لغرض استجلاء موقف السلطة من الامام العسکري عليه السلام لابد من استعراض موقف الحاكمين من بني العباس علی انفراد حسب التسلسل التاريخي ، وقد عاصر الامام العسكري عليه السلام في سني امامته (254 ـ 260هـ) شطرا من خلافة المعتز والمهتدي وبعض سني خلافة المعتمد ، لكنا سوف نذكر بعضا من مواقف المتقدمين الذين عاصروا الامام العسكري عليه السلام منذ ولادته الي ان تسنم الامامة (232 ـ 254هـ) ومع كون هذه المدة تقع ضمن فترة امامة ابيه لكن الامام العسكري عليه السلام واكب احداثها وعانی ومن اثارها وعاش شتی الصعوبات والظروف القاسية التي واجهت اباه من قبل؛منذ استدعائه من المدينة الي سامراء حتی وفاته مرورا بالحصار والاقامة والاعتقال ومحاولات الاغتيال.
علی انه لم ينقل لنا التاريخ تفاصيل العلاقة بين الامام عليه السلام وبين كل واحد من خلفاء عصره ، عدا اخبار اعتقاله وتنبؤاته بموت بعضهم او قتله ، وموقف الخلفاء من الشيعة بشكل عام والطالبيين بشكل خاص الذين طالهم السجن والتشريد والقتل صبرا علي يد اجهزة السلطة.
اولا ـ المتوكل (232 ـ 247هـ)
وهو جعفر بن المعتصم بن الرشيد ، بويع بعده وفاة اخيه الواثق في ذي الحجة سنة232هـ ، وكان عمر الامام العسكري عليه السلام نحو ثمانية اشهر ونصف ، اذ ولد عليه السلام في الثامن من ربيع الاخر سنة232.ان السمة الغالبة علي المتوكل هي النصب والتجاهر لال البيت عليهم السلام والحقد السافر عليهم وعلي من يمت لهم بصلة نسب او ولاء ، وقد اجمع علي هذا الامر غالبية المؤرخين حتی : اولئك اعتبروه ناصرا للسنة وشبهوه بالصديق وعمر بن عبد العزيز.
وقال ابن الاثير : « كان المتوكل شديد البغض لعلي بن ابي طالب ولاهل بيته ، وكان يقصد من يبلغه عنه انه يتولی عليا واهله باخذ المال والدم ، وكان من جملة ندمائه عبادة المخنث ، وكان يشد علي بطنه تحت ثيابه مخدة ويكشف راسه وهو اصلع ويرقص بين يدي المتوكل ، والمغنون يغنون ، قد اقبل الاصلع البطين خليفة المسلمين ، يحكي بذلك عليا عليه السلام والمتوكل يشرب ويضحك...
وانما كان ينادمه ويجالسه جماعة قد اشتهروا بالنصب والبغض لعلي ، منهم : علي بن الجهم الشاعر الشامي من بني شامة بن لؤي ، وعمرو بن الفرج الرخجي ، وابو السمط من ولد مروان بن ابي حفصة من موالي بني اميه ، وعبدالله بن داود الهاشمي المعروف بابن اترجه ، وكانوا يخوفونه من العلويين ، ويشيرون عليه بابعادهم والاعراض عنهم والاساءة اليهم ، ثم حسنوا له الوقيعة في اسلافهم الذين يعتقد الناس علو منزلتهم في الدين ، ولم يبرحوا به حتی ظهر منه ما كان... » (1).
ثانيا ـ المنتصر (247 ـ 248هـ) :
هو محمد بن المتوكل بن المعتصم ، بويع له بعد قتل ابيه في شوال سنة247هـ ، واعد كتابا قراه احمد بن الخطيب ان الفتح بن خاقان قد قتل المتوكل فقتله به ، فبايعه الناس ، واستمرت خلافته ستة اشهر ويومين ، ولم تشر هذه الفترة القليلة الي اي بادرة سوء من المنتصر تجاه الامام عليه السلام وشيعته. علی انه كان المنتصر اولا لايخرج عن اطار السياسة العامة التي انتهجها ابوه المتوكل في مواجهة اهل البيت عليهم السلام وشيعتهم ، فانه خلع علي ابي السمط الشاعر الناصبي لشعر قاله يناوئ فيه اهل البيت عليهم السلام ، و ربما يكون هذا تقية من ابيه ، والا فقد ثبتت توبته ، اذا خالف اباه المتوكل في كل شيء فقد خلع اخويه المعتز والمؤيد من ولاية العهد الذي عقده لهما المتوكل بعده (2) ، كما احسن الي الطالبيين بشكل عام والعلويين بشكل خاص.قال ابوالفرج : « كان المنتصر يظهر الميل الي اهل هذا البيت ، و يخالف اباه في افعاله ، فلم يجر منه علي احد منهم قتل او حبس ولا مكروه فيما بلغنا ، والله اعلم » (3).
وقال في موضع اخر ذكر فيه حصار المتوكل للطالبيين ، ثم قال : « الي ان قتل المتوكل ، فعطف المنتصر علي العلويين ووجه بمال فرقه فيهم ، وكان يؤثرمخالفة ابيه في جميع احواله ومضادة مذهبه طعنا عليه ، و نصرة لفعله ».
وذكر المورخون كثيرا من اجراءاته المخالفة لابيه في الموقف من الطالبيين والعلويين : قال ابن الاثير : « امر الناس بزيارة قبر علي والحسين عليهما السلام ، و امن العلويين وكانوا خائفين ايام ابيه ، واطلق وقوفهم ، وامر برد فداك الي ولد الحسن والحسين ابني علي بن ابي طالب عليه السلام. وذكر ان المنتصر لما ولي الخلافة كان اول ما احدث ان عزل صالح بن علي عن المدينة ، واستعمل عليها علي بن الحسن بن اسماعيل بن العباس بن محمد ، قال علي : فلما دخلت اودعه قال لي : يا علي ، اني اوجهك الي لحمي ودمي ، ومد ساعده وقال : الي هذا اوجهك ، فانظر كيف تكون للقوم ، وكيف تعاملهم ـ يعني ال ابي طالب ـ فقال : ارجوا ان امتثل امر اميرالمؤمنين ان شاء الله ، فقال : اذن تسعد عندي ». ومات المنتصر في ربيع الاخر سنة248لعلة لم تمهله طويلا ، وقيل : بل فصده الطبيب بمبضع مسموم فمات منه (4).
ثالثا ـ المستعين (248 ـ 252هـ ) :
وهو احمد بن المعتصم ، اخو الواثق والمتوكل ، بويع سنة 248هـ ، وقتل سنة 252هـ ، وكان مستضعفا في رايه وعقله وتدبيره ، وكانت ايامه كثيرة الفتن ، و دولته شديده الاضطراب حتی خلع ثم قتل.ونتيجة تردي الاحوال الاقتصادية والاجتماعية وضعف سلطة الخلافة في زمان المستعين ، ثار الكثير من العلويين مطالبين برفع الظلم عن كاهل ابناء الامة وداعين الي الرضا من ال محمد صلى الله عليه و اله ، منهم الشهيد يحيي بن عمر ، والحسن ابن زيد العلوي ، والحسين بن محمد بن حمزة ، ومحمد بن جعفر بن الحسن ، ولم تحدثنا كتب التاريخ والرواية عن اي شيء من الوقائع بين المستعين والامام الهادي عليه السلام لتدني سلطة الخلافة في عصره واستلام مقاليد الامور بيد القادة الاتراك ، غير انه لايخرج عن نهج الخلفاء العباسيين في حصار الامام عليه السلام والاساءة الي شيعته بشكل عام والطالبيين بوجه خاص ، فقد ذكر المسعودي ان محمد بن احمد بن عيسي بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليه السلام ، حمله سعيد الحاجب من البصرة ، فحبس حتی مات ، وكان معه ابنه علي ، فلمات مات الاب خلي عنه ، وذلك في ايام المستعين ، وجعفر بن اسماعيل بن موسي بن جعفر عليه السلام ، قتله ابن الاغلب بارض المغرب ، والحسن بن يوسف بن ابراهيم بن موسي بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب ، قتله العباس بمكة.
مقتل المستعين : في سنة 251هـ شغب الاتراك علی المستعين بعد قتل باغر التركي ، فهرب المستعين الي بغداد مع وصيف وبغا الصغير ، ونزل دار محمد بن عبدالله بن طاهر ، فعاث الاتراك بغيا وفسادا في سامراء واخرجوا المعتز من سجن الجوسق وبايعوه باالخلافة ، وصارت بغداد مسرحا للاقتتال والخراب بين جيش المعتز ومؤيدي المستعين ، حتی انتهي القتال بخلع المستعين لنفسه من الخلافة سنة252هـ ، وكان نتيجة ذلك القتال ان خربت الدور والحوانيت والبساتين ، و نهبت الاسواق والاموال وتردت الاحوال الاقتصادية والاجتماعية بشكل لم يسبق له مثيل علي مابيناه في الفصل الاول.
ثم ان المعتز سير المستعين الي واسط ، فاقام بها نحو تسعة اشهر محبوسا موكلا به امين ، ثم ارسل المعتز الي احمد بن طولون ان يذهب الي المستعين فيقتله فابي ، فندب له سعيد بن صالح الحاجب فحمله الي سامراء فذبحه وحمل اليه براسه ، فامر لسعيد بخمسين الف درهم وولاه معونة البصرة. (5)
رابعا ـ المعتز (252 ـ 255هـ )
وهو الزبير او محمد بن المتوكل بن المعتصم ، بويع له عند خلع المستعين سنة252هـ ، وله عشرون سنة او دونها.1ـ مواقفه من الطالبيين :
وتعرض الطالبيون في زمان المعتزالي القتل والمطاردة والحبس والترحيل ، فقد حمل في ايامه من الري علي بن موسي بن اسماعيل بن موسي بن جعفر بن محمد ، و مات في حبسه. وفي السنة التي بويع له فيها حمل جماعة من الطالبيين الي سامراء ، منهم : ابواحمد محمد بن جعفر بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن علي بن ابي طالب ، و ابوهاشم داود بن القاسم الجعفري.وفي ايامه ايضا قتل عبدالرحمن خليفة ابي الساج احمد بن عبدالله بن موسي بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي عليه السلام.و توفي في الحبس عيسي بن اسماعيل بن جعفر بن ابراهيم بن محمد بن علي ابن عبدالله بن جعفر بن ابي طالب ، كان ابو الساج حمله فحبس بالكوفة فمات هناك. وقتل بالري جعفر بن محمد بن جعفر بن الحسين بن علي بن عمر بن علي بن الحسين ، في وقعة كانت بين احمد بن عيسي بن علي بن الحسين بن علي بن الحسين عليه السلام وبين عبدالله بن عزيز عامل محمد بن طاهر بالري.
وقتل ابراهيم بن محمد بن عبدالله بن الحسن بن عبدالله بن العباس بن علي ، قتله طاهر بن عبدالله في وقعة كانت بينه وبين الكوكبي بقزوين. وحبس احمد ابن محمد بن يحيی بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي في دار مروان ، حبسه الحارث بن اسد عامل ابي الساج في المدينة فمات في محبسه (6).
2ـ شهادة الامام الهادي عليه السلام في زمان المعتز :
في يوم الاثنين الثالث من رجب سنة254هـ توفي الامام الهادي عليه السلام ، واكتظ الناس في موكب التشييع ، وصلي عليه ابنه الامام ابو محمد الحسن العسكري عليه السلام ، و روي انه عليه السلام خرج في جنازته مشقوق القميص ، فقيل له في ذلك ، فقال : « قد شق موسي علي هارون »وعن اليعقوبي : انه تمت الصلاة علي جنازته الشريفة في الشارع المعروف بشارع ابي احمد ، فلما كثرالناس واجتمعوا ، كثر بكاؤهم وضجتهم ، فرد النعش الي داره فدفن فيها ونقل كثير من المؤرخين والمحدثين ان الامام الهادي عليه السلام توفي مسموما ، وقيل : لثلاث او اربع اوخميس بقين من جمادي الاخرة سنة254 ، راجع : الكافي1 : 497. باب مولد ابي الحسن علي بن محمد عليه السلام من كتاب الحجة ، دلائل الامامة : 409 ، تاج المواليد/الطبرسي : 132 ـ ضمن مجموعة نفيسة ـ مكتبة السيد المرعشي ـ قم ، المناقب لابن شهر اشوب4 : 433 ، الكشف الغمة3 : 165و174 وليس بعيدا عن مثل المعتز اقتراف مثل هذه الجريمة النكراء ، لانه كان شابا متهورا لم يتحرج عن القتل ، ففي سنة252هـ خلع اخاه المؤيد من ولاية العهد وعذبه بضربه اربعين مقرعة ثم حبسه ودبر قتله في السجن بعد ذلك بخمسة عشر يوما ، كما حبس اخاه ابا احمد بن المتوكل سنة253هـ ونفاه الي واسط ثم الي البصرة ثم رده الي بغداد ، ومر بك انه امر سعيد الحاجب بقتل ابن عمه المستعين فقتله واتاه براسه. فهكذا كانت افعاله مع اخوته وابناء عمومته ، اما مع الطالبيين ، فكانت اشد واقسي ، وقد قدمنا نماذج منها. (7)
3ـ ما فعله المعتز بالامام الحسن العسكري عليه السلام :
كانت سيرة المعتز مع الامام العسكري عليه السلام كسيرة اسلافه من ملوك بني العباس مع اهل البيت عليهم السلام، ومما يلحظ علي تلك السيرة ان المعتز قد وضع الامام العسكري عليه السلام تحت الرقابة الشديدة ، ولم يعد بامكانه الاتصال باصحابه الا في ظروف خاصة ، و تعرض الامام عليه السلام للاعتقال في زمانه وضيق عليه في السجن ، وكان عليه السلام لايتكلم ولايتشاغل بغير العبادة ، فيصوم النهار ويقوم الليل واودع عليه السلام في سجن صالح بن وصيف ، وكان العباسيون يوصونه بالتضييق عليه ، ويدسون العيون في داخل السجن مع اصحابه.عن محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن موسي ، قال : « دخل العباسيون علي صالح بن وصيف عند ما حبس ابومحمد عليه السلام ، فقالوا له : ضيق عليه ولاتوسع ، فقال لهم صالح : ما اصنع به وقد وكلت به رجلين شر من قدرت عليه ، فقد صاروا من العبادة والصلاة والصيام الي امر عظيم ، ثم امر باحضار الموكلين فقال لهما : ويحكما ما شانكما في امر هذا الرجل؟فقالا له : ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله ، ولايتكلم ولايتشاغل بغير العبادة ، فاذا نظر الينا ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لانملكه من انفسنا ، فلما سمع ذلك العباسيون انصرفوا خاسئين » (8).
وعن ابي هاشم داود بن القاسم الجعفري ، قال : « كنت في الحبس المعروف بحبس صالح بن وصيف الاحمر انا والحسن بن محمد العقيقي ، ومحمد بن ابراهيم العمري وفلان وفلان ، اذ ورد علينا ابو محمد الحسن عليه السلام واخوه جعفر ، فخففنا له ، وكان المتولي لحبسه صالح بن وصيف ، وكان معنا في الحبس رجل جمحي يقول انه علوي ، قال : فالتفت ابومحمد عليه السلام وقال : لولا ان فيكم من ليس منكم لاعلمتكم متي يفرج عنكم ، و اوما الي الجمحي ان يخرج فخرج. فقال ابومحمد عليه السلام : هذا الرجل ليس منكم فاحذروه ، فان في ثيابه قصة قد كتبها الي السلطان يخبره بما تقولون فيه ، فقام بعضهم ففتش ثيابه ، فوجد فيها القصة ، يذكرنا فيها بكل عظيمة ، ويعلمه انا نريد ان ننقب الحبس ونهرب... ».
وحاول المعتز الفتك باالامام عليه السلام علي يد سعيد بن صالح الحاجب الذي قتل المستعين بعد ان حمله الي سامراء فتناهت انباء تلك المحاولة الي اسماع الشيعة ، فكتب بعضهم الي الامام عليه السلام يتساءل عن ذلك ، فطمانه باالمصير الذي ينتظر المعتز قبل ان ينفذ عزمه. عن محمد بن بلبل قال : « تقدم المعتز الي سعيد الحاجب ان اخرج ابامحمد الي الكوفة ، ثم اضرب عنقه في الطريق ، فجاء توقيعه عليه السلام الينا : الذي سمعتموه تكفونه ، فخلع المعتز بعد ثلاث وقتل » (9).
وعن المعلي بن محمد ، قال : اخبرني محمد بن عبدالله ، قال : « لما امر سعيد الحاجب بحمل ابي محمد عليه السلام الي الكوفة ، كتب ابوالهيثم بن سيابة اليه : جعلت فداك ، بلغنا خبر اقلقنا وبلغ منا كل مبلغ؟ فكتب عليه السلام : بعد ثلاث ياتيكم الفرج. فقتل الزبير ـ اي المعتز ـ يوم الثالث ». وكان الامام عليه السلام قد توجه الي الله تعالي باالدعاء عليه ، فقد روي عن محمد ابن علي الصميري انه قال : « دخلت علي ابي احمد عبيدالله بن عبدالله وبين يديه رقعة ابي محمد عليه السلام فيها : اني نازلت الله في هذا الطاغي ـ يعني الزبير ـ وهو اخذه بعد ثلاث. فلما كان في اليوم الثالث فعل به مافعل » (10).
خلع المعتز وقتله :
كان خلع المعتز في رجب سنة 255هـ ، وكان سبب خلعه ان الجند وعلي راسهم القادة الترك اجتمعوا فطلبوا منه ارزاقهم ، فلمايكن عنده ما يعطيهم ، فسال من امه ان تقرضه مالا يدفعهم عنه به ، فلم تعطه واظهرت انه لاشيء عندها ، فاجتمع الاتراك علي خلعه وقتله ، فدخل اليه بعض الامراء فتناولوه بالدبابيس يضربونه ، وجروا برجله واخرجوه وعليه قميص مخرق ملطخ بالدم ، فاوقفوه في وسط دارالخلافة في حر شديد حتی جعل يراوح بين رجليه من شدة الحر ، وجعل بعضهم يلطمه وهو يبكي ويقول له الضارب : اخلعها والناس مجتمعون. ثم ادخلوه حجرة مضيقا عليه فيها ، ومازالوا عليه بانواع العذاب حتی خلع نفسه من الخلافة وولي بعده المهتدي بالله ، ثم سلموه الي من يسومه سوء العذاب بانواع المثلاث ، ومنع من الطعام والشراب ثلاثة ايام حتی جعل يطلب شربة من ماء البئر فلم يسق ، ثم ادخلوه سربا وجصصوا عليه ، فاصبح ميتا ، واشهدوا عليه جماعة من الاعيان انه مات وليس به اثر (11).
ما قاله الامام العسكري بعد هلاك المعتز :
حينما قتل المعتزخرج توقيع من الامام العسكري عليه السلام يؤكد عزم المعتز علي قتل الامام عليه السلام قبل ان يولد له ، وفي ذلك دلالة واضحة علي اعتقاد بني العباس بان المولود هو صاحب الزمان عليه السلام الذي يقصم الجبارين ويقيم دولة الحق.
عن احمد بن محمد بن عبدالله ، قال : « خرج عن ابي محمد عليه السلام حين قتل الزبيري : هذا جزاء من اجترا علي الله في اوليائه ، يزعم انه يقتلني وليس لي عقب ، فكيف راي قدرة الله فيه؟و ولد له ولد سماه محمدا... » (12).
خامسا ـ المهتدي (255 ـ 256هـ)
هو محمد بن الواثق بن المعتصم ، بويع بالخلافة في رجب سنة255هـ ، وقد نقل المؤرخون في ترجمته انه كان من احسن خلفاء بني العباس مذهبا ، و اجودهم طريقة ، واكثرهم ورعا وعبادة وزهادة ، وانه اطرح الغناء والشراب ، ومنع اصحاب السلطان من الظلم ، وكان يجلس للمظالم ، ويتقلل في ماكوله وملبوسه (13).وهو بهذا التصرف استطاع الترفع علي سيرة اسلافه العباسيين المعروفين بالترف والاسراف والمجون ومعاقرة الخمور وغيرها من مظاهر الانحراف ، لكن ثمة فرقا بين السيرة الصالحة التي تكون واعزا للحق والعدل والانصاف وتمنع صاحبها عن الظلم والجور ، والسيرة التي يفتعلها صاحبها او يتصنعها لاجل الخروج عن الاطار الشكلي الحاكم علی الخلفاء المتقدمين ، وقد صرح بعض المورخين بان المهتدي كان يتشبه بعمر بن عبدالعزيز ، والتشبه غير التطبع.
ونقل اخر عنه أنه قال لاحد جلسائه حين ساله عما هو فيه من التقشف في الاكل ، فقال : « اني فكرت في انه كان في بني امية عمر بن عبدالعزيز ، وكان من التقلل والتقشف علي ما بلغك ، فغرت علي بني هاشم ، فاخذت نفسي بما رايت » (14).
فلتزهد هنا ناتج عن غيرة لا عن طبيعة وفطرة سليمة ، وبنوهاشم هنا خصوص بني العباس لاعمومهم ، لان فيهم من قال فيه تعالي : ((وانك لعلي خلق عظيم)) (15) وفيهم ال البيت المعصومون عليهم السلام ، ويبين ذلك الخصوص في تصريحة بقول اخر : « اما تستحي بنو العباس ان لا يكون فيهم مثل عمر بن عبدالعزيز؟! » (16) ، فكانوا يطلقون لفظ بني هاشم علي العباسيين في مقابل بني امية.ولو كان المهتدي محمود السيرة لخالف اسلافه في التعامل مع الامام عليه السلام واصحابه وشيعته ، لكنه انتهج نفس اساليبهم ، وكما يلي :
1ـ مواقفه من الطالبيين :
تعرض نحو عشرين من العلويين للقتل صبرا او الاسر او السجن او الترشيد خلال فترة حكومة المهتدي التي كانت اقل من سنة واحدة ، علي ما نقله ابو الفرج وحده.فقد قتل صبرا في ايام المهتدي محمد بن القاسم بن حمزة بن الحسن بن عبيدالله بن العباس بن علي بن ابي طالب عليه السلام ، وطاهر بن احمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن ابي طالب عليه السلام ، وقتل ايضا الحسين بن محمد بن حمزة بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن ابي طالب عليه السلام. وقتل اصحاب عبدالله بن عبدالعزيز ، يحيي بن علي بن عبدالرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد ، قتل بقرية من قري الري في ولاية عبدالله بن عبدالعزيز.واسر محمد بن الحسن بن محمد بن ابراهيم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي ، اسره الحارث بن اسد وحمله الي المدينة فتوفي بالصفراء ، فقطع الحارث رجيلة واخذ قيدين كانا فيهما ورمي بهما. وقتل جعفر بن اسحاق بن موسي بن جعفربن محمد بن علي بن الحسين بن علي ، قتله سعيد الحاجب بالبصرة.
وقتل بالسم موسي بن عبدالله بن موسي بن عبيدالله بن الحسن بن الحسن ابن علي بن ابي طالب ، وكان رجلا صالحا ، راويا للحديث ، قد روي عنه عمر ابن شبة ، ومحمد بن الحسن بن مسعود الزرقي ، ويحيي بن الحسن بن جعفرالعلوي وغيرهم. وكان سعيد الحاجب حمله وحمل ابنه ادريس وابن اخيه محمد ابن يحيي بن عبدالله بن موسي ، وابا الطاهر احمد بن زيد بن الحسين بن عيسي ابن زيد بن علي بن الحسين ، الي العراق ، فعارضه بنو فزارة بالحاجز ، فاخذوهم من يده فمضوا بهم ، وابي موسي ان يقبل ذلك منهم ، ورجع مع سعيد الحاجب ، فلما كان بزبالة دس اليه سما فقتله واخذ راسه وحمله الي المهتدي في المحرم سنة256هـ . (17)
واسر عيسي بن اسماعيل بن جعفر بن ابراهيم بن محمد بن علي بن عبدالله ابن جعفر ، اسره عبدالرحمن خليفة ابي الساج بالجار (بلدة علي البحر الاحمر.) ، وحمله فمات بالكوفة.
وقتل محمد بن عبدالله بن اسماعيل بن ابراهيم بن محمد بن عبدالله بن ابي الكرام بن محمد بن علي بن عبدالله بن جعفر بن ابي طالب ، قتله عبدالله بن عزيز بين الري وقزوين.ومات في الحبس علي بن موسي بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن ابي طالب ، حبسه عيسي بن محمد المخزومي بمكة ، فمات في حبسه. ومات في الحبس ايضا محمد بن الحسين بن عبدالرحمن بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن ابي طالب ، حمله عبدالله بن عبدالعزيز عامل طاهرالی سر من راي ، وحمل معه علي بن موسي بن اسماعيل بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليه السلام ، فحبسا جميعا حتی ماتا في الحبس.
وكذلك ابراهيم بن موسي بن عبدالله بن موسي بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب عليه السلام ، حبسه محمد بن احمد بن عيسي بن المنصور عامل المهتدي علي المدينة ، فمات في حبسه ، ودفن في البقيع.
و كذلك عبدالله بن محمد بن يوسف بن ابراهيم بن موسي بن عبدالله بن الحسن ، حبسه ابو الساج بالمدينة ، فبقي بالحبس الي ولاية محمد بن احمد بن المنصور ، ثم توفي في حبسه ، فدفعه الي احمد بن الحسين بن محمد بن عبدالله بن داود بن الحسن فدفنه بالبقيع.
ولم تكفه سيرته الصالحة عن التصدي لشيعة الامام والنكاية بهم ، بل كان مصداقا للحقد التقليدي الذي يكنه اسلافه العباسيون تجاهم ، فقد ذكر السيوطي انه نفي جعفر بن محمود الي بغداد ، وكره مكانه ، لانه نسب عنده الي الرفض (18).
2ـ سيرة المهتدي مع الامام العسكري عليه السلام :
حاول (المهتدي) العباسي التضييق علي الامام العسكري عليه السلام بشتي الوسائل ، وكان عازما علي قتل الامام ، وهناك جملة من الروايات التي تؤيد ذلك :عن ابي هاشم الجعفري ، قال : « كنت محبوسا مع ابي محمد في حبس المهتدي ، فقال لي : يا اباهاشم ، ان هذا الطاغية اراد ان يعبث بامر الله في هذه الليلة ، وقد بتر الله عمره وجعله للمتولي بعده وليس لي ولد ، وسيرزقني الله ولدا بكرمه ولطفه ، فلما اصبحنا شغبت الاتراك علي المهتدي واعانهم العامة لما عرفوا من قوله بالاعتزال والقدر ، فقتلوه ونصبوا مكانه المعتمد وبايعوا له ، وكان المهتدي قد صحح العزم علي قتل ابي محمد عليه السلام ، فشغله الله بنفسه حتی قتل ومضي الي اليم العذاب » (19).ويبدو ان تاريخ اعتقال الامام عليه السلام في اول حكم المهتدي ، لانه عليه السلام ذكر في هذا الحديث انه ليس له ولد وسيرزقه الله ولدا بكرمه ولطفه ، وقد ولد الحجة في النصف من شعبان سنة255هـ ، وتولي المهتدي في اول رجب سنة 255هـ .
وتتشابه اجواء هذا الحديث وتاريخه مع حديث عيسي بن صبيح الذي اعتقل مع الامام عليه السلام قال : « دخل الحسن العسكري عليه السلام علينا الحبس ، وكنت به عارفا...الي ان قال : قلت : الك ولد؟قال : اي والله ، سيكون لي ولد يملا الارض قسطا وعدلا ، فاما الان فلا » (20). فلعل الجملة المعترضة في حديث ابي هاشم الجعفري المتقدم« وليس لي ولد... »هي جواب للامام عليه السلام عن سؤال عيسي بن صبيح الذي كان معهم في السجن.
وكان قبل ذلك قد تهدد الامام عليه السلام بالقتل وتوعد شيعته ، فكتب احمد بن محمد الي الامام العسكري عليه السلام حين اخذ المهتدي في قتل الموالي : ياسيدي ، الحمدلله الذي شغله عنا ، فقد بلغني انه يتهددك ويقول : والله لاجلينهم عن جديد الارض (جديد الارض : وجهها). فوقع عليه السلام بخطه : ذلك اقصر لعمره ، عد من يومك هذا خمسة ايام ، ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخاف يمر به ، وكان كما قال » عليه السلام (21).
هلاك المهتدي :
لقد تنكر المهتدي للاتراك ، وعزم علي تقديم الابناء ، فلما علموا بذلك استوحشوا منه واظهروا الطعن عليه ، فاحضر جماعة منهم فضرب اعناقهم ، فاجتمع الاتراك وشغبوا ، فخرج اليهم المهتدي في السلاح ، واستنفر العامة ، واباحهم دماء الاتراك واموالهم ونهب منازلهم ، فتكاثر الاتراك عليه ، وافترقت العامة عنه حتی بقي وحده ، فسار الي دار احمد بن جميل صاحب الشرطة ، فلحقوه واخذوه وحملوه علي بغل وجراحاته تنطف دما ، فحبسوه في الجوسق عند احمد بن خاقان ، وقبل المهتدي يده مرارا عديدة ، فدعوه الي ان يخلع نفسه فابي ، فقالوا : انه كتب بخطه رقعة لموسي بن بغا وبابكيال وجماعة من القواد انه لايغدر بهم ولايغتالهم ولا يفتك بهم ولا يهم بذلك ، وانه متي فعل ذلك فهم في حل من بيعته والامر اليهم يقعدون من شاءوا.
فاستحلوا بذلك نقض امره ، فداسوا خصييه وصفعوه وقيل : خلعوا اصابع يديه من كفيه ورجليه من كعبيه حتی ورمت كفاه وقدماه وفعلوا به غير شيء حتی مات في رجب سنة256هـ ، فكان تنكره للاتراك اقصر لعمره ، وكان قتله بعد هوان واستخفاف كما قال الامام عليه السلام.
سادسا ـ المعتمد (256 ـ 279هـ)
وهو احمد بن المتوكل بن المعتصم ، بويع سنة256هـ ، وكان هو واخوه الموفق طلحة كالشريكين في الخلافة ، فله الخطبة والسكة والتسمي بامرة المؤمنين ، ولاخيه طلحة الامر والنهي وقيادة العساكر ومحاربة الاعداء وترتيب الوزراء والامراء ، وكان المعتمد مشغولا عن ذلك بلذاته.1- مواقفه من الطالبيين :
لم تخرج سياسة المعتمد عن اطار السياسة العباسية القاضية بمراقبة اهل البيت عليهم السلام ومطاردة شيعتهم والقسوة علي الطالبيين ، ففي ايام المعتمد قتل علي بن ابراهيم بن الحسن بن علي بن عبيدالله بن الحسين بن علي ، قتل بسر من راي علي باب جعفر بن المعتمد ولايدري من قتله ، وكذلك محمد بن احمد بن محمد بن الحسن ابن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن عمر بن علي ، ضرب عبدالعزيز ابن ابي دلف عنقه صبرا بابة ، وهي قرية بين قم وساوة.وقتل حمزة بن الحسن بن محمد بن جعفر بن القاسم بن اسحاق بن عبدالله ابن جعفر بن ابي طالب عليه السلام ، قتله صلاب التركي صبرا ومثل به.
وقتل في ايام المعتمد ايضا ابراهيم ومحمد ابنا الحسن بن علي بن عبيدالله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب ، والحسن بن محمد بن زيد بن عيسي بن زيد الحسين ، واسماعيل بن عبدالله بن الحسين بن عبدالله بن اسماعيل بن عبدالله بن جعفر بن ابي طالب.
وتوفي في السجن بسر من راي محمد بن الحسين بن محمد بن عبدالرحمن ابن القاسم بن الحسن بن زيد الاكبر بن الحسن بن علي بن ابي طالب ، وتوفي ايضا في السجن بسر من راي موسي بن موسي بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي ، وكان حمل من مصر في ايام المعتز فبقي الي هذا الوقت ثم مات ، وحمل سعيد الحاجب محمد بن احمد بن عيسي بن زيد بن علي ابن الحسين بن علي ، وحمل ابنيه احمد وعليا ، فتوفي محمد وابنه احمد في الحبس. وحبس الحسين بن ابراهيم بن علي بن عبدالرحمن بن القاسم بن الحسن ابن زيد بن الحسن بن علي ، حبسه يعقوب بن الليث الصفار لما غلب علي نيسابور ، ثم حمله معه حين خرج الي طبرستان ، وتوفي في الطريق رضى الله عنه.
وتوفي في حبس يعقوب بنيسابور محمد بن عبدالله بن زيد بن عبيدالله بن زيد بن عبدالله بن الحسن بن زيد بن الحسن (22).
وفي سنة 258هـ اخرج احمد بن طولون الطالبيين من مصر الي المدينة ، ووجه معهم من ينفذهم ، وكان خروجهم في جمادي الاخرة ، وتخلف بعضهم حيث اراد ان يتوجه الی المغرب ، فاخذه احمد بن طولون وضربه مائة وخمسين سوطا واطافه بالفسطاط (23).
2ـ موقفه من الامام العسكري عليه السلام :
وفي زمان المعتمد اعتقل الامام العسكري عليه السلام عدة مرات ، فقد روي انه سلم الي نحرير ، و كان يضيق عليه ويؤذيه ، فقالت له امراته : ويلك اتقي الله ، لاتدري من في منزلك!وعرفته صلاحه ، وقالت : اني اخاف عليك منه. فقال : لارمينه بين السباع ، ثم فعل ذلك به ، فرئي عليه السلام قائما يصلي والسباع حوله (24).وحبس عند علي بن جرين سنة260هـ ، وروي« انه لما كان في صفر من هذه السنة جعلت ام ابي محمد عليه السلام تخرج في الاحايين الي خارج المدينة وتجس الاخبار ، حتی ورد عليها الخبر حين حبسه المعتمد في يدي علي بن جرين ، و حبس اخاه جعفرا معه ، وكان المعتمد يسال عليا عن اخباره في كل مكان ووقت ، فيخبره انه يصوم النهار ويصلي الليل ، فساله يوما من الايام عن خبره فاخبره بمثل ذلك ، فقال له : امض الساعة اليه واقرئه مني السلام ، وقل له : انصرف الي منزلك... »الي اخر الرواية وفيها انه عليه السلام ابي ان يخرج من السجن حتی اخرجوا اخاه معه (25) ، رغم ان جعفراً كان يسيء اليه ويتربص به.
وروي ابن حجر الهيتمي وغيره انه عليه السلام اخرج بسبب حادثة الاستسقاء ، قال : « لما حبس عليه السلام قحط الناس بسر من راي قحطا شديدا ، فامر المعتمد بن المتوكل بالخروج للاستسقاء ثلاثة ايام فلم يسقوا ، فخرج النصاري ومعهم راهب كلما مد يده الي السماء هطلت ، ثم في اليوم الثاني كذلك ، فشك بعض الجهلة وارتد بعضهم ، فشق ذلك علي المعتمد ، فامر باحضار الحسن الخاص عليه السلام وقال له : ادرك امة جدك رسول الله صلى الله عليه و اله قبل ان يهلكوا. فقال الحسن : يخرجون غدا وانا ازيل الشك ان شاء الله ، وكلم الخليفة في اطلاق اصحابه من السجن فاطلقهم.
فلما خرج الناس للاستسقاء ، ورفع الراهب يده مع النصاري غيمت السماء ، فامر الحسن عليه السلام بالقبض علي يده ، فاذا فيها عظم ادمي ، فاخذه من يده وقال : استسق ، فرفع يده فزال الغيم وطلعت الشمس ، فعجب الناس من ذلك ، فقال المعتمد للحسن عليه السلام : ما هذا ياابا محمد؟فقال : هذا عظم نبي ، ظفر به هذا الراهب من بعض القبور ، وما كشف من عظم نبي تحت السماء الا هطلت بالمطر ، فامتحنوا ذلك العظم فكان كما قال ، وزالت الشبهة عن الناس ، ورجع الحسن عليه السلام الي داره » (26).
وهكذا كان ديدن الحكام العباسيين مع اهل البيت عليهم السلام حينما تضيق بهم السبل وتوصد امامهم الابواب ، يضطرون الي اللجوء نحو معدن العلم وثاني الثقلين وباب حطة وسفينة نوح ، يلتمسون النجاة مما يهدد عروشهم ويبدد عري دولتهم.
لقد شدد المعتمد علي حصار الامام عليه السلام واعتقاله ، لانه يعلم انه الامام الحادي عشر ، وان مابعده هو اخر ائمة اهل البيت عليهم السلام الذي يقضي علي دعائم الظلم والجور ، ويطيح بدولة الظالمين ، وينشر العدل والقسط ، لهذا اراد ان يطفئ النور الثاني عشر ، ولكن الله ابي الا ان يتم نوره.
روي الصميري بالاسناد عن المحمودي ، قال : « رايت بخط ابي محمد عليه السلام لما خرج من حبس المعتمد ((يريدون ليطفئوا نورالله بافواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون)) » (27).
وذكر نصر بن علي الجهضمي في (مواليد الائمة عليهم السلام) ان الحسن بن علي العسكري عليه السلام قال عند ولادة محمد بن الحسن عليه السلام : « زعمت الظلمة انهم يقتلونني ليقطعوا هذا النسل ، كيف راوا قدرة القادر؟ » (28).
وانتهت قصة صراع الامام العسكري عليه السلام مع خلفاء بني العباس بشهادته مسموما في الثامن من ربيع الاول سنة 260هـ ، علي المشهور من الاقوال في وفاته ، وهو في الثامنة والعشرين او التاسعة والعشرين من عمره الشريف ، ليبدا بعد هذا التاريخ فصلا جديدا من الماساة الكبري علی يد المعتمد وجهازه الحاكم لم تزل اثاره باقية ولن تزول الی ان ياذن الله بفرج وليه القائم المؤمل والعدل المنتظر عليه السلام ليملاها قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا.
المصادر :
1- الكامل في التاريخ6 : 108 ـ 109.
2- الكامل في التاريخ6 : 146حوادث سنة248 ، تاريخ الخلفاء/السيوطي : 277.
3- مقاتل الطابيين419.
4- الكامل في التاريخ6 : 149 حوادث سنة 248 ، وراجع ايضا : تاريخ ابن الوردي1 : 315 ، سير اعلام النبلاء12 : 42ـ44 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : 276.
5- مروج الذهب4 : 429.
6- مقاتل الطالبيين : 433.
7- الكامل في التاريخ6 : 185و192 ، تاريخ الخلفاء/للسيوطي : 279 ، البداية والنهاية11 : 11و12.
8- الكافي1 : 512/23 ـ باب مولد ابي محمد الحسن العسكري عليه السلام من كتاب الحجة ، الارشاد2 : 334.
9- الثاقب في المناقب : 577/526 ، الخرائج والجرائح2 : 682/1و2 ، نور الابصار : 183 ، المناقب لابن شهر اشوب4 : 470 ، 464 ،اعلام الوري2 : 141.
10- الغيبة للطوسي : 208/177 ، الخرائح والجرائح1 : 451/36 ، مهج الدعوات : 274 ، دلائل الامامة : 427/391 ، الثاقب في المناقب : 576/523.
11- الكامل في التاريخ6 : 200 ، الفخري في الاداب السلطانية : 243 ، البداية والنهاية11 : 16 ، سير اعلام النبلاء12 : 533.
12- اصول الكافي1 : 329/5 ـ باب الاشارة والنص الي صاحب الدار عليه السلام ، اكمال الدين : 430/3 ـ باب42.
13- تاريخ الخلفاء/السيوطي : 281 ، الكامل في التاريخ6 : 223 ـ224 ،
14- تاريخ الخلفاء للسيوطي : 281.
15- سورة القلم : 68/4.
16- الكامل في التاريخ6 : 224.
17- ذكر ذلك المسعودي ايضا في مروج الذهب4 : 429وجعله في زمان المعتز.
18- مقاتل الطالبيين : 435 ـ 439./ تاريخ الخلفاء للسيوطي : 281.
19- اثبات الوصية : 252 ، مهج الدعوات : 343 ، بحارالانوار50 : 313 ، ونحوه في المناقب لابن شهراشوب4 : 463 ، الغيبة للشيخ الطوسي : 205/173و223/187 ، بحار الانوار50 : 303/79.
20- الفصول المهمة2 : 1087 ، بحارالانوار50 : 275/48 عن الخرائج والجرائح.
21- اصول الكافي1 : 510/16 ، الارشاد2 : 333 ، اعلام الوري2 : 144 ، بحارالانوار50 : 308/5.
22- مقاتل الطالبيين : 440 ـ 443.
23- تاريخ اليعقوبي2 : 510.
24- اصول الكافي1 : 513/ 26 ـ باب مولد ابي محمد الحسن العسكري عليه السلام من كتاب الحجة ، بحارالانوار50 : 309/7.
25- اثبات الوصية : 253 ، مهج الدعوات : 243 ، بحارالانوار50 : 313 ـ 314 و330/2.
26- الصواعق المحرقة/ابن حجر الهيتمي : 124 ـ مكتبة القاهرة ـ مصر ـ 1385هـ ، الفصول المهمة2 : 1085 ـ 1087 ، نورالابصار : 337 ، /الخرائج والجرائح1 : 441/23 ، المناقب لابن شهراشوب4 : 458 ، بحار الانوار50 : 270/37.
27- مهج الدعوات : 334 ، اثبات الوصية : 255 ، بحارالانوار50 : 314 ، والاية من سورة الصف : 61/8.
28- مهج الدعوات : 334.
/ج