك، فقال لي: أصبت، أصاب الله بك الرشاد. وأمرهم أن ينصرفوا إذا رددتهم. فلما قربت من منزلي وأنست رددتهم، وصرت إلى منزلي، ودعوت السراج، ونظرت إلى الدنانير، فإذا هي ثمانية وأربعون دينارا، وكان حق الرجل علي ثمانية وعشرين دينارا، وكان فيها دينار يلوح، فأعجبني حسنه، فأخذته وقربته من السراج، فإذا عليه نقش واضح: حق الرجل ثمانية وعشرون دينارا، وما بقي فهو لك، لا والله ما كنت عرفت ما له علي في التحديد.
- وعن أبي الحسين محمد بن هارون بن موسى، عن أبيه، قال: أخبرني أبو جعفر محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن محمد بن عبد الله، قال: كنت عند الرضا (عليه السلام) فأصابني عطش شديد، فكرهت أن أستسقي في مجلسه، فدعا بماء فأتاه، فقال: يا محمد، اشرب، فإنه بارد، فشربت (23).
- وروى أبو حامد السندي بن محمد، قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أسأله دعاء، فدعا لي، وقال: لا تؤخر صلاة العصر، ولا تحبس الزكاة. قال أبو حامد: وما كتبت إليه بشيء من هذا، ولم يطلع عليه أحد إلا الله. قال أبو حامد: وكنت أصلي العصر في آخر وقتها، وكنت أدفع الزكاة بتأخيرالدراهم من أقل وأكثر بعدما تحل، فابتدأني بهذا.
- وروى الهيثم النهدي، عن محمد بن الفضيل، قال: دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فسألته عن أشياء، وأردت أن أسأله عن السلاح وأغفلته، فخرجت من عنده، ودخلت إلى منزل الحسن بن بشير، فإذا غلامه ورقعته: بسم الله الرحمن الرحيم، أنا بمنزلة أبي ووارثه، وعندي ما كان عنده.
- وعن أبي جعفر بن الوليد، عن علي بن حديد، عن مرازم، قال: أرسلني أبو الحسن الأول، وأمرني بأشياء، فأتيت المكان الذي بعثني، فإذا أبو الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: فقال لي: فيم قدمت؟ قال: فكبر علي أن لا أخبره حين سألني، لمعرفتي بحاله عند أبيه، ثم قلت: ما أمرني أن أخبره، وأنا مردد ذلك في نفسي. فقال: قدمت يا مرازم في كذا وكذا. قال: فقص ما قدمت له (24).
- وعن سليمان بن جعفر الجعفري، قال: قال لي الرضا (عليه السلام): اشتر لي جارية من صفتها كذا وكذا، فأصبت له جارية عند رجل من أهل المدينة كما وصف، فاشتريتها، ودفعت الثمن إلى مولاها، وجئت بها إليه، فأعجبته، ووقعت منه، فمكثت أياما، ثم لقيني مولاها وهو يبكي، فقال: الله الله في، لست أتهنأ العيش، وليس لي قرار ولا نوم، فكلم أبا الحسن يرد علي الجارية ويأخذ الثمن، فقلت: أمجنون أنت، أنا اجترئ أن أقول له يردها عليك؟ فدخلت على أبي الحسن، فقال لي مبتدئا: يا سليمان، صاحب الجارية يريد أن أردها عليه؟ قلت: إي والله، قد سألني أن أسألك! قال: فردها عليه وخذ الثمن، ففعلت، ومكثت أياما، ثم لقيني مولاها، فقال: جعلت فداك، سل أبا الحسن يقبل الجارية، فإني لا أنتفع بها، ولا أقدر أدنو منها، قلت: إني لا أقدر أن أبتدئه بهذا. قال: فدخلت على أبي الحسن، فقال: يا سليمان، صاحب الجارية يريد أن أقبضها منه، وأرد عليه الثمن؟ قلت: قد سألني ذلك. قال: فرد علي الجارية، وخذ الثمن.
- وعن الوشاء، قال: سألني العباس بن جعفر بن محمد بن الأشعث أن أسأله (عليه السلام) أن يخرق كتبه إذا قرأها مخافة أن تقع في يدي غيره. قال الوشاء: فابتدأني (عليه السلام) بكتاب قبل أن أسأله أن يخرق كتبه: أعلم صاحبك أني إذا قرأت كتبه خرقتها (25).
- وروى عن الحسن بن علي بن يحيى، قال: زودتني جارية لي ثوبين ملحمين ، وسألتني أن أحرم فيهما، فأمرت الغلام بوضعهما في العيبة، فلما انتهيت إلى الوقت الذي ينبغي أن أحرم فيه، دعوت بالثوبين لألبسهما، ثم اختلج في صدري، فقلت: ما ينبغي لي أن ألبس ملحما وأنا محرم، فتركتهما ولبست غيرهما. فلما صرت بمكة كتبت كتابا إلى أبي الحسن، وبعثت إليه بأشياء كانت معي، ونسيت أن أكتب إليه أسأله عن المحرم هل يلبس الملحم أم لا، فلم ألبث أن جاءني الجواب بكل ما سألته عنه، وفي أسفل الكتاب: لا بأس بالملحم أن يلبسه المحرم (26).
- وعن البزنطي، قال: بعث الرضا (عليه السلام) إلي بحمار فركبته وأتيته وأقمت عنده بالليل إلى أن مضى منه ما شاء الله، فلما أراد أن ينهض قال لي: لا أراك تقدر على الرجوع إلى المدينة، قلت: أجل جعلت فداك، قال: فبت عندنا الليلة، واغد على بركة الله عز وجل. قلت: أفعل جعلت فداك. قال: يا جارية، افرشي له فراشي، واطرحي عليه ملحفتي التي أنام عليها، وضعي تحت رأسه مخادي. قال: فقلت في نفسي: من أصاب ما أصبت في ليلتي هذه؟ لقد جعل الله لي من المنزلة عنده، وأعطاني من الفخر ما لم يعطه أحدا من أصحابنا، بعث إلي بحماره فركبته، وفرش لي فراشه، وبت في ملحفته، ووضعت لي مخاده، ما أصاب مثل هذا أحد من أصحابنا. قال: وهو قاعد معي وأنا أحدث نفسي، فقال لي (عليه السلام): يا أحمد، إن أمير المؤمنين (عليه السلام) أتى صعصعة بن صوحان في مرضه يعوده، فافتخر على الناس بذلك، فلا تذهبن نفسك إلى الفخر، وتذلل لله عز وجل، واعتمد على يده فقام (عليه السلام) (27).
- عن البزنطي، قال: هويت في نفسي إذا دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أن أسأله: كم أتى عليك من السن؟ فلما دخلت عليه وجلست بين يديه، جعل ينظر إلي ويتفرس في وجهي، ثم قال: كم أتى لك؟ فقلت: جعلت فداك، كذا وكذا، قال: فأنا أكبر منك، قد أتى علي اثنتان وأربعون سنة.
فقلت: جعلت فداك، قد والله أردت أن أسألك عن هذا! فقال: قد أخبرتك.
- عن إسماعيل بن مهران، قال: أتيت الرضا (عليه السلام) يوما أنا وأحمد البزنطي بالصرياء، وكنا تشاجرنا في سنه، فقال أحمد: إذا دخلنا عليه فأذكرني حتى أسأله عن سنه، فإني قد أردت ذلك غير مرة فأنسى. فلما دخلنا عليه وسلمنا وجلسنا، أقبل على أحمد، فكان أول ما [تكلم به أن] قال: يا أحمد، كم أتى عليك من السنين؟ قال: تسع وثلاثون. فقال (عليه السلام): ولكن أنا قد أتت علي ثلاث وأربعون سنة. - وعن سليمان الجعفري، قال: كنت عند أبي الحسن الرضا (عليه السلام) والبيت مملوء من الناس، يسألونه وهو يجيبهم، فقلت في نفسي: ينبغي أن يكونوا أنبياء! فترك الناس، ثم التفت إلي فقال: يا سليمان، إن الأئمة كلهم علماء، يحسبهم الجاهل أنبياء، وليسوا أنبياء (28).

6 - في ظهور معجزاته في الحيوان والجماد:

1 - عن أبي يعقوب يوسف بن محمد بن زياد، وعلي بن محمد بن سيار، عن الحسن العسكري، عن أبيه، عن محمد بن علي التقي (عليهم السلام)، قال: لما اتسق الأمر للرضا (عليه السلام) وطفق الناس يتذاكرون ذلك، قال للمأمون بعض المبغضين: يا أمير المؤمنين، أعيذك بالله أن يكون تأريخ الخلفاء في إخراجك هذا الشرف العميم والفضل العظيم من بيت ولد العباس إلى بيت ولد علي، لقد أعنت على نفسك وأهلك، وجئت بهذا الساحر ابن الساحر، وقد كان خاملا فأظهرته، ووضيعا فرفعته، ومنسيا فذكرت به، ومستخفا فنوهت به، قد ملأ الدنيا مخرقة وتزويقا بهذا المطر الوارد بدعائه، فما أخوفنا أن يخرج هذا الأمر من ولد العباس إلى ولد علي، ما أخوفنا من أن يتوصل بالسحر إلى إزالة نعمتك والوثوب سراعا إلى مملكتك! هل جنى أحد على نفسه وملكه مثل ما جنيت؟ قال المأمون: جئنا بهذا الرجل وأردنا أن نجعله ولي عهدنا ليكون دعاءه إلينا، ويعترف بالخلافة والملك لنا، وليعتقد المقرون به أنه ليس مما ادعى في قليل ولا كثير، وأن هذا الأمر لنا من دونه، وقد خشينا إن تركناه على تلك الحالة أن ينفتق علينا منه ما لا نسده، ويأتي علينا ما لا نطيقه، فالآن إذ قد فعلناه، وأخطأنا في أمره بما أخطأنا، وأشرفنا من الهلاك بالتنويه به على ما أشرفنا، فليس يجوز التهاون في أمره، لكنا نحتاج أن نضع منه قليلا، حتى نصوره عند الرعايا بصورة من لا يستحق هذا الأمر، ثم ندبر فيه. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، خولني مجادلته، فإني أفحمه وأصحابه، وأضع من قدره، ولولا هيبتك في صدري لأنزلته منزلته، وبينت للناس قصوره عما رشحته له. فقال المأمون: ما شيء أحب إلي من هذا. قال: فاجمع جماعة من وجوه أهل مملكتك، من القواد والقضاة وجملة الفقهاء، لأبين نقصه بحضرتهم، فيكون أخذا له عن محله الذي أحللته فيه، على علم منهم بصواب فعلك. قال: فجمع الخلق الفضلاء من رعيته في مجلس واحد واسع قعد لهم فيه، وأقعد الرضا (عليه السلام) بين يديه في مرتبته التي جعلها له، فانتدب هذا الحاجب المتضمن للوضع من الرضا (عليه السلام) وقال: إن الناس قد أخبروا عنك الحكايات، وأسرفوا في وصفك، بما أرى أنك إن وقفت عليه برئت إلى الله منه. فأول ذلك أنك دعوت الله تعالى في المطر المعتاد مجيئه، فجعلوا ذلك معجزة، أوجبوا لك بها آية، وأنه لا نظير لك في الدنيا، وهذا أمير المؤمنين - أدام الله تعالى مملكته - لا يوازن بأحد إلا رجح عليه، وقد أحلك المحل الذي قد عرفت، وليس من حقه عليك أن تسوغ الكذابين لك وعليه ما يكذبونه. فقال الرضا (عليه السلام): ما أدفع عباد الله عن التحدث بنعم الله علي، وأما ذكرك صاحبك الذي أحلني ما أحلني، فما أحلني إلا المحل الذي أحله ملك مصر يوسف الصديق (عليه السلام)، فكان حالهما ما قد عرفت. فغضب الحاجب عند ذلك وقال: يا علي بن موسى، لقد عدوت طورك، وتجاوزت قدرك، أن بعث الله بمطر مقدور في وقته، لا يتقدم ولا يتأخر، جعلته آية تستطيل بها، وصولة تصول بها، كأنك جئت بمثل آية إبراهيم الخليل (عليه السلام) لما أخذ رؤوس الطير بيده، ودعا أعضاءها التي كان فرقها على الجبال، فأتينه سعيا، ونزلن على الرؤوس، وخفقن وطرن بإذن الله تعالى، فإن كنت صادقا فيما تزعم فأحيي هذين السبعين، وسلطهما علي، فإن ذلك حينئذ يكون آية معجزة، فأما المطر المعتاد، فلست أنت أحق بأن يكون قد جاء بدعائك دون دعاء غيرك الذي دعا كما دعوت.وكان الحاجب قد أشار إلى أسدين مصورين على مسند المأمون الذي كان يستند إليه، وكانا متقابلين على المسند، فغضب الرضا (عليه السلام) وصاح بالصورتين: دونكما الفاجر، فافترساه في المجلس، ولا تبقيا له عينا ولا أثرا. فوثبت الصورتان والقوم ينظرون متحيرين، فلما فرغا منه أقبلا على الرضا (عليه السلام) وقالا: يا ولي الله في أرضه، ماذا تأمرنا أنفعل به ما فعلنا بهذا؟ يشيران إلى المأمون، فغشي على المأمون منهما، فقال الرضا (عليه السلام): قفا. فوقفا، ثم قال: صبوا عليه ماء ورد وطيبوه. ففعل ذلك به، وعاد الأسدان يقولان: أتأذن لنا أن نلحقه بصاحبه الذي افترسناه؟ قال: لا، فإن لله عز وجل فيه تدبيرا ممضيه. فقالا: فماذا تأمرنا؟ فقال: عودا إلى مقركما كما كنتما. فعادا إلى المسند، فصارا صورتين كما كانتا، فقال المأمون: الحمد لله الذي كفاني شرهما وشر حميد بن مهران - يعني الرجل المفترس -.فقال للرضا (عليه السلام): هذا الأمر لجدكم (صلى الله عليه وآله) ثم لكم، ولو شئت لنزلت عنه لك (29).
- عن علي بن أسباط، قال: ذهبت إلى الرضا (عليه السلام) في يوم عرفة، فقال لي: أسرج لي حماري، فأسرجت له حماره، ثم خرج من المدينة إلى البقيع يزور فاطمة (عليها السلام)، فزار وزرت معه، فقلت: سيدي على كم أسلم؟ فقال لي: سلم على فاطمة الزهراء البتول، وعلى الحسن والحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى محمد ابن علي، وعلى جعفر بن محمد، وعلى موسى بن جعفر (عليهم أفضل الصلاة وأكمل التحيات) فسلمت على ساداتي ورجعت. فلما كان في بعض الطريق، قلت: يا سيدي إني معدم، وليس عندي ما أنفقه في عيدي هذا. فحك الأرض بسوطه، ثم ضرب بيده، فتناول سبيكة ذهب، فيها مائة دينار، فقال لي: خذها، فأخذتها فأنفقتها في أموري - ومثل ذلك ما رواه إبراهيم بن موسى، قال: ألححت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في شيء طلبته منه لحاجتي، وكان يعدني، فخرج ذات يوم ليستقبل والي المدينة، وكنت معه، فجاء إلى قرب قصر فلان ونزل تحت شجرة ونزلت معه، وليس معنا ثالث، فقلت له: جعلت فداك، هذا أوان ما وعدتني مرارا، وأنا معدم درهما فما سواه. قال: فحك بسوطه الأرض حكا شديدا، ثم ضرب بيده، فتناول سبيكة ذهب من موضع الحك، وقال: خذها وانتفع بها، واكتم علي ما رأيت (30).
- وعن أبي واسع محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري، قال: سمعت جدتي خديجة بنت حمدان، قالت: لما دخل علي بن موسى الرضا (عليه السلام) نيسابور نزل محلة الغربي ناحية تعرف بلاش آباد، في دار جدي پسنده، لأن الرضا (عليه السلام)
ارتضاه من بين الناس. وپسنده كلمة فارسية معناها: مرضي. فلما نزل (عليه السلام) دارنا زرع لوزة في جانب من جوانب الدار، فنبتت وصارت شجرة، وأثمرت في سنة، فعلم الناس بذلك، وكانوا يستشفون بلوز تلك الشجرة، فمن أصابته علة يتبرك بالتناول من ذلك اللوز مستشفيا به فعوفي. ومن أصابه رمد جعل من ذلك اللوز على عينيه فعوفي. وكانت الحامل إذا عسرت ولادتها تناولت من ذلك اللوز فتخف عليها الولادة، وتضع من ساعتها، وكان إذا أخذ القولنج دابة من الدواب، أخذ من قضبان تلك الشجرة، فأمر على بطنها فتعافى، ويذهب عنها ريح القولنج ببركة الرضا (عليه السلام). فمضت الأيام على تلك الشجرة ويبست، فجاء جدي حمدان فقطع أغصانها فعمي. - وعن سهل بن زياد، عن علي بن محمد القاشاني، قال: أخبرني بعض أصحابنا أنه حمل إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) مالا خطيرا، فلم أره يسر به. قال: فاغتممت لذلك، وقلت في نفسي: قد حملت مثل هذا المال ولم يسر به! قال: فقال: يا غلام، علي بالطست والماء. وقعد على كرسي وقال للغلام بيده: صب على يدي الماء. قال: فصب على يده الماء، فجعل يسيل من بين أصابعه في الطست ذهبا، ثم التفت إلي وقال لي: من كان هكذا لا يبالي بالذي حملت (31).
- وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا عمارة بن زيد، قال: رأيت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وقد اجتمع إليه وإلى المأمون ولد العباس، ليزيلوه عن ولاية العهد، ورأيته يكلم المأمون ويقول: يا أخي ما لي وإلى هذا من حاجة، ولست متخذ الظالمين عضدا، وإذا على كتفه الأيمن أسد، على يساره أفعى، يحملان على كل من حوله. فقال المأمون: أتلوموني على محبة هذا، ثم رأيته وقد أخرج رطبا فأطعمهم.
- وقال أبو جعفر: حدثنا سفيان، قال: حدثنا وكيع، قال: رأيت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في آخر أيامه، فقلت: يا بن رسول الله، أريد أحدث عنك معجزة فأرنيها، فرأيته أخرج لنا ماء من صخرة فسقانا وشربت. - وقال أبو جعفر: حدثنا عبد الله بن محمد البلوي، قال: قال عمارة بن زيد: رأيت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) فكلمته في رجل أن يصله بشيء، فأعطاني مخلاة تبن، فاستحييت أن أراجعه، فلما وصلت باب الرجل فتحتها، فإذا كلها دنانير، فاستغنى الرجل وعقبه، فلما كان من غد أتيته فقلت: يا بن رسول الله، إن ذلك تحول دنانير! فقال: لهذا دفعناه إليك (32).

7 - في الاستشفاء:

أحمد بن علي بن الحسين الثعالبي، قال: حدثني أبو أحمد عبد الله بن عبد الرحمن المعروف بالصفواني، قال: خرجت قافلة من خراسان إلى كرمان، فقطع اللصوص عليهم الطريق، وأخذوا منهم رجلا اتهموه بكثرة المال، وأقاموه في الثلج، وملأوا فاه منه، فانفسد فمه ولسانه، حتى لم يقدر على الكلام، ثم انصرف إلى خراسان، وسمع بخبر الرضا (عليه السلام) وأنه بنيسابور، فرأى فيما يرى النائم كأن قائلا يقول: إن ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد ورد خراسان، فسله عن علتك ليعلمك دواء تنتفع به، قال: فرأيت كأني قد قصدته، وشكوت إليه ما كنت وقعت فيه، وأخبرته بعلتي، فقال: خذ من الكمون والسعتر والملح ودقه، وخذ منه في فمك مرتين أو ثلاثا، فإنك تعافى. فانتبه الرجل من منامه، ولم يفكر فيما كان رأى في منامه حتى ورد باب نيسابور، فقيل له: إن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قد ارتحل من نيسابور وهو برباط سعد، فوقع في نفسه أن يقصده، ويصف له أمره، فدخل إليه، فقال له: يا ابن رسول الله، كان من أمري كيت وكيت، وقد انفسد علي فمي ولساني حتى لا أقدر على الكلام إلا بجهد، فعلمني دواء أنتفع به، فقال: ألم أعلمك؟ فاذهب فاستعمل ما وصفته لك. قال: فقال الرجل: يا ابن رسول الله، إن رأيت أن تعيده علي؟ فقال لي: خذ من الكمون والسعتر والملح فدقه، وخذ منه في فمك مرتين أو ثلاثا، فإنك تعافى. قال الرجل: فاستعملت ما وصفه لي فعوفيت.
قال الثعالبي: سمعت الصفواني يقول: رأيت هذا الرجل وسمعت منه هذه الحكاية (33).

8 - في علمه (عليه السلام) باللغات:

- عن أبي إسماعيل السندي، قال: سمعت بالسند أن لله تعالى في العرب حجة، فخرجت منها في الطلب، فدللت على الرضا (عليه السلام)، فقصدته، فدخلت عليه وأنا لا أحسن من العربية كلمة، فسلمت عليه بالسندية، فرد علي بها، فجعلت أكلمه بالسندية وهو يجيبني بها، فقلت له: إني سمعت بالسند أن لله في العرب حجة، فخرجت في الطلب. فقال: أنا هو. ثم قال: فسل عما تريد. فسألته عما أردت، فلما أردت القيام من عنده، قلت: إني لا أحسن من العربية شيئا، فادع الله أن يلهمنيها لأتكلم بها مع أهلها، فمسح بيده على شفتي، فتكلمت بالعربية من وقتي ببركته.
- وعن أبي هاشم الجعفري، قال: دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فقال: يا أبا هاشم، كلم هذا الخادم بالفارسية، فإنه يزعم أنه يحسنها. فقلت للخادم: زانويت چيست؟ . فلم يجبني. فقال (عليه السلام): يقول ركبتك. ثم قلت: نافت چيست؟ فلم يجبني. فقال (عليه السلام): يقول سرتك (34).
- وعن أبي هاشم الجعفري، قال: كنت أتغدى مع أبي الحسن (عليه السلام)، فيدعو بعض غلمانه بالصقلبية والفارسية، وربما بعثت غلامي هذا بشيء من الفارسية فيعلمه، وربما كان ينغلق الكلام على غلامه بالفارسية، فيفتح هو على غلامه.
- وعن الهروي، قال: كان الرضا (عليه السلام) يكلم الناس بلغاتهم، وكان والله أفصح الناس وأعلمهم بكل لسان ولغة، فقلت له يوما: يا بن رسول الله، إني لأعجب من معرفتك بهذه اللغات على اختلافها! فقال: يا أبا الصلت، أنا حجة الله على خلقه، وما كان الله ليتخذ حجة على قوم وهو لا يعرف لغاتهم، أو ما بلغك قولك أمير المؤمنين (عليه السلام): أوتينا فصل الخطاب ، فهل فصل الخطاب إلا معرفة اللغات؟ (35).

9 - في طي الأرض:

- عن محمد بن الفضل الهاشمي، قال: لما توفي الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) أتيت المدينة، فدخلت على الرضا (عليه السلام)، فسلمت عليه بالأمر، وأوصلت إليه ما كان معي، وقلت: إني سائر إلى البصرة، وعرفت كثرة خلاف الناس، وقد نعي إليهم موسى (عليه السلام)، وما أشك أنهم سيسألوني عن براهين الإمام، ولو أريتني شيئا من ذلك؟ فقال الرضا (عليه السلام): لم يخف علي هذا، فأبلغ أولياءنا بالبصرة وغيرها، أني قادم عليهم، ولا قوة إلا بالله، ثم أخرج إلي جميع ما كان للنبي (صلى الله عليه وآله) عند الأئمة (عليهم السلام) من بردته وقضيبه وسلاحه وغير ذلك. فقلت: ومتى تقدم عليهم؟ قال: بعد ثلاثة أيام من وصولك ودخولك البصرة، فلما قدمتها سألوني عن الحال، فقلت لهم: إني أتيت موسى بن جعفر (عليه السلام) قبل وفاته بيوم واحد. فقال: إني ميت لا محالة، فإذا واريتني في لحدي، فلا تقيمن وتوجه إلى المدينة بودائعي هذه، وأوصلها إلى ابني علي بن موسى (عليه السلام) فهو وصيي، وصاحب الأمر بعدي. ففعلت ما أمرني به، وأوصلت الودائع إليه، وهو يوافيكم إلى ثلاثة أيام من يومي هذا، فاسألوه عما شئتم. فابتدر الكلام عمرو بن هذاب من القوم - وكان ناصبيا، ينحو نحو التزيد والاعتزال - فقال: يا محمد، إن الحسن بن محمد رجل من أفاضل أهل هذا البيت في ورعه وزهده وعلمه وسنه، وليس هو كشاب مثل علي بن موسى، ولعله لو سئل عن شيء من معضلات الأحكام لحار في ذلك. فقال الحسن بن محمد - وكان حاضرا في المجلس - لا تقل يا عمرو ذلك، فإن عليا على ما وصف من الفضل، وهذا محمد بن الفضل يقول: إنه يقدم إلى ثلاثة أيام، فكفاك به دليلا، وتفرقوا. فلما كان في اليوم الثالث من دخولي البصرة، إذا الرضا (عليه السلام) قد وافى، فقصد منزل الحسن بن محمد، وأخلى له داره، وقام بين يديه، يتصرف بين أمره ونهيه، فقال (عليه السلام): يا حسن بن محمد، أحضر جميع القوم الذين حضروا عند محمد ابن الفضل وغيرهم من شيعتنا، وأحضر جاثليق النصارى، ورأس الجالوت، ومر القوم أن يسألوا عما بدا لهم. فجمعهم كلهم والزيدية والمعتزلة، وهم لا يعلمون لماذا يدعوهم الحسن بن محمد، فلما تكاملوا، ثني للرضا (عليه السلام) وسادة، فجلس عليها، ثم قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هل تدرون لم بدأتكم بالسلام؟ قالوا: لا. قال: لتطمئن أنفسكم. قالوا: من أنت يرحمك الله؟ قال (عليه السلام): أنا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب (عليه السلام) وابن رسول الله (صلى الله عليه وآله). صليت اليوم صلاة الفجر في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع والي المدينة، وأقرأني - بعد أن صلينا - كتاب صاحبه إليه، واستشارني في كثير من أموره، فأشرت عليه بما فيه الحظ له، ووعدته أن يصير إلي بالعشي بعد العصر من هذا اليوم، ليكتب عندي جواب كتاب صاحبه، وأنا واف له بما وعدته، ولا حول ولا قوة إلا بالله، الحديث. وقد ذكرنا طرفا منه في مناظراته (عليه السلام).
- وفي الحديث المتقدم، قال محمد بن الفضل: فلم يزل الرضا (عليه السلام) معهم في ذلك إلى وقت الزوال، فقال لهم حين حضر وقت الزوال: أنا أصلي وأصير إلى المدينة للوعد الذي وعدت به والي المدينة ليكتب جواب كتابه، وأعود إليكم بكرة إن شاء الله. قال: فأذن عبد الله بن سليمان وأقام، وتقدم الرضا (عليه السلام) فصلى بالناس، وخفف القراءة، وركع تمام السنة وانصرف، فلما كان من الغد عاد إلى مجلسه ذلك (36)... الحديث.
- وفيه أيضا: قال محمد بن الفضل: فشهد له الجماعة بالإمامة، وبات عندنا تلك الليلة، فلما أصبح ودع الجماعة وأوصاني بما أراد، ومضى وتبعته أشيعه، حتى إذا صرنا في وسط القرية، عدل عن الطريق، فصلى أربع ركعات، ثم قال: يا محمد، انصرف في حفظ الله، غمض طرفك، فغمضته، ثم قال: افتح عينيك، ففتحتهما، فإذا أنا على باب منزلي بالبصرة، ولم أر الرضا (عليه السلام). قال محمد بن الفضل: كان فيما أوصاني به الرضا (عليه السلام) في وقت منصرفه من البصرة أن قال لي: سر إلى الكوفة، فاجمع الشيعة هناك، وأعلمهم أني قادم عليهم، وأمرني أن أنزل في دار حفص بن عمير اليشكري. قال: فصرت إلى الكوفة، فأعلمت الشيعة أن الرضا (عليه السلام) قادم عليهم، فأنا يوما عند نصر بن مزاحم إذ مر بي سلام خادم الرضا (عليه السلام)، فعلمت أن الرضا (عليه السلام) قد قدم، فبادرت إلى دار حفص بن عمير، فإذا هو في الدار، فسلمت عليه (37)... الحديث.
- وتولى الرضا (عليه السلام) أمر أبيه، حيث حضر إلى بغداد بطي الأرض قبل وفاة أبيه (عليه السلام)، وقد ذكرنا ذلك مع بعض الأحاديث التي تعضده في كتابنا (الكاظم موسى عليه السلام) في الفصل الخاص بشهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)، منها حديث المسيب بن زهير، قال: ثم رأيت شخصا أشبه الخلق به (عليه السلام) جالسا إلى جانبه، وكان عهدي بسيدي الرضا (عليه السلام) وهو غلام، فأردت سؤاله فصاح بي سيدي موسى (عليه السلام): أليس نهيتك يا مسيب؟ فلم أزل صابرا حتى مضى وغابت الشمس. قال: فوالله، لقد رأيتهم وهم يظنون بأنهم يغسلونه ولا تصل أيديهم إليه، ويظنون أنهم يحنطونه ويكفنونه، وأراهم لا يصنعون به شيئا، ورأيت ذلك الشخص يتولى غسله وتحنيطه وتكفينه (38)... الحديث.

10 - في ظهور معجزاته (عليه السلام) في معان شتى:

1 - عن محمد بن العلاء الجرجاني، قال: حججت فرأيت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) يطوف بالبيت، فقلت له: جعلت فداك، هذا الحديث قد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ؟ قال: فقال: نعم، حدثني أبي، عن جدي، عن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية . قال: فقلت له: جعلت فداك، ومن مات ميتة جاهلية؟ قال: مشرك. قال: قلت: فمن إمام زماننا؟ فإني لا أعرفه. قال: أنا هو. فقلت له: ما علامة أستدل بها؟ قال: تعال إلى البيت. وقال للغلمان: لا تحجبوه إذا جاء. قال: فأتيته من الغد، فسلم علي وقربني، وجعل يناظرني، وبين يديه صبي، وبيده رطب يأكله، فنطق الصبي، وقال: الحق حق مولاي، وهو الإمام. قال محمد بن العلاء: فتغير لوني وغشي علي، فحلفني أشد الأيمان أن لا أخبر به أحدا حتى يموت.
- وعن عيسى بن موسى العماني، قال: دخل الرضا (عليه السلام) على المأمون، فوجد فيه هما، فقال: إني أرى فيك هما؟ قال المأمون: نعم، بالباب بدوي وأنه قد دفع سبع شعرات، يزعم أنها من لحية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد طلب الجائزة، فإن كان صادقا ومنعت الجائزة فقد بخست شرفي، وإن كان كاذبا وأعطيته الجائزة فقد سخر بي، وما أدري ما أعمل به؟ فقال الرضا (عليه السلام): علي بالشعر... فلما رآه شمه وقال: هذه أربع من لحية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والباقي ليس من لحيته. فقال المأمون: من أين قلت هذا؟ فقال: علي بالنار. فألقى الشعر في النار فاحترقت ثلاث شعرات، وبقيت الأربع التي أخرجها الرضا (عليه السلام) لم يكن للنار عليها سبيل. فقال المأمون: علي بالبدوي. فلما مثل بين يديه أمر بضرب رقبته، فقال البدوي: ما ذنبي؟ قال: تصدق عن الشعر. فقال: أربع من لحية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وثلاثة من لحيتي. فتمكن الحسد في قلب المأمون (39).
- وعن الحسن بن منصور، عن أخيه، قال: دخلت على الرضا (عليه السلام) في بيت داخل في جوف بيت ليلا، فرفع يده (عليه السلام) فإذا بها ضياء عشرة مصابيح، فاستأذن عليه رجل فخلى يده، ثم أذن له (40).
- وفي (در الأصداف): لما جعل المأمون الإمام الرضا (عليه السلام) ولي عهده، وخليفة من بعده، كان في حاشية المأمون أناس كرهوا ذلك، وخافوا على خروج الخلافة من بني العباس، وعودها لبني فاطمة (عليها السلام)، فحصل عندهم من الإمام علي الرضا (عليه السلام) نفور. وكان من عادة الرضا (عليه السلام) إذا جاء دار المأمون، بادر من بالدهليز من الحجاب وأهل النوبة من الخدم والحشم، بالقيام والسلام عليه، ويرفعون له الستر حتى يدخل، فلما حصلت لهم هذه النفرة، وتفاوضوا من أمر هذه القصة، ودخل في قلوبهم منها شيء، قالوا - فيما بينهم -: إذا جاء يدخل على الخليفة بعد اليوم نعرض عنه، ولا نرفع له الستر، واتفقوا على ذلك فيما بينهم. فبينما هم جلوس، إذ جاء الإمام علي الرضا (عليه السلام) على جاري عادته، فلم يملكوا أنفسهم أن قاموا وسلموا عليه، ورفعوا له الستر على عادتهم، فلما دخل أقبل بعضهم على بعض يتلاومون، لكونهم ما فعلوا ما اتفقوا عليه، وقالوا: الكرة الآتية، إذا جاء لا نرفعه. فلما كان في اليوم التالي، وجاء الإمام الرضا (عليه السلام) على عادته، قاموا وسلموا عليه، ولم يرفعوا الستر، فجاءت ريح شديدة، فرفعت الستر له، عند دخوله، وعند خروجه، من الجهتين، فأقبل بعضهم على بعض وقالوا: إن لهذا الرجل عند الله منزلة، انظروا إلى الريح كيف جاءت، ودفعت له الستر عند دخوله وعند خروجه، ارجعوا إلى ما كنتم عليه من خدمته، فهو خير لكم، فعادوا إلى ما كانوا عليه، وزادت عقيدتهم فيه (41) - وفي (كشف الغمة) عن محمد بن طلحة، قال: ومن مناقبه (عليه السلام) أنه كان بخراسان امرأة تسمى زينب، فادعت أنها علوية من سلالة فاطمة، وصارت تصول على أهل خراسان بنسبها. فسمع بها علي الرضا (عليه السلام)، فلم يعرف نسبها، فأحضرت إليه فرد نسبها، وقال: هذه كذابة، فسفهت عليه، وقالت: كما قدحت في نسبي، فأنا أقدح في نسبك. فأخذته الغيرة العلوية، فقال (عليه السلام) لسلطان خراسان: أنزل هذه إلى بركة السباع يتبين لك الأمر. وكان لذلك السلطان بخراسان موضع واسع فيه سباع مسلسلة للانتقام من المفسدين، يسمى ذلك الموضع ببركة السباع. فأخذ الرضا (عليه السلام) بيد تلك المرأة، وأحضرها عند ذلك السلطان، وقال: هذه كذابة على علي وفاطمة (عليهما السلام)، وليست من نسلهما، فإن من كان حقا بضعة من علي وفاطمة (عليهما السلام) فإن لحمه حرام على السباع، فألقوها في بركة السباع، فإن كانت صادقة، فإن السباع لا تقربها، وإن كانت كاذبة، فتفترسها السباع. فلما سمعت ذلك منه، قالت: فانزل أنت إلى السباع، فإن كنت صادقا، فإنها لا تقربك ولا تفترسك، فلم يكلمها وقام (عليه السلام)، فقال له ذلك السلطان: إلى أين؟ قال: إلى بركة السباع، والله لأنزلن إليها. فقام السلطان والناس والحاشية، وجاءوا وفتحوا باب البركة، فنزل الرضا (عليه السلام) والناس ينظرون من أعلى البركة، فلما حصل بين السباع، أقعت (أي: جلست) جميعا إلى الأرض على أذنابها، وصار يأتي إلى واحد واحد يمسح وجهه ورأسه وظهره، والسبع يبصبص له (بصبص الكلب: حرك ذنبه طمعا أو ملقا) هكذا إلى أن أتى على الجميع، ثم طلع والناس يبصرونه. فقال لذلك السلطان: أنزل هذه الكذابة على علي وفاطمة (عليهما السلام) ليتبين ذلك، فامتنعت، فألزمها ذلك السلطان، وأمر أعوانه بإلقائها، فمذ رآها السباع، وثبوا إليها يفترسونها، فاشتهر اسمها بخراسان بزينب الكذابة، وحديثها هناك مشهور (42).
المصادر :
1- الثاقب في المناقب: 467 / 394، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 167 / 1، المناقب 4: 370، دلائل الإمامة: 192، بحار الأنوار 5: 155 / 7، و49: 180 / 16
2- دلائل الإمامة: 190، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 225 / 1، البحار 49: 85 / 4، العوالم 69: 22: 161 / 2.
3- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 218 / 3، البحار 49: 38 / 23، العوالم 22: 89 / 37.
4- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 222 / 42، البحار 49: 43 / 34، العوالم 22: 95 / 48. / عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 224 / 1، البحار 49: 84 / 3.
5- إعلام الورى: 324، 325عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 216 / 23، بحار الأنوار 49: 285 / 6.
6- الإرشاد 2: 266،227 الكافي 1: 409 / 8، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 159 / 24، البحار 49: 170 / 6.
7- دلائل الإمامة: 184.
8- دلائل الإمامة: 185،189 المناقب 4: 337، البحار 49: 58، العوالم 22: 111 / 80.
9- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 221 / 39، البحار 49: 42 / 31، العوالم 22: 93 / 45
10- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 221 / 38، البحار 49: 42 / 30، العوالم 22: 92 / 44. 81
11- الثاقب في المناقب: 498 / 430، الكافي 1: 407 / 5، المناقب 4: 340، الإرشاد 2: 257، البحار 49: 56 / 70. / إعلام الورى: 321، دلائل الإمامة: 190.
12- إعلام الورى: 323، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 208 / 11، البحار 49: 33 / 11، العوالم 22: 81 / 15. / إعلام الورى: 323، دلائل الإمامة: 186، ونحوه في الكافي 1: 320 / 4.
13- إعلام الورى: 326، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 221 / 37، البحار 49: 41 / 29، العوالم 22: 92 / 43
14- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 223 / 44، البحار 49: 29 / 2، العوالم 22: 76 / 17.
15- بصائر الدرجات: 272، الباب 12، الحديث 6، البحار 49: 47 / 44، العوالم 22: 69 / 6. / كشف الغمة 3: 90، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 207 / 8، البحار 49: 32 / 8، وفي كشف الغمة: فمات بمرو.
16- الكافي 1: 354 / 12، البحار 49: 68 / 90، العوالم 22: 75 / 15. / عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 214 / 21، البحار 49: 37 / 19، العوالم 22: 87 / 33.
17- الخرائج والجرائح 1: 358 / 12، البحار 49: 51 / 53. 1: 364 / 20، البحار 49: 52 / 59. 1: 769 / 89، بحار الأنوار 49: 56 / 69.
18- الثاقب في المناقب: 475 / 398، الكافي 1: 355 / 13، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 219 / 31، رجال الكشي: 594 / 1110، الاختصاص: 74، كشف الغمة 3: 92، بحار الأنوار 49: 39 / 24.
19- الثاقب في المناقب: 476 / 399، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 208 / 10، رجال الكشي: 547 / 1036، المناقب 4: 340، إعلام الورى: 322، البحار 49: 33 / 9 و10.
20- الثاقب في المناقب: 477 / 401، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 212 / 18، غيبة الطوسي: 47. / سورة القمر: 24.
21- الثاقب في المناقب: 477 / 403، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 218 / 29، البحار 49: 38 / 22، العوالم 22: 88 / 36، الخرائج والجرائح 1: 339 / 3.
22- الثاقب في المناقب: 478 / 404، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 220 / 36، البحار 49: 40 / 28، العوالم 22: 91 / 42
23- الإرشاد 2: 255، الكافي 1: 407 / 4، البحار 49: 97 / 12. / دلائل الإمامة: 187، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 204 / 3، بصائر الدرجات: 239 / 16.
24- دلائل الإمامة: 187، بصائر الدرجات: 272 / 5، الخرائج والجرائح 3: 663 / 6، البحار 49: 47 / 43.
25- كشف الغمة 3: 89، البحار 49: 62 / 80، العوالم 22: 118 / 93.
26- كشف الغمة 3: 92،93 ،94عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 220 / 35، البحار 49: 40 / 27.
27- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 212 / 19، البحار 49: 36 / 18، العوالم 22: 86 / 32.
28- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 220 / 34، البحار 49: 40 / 26، العوالم 22: 90 / 40. / الخرائج والجرائح 1: 365 / 22، البحار 49: 53 / 61.
29- الثاقب في المناقب: 469 / 395، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 170، المناقب 4: 370 قطعة منه.
30- الثاقب في المناقب: 473 / 396. / الثاقب في المناقب: 473 / 397، بصائر الدرجات: 374 / 2 نحوه، إعلام الورى: 326، الاختصاص: 270،
31- الثاقب في المناقب: 496 / 425، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 132 / 1، بحار الأنوار 49: 121 / 2. / الثاقب في المناقب: 497 / 427، الكافي 1: 411 / 10.
32- دلائل الإمامة: 182. / دلائل الإمامة: 182، إثبات الهداة 6: 148 / 176. / دلائل الإمامة: 182.
33- إعلام الورى: 323، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 211 / 16، البحار 49: 124 / 6، العوالم 22: 238 / 7
34- الثاقب في المناقب: 498 / 429، الخرائج والجرائح / 340 / 5. / بصائر الدرجات: 338 / 2، البحار 49: 88 / 7
35- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 228 / 2، البحار 49: 87 / 2. /عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 228 / 3، البحار 49: 87 / 3.
36- الخرائج والجرائح 1: 341 / 6، بحار الأنوار 49: 73 / 1، العوالم 22: 134 / 1.
37- بحار الأنوار 49: 79.
38- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 100 / 6، بحار الأنوار 48: 222 / 26، دلائل الإمامة: 152 - 154.
39- الثاقب في المناقب: 495 / 424. / الثاقب في المناقب: 497 / 426.
40- الثاقب في المناقب: 498 / 428، الكافي 1: 407 / 3، المناقب 4: 348.
41- الإمامة وأهل البيت (عليهم السلام) 3: 160، نور الأبصار: 158 - 159، كشف الغمة 3: 52.
42- كشف الغمة 3: 51، البحار 49: 61، مطالب السؤول: 85، إثبات الهداة 6: 152 / 192.



 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.