الامام العسكري يرافق اباه عليهما السلام

رافق الامام العسكري اباه الامام الهادي عليهما السلام في رحلته من المدينة الی سامراء مع اهل بيته وبعض موالیه ، وقد اختلف في عمره عليه السلام حينذاك نظرا للاختلاف في تاريخ رحلة الامام عليه السلام.
Saturday, September 6, 2014
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
الامام العسكري يرافق اباه عليهما السلام
 الامام العسكري يرافق اباه عليهما السلام

 






 

رافق الامام العسكري اباه الامام الهادي عليهما السلام في رحلته من المدينة الی سامراء مع اهل بيته وبعض موالیه ، وقد اختلف في عمره عليه السلام حينذاك نظرا للاختلاف في تاريخ رحلة الامام عليه السلام.
ذكرالمسعودي انه شخص الامام الحسن العسكري بشخوص والده عليهما السلام الی العراق في سنة236هـ وله اربع سنين وشهور (1).
وذكر الطبري انه قدم يحيي بن هرثمة بعلي بن محمد بن علي الرضا بن موسي ابن جعفر سنة233هـ (2) ، وعليه يكون عمر الامام العسكري عليه السلام نحو سنة واحدة ، وعلي ضوئه ذكر ابن كثير ان مدة اقامة الامام الهادي عليه السلام في سامراء اكثر من عشرين سنة. قال في احداث سنة 254هـ ، وهي السنة التي توفي فيها الامام الهادي عليه السلام : نقله المتوكل الی سامراء ، فاقام بها ازيد من عشرين سنة باشهر ، ومات في هذه السنة (3) ، وكذلك ذكر ابن طولون انه عليه السلام اقام في سامراء عشرين سنة وتسعة اشهر (4).
اما الشيخ المفيد فقد ذكر نسخة كتاب الاستدعاء الذي كتبه المتوكل. وورد في ذيله ان كاتبه ابراهيم بن العباس كتبه في سنة243هـ (5). واكد هذا التاريخ باعتبار ان مقام الامام الهادي عليه السلام في سامراء الی ان قبض عشر سنين واشهرا (6). وعليه يكون عمر الامام العسكري عليه السلام عندما غادر المدينة احد عشرسنة وبضعة شهور. ويبدو ان الشيخ المفيد استفاد من رواية الكافي لنسخة كتاب المتوكل ،والتي ورد فيها اسم كاتب المتوكل (ابراهيم بن العباس) في ذيل الكتاب الا انه يخلو من التاريخ ، لكن جاء في اول رواية الكافي ما يلي : عن محمد بن يحيي ، عن بعض اصحابنا ، قال : اخذت نسخة كتاب المتوكل الی ابي الحسن الثالث من يحيي بن هرثمة في سنة243هـ (7) ، و واضح ان هذا هو تاريخ اخذ نسخة الكتاب لا تاريخ كتابته ، ويؤيده ان ابن هرثمة هو الذي اخذ الكتاب الی المدينة لاستدعاء الامام عليه السلام الی سامراء ، فكيف تؤخذ نسخة الكتاب منه قبل انهاء مهمته؟!
ورجح السيد محمد الصدر ان تاريخ الرحلة كان سنة 234هـ ، واذا صح ذلك فسيكون عمر الامام العسكري عليه السلام حينما غادر المدينة نحو سنتين ، وترجيحه مبنيا علي اعتبارين؛الاول : ماذكره ابن شهر اشوب من ان مدة مقام الامام الهادي عليه السلام في سامراء من حين دخوله الی وفاته عشرون سنة (8) ، فاذا كانت وفاته 254هـ ، تكون سفرته سنة234هـ ، الثاني : كون هذا التاريخ انسب بالاعتبار السياسي ، لانه بعد مجيء المتوكل الی الخلافة بعامين ، فيكون المتوكل قد طبق منهجه في الرقابة علي الامام عليه السلام في الاعوام الاولي من خلافته ، بخلاف رواية المفيد التي تبعد بالتاريخ عن استخلاف المتوكل احد عشر عاما (9).

من المدينة الی سامراء

ذكر المسعودي« ان يحيي بن هرثمة قدم المدينة ، فاوصل الكتاب الی بريحة ، وركبا جميعا الی ابي الحسن عليه السلام فاوصلا الیه كتاب المتوكل ، فاستاجلهما ثلاثا ، فلما كان بعد ثلاث عاد يحيي الی داره فوجد الدواب مسرجة والاثقال مشدودة قد فرغ منها ، وخرج صلوات الله عليه متوجها نحوالعراق ، واتبعه بريحة مشيعا ، فلماصار في بعض الطريق ، قال له بريحة : قد علمت وقوفك علي اني كنت السبب في حملك ، وعلي حلف بايمان مغلظة لئن شكوتني الی امير المؤمنين او الی احد من خاصته وابنائه ، لاجمرن نخلك ، ولاقتلن موالیك ولاعورن عيون ضيعتك ، ولافعلن واصنعن.
فالتفت الیه ابو الحسن عليه السلام فقال له : ان اقرب عرضي اياك علي الله البارحة ، وما كنت لاعرضنك عليه ثم لاشكونك الی غيره من خلقه. فانكب عليه بريحة وضرع الیه واستعفاه. فقال له : قد عفوت عنك » (10). وهكذا تجد بريحة يهتز من كلام الامام عليه السلام فينكب عليه ويتضرع الیه ، رغم انه في موقع القوة ، وهذه هي هيبة اولياءالله في قلوب اعدائه ، وتلك هي اخلاقهم وسماحتهم لمن اساء الیهم.
ونقل سبط ابن الجوزي عن علماء السير : « ان المتوكل دعا يحيي بن هرثمة وقال : اذهب الی المدينة ، وانظر حاله واشخصه الینا ، قال يحيي : فذهبت الی المدينة ، فلما دخلتهاضج اهلها ضجيجا عظيما ماسمع الناس بمثله خوفا علي علي ، وقامت الدنيا علي ساق ، لانه كان محسنا الیهم ملازما للمسجد ، ولم يكن عنده ميل الی الدنيا.
قال يحيي : فجعلت اسكنهم واحلف لهم اني لم اؤمر فيه بمكروه ، وانه لاباس عليه ، ثم فتشت منزله ، فلم اجد فيه الا مصاحف وادعية وكتب العلم ، فعظم في عيني ، وتوليت خدمته بنفسي ، واحسنت عشرته ، فلما قدمت به بغداد بدات باسحاق بن ابراهيم الطاهري ، وكان والیاعلي بغداد فقال لي : يا يحيي ، ان هذا الرجل قد ولده رسول الله والمتوكل من تعلم ، فان حرضته عليه قتله ، وكان رسول الله صلى الله عليه و اله خصمك يوم القيامة ، فقلت له : والله ما وقعت منه الا علي كل امر جميل ، ثم صرت به الی سر من راي ، فبدات بوصيف التركي فاخبرته بوصوله ، فقال : والله لئن سقط منه شعره لايطالب بها سواك ، قال : فعجبت كيف وافق قوله قول اسحاق » (11).
هذا الخبر يدل علي الموقع الذي يشغله الامام الهادي عليه السلام في نفوس الناس وكسب ثقتهم ومحبتهم علي اختلاف توجهاتهم ، و ذلك من خلال احسانه الیهم ورعاية امورهم وتاثرهم بخصائص شخصيته الباهرة ، مما جعله في موقع محبة الناس كلهم ، فهرعوا في مظاهرة احتجاجية لم يسمع بمثلها خوفا علي حياة امامهم عليه السلام من بطش المتوكل الذي يعرفون توجهاته وممارساته ، لهذا حاول ابن هرثمة تهدئتهم بقسمه لهم انه لم يؤمر فيه بمكروه ، وتاثر ابن هرثمة بعظمة الامام عليه السلام ايضا فتولي خدمته بنفسه واحسن عشرته ، وهكذا امتدت محبة الامام عليه السلام وتعظيمه الی حاشية المتوكل في بغداد وسامراء.
وتتجلي مظاهر الحب والتعظيم ايضا في تشوق الناس من اهالی بغداد الی الامام الهادي عليه السلام واجتماعهم لرؤيته ، مما اضطرهم الی دخول البلد ومغادرته في الليل ، فقد جاء في تاريخ الیعقوبي« انه لما كان في موضع يقال له الیاسرية نزل هناك ، وركب اسحاق بن ابراهيم الطاهري لتلقيه ، فراي تشوق الناس الیه واجتماعهم لرؤيته ، فاقام الی الليل ، ودخل به في الليل ، فاقام ببغداد بعض تلك الليلة ثم نفذ الی سر من راي » (12).

في سامراء :

حينما وصل ركب الامام الهادي عليه السلام الی سامراء تقدم المتوكل بان يحجب عنه في يومه ، وانزل في خان يعرف بخان الصعالیك (13) ، فاقام فيه يومه ، ثم تقدم المتوكل بافراد دار له ، فانتقل الیها ، فاقام ابوالحسن مدة مقامه بسر من راي مكرماً معظماً مبجلا في ظاهر حاله ، والمتوكل يبغي له الغوائل في باطن الامر ، ويجتهد في ايقاع حيلة به ، ويعمل علي الوضع من قدره في عيون الناس ، فلا يتمكن من ذلك ولم يقدره الله عليه (14).
والظاهران المتوكل امر اولابجحز الامام عليه السلام وفرض الاقامة الجبرية عليه في مكان غير لائق ، ثم انه لما سمع الاطراء من قادة الجند الموكلين به ، صار مضطرا الی اكرامه ، نقل سبط ابن الجوزي عن علماء السير عن يحيي بن هرثمة انه قال : « لما دخلت علی المتوكل سالني عنه فاخبرته بحسن سيرته وسلامة طريقته و ورعه وزهادته ، واني فتشت داره فلم اجد فيها غير المصاحف وكتب العلم ، وان اهل المدينة خافوا عليه ، فاكرمه المتوكل واحسن جائزته و اجزل بره ، وانزله معه سر من راي » (15) ، لتمرير مخططه القاضي بعزل الامام عليه السلام ومراقبته.

مداهمة دارالامام عليه السلام :

تقوم اجهزة السلطة بذرائع مختلفة بالتفتيش المفاجئ لدار الامام الهادي عليه السلام في سامراء ، وعلي راسها الوشايات التي ترتفع الی المتوكل من النواصب المحيطين به ، فتثير في نفسه كوامن الخوف والشك والحقد التي اشتملت علي كيانه واحاطت جوانبه ، فيامر بكبس داره ، وفي كل حوادث الدهم التي تعرضت لها دار الامام يرجع المامورون و بالتالی الوشاة بالخيبة والفشل الذريعين ، لانهم لم يجدوا شيئا مريبا ولا اي نشاط غريب ، وليس ثمة الا الامام عليه السلام وهو يتلوا القران او يقيم الصلاة.
عن ابراهيم بن محمد الطاهري ـ في حديث طويل ـ قال : « سعي البطحاني بابي الحسن عليه السلام الی المتوكل ، وقال : عنده سلاح واموال ، فتقدم المتوكل الی سعيد الحاجب ان يحجم ليلا عليه ، وياخذ ما يجده عنده من الاموال والسلاح ويحمله الیه. قال ابراهيم : فقال لي سعيد الحاجب : صرت الی دار ابي الحسن بالليل ، ومعي سلم ، فصعدت منه الی السطح ، ونزلت من الدرجة الی بعضها في الظلمة ، فلم ادر كيف اصل الی الدار ، فناد اني ابوالحسن من الدار : يا سعيد ، مكانك حتي ياتوك بشمعة ، فلم البث ان اتوني بشمعة ، فنزلت فوجدت عليه جبه صوف وقلنسوة منها ، وسجادته علي حصير بين يديه ، وهو مقبل علي القبلة. فقال لي : دونك البيوت ، فدخلتها وفتشتها فلم اجد فيها شيئا... » (16).
ومرة اخري وشي بالامام عليه السلام الی متوكل ، فارسل الاتراك علي حين غرة الی دارالامام ، وقد امرهم هذه المرة بحمله عليه السلام الیه حتي وان لم يجدوا ما يثير الريبة والاستغراب ، ذلك لانه كان عازماعلي الاستخفاف بالامام عليه السلام بطرق اخري امام ندمائه حينما لم يجد متسعا لتنفيذ رغباته عن طريق سعاية الوشاة ، وما كان يتوقع ان الامام عليه السلام سوف يصفعه بعظات نزلت كالصاعقة علي اسماعه واسماع ندمائه ، لانها تصور ما سيؤول الیه امره وامر امثاله من الطغاة عبيد الاهواء والشهوات.
روي المسعودي بالاسناد عن محمد بن يزيد المبرد ، قال : « قد كان سعي بابي الحسن علي بن محمد الی المتوكل ، وقيل له : ان في منزله سلاحا وكتبا وغيرها من شيعته ، فوجه الیه ليلا من الاتراك وغيرهم من هجم عليه في منزله علي غفلة ممن في داره ، فوجده في بيت وحده مغلق عليه ، و عليه مدرعة من شعر ، ولا بساط في البيت الا الرمل والحصي ، وعلي راسه ملحفة من الصوف متوجها الی ربه ، يترنم بايات من القران في الوعد والوعيد ، فاخذ علي ما هو عليه ، وحمل الی المتوكل في جوف الليل ، فمثل بين يديه والمتوكل يشرب وفي يده كاس ، فلما راه اعظمه و أجلسه الی جنبه ، ولم يكن في منزله شيء مما قيل فيه ولا حالة يتعلل عليه بها ، فناوله المتوكل الكاس الذي في يده ، فقال : يا اميرالمؤمنين ، ما خامر لحمي ودمي قط فاعفني منه ، فعفاه وقال : انشدني شعرا استحسنه ، فقال : اني قليل الرواية للاشعار. فقال : لابد ان تنشدني. فانشده :

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم * غلب الرجال فلم تنفعهم القلل
واستنزلوا بعد عز من معاقلهم * واسكنوا حفراً يا بئسما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد دفنهم * أين الأساور والتيجان والحلل
أين الوجوه التي كانت منعَّمة * من دونها تضرب الأستار والكلل
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم * تلك الوجوه عليها الدود تقتتل
قد طال ما أكلوا دهراً وقد شربوا * وأصبحوا اليوم بعد الأكل قد أكلوا

قال : فاشفق كل من حضر علي علي ، وظن ان بادرة تبدر منه الیه ، قال : والله لقد بكي المتوكل بكاء طويلا حتي بلت دموعه لحيته ، وبكي من حضره ، ثم امر برفع الشراب ، ثم قال له : يا ابا الحسن ، اعليك دين؟ قال : نعم ، اربعة الاف دينار ، فامر بدفعها الیه ورده الی منزله من ساعته مكرما » (17).

هدم قبر الامام الحسين عليه السلام :

والاجراء التعسفي الاخر الذي اقدم عليه المتوكل ، فسود به وجه التاريخ الانساني ، هو انه امر في سنة 236هـ بهدم قبر الامام السبط الشهيد الحسين عليه السلام ، وقد بعث رجلا من اصحابه يقال له الديزج ، وكان يهوديا فاسلم ، الی قبر الحسين عليه السلام ، وامره بكرب القبر ومحوه واخراب كل ما حوله ، فمضي لذلك وخرب ما حوله ، وهدم البناء ، وكرب ماحوله نحو مائتي جريب ،ثم امر ان يبذر ويزرع ، و وكل به مسالح بين كل مسلحتين ميل ، فلا يزوره زائر الا اخذوه ووجهوا به الیه ، فقتل عدد كبير من زواره او انهكوا عقوبة ، ونودي باالناس في تلك الناحية : من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة ايام حبسناه في المطبق (18).
وجاء في بعض الاخبار : « انه لما صار الماء فوق مكان القبر وقف وافترق فرقتين ، يمينا وشمالا ، ودار حتي التقي تحت المكان ، وبقي الوسط خالیا من الماء ، والماء مستدير حوله ، فسمي من ذلك الیوم بالحائر » (19).
ولم يكتف المتوكل باالاعتداء علي المكان المقدس الذي شهد ملحمة البطولة بين معسكر الحق بقيادة سيد الشهداء عليه السلام ومعسكر الباطل بقيادة يزيد ابن معاوية ، بل اعتدي علي الزمان الذي بقي رمزا يختزن الشجاعة والتحدي للظلم والطغيان علي مر الدهور ، فجعل المتوكل العاشر من المحرم الحرام سنة 256هـ يوما لافتتاح مدينته التي بناها بالماحوزة ، ونزوله في قصر الخلافة فيها الذي سماه اللؤلؤة ، وكان يوما مشهودا يعج باصحاب الملاهي والمطربين ، فاعطي فيه واطلق ، وقيل : انه وهب فيه اكثر من الفي الف درهم (20).

حصار ال ابي طالب وملاحقتهم :

فرض المتوكل حصارا ظالما علی ال ابي طالب حتي ان الوالی الذي استعمله علي مكة والمدينة ـ وهو عمر بن الفرج الرخجي ـ قد منعهم من الاتصال والارتباط بالناس ومنع الناس من البر بهم ، وبلغ في هذا الاتجاه مبلغا لم يبلغه احد ممن سبقه (21).
قال ابو الفرج الاصفهاني : كان المتوكل شديد الوطاة علي ال ابي طالب ، غليظا علي جماعتهم ، مهتما بامورهم ، شديد الغيظ والحقد عليهم وسوء الظن والتهمة لهم ، واتفق له ان عبيدالله بن يحيي بن خاقان وزيره كان يسيء الراي فيهم ، فحسن له القبيح في معاملتهم ، فبلغ فيهم مالم يبلغه احد من خلفاء بني العباس القبله.
وتعرض ال ابي طالب بشكل عام والعلويون بشكل خاص لصنوف الاذي والقسوة في زمان المتوكل ، فتفرق رجالهم في النواحي ، واختفي بعض كبارهم ، وتعرض بعضهم للمطاردة والابعاد او الاعتقال ، او التصفية الجسدية بدس السم وهم سجناء ، و اجبر اخرون علي ارتداء السواد الذي يمثل شعار الدولة العباسية.
وممن قتل في زمان المتوكل القاسم بن عبدالله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي ، وكان رجلا فاضلا ، وقد حمله عمر بن الفرج الرخجي الی سر من راي ، فامروه بلبس السواد فامتنع ، فلم يزالوا به حتي لبس شيئا يشبه السواد فرضي منه بذلك.
وروي ابو الفرج الاصفهاني عن احمد بن سعيد ، عن يحيي بن الحسن عن ذوب مولاة زينب بنت عبد الله بن الحسين قالت : « اعتل مولاي القاسم بن عبدالله ، فوجه الیه بطبيب يساله عن خبره ، وجهه الیه السلطان ، فجس يده ، فحين وضع الطبيب يده عليها يبست من غيرعلة ، وجعل وجعها يزيد عليه حتي قتله ، قالت : سمعت اهله يقولون : انه دس الیه السم مع الطبيب » (22).
وتواري احمد بن عيسي بن زيد بن علي بن الحسين عليه السلام مدة طويلة حتي توفي سنة247هـ ، وكان فاضلا عالما مقدما في اهله ، معروفا فضله ، وقد كتب الحديث وعمر ، وكتب عنه ، و روي عنه الحسين بن علوان روايات كثيرة ،وروي عنه محمد بن المنصور الراوي ونظراؤه.
و تواری ايضا عبدالله بن موسي بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي عليه السلام منذ ايام المامون ومات في ايام المتوكل.
و روي ابو الفرج الاصفهاني بالاسناد عن محمد بن سليمان الزينبي قال : « و نعي عبدالله بن موسي الی المتوكل صبح اربع عشرة ليلة من يوم مات ، و نعي له احمد ابن عيسي فاغتبط بوفاتهما وسر ، وكان يخافهما خوفا شديدا ، ويحذر حركتهما لما يعلم من فضلهما واستنصار الشيعة الزيدية بهما وطاعتهما لهما لو ارادوا الخروج عليه ، فلما ماتا امن و اطمان ، فما لبث بعدهما الا اسبوعا حتي قتل » (23).

ملاحقة الشيعة وقتلهم :

امنعت اجهزة المتوكل بمراقبة شيعة الامام و موالیه ، فسامهم قتلا واعتقالا وافقارا ، فامروا ببعضهم ان يلقي من جبل عال بتهمة موالاة الامام عليه السلام (24) ، وقطع المتوكل ارزاق بعضهم لملازمة الامام ابي احسن الهادي عليه السلام (25) ، وحبس علي بن جعفر ـ وكيل الامام الهادي عليه السلام وهو من اهل همينيا ـ لمدة طويلة وتحت ظروف قاسية (26).
وفي كل ذلك يتوجه الاصحاب الی امامهم عليه السلام فيعينهم بالدعاء. عن عبدالله بن سليمان الخلال ، قال : « كتبت الیه عليه السلام اساله الدعاء ان يفرج الله عنا في اسباب من قبل السلطان...الی ان قال : فرجع الجواب بالدعاء... » (27).

قتل امام العربية يعقوب بن السكيت

روي المورخون انه في سنة244هـ قتل المتوكل يعقوب بن السكيت الامام في العربية ، فانه ندبه الی تعليم اولاده ، فنظر المتوكل يوما الی ولديه المعتز والمؤيد ، فقال لابن السكيت : من احب الیك : هما او الحسن والحسين؟ فقال : قنبر خادم علي خير منك ومن ابنيك ، فامر الاتراك فداسوا بطنه حتي مات رحمة الله وقيل : امر بسل لسانه من قفاه فمات ، وارسل الی ابنه بديته (28).

دعاء المظلوم علي الظالم

بقي المتوكل يتوجس خيفة من نشاط الامام عليه السلام الذي لم تتضح له كامل ابعاده ، ففرض عليه ملازمة داره ومنعه من الركوب الی اي مكان (29) ، ومن ثم امر باعتقاله ، فبقي رهن الاعتقال عند علي بن كركر (30) ، وقبل مقتل المتوكل بايام امره ان يترجل ويمشي بين يديه يوم الفطر ، وكان يوما قائظا شديد الحر ، فمشي عليه السلام مع بني هاشم حتي تفصد عرقا ، وكان عليه السلام لايستطيع السير الا متكا لمرض الم به ، فما كان من الامام عليه السلام الا ان يتوجه الی الله سبحانه بدعاء طويل يكشف عما يعانيه عليه السلام وشيعته من ظلم المتوكل وعدوانه وطغيانه ، وعن احساسه عليه السلام العميق بمعاناة الامة من الحيرة والضياع والحدود المعطلة والاحكام المهملة وغيرها من مظاهر التردي.
روي المسعودي« انه لما كان يوم الفطر في السنة التي قتل فيها المتوكل ، امر بني هاشم بالترجل والمشي بين يديه ، وانما اراد بذلك ان يترجل له ابوالحسن عليه السلام ، فترجل بنوهاشم وترجل فاتكا علي رجل من موالیه ، فاقبل عليه الهاشميون ، فقالوا له : يا سيدنا ، ما في هذا العالم احد يستجاب دعاؤه فيكفينا الله! فقال لهم ابوالحسن عليه السلام : في هذا العالم من قلامة ظفره اكرم علي الله من ناقة ثمود ، لما عقرت وضج الفصيل الی الله ، فقال الله : ((تمتعوا في داركم ثلاثة ايام ذلك وعد غير مكذوب)) (31) ، فقتل المتوكل في الیوم الثالث. وروي انه عليه السلام قال وقد اجهده المشي : اما انه قد قطع رحمي ، قطع الله اجله » (32) ، و هذا يوافق ما جاء في التاريخ ، فقد قتل المتوكل في الرابع من شوال سنة247هـ.
وجاء الخبر الذي رواه المسعودي مفصلا في رواية قطب الدين الراوندي ، والسيد ابن طاووس الذي رواه في اكثر من طريق ، وتضمن الدعاء الطويل الذي سماه الامام عليه السلام (دعاء المظلوم علي الظالم) قال عليه السلام : « لما بلغ مني الجهد رجعت الی كنوز نتوارثها من ابائنا ، وهي اعز من الحصون والسلاح والجنن ، وهو دعاء المظلوم علي الظالم ، فدعوت به عليه فاهلكه الله ».
وفيما يلي مقطع منه يعكس لك شدة معاناة الامام عليه السلام : « اللهم انه قد كان في سابق علمك وقضائك ، وماضي حكمك ونافذ مشيئتك في خلقك اجمعين ، سعيدهم وشقيهم ، وفاجرهم وبرهم ، ان جعلت لفلان بن فلان علي قدرة فظلمني بها ، وبغي علي لمكانها ، وتعزز علي بسلطانه. . ، وتجبر علي بعلو حاله. . ، وغره املاؤك له ، واطغاه حلمك عنه ، فقصدني بمكروه عجزت عن الصبر عليه ، وتعمدني بشر ضعفت علي احتماله ، ولم اقدر علي الانتصار لضعفي ، والانتصاف منه لذلي ، فوكلته الیك ، وتوكلت في امره عليك ، و تواعدته بعقوبتك ، وحذرته سطوتك ، وخوفته نقمتك ، فظن ان حلمك عنه من ضعف ، وحسب ان املاءك له من عجز ، ولم تنهه واحدة عن اخري ، ولا انزجر عن ثانية باولي ، ولكنه تمادي في غية ، وتتابع في ظلمه ، ولج في عدوانه ، واستشري في طغيانه ، جراة عليك ياسيدي ، وتعرضا لسخطك الذي لاترده عن القوم الظالمين ، وقلة اكتراث بباسك الذي لاتحبسه عن الباغين.
فها انا ياسيدي مستضعف في يديه ، مستضام تحت سلطانه ، مستذل بعقابه ، مغلوب مبغي علي ، مقصود وجل خائف مروع مقهور ، قد قل صبري ، وضاقت حيلتي ، وانغلقت علي المذاهب الا الیك ، وانسدت علي الجهات الا جهتك ، والتبست علي اموري في رفع مكروهه عني ، واشتبهت علي الاراء في ازالة ظلمه ، وخذلني من استنصرته من عبادك ، واسلمني من تعلقت به من خلقك طرا ، واستشرت نصيحي فاشار علي بالرغبة الیك ،واسترشدت دليلي فلم يدلني الا عليك... » (33) .

مقتل المتوكل

لم يلبث المتوكل بعد هذا الدعاء سوي ثلاثة ايام حتي اهلكه الله تعالی وجعله عبرة لكل من طغي وتجبر ، علي يد ابنه المنتصر وخمسة من القادة الترك.
فقد كان المتوكل بايع بولاية العهد لابنه المنتصر ثم المعتز ثم المؤيد ، ثم انه اراد تقديم المعتز لمحبته لامه قبيحة ، فسال المنتصر ان ينزل عن العهد فابي فكان يحضره مجلس العامة ويحط من منزلته ويهدده ويشتمه ويتوعده ، واتفق ان انحرف الترك عن المتوكل لامور ، فاتفق الاتراك مع المنتصر علي قتل ابيه ، فدخل عليه خمسة في جوف الليل وهو سكران ثمل في مجلس لهوه ، فقتلوه هو ووزيره الفتح بن خاقان ، وذلك لاربع خلون من شوال سنة247هـ .
وذكر المحدثون والمورخون اسبابا اخری دفعت المنتصر الی قتل ابيه تدل علي انتصاره لاهل البيت عليهم السلام ، ومنها مارواه الشيخ الطوسي عن ابن خشيش عن ابي الفضل ، قال : « ان المنتصر سمع اباه يشتم فاطمة عليهما السلام فسال رجلا من الناس عن ذلك ، فقال له : قد وجب عليه القتل ، الا انه من قتل اباه لم يطل له عمر. فقال : ما ابي اذا اطعت الله بقتله ان لا يطول لي عمر ، فقتله وعاش بعده سبعة اشهر » (34).
وعن ابن الاثير: « ان عبادة المخنث الذي كان يرقص بين يدي المتوكل والمغنون يغنون : قد اقبل الاصلع البطين...يحكي بذلك عليا عليه السلام ، قد فعل ذلك يوما والمنتصر حاضر ، فاوما الی عبادة يتهدده فسكت خوفا منه. فقال المتوكل : ما حالك؟فقام واخبره. فقال المنتصر : يااميرالمؤمنين ، ان الذي يحكيه هذا الكلب ويضحك منه الناس هو ابن عمك وشيخ اهل بيتك وبه فخرك ، فكل انت لحمه اذا شئت ،ولا تطعم هذا الكلب وامثاله منه ـ وتلك كلمة حق امام سلطان جائر...
قال ابن الاثير : فكان هذا من الاسباب التي استحل بها المنتصر قتل المتوكل » (35).
وجاء في رواية ابن الاثير : « ان المتوكل شرب في الليلة التي قتل فيها اربعة عشر رطلاً ، وهومستمر في لهوه وسروره الی الليل بين الندماء والمغنين والجواري » (36).
وانتهت بمقتل المتوكل صفحة سوادء من تاريخ الظلم والجور ، وكان قتله خزياً في الدنيا((ولعذاب الاخرة اشق وما لهم من الله من واق)) (37).
المصادر :
1- اثبات الوصية/المسعودي : 244.
2- تاريخ الطبري9 : 163 ـ حوادث سنة233هـ .
3- البداية والنهاية11 : 15 ـ حوادث سنة254هـ .
4- الائمة الاثنا عشر عليهم السلام/لابن طولون : 109 و113 ـ بيروت ـ دارصادر.
5- الارشاد2 : 310.
6- الارشاد2 : 312.
7- اصول الكافي1 : 501/7 ـ باب مولد ابي الحسن علي بن محمد عليهما السلام من كتاب الحجة.
8- المناقب لابن شهر اشوب4 : 433.
9- تاريخ الغيبة الصغري2 : 107 ـ 108.
10- اثبات الوصية : 233.
11- تذكرة الخواص : 322 ، مروج الذهب4 : 422 نحوه.
12- تاريخ الیعقوبي2 : 484.
13- اصول الكافي1 : 498/2 ، بصائر الدرجات/للصفار : 426/7و427/11 ، الخرائج والجرائح/للقطب الراوندي2 : 680/10.
14- الارشاد2 : 311 ، الفصول المهمة2 : 1070 ، اعلام الوري2 : 126.
15- تذكرة الخواص : 322 ، ونحوه في مروج الذهب4 : 422.
16- اصول الكافي1 : 499/4 الحجة ، الارشاد2 : 303 ، الخرائج والجرائح1 : 676/8.
17- مروج الذهب4 : 367 ـ 368 ، تذكرة الخواص/سبط ابن الجوزي322 ، البداية والنهاية11 : 15 ، وفيات الاعيان/لابن خلكان3 : 272
18- مقاتل الطالبيين : 395 ، الكامل في التاريخ6 : 108 ، تاريخ ابن الوردي1 : 216 ، البداية والنهاية10 : 315
19- بحار الانوار45 : 403 ، التتمة في التواريخ الائمة عليهم السلام/للسيد تاج الدين العاملي : 137.
20- البداية والنهاية10 : 347 ، الكامل في التاريخ6 : 130.
21- مقاتل الطابيين : 369.
22- مقاتل الطالبيين : 406و407
23- مقاتل الطالبيين : 408و417.
24- الثاقب في المناقب : 543 ، المناقب لابن شهر اشوب4 : 448.
25- المناقب لابن شهر اشوب4 : 442 ، بحار الانوار50 : 127/5.
26- رجال الكشي : 2 : 866/1129 ، بحار الانوار50 : 183/58.
27- الكامل في المناقب : 548/490.
28- الكامل في التاريخ6 : 133 ، تاريخ الخلفاء : 269 ، تاريخ ابن الوردي1 : 313.
29- الخرائج والجرائح1 : 396/3 ، بحار الانوار50 : 144/28.
30- المناقب لابن شهر اشوب4 : 439 ، الثاقب في المناقب : 536 ، اعلام الوري2 : 123.
31- سورة هود : 11/65.
32- اثبات الوصية : 240.
33- مهج الدعوات : 330 ـ337 ، بحار الانوار95 : 234 ـ240/30.
34- الامالی : 328/655.
35- الكامل في التاريخ6 : 109.
36- الكامل في التاريخ6 : 136 ـ 141 ، تاريخ الخلفاء/السيوطي : 271 ، البداية والنهاية10 : 349.
37- سورة الرعد13/34.



 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.