شهادة الامام الجواد عليه السلام

بموت المأمون في 13 رجب سنة « 218 هـ » بويع لاَخيه أبي إسحاق المعتصم محمد بن هارون في شعبان من نفس ذلك العام . ويبدو أن الاَشهر الاَخيرة من تلك السنة كانت حافلة بحدث البيعة للخليفة الجديد ، حيث إنّه لم يكن يومها في بغداد عاصمة الخلافة
Friday, September 12, 2014
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
شهادة الامام الجواد عليه السلام
شهادة الامام الجواد عليه السلام

 






 

بموت المأمون في 13 رجب سنة « 218 هـ » بويع لاَخيه أبي إسحاق المعتصم محمد بن هارون في شعبان من نفس ذلك العام . ويبدو أن الاَشهر الاَخيرة من تلك السنة كانت حافلة بحدث البيعة للخليفة الجديد ، حيث إنّه لم يكن يومها في بغداد عاصمة الخلافة ، إذ كان خرج مع جيش المأمون لحرب الروم وكان قائداً لاَحد فصائل الجيش .
ولما رجع إلى بغداد في رمضان شغلته الاَشهر الثلاثة الاَخيرة في ترتيب القواد والوزراء وعمّال الولايات ، وبعض الثورات والتحركات المضادة . وما أن استتب له أمر الملك وانقادت البلاد له شرقاً وغرباً ، حتى أخذ يتناهى إلى سمعه بروز نجم الاِمام الجواد عليه السلام ، واستقطابه لجماهير الاُمّة ، وأخذه بزمام المبادرة شيئاً فشيئاً . وتتسارع التقارير إلى الحاكم الجديد بتحرك الاِمام أبي جعفر عليه السلام وسط الاُمّة الاِسلامية .عليه ، يقرر المعتصم العباسي وبمشورة مستشاريه ووزرائه ، ومنهم ابن أبي دؤاد الاِيادي ، قاضي القضاة المعروف حاله الشخصي ، المبغض لاَهل البيت النبوي عليهم السلام الذي كان يسيطر على المعتصم وقراراته وسياسته ، يقررالمعتصم بكتاب يبعثه إلى واليه على المدينة محمد بن عبدالملك الزيّات(1) في عام « 912 هـ » بحمل الاِمام أبي جعفر الجواد عليه السلام وزوجته أم الفضل بكل إكرام وإجلال وعلى أحسن مركب إلى بغداد .
لم يكن بد من قبل الاِمام عليه السلام من الاستجابة لهذا الاستدعاء ، الذي يُشم منه الاِجبار والاِكراه ، وقد أحسّ الاِمام عليه السلام بأن رحلته هذه هي الاَخيرة التي لا عودة بعدها؛ لذلك فقد خلّف ابنه أبا الحسن الثالث في المدينة بعد أن اصطحبه معه إلى مكة لاَداء موسم الحجّ ، وأوصى له بوصاياه وسلّمه مواريث الاِمامة ، وأشهد أصحابه بأنه إمامهم من بعده . .(2) وتستمر الاستعدادات لترحيل الاِمام إلى بغداد ، ويستمهلهم الاِمام عليه السلام لحين أداء الموسم ، وفعلاً يؤدي الاِمام الجواد عليه السلام الموسم ، ويترك مكّة فور أداء المناسك معرجاً على مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليخلّف فيها ابنه الوصي الوريث ، ولكن يبدو أنه عليه السلام خرج من المدينة متجهاً إلى بغداد ولم يزر جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، وكأنه أراد بهذه العملية التعبير عن احتجاجه على هذا الاستدعاء ، وأن خروجه من مدينة جده إنّما هو مكره عليه .
ويواصل الاِمام عليه السلام رحلته إلى المصير المحتوم وقد أخبر أحد أصحابه بأنّه غير عائد من رحلته هذه مرة اُخرى (3) . كما روى محمد بن القاسم ، عن أبيه ، وروى غيره أيضاً ، قال : لمّا خرج ـ الاِمام الجواد عليه السلام ـ من المدينة في المرة الاَخيرة ، قال : « ما أطيبك يا طيبة ! فلست بعائد إليك » (4) ، وبُعيد هذا فقد أخبر الاِمام عليه السلام أصحابه في السنة التي توفي فيها بأنّه راحل عنهم هذا العام . فعن محمد بن الفرج الرخجي ، قال : ( كتب إليَّ أبو جعفر عليه السلام : « احملوا إليَّ الخمس فإنّي لست آخذه منكم سوى عامي هذا » . فقُبض في تلك السنة ) (5) .
وأخيراً ينتهي به المسير إلى بغداد عاصمة الدولة العباسية ، مقرّه ومثواه الاَخير الاَبدي ، ويدخلها لليلتين بقيتا من المحرم من سنة « 220هـ »(6) . وما أن وصل إليها وحطّ فيها رحاله حتى أخذ المعتصم يدبّر ويعمل الحيلة في قتل الاِمام عليه السلام بشكل سرّي؛ ولذلك فقد شكّل مثلثاً لتدبير عملية الاغتيال بكلِّ هدوء . .

مثلث الاغتيال :

على الرغم من تعدد الروايات في كيفية شهادة الاِمام أبي جعفر الجواد عليه السلام ، فإنّ أغلبها يجمع على أن الاِمام اغتيل مسموماً ـ ولو أن البعض توقف في أن يشهد بذلك؛ لعدم ثبوت خبر لديه (7)ـ وأنّ مثلث الاغتيال قد تمثّل في زوجته أم الفضل زينب بنت المأمون ، وهي المباشر الاَول التي قدّمت للاِمام عنباً مسموماً ، ثم في أخيها جعفر ، يدبّرهم ويساعدهم على هذا الاَمر المعتصم بن هارون .
فقد ذكر ذلك غير واحد من المؤرخين ومنهم المؤرخ الشهير المسعودي فقال : ( فلما انصرف أبو جعفر إلى العراق لم يزل المعتصم وجعفر بن المأمون يدبّرون ويعملون الحيلة في قتله ، فقال جعفر لاُخته أم الفضل ـ وكانت لاُمّه وأبيه ـ في ذلك؛ لاَنّه وقف على انحرافها عنه وغيرتها عليه لتفضيله أُم أبي الحسن ابنه عليها ، مع شدّة محبتها له؛ ولاَنّها لم ترزق منه ولد ، فأجابت أخاها جعفراً ) (8) .
وقال غيره : ( ثم إنّ المعتصم جعل يعمل الحيلة في قتل أبي جعفر عليه السلام وأشار إلى ابنة المأمون زوجته بأن تسمّه؛ لاَنّه وقف على انحرافها عن أبي جعفر عليه السلام وشدة غيرتها عليه؛ لتفضيله أم أبي الحسن ابنه عليها؛ ولاَنّه لم يرزق منها ولد ، فأجابته إلى ذلك ) (9) .
أما ابن شهر آشوب فقد نقل في مناقبه أنّه : ( لما بويع المعتصم جعل يتفقد أحواله ، فكتب إلى عبدالملك الزيّات أن ينفذ إليه التقي وأم الفضل ) (10) .

وحان الرحيل :

كما تضاربت الآراء واختلفت في تعيين تاريخ مولده ، كذلك وقع الاختلاف في تعيين يوم شهادته عليه السلام . ولا يمكن الترجيح على نحو الجزم بأحد تلك الاَقوال سواء في المولد أو الوفاة ، لكننا نستطيع أن نستقرب أحد التواريخ المنقولة في المصادر من خلال الاستئناس ببعض القرائن أو الدلائل التي تساعد على ذلك .
وبناءً على كون عمر الاِمام الجواد عليه السلام عند وفاته قد ضبط في بعض المصادر بخمس وعشرين سنة ، وشهرين ، وثمانية عشر يوماً (11) ، ولو رجّح تاريخ مولده في 17 رمضان سنة ( 195 هـ ) (12) ، فإنّ وفاته عليه السلام ستكون وفق ذلك البناء يوم الثلاثاء لخمس خلون من ذي الحجة سنة ( 220 هـ ) (13) .
ومما يعضد هذا الرأي وجود رواية في الكافي في باب الاِشارة والنصّ على أبي الحسن الثالث عليه السلام : « شهد أحمد بن أبي خالد مولى أبي جعفر أنّ أبا جعفر محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، أشهده أنه أوصى إلى عليّ ابنه بنفسه وأخواته . . إلى أن ينتهي من بعض وصاياه ويؤرخ الوصية بقوله : وذلك يوم الاَحد لثلاث ليالٍ خلون من ذي الحجة سنة عشرين ومئتين . . » (14) .
من هذا يتبيّن أن الاِمام عليه السلام حي يرزق في يوم الاَحد ، حيث كتب وصيته وأشهد عليها ثلاثة من أصحابه المقربين إليه : خادمه ، ومولاه ، وأحد أبناء عمومته ، ثم كانت بعد ذلك شهادته عليه السلام يوم الثلاثاء .
وقيل : يوم الثلاثاء لست ليالٍ خلون من ذي الحجة سنة عشرين ومائتين(15) .
أما كيفية وفاته عليه السلام فإنّه اختُلف فيها أيضاً ، فمن قائل بشهادته مسموماً بعنب رازقي ، ومن قائل بمسموميته في منديل ، وهناك من قال إنّه سُمَّ بشراب ، أو من قال إنّ المعتصم أشار إلى أعوانه بدعوته إلى مأدبة فقُدِّم له طعام مسموم فأكل منه ، ومنهم من صرّح بعدم ثبوت خبر موته بالسم ، وسكت البعض الآخر عن كيفية موته واكتفى بكلمة ( قُبض ) .
ولعلَّ أقدم نصٍّ توفّرنا عليه الخبر الذي أورده العياشي المتوفّى سنة « 320 هـ » في تفسيره .
قال العياشي : ( . . . قال زرقان : إنّ ابن أبي دؤاد قال : صرت إلى المعتصم بعد ثلاثة ، فقلت : إنّ نصيحة أمير المؤمنين عليّ واجبة ، وأنا أكلّمه بما أعلم أنّي أدخل به النار .
قال : وما هو ؟
قلت : إذا جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم لاَمر واقع من اُمور الدين ، فسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك ، وقد حضر المجلس أهل بيته وقوّاده ووزراؤه وكتّابه ، وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه ، ثم يترك أقاويلهم كلّهم لقول رجل يقول شطر هذه الاُمّة بإمامته ، ويدّعون أنّه أولى منه بمقامه ، ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء !!
قال : فتغير لونه وانتبه لما نبّهته له ، وقال : جزاك الله عن نصيحتك خيراً ، قال : فأمر ( المعتصم ) يوم الرابع فلاناً من كتّاب وزرائه بأن يدعوه إلى منزله ،فدعاه . فأبى أن يجيبه وقال : « قد علمت أني لا أحضر مجالسكم » . فقال : إنّي إنّما أدعوك إلى الطعام ، وأحب أن تطأ ثيابي وتدخل منزلي فأتبرك بذلك ، فقد أحب فلان بن فلان ( من وزراء الخليفة ) لقاءك .فصار إليه ، فلما أُطعم منها أحسَّ السم ، فدعا بدابته ، فسأله ربّ المنزل أن يُقيم ، قال : « خروجي من دارك خير لك » .فلم يزل يومه ذلك وليله في خلفة - والخلفة : ذهاب شهوة الطعام من المرض ، أو الإسهال والتقيؤ نتيجة التسمم - حتى قُبض عليه السلام ) (16) .
أما الشيخ المفيد رحمه الله فقد نقل في إرشاده بأنّه عليه السلام : ( قُبض ببغداد ، وكان سبب وروده إليها إشخاص المعتصم له من المدينة ، فورد بغداد لليلتين بقيتا من المحرم من سنة عشرين ومئتين ، وتوفي بها في ذي القعدة من هذه السنة .
وقيل : إنّه مضى مسموماً ، ولم يثبت بذلك عندي خبر فأشهد به ) (17) .
في حين نجد أن المؤرخ علي بن الحسين المسعودي المتوفّى سنة « 436 هـ » يقول : ( وقيل : إنّ أُم الفضل بنت المأمون لمّا قدمت معه من المدينة إلى المعتصم سمّته ) (18) .
وفي موضع آخر ذكر أن مثلث الاغتيال ( المعتصم ـ جعفر ـ أم الفضل ) كانوا قد تشاوروا وتعاونوا على قتل الاِمام والتخلّص منه بعد قدومه إلى بغداد ، بل ما استدعي إلاّ للغرض ذاته . فقال : ( . . وجعلوا ـ المعتصم بن هارون وجعفر بن المأمون وأخته أم الفضل ـ سمّاً في شيء من عنب رازقي وكان يعجبه العنب الرازقي ، فلمّا أكل منه ندمت وجعلت تبكي . فقال لها : « ما بكاؤك ؟ والله ليضربنّك الله بفقر لا ينجبر ، وبلاء لا ينستر » ، فبليت بعلّة في أغمض المواضع من جوارحها صارت ناسوراً ينتقض عليها في كلِّ وقت . فأنفقت مالها وجميع ملكها على تلك العلّة حتى احتاجت إلى رفد الناس . وتردّى جعفر في بئر فأُخرج ميتاً ، وكان سكراناً . .ولما حضرت الاِمام عليه السلام الوفاة نصّ على أبي الحسن وأوصى إليه ، وكان قد سلّم المواريث والسلاح إليه بالمدينة ) (19) .
وأضاف ابن شهرآشوب السروي المازندراني ( ت / 588 هـ ) ، وأبو جعفر محمد بن جرير الطبري الاِمامي ( من أعلام القرن الخامس الهجري ) ، « إنّ امرأته أم الفضل بنت المأمون سمّته في فرجه بمنديل ، فلمّا أحس بذلك قال لها : « أبلاك الله بداء لا دواء له » ، فوقعت الاَكلة في فرجها ، وكانت تنصب للطبيب فينظرون إليها ويسرون ـ أو يشيرون ـ بالدواء عليها فلا ينفع ذلك حتى ماتت من علّتها ) (20) .
وقال ابن شهرآشوب قبل ذلك أن الاِمام عليه السلام لمّا تجهّز ( وخرج إلى بغداد فأكرمه ـ أي المعتصم ـ وعظّمه ، وأنفذ أشناس وهو من كبار قواد جيش المعتصم ، تركي الأصل .بعد ان تجهز الفضل ، ثم أنفذ إليه شراب حُمّاض الاَترُجّ (21)تحت ختمه على يدي أشناس ، وقال : إنّ أمير المؤمنين ذاقه قبل أحمد بن أبي دؤاد ، وسعد بن الخضيب وجماعة من المعروفين ، ويأمرك أن تشرب منها بماء الثلج ، وصُنع في الحال . فقال ـ أي الاِمام عليه السلام ـ : « أشربها بالليل » . قال : إنّها تنفع بارداً ، وقد ذاب الثلج ، وأصر على ذلك ، فشربها عالماً بفعلهم ) (22) .
وبعد ، فهذا إجمال لما ورد في شأن وفاته وكيفيتها ، والذي يبدو راجحاً هو أن الاِمام عليه السلام قُضي عليه بالسم ، وأن المشاركين في عملية الاغتيال قد عرفتهم ، وعرفت تدبيرهم . مع العلم أن محاولات سبقت كانت تدّبر لاغتيال الاِمام؛ لكنّه عليه السلام كان يعلم بها ، وكان حذراً وقد أخذ بالاحتياط في التعامل سواء مع زوجته أو مع أعوان السلطان في مأكله ومشربه . ولقد كان متوقعاً هذا الاَمر قبل وقت غير قليل ، فيوم دخل عليه محمد بن علي الهاشمي صبيحة عرسه في بغداد كان يتوقع هذا أن يأتوا للاِمام بماء مسموم حين طلب ماءً للشرب .
كما أفلت عليه السلام من محاولة استهدفت سمّه في طعام قدّم له ، فقد نقل أبو جعفر المشهدي باسناده : ( عن محمد بن القاسم ، عن أبيه ، وعن غير واحد من أصحابنا أنّه قد سمع عمر بن الفرج أنّه قال : سمعتُ من أبي جعفر عليه السلام شيئاً لو رآه محمداً أخي لكفر .
فقلت : وما هو أصلحك الله ؟
قال : إني كنت معه يوماً بالمدينة إذ قرب الطعام ، فقال : « أمسكوا » .
فقلت : فداك أبي ، قد جاءكم الغيب !
فقال : « عليَّ بالخباز » . فجيء به ، فعاتبه وقال : « من أمرك أن تسمّني في هذا الطعام ؟ » . فقال له : جُعلت فداك ( فلان ) ، ثم أمر بالطعام فرُفع وأُتي بغيره ) (23) .
وعلى أي حال فقد نجح مثلث الاغتيال في تدبيرهم الاَخير ، وأطفأوا نور الاِمام ، وحرموا أنفسهم والاُمّة من بركاته ، وما أطفأوا إلاّ نوراً من أنوار النبوّة ، لو كانوا رعوه حق رعايته لسُقوا ماءً غدقاً ، ولاَكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، ولكنّهم:
عجبتُ لقوم أضلّوا السبيـل * ولـم يبتغـوا اتّبـاع الهـدى
فما عرفوا الحق حين استنار * ولا أبصـروا الفجـر لمّا بدا
وسرعان ما يلتحق الاِمام عليه السلام إلى بارئه فينال هناك كأسه الاَوفى ، وهو لم يخسر الدنيا؛ لاَنّه لم يكن يملك منها شيئاً ، ولا رجا وأمّل يوماً من حطامها شيئاً ، لكنّ الاُمّة خسرته ابناً من أبناء الرسالة ، وعلماً من أعلام النبوّة ، وطوداً شامخاً كان يفيض على هذا الوجود كلّ أسباب العلم والمعرفة ، والتقى والصلاح ، ولو قدروه حقّ قدره؛ لاَكلوا من فوق رؤوسهم ومن تحت أرجلهم ، ولوجدوا به خيراً كثيراً .
وروي أن ابنه علي الهادي عليه السلام قام في جهازه وغسله وتحنيطه وتكفينه كما أمره وأوصاه ، فغسّله وحنّطه وأدرجه في أكفانه وصلّى عليه في جماعة من شيعته ومواليه (24) .
وجاء في الاَخبار أن الواثق صلّى عليه بحضور جماهير غفيرة من الناس ، ثم حُمل جثمانه في موكب مهيب تشيعه عشرات الآلاف من الناس إلى مقابر قريش حيث مثوى جدّه الاِمام الكاظم موسى بن جعفر عليهما السلام ، فأُقبر إلى جواره في ملحودة أصبحت اليوم عمارة شامخة تناطح السماء بمآذنها الذهبية ، وقبلة يؤمها آلاف المسلمين يومياً للتبرك بأعتابها ، وطلب الحوائج من ساكنيها . ولطالما انقلب الملمّون والمستغيثون إلى أهلهم فرحين بما وجدوا من إنجاز طلباتهم التي تعسّر حلّ مشكلها ، بل وإن البعض منها كان في حكم المحال حلّ معضله .
الاِشادة بشخصية الاِمام عليه السلام :
الاِمام الجواد عليه السلام ما رآه أحد إلاّ أُعجب به ودُهش ، وما سمع به أحد إلاّ أشاد به وأطراه ، فقد ملكت هيبة الاِمام ومواهبه ونبوغه المبكر عقول وعواطف العلماء والمؤرخين ، فراحوا يسجلون إعظامهم وإكبارهم عبر كلمات المديح والاِطراء عندما يصلون إلى ساحة قدس الاِمام الجواد عليه السلام ليكتبوا عن حياته الشريفة . وقد انتخبنا هذه المجموعة من الانطباعات لعدد من العلماء وكبار المؤرخين ـ من غير الاِمامية غالباً ـ عن شخصية الاِمام الجواد عليه السلام ومواهبه الخلاّقة ، وعبقريته المنقطعة النظير ، وما اتصف به من نزعات وأخلاق كانت تحكي خلق وصفات جده الرسول الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، وآبائه الميامين الاَطهار ، نردفها وفق تسلسل سني وفيات أصحابها ، وهي كما يلي:
1 ـ ابن طلحة الشافعي ( ت / 652 هـ ) ، قال في كتابه « مطالب السؤول في مناقب آل الرسول » عند تعرّضه لترجمة الاِمام الجواد عليه السلام :
( وأما ) مناقب أبي جعفر محمد الجواد . . فما اتسعت له حلبات مجالها ، ولا امتدت له أوقات آجاله ، بل قضت عليه الاَقدار الاِلهية بقلة بقائه في الدنيا بحكمها وسجالها ، فقلّ في الدنيا مقامه ، وعجّل عليه فيها حمامه ، فلم تطل لياليه ، ولا امتدت أيامه . .فإنّه قد تقدّم في آبائه عليهم السلام أبو جعفر محمد الباقر بن علي ، فجاء هذا باسمه وكنيته واسم أبيه ، فعُرف بأبي جعفر الثاني . وإن كان صغير السن فهو كبير القدر ، رفيع الذكر ، ومناقبه رضي الله عنه كثيرة . . (25) .
2 ـ سبط ابن الجوزي ( ت / 654 هـ ) ، قال في « تذكرة الخواص »:
محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام . . وكان على منهاج أبيه في العلم والتقى والزهد والجود . ولما مات أبوه قدم على المأمون فأكرمه وأعطاه ما كان يعطي أباه . . وكان يلقّب بالمرتضى والقانع ، وكانت وفاته خامس ذي الحجة . . وقبره يُزار ، وكان له أولاد المشهور منهم علي الاِمام (26) 3 ـ علي بن عيسى الاِربلي ( ت / 693 هـ ) ، قال في « كشف الغمة »:
الجواد عليه السلام في كلِّ أحواله جواد ، وفيه يصدق قول اللغوي جواد من الجودة من أجواد ، فاق الناس بطهارة العنصر ، وزكاء الميلاد ، فما قاربه أحد . . ومكانته الرفيعة تسمو على الكواكب ، ومنصبه يشرق على المناصب . له إلى المعالي سموّ ، وإلى الشرف رواح وغدوّ ، وفي السيادة إغراق وعلوّ . تتأرّج المكارم من أعطافه ، ويقطر المجد من أطرافه . إذا اقتسمت غنائم المجد والمعالي والمفاخر كان له صفاياها ، وإذا امتطيت غوارب السؤدد كان له أعلاها وأسماها . يباري الغيث جوداً وعطية ، ويجاري الليث نجدة وحمية . فمن له أب كأبيه أو جدّ كجدّه ؟ فهو شريكهم في مجدهم وهم شركاؤه في مجده ، وكما ملأوا أيدي العفاة برفدهم ، ملأ أيديهم برفده (27) .
4 ـ أبو الفداء ( ت / 732 هـ ) ، في تاريخه المسمّى « المختصر في أخبار البشر » أو « تأريخ أبي الفداء »:
محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وهو أحد الاَئمة الاثني عشر عند الاِمامية . . ومحمد الجواد المذكور ، هو تاسع الاَئمة الاثني عشر ، وقد تقدم ذكر أبيه علي الرضا(28) .
5 ـ الحافظ الذهبي ( ت / 748 هـ ) ، قال في « تاريخ الاِسلام »:
محمد بن الرضا علي بن الكاظم موسى بن الصادق جعفر بن الباقر محمد بن زين العابدين علي بن الشهيد الحسين بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، أبو جعفر الهاشمي الحسيني .كان يلقّب بالجواد ، وبالقانع ، وبالمرتضى . كان من سروات آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم . . توفّي ببغداد في آخر سنة عشرين شاباً طريّاً . . وكان أحد الموصوفين بالسخاء؛ ولذلك لقّب بالجواد . . رحمه الله ورضي عنه (29) .
6 ـ ابن تيميّة الحنبلي ( ت / 758 هـ ) ، قال في كتابه « منهاج السُنّة » مانصّه:
محمد بن علي الجواد ، كان من أعيان بني هاشم ، وهو معروف بالسخاء والسؤدد ، ولهذا سمّي ( الجواد ) . ومات وهو شاب ابن خمس وعشرين سنة (30) .
7 ـ اليافعي ( ت / 768 هـ ) ، قال في كتابه « مرآة الجنان »:
أبو جعفر محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر ، أحد الاثني عشر إماماً الذين يدّعي الرافضة فيهم العصمة . وكان المأمون قد نوّه بذكره . .
وكان الجواد يروي مسنداً عن آبائه إلى علي بن أبي طالب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين . وكان يقول : « من استفاد أخاً في الله فقد استفاد بيتاً في الجنة » (31) .
8 ـ الغزّي ( ت / 1167 هـ ) ، ذكر ترجمة مقتضبة للاِمام الجواد عليه السلام في كتابه « ديوان الاِسلام » ، فقال:
الجواد : محمد بن علي بن موسى ، السيد الشريف أبو جعفر الهاشمي الحسيني ، أحد الاَئمة الاثني عشر عند الاِمامية (32) .
9 ـ الزِرِكلي ( ت / 1396 هـ ) ، قال في « الاَعلام »:
محمد بن علي الرضا بن موسى الكاظم الطالبي الهاشمي القُرشي ، أبو جعفر الملقّب بالجواد ( 195 ـ 220 هـ / 811 ـ 835 م ) : تاسع الاَئمة الاثني عشر عند الاِمامية . كان رفيع القدر كأسلافه ، ذكياً ، طلق اللسان ، قوي البديهة (33) .

ما قيل في رثائه

وقبل اختتام هذه الدراسة نفتح صفحة الاَدب ، ومن الاَدب ننتخب ملف الشعر الذي هو أحد أقوى مفردات الاَدب العربي شيوعاً ، وأبرز الوسائل الاِعلامية وأكثرها فاعلية وانتشاراً يومذاك ، وحتى في عصرنا الحاضر الذي بهت فيه بريق الشعر ، وقلّ الاهتمام بالشعر والشعراء إلى حدٍّ كبير جداً ، حيث أصبح الشعر في البرامج والمهرجانات والاحتفالات مادة لملء الفراغ ، فإنّه ـ مع ذلك ـ ما تزال له رنّة وتأثير على السامعين يفوق أي وسيلة إعلامية اُخرى .
وللاَثر البالغ للشعر على مسامع الناس ، ولشدة تعاطفهم مع ايقاعاته الموسيقية ، وميل النفوس إليه ، فقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إنّ من الشعرلحِكَماً ، وإنّ من البيان لسحراً » (34) .
كما أنّ أئمة أهل البيت عليهم السلام قد اقتفوا أثر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فاستنشدوا الشعر ، وبعضهم أنشد . وقربوا الشعراء المبدأيين المنافحين عن الحق والعدل وأهله ، وحثوهم على قول الشعر وأجزلوا لهم العطاء ووعدوهم الجنة . قال الاِمام الصادق عليه السلام : « من قال فينا بيت شعر بنى الله له بيتاً في الجنة » (35) .
وعليه فقد برز شعراء أفذاذ مثاليون نصروا الحقّ ، ولم تأخذهم في الله لومة لائم ، ونافحوا عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ومدحوهم ورثوهم بأحسن ما يكون المدح والرثاء ، أمثال الشهيد دعبل الخزاعي ، والكميت الاَسدي ، ومهيار ، وكوكبة لا تحصى عداً منذ الصدر الاَول وإلى يومنا هذا . فملاَوا بمديحهم ورثائهم عشرات الدواوين ، وطبيعي أن يكون لاِمامنا أبي جعفر الثاني عليه السلام نصيب من ذلك المديح والرثاء ، باعتباره حلقة من حلقات سلسلة الذهب . وقد وقفنا على الكثير من شعر المدح والرثاء بشأن الاِمامين الهمامين الجواد وجده موسى بن جعفر عليهما السلام ، وما يختص بالجواد عليه السلام وحده . انتخبنا منه ما تتسع له دراستنا هذه ، فإلى المراثي والمديح التي راعينا في ترتيب أبياتها التسلسل التاريخي حسب سني وفاة ناظميها:
1 ـ فأقدم نصٍّ وقفنا عليه في مديح الاِمام الجواد عليه السلام وآبائه الطاهرين عليهم السلام هو للشاعر أبي تمام حبيب بن أوس الطائي المتوفّى سنة « 230 هـ » ، المعاصر للاِمام الجواد عليه السلام . والقصيدة تتألف من « 59 » بيتاً ، وهي ليست في ديوانه المطبوع ، عثر عليها الشيخ حسين علي آلسليمان البحراني فأثبتها كاملة في رياضه ، ومطلعها:
حصحص الحق فاسهري أو فنامي * عـن ملامـي ستحتـوين مـلامي
ثم يصل بعد عدة أبيات إلى غرضه فيقول:

ربّـي الله والاَميــن نبيــيِّ ***صفـوة الله والـوصـي إمامـي
ثـم سبطـا محمـد تـاليــاه ***وعلـيّ وبـاقـر العلـم حامـي
والتقـي الـزكيّ جعفـر الطيّب ***مــأوى المعتــوِّ والمعتــامِ
ثم موسى ثم الرضا علم الفصـ ***ـل الـذي طـال سائـر الاَعلامِ
والمصفّـى محمـد بـن علـيّ ***والمعرّى مـن كـلِّ سـوء وذامِ
أبـرزت منـه رأفة الله بالناس ***لتـرك الـظلام بــدر التمــامِ
فرع صدق نمى إلى الرتبة العليا ***وفـرع النبــيّ لا شـك نـامي
فهو ماضٍ على البديهةِ بالفيصل ***مــن رأي هبــرِزيٍّ همــامِ
عالـم بـالاُمور غـارت فلــم ***تنجـم وهـذا يكـون بـالاِنجلآمِ
بالاُمـور التـي تبيت تقـاسيها ***علــى حيــن سكـرة النـوّامِ
هــؤلاء الاُولـى أقـام بهـم ***حجتــه ذو الجـلال والاِكـرامِ
عصبـة لـست منكـراً أننـي ***يفنى قعـودي بحبّهـم وقيامي (36)
2 ـ وفي المقتضب روى ابن عياش عن عبدالله بن محمد المسعودي ، قال : حدثني المغيرة بن محمد المهلبي ، قال أنشدني عبدالله بن أيوب الخريبي (37)ع الشاعر ، وكان انقطاعه إلى أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام ، ولما توفي عليه السلام وقف يؤبنه ويمتدح أبا جعفر محمداً ابنه بقصيدة طويلة يقول فيها:
يابن الذبيح ويابـن أعراق الثرى ***طابت أرومتـه وطـاب عروقا
يابن الوصيّ وصيّ أفضل مرسلٍ ***أعني النبيّ الصادق المصـدوقا
ما لُفّ في خـرق القوابل مثلـه ***أسد يلف مـع الخـريق خريقا
يـا أيُّها الحبل المتين متـى أعذ ***يـومـاً بعقوته أجـده وثيقـا
أنـا عائذ بـك فـي القيامة لائذ ***أبغـي لديك مـن النجاة طريقا
لا يسبقنـي فـي شفاعتكـم غداً ***أحـد فلست بحبكـم مسبـوقا
يـابن الثمانيـة الاَئمـة غرّبـوا ***وأبا الثلاثـة شرّقـوا تشـريقا
إن المشـارق والمغـارب أنتـم ***جاء الكتاب بذلكم تصديقـا (38)
3 ـ أما شاعر الولاء لاَهل البيت عليهم السلام أبو محمد العوني (39) ، فقد نظم في مولد الاِمام الجواد عليه السلام أبياتاً يقول فيها:
هـذا الـذي إذ ولدتـه أُمّـه ***عاجلها منـه حسيبـاً فابتدر
حتى تفرّغن النسا مـن حولها ***وقلـن هذا هـو أمـر مبتكر
والـولـد الطيّب قـد جلّلـه ***عنهنّ مولاه بثوبٍ فاستتر (40)
4 ـ ولاَبي الفتح علي بن عيسى الاِربلي قصيدة في مدح الاِمام الجواد عليه السلام وبيان فضله أثبتها في كتابه كشف الغمة يقول فيها:
حمـاد حمـاد للمثنى حمادِ ***علـى آلاء مـولانا الجوادِ
إمام هـدىً له شرفٌ ومجدٌ ***علا بهما على السبع الشدادِ
إمام هدىً لـه شرفٌ ومجدٌ ***أقرّ به المـوالي والمعـادي
تصوب يداه بالجدوى فتُغني ***عن الاَنواء في السنة الجمادِ
يبخـل جـود كفّيه إذا مـا ***جرى في الجود منهلّ الغوادِ
فـواضله وأنعمـه غـزار ***عـهدن أبرّ من سحّ العِهـادِ
فمن يرجو اللحاق به إذا ما ***أتـى بطريق فخـر أو تلادِ
مـن القـوم الـذين أقرّ طـوعاً ***بفضلهـم الاَصـادق والاَعـادي
بهـم عرف الورى سبل المعالي ***وهـم دلّوا الاَنـام سُبل الـرشادِ
وهـم مـن غيـر شـك وخلف ***إذا أنـصفت سـادات العبــادِ
أيــا مـولاي دعـوة ذي ولاء ***إليكـم ينتمـي وبكـم ينــادي
وقــد قـدمتكـم زاداً لسيـري ***إلـى الاُخرى ونـعم الزاد زادي
فـأنتم عـدتي إن نـاب دهـر ***وأنتم إن عرى خطب عتادي (41)

5 ـ وللشيخ الحر العاملي محمد بن الحسن بن علي المنتهي نسبه إلى الشهيد الحر الرياحي رضي الله عنه والمتوفي سنة « 1104 هـ » ، أُرجوزة طويلة في تاريخ الاِمام الجواد عليه السلام وبيان معجزاته وفضائله ، منها قوله:
نصوصه كثيـرة تـواترت ***معجـزاته كـذاك اشتهرت
ومـا جرى له مع المأمون ***مـن موطئات العلم واليقين
إن كان طفلاً وبدا ما قد بدا ***من فضله وعلمه لذي الهدى
وامتحنوه وأجـاب العلمـا ***جواب عالم درس وعُلِّما (42)
6 ـ وثمة ميمية للسيد صالح النجفي القزويني المتوفّى سنة « 1306 هـ » في تاريخ الاِمام عليه السلام أبان فيها فضائله ومعجزاته ، ومطلعها:
سل الدار عـن ساكنها أين يمّموا ***فهل أنجدوا يـوم استقلوا واتهموا
ومنها قوله في رثائه عليه السلام :

فيا لقصير العمـر طـال لموته ***على الدين والدنيـا البكا والتألمُ
بفقدك قـد أثكلت شـرعة أحمد ***فشـرعته الغـرّاء بعـدك أيِّمُ
عفا بعدك الاِسلام حزناً وأُطفئت ***مصابيح دين الله فـالكون مظلمُ
فيـالك مفقوداً ذوت بهجة الهدى ***لـه وهوت من هالة المجد أنجمُ
يمينـاً فمــا لله إلاّك حجــة ***يعاقب فيه مـن يشاءُ ويرحـمُ
ولـيس لآخذ الثأر إلاّ مـحجَّبٌ ***بـه كلّ ركـنٍ للظلالِ يُهدَّمُ (43)

7 ـ ونظم الشيخ جعفر الشرقي النجفي المتوفّى سنة « 1309 هـ » رائية في مدح الاِمامين الكاظمين بابي الحوائج بمناسبة إتمام عمارة الصحن ومرقدهما الشريف عام « 1301 هـ » يقول فيها:

جـواد يميـر السحب جـود يمينه ***على أنّ فيض البحر راحته اليسرى
إمام يمدّ الشمس نـوراً فـإن تغب ***كسـا بسنـا أنواره الاَنجم الـزهرا
فحق إذا أزهرت فـي صحن داره ***ودرن على مـا حـول مرقده دورا
ومـذ زيّـن الاَفلاك أحسن زينـة ***خضعن له لا بل سجدن لـه شكـرا
ومن يك موصولاً بأحمد فـي العُلى ***تهيب غير الذكر فـي نعتـه الذكرا
مـدينة قـدس قـدّس الله سرّهـا ***وشرّفها حتـى على عـرشه قـدرا
لقـد حُشـرت فيها الملائك والملا ***جميعاً ولمـا تدرك البعث والحشرا
أحاطت بـموسى والجواد فقل لمن ***بهـم غيـر علم الله لم يُحط خُبرا
أبوهم علـيّ الطهر من بعد أحمد ***نبيّ الهدى والاُم فاطمة الزهرا (44)

8 ـ أما الشاعر المفلق عبدالباقي بن سليمان بن أحمد العمري الفاروقي الموصلي المتوفّى سنة « 1279 هـ / 1862 م » فله في مدح الاِمامين الجوادين هذه الاَبيات:

حظـرة الكاظمين منهـا المرايـا ***قد حكت قلب صبّ أهل الطفوفِ
قـد أظلّت شمساً بـغير كسـوفٍ ***وأقلّـت بـدراً بغيـر خسـوفِ
وطوت ( كاظماً ) ولفّت ( جواداً ) ***فـازدهت بـالمطوي والملفوفِ
شـرُفت فيهما ومـا كل ظـرفٍ ***حـاز تشريفه مـن المظـروفِ
وهـي لمّا علـى السمـاء أنافت ***بهما قلت يا سما المجـد نـوفي
لا تلمني علـى وقوفـي ببـابٍ ***تتمنـى الاَمـلاك فيـه وقـوفي
هـو بـاب مجرّب ذو خـواصٍ ***كـان منهـا إغاثـة الملهـوفِ
ملجـأ العـاجزين كهـف اليتامى ***مروّة المـرملين مأوى الضيوفِ
فليلمني مـن شـاء إنـي مـوالٍ ***رافل مـن ولائهم بشغـوفِ (45)

9 ـ وللعلاّمة الاَديب الشيخ محمدرضا المظفر المتوفّى سنة « 1383 هـ » منظومة تائية في رثاء الاِمام الجواد عليه السلام وتاريخ حياته ، منها قوله:

بـالاِمـام الجـواد منكـم تـمسّكت ***وحسبــي مـن قدسـه النفحـاتُ
حــدثٌ قُلّـد الاِمـامـة فــانقـا ***دت لعليـاء حكمـه الحــادثـاتُ
ابن سبـع ويـا بروحـي قـد قـا ***م إمـامـاً تُجلـى بـه الكربـاتُ
لا تخـل ويك وهـو في المهد طفل ***هـذّبتـه بـدرِّهـا المـرضعـاتُ
هـو نـور مـن قبـل أن تتجلّـى ***بسنـا الحـق هـذه الكــائنـاتُ
طاب فـي شهـر طـاعـة الله مو ***لـوداً فنيطـت بحبـه الطاعـاتُ
واصطفـــاه الاِلـه للخلـق قـوا ***مـاً فقـامت لفضلـه المعجـزاتُ
يـا أبـا جعفر ومـا أنت إلاّ البحـ ***ـر جـوداً لـه الهـدى مـرسـاةُ
كيف تقضـي سماً غـريباً وبـاسم ***الله تجـري ولاسمــك الحـادثاتُ
أنـت أدرى بمــا أتـت فيـه أم ***الفضل لكن شاءت لك النازلاتُ (46)

10 ـ أما الشيخ جعفر النقدي المولود سنة « 1303 هـ » والمتوفى سنة « 1358 هـ » فله قصيدة دالية في مديح الاِمام الجواد عليه السلام ورثائه ، انتخبنا منها الاَبيات التالية ومطلعها:
نفت عن مقلتي طيبَ الرقادِ ***أحاديثُ الصبابة فـي سعادِ
إلى أن يقول:

لكم غزلي ومـدحي فـي إمامي ***أبـي الهـادي محمـدٍ الجـوادِ
هـو البرّ التقـي حمى البـرايا ***وغيث المجتدي غوث المنـادي
إمــام أوجــب البـاري ولاهُ ***وطـاعتـه علـى كـلِّ العبادِ
إذا مـا سُدَّت الاَبـواب فـاقصد ***( جواد ) بني الهُدى باب المرادِ
تـرى باباً بـه الحاجات تُقضى ***ومنتجعـاً خـصيب الـمسترادِ
وكم ظهرت لـه مـن معجزاتٍ ***رآهـنّ الحـواضرُ والبـوادي
ودسَّ لقتلـه سُمّـاً زعــافــاً ***زنيمٌ ليس يـؤمن بـالمعادِ (47)

المصادر :
1- مناقب آل أبي طالب / ابن شهر آشوب 4 : 384
2- إثبات الوصية / المسعودي : 192 . وعيون المعجزات : 131 / بحار الأنوار 50 : 16 واُصول الكافي 1 : 323 / 1
3- اُصول الكافي 1 : 323 / 1 باب الاشارة والنص على أبي الحسن الثالث عليه السلام
4- الثاقب في المناقب / ابن حمزة الطوسي : 516
5- مناقب آل أبي طالب 4 : 389
6- الإرشاد 2 : 295 . وروضة الواعظين 1 : 243
7- راجع الإرشاد 2 : 295 ، والسبب في ذلك أن الشيخ المفيد لا يعمل ولا يأخذ إلاّ بالأخبار المتواترة
8- إثبات الوصية : 192 . وراجع : دلائل الإمامة : 395
9- عيون المعجزات : 132
10- مناقب آل أبي طالب 4 : 384
11- اُصول الكافي 1 : 492
12- إعلام الورى 2 : 91
13- إثبات الوصية : 192
14- اُصول الكافي 1 : 325 / 3
15- تاريخ أهل البيت عليه السلام : 85 ، بتحقيق السيد محمد رضا الجلالي ، نشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام
16- تفسير العياشي 1 : 320 / 109 وعنه بحار الأنوار 50 : 5 / 7
17- الإرشاد 2 : 295
18- مروج الذهب 4 : 60 الطبعة الاُولى 1411 هـ ، تحقيق عبد الأمير علي مهنا
19- دلائل الإمامة : 395 . وعيون المعجزات : 131 وعنه بحار الأنوار 50 : 16 / 26
20- مناقب آل أبي طالب 4 : 391 . ودلائل الإمامة : 395
21- الأتروج أو الأترنج : ثمر من جنس الحمضيات ويقال له ( الترنج ) أيضاً والحماض : ما في جوف الأترج من اللب
22- مناقب آل أبي طالب 4 : 384
23- الثاقب في المناقب : 517 / 446 .
24- مجموعة وفيات الأئمة : 342 .
25- مطالب السؤول 2 : 74 .
26- تذكرة الخواص : 352 .
27- كشف الغمة 3 : 162 .
28- تأريخ أبي الفداء 1 : 343 .
29- تاريخ الإسلام 15 : 385 رقم 372 وفيات سنة ( 211 ـ 220 هـ ) .
30- منهاج السنّة 2 : 127 .
31- مرآة الجنان 2 : 80 .
32- ديوان الإسلام 2 : 67 رقم 651 .
33- الأعلام 6 : 271 .
34- بحار الأنوار 79 : 290 .
35- بحار الأنوار 79 : 291 / 9 ، نقلاً عن عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 15 / 1 .
36- رياض المدح والرثاء / الشيخ حسين البحراني : 723 طبعة المكتبة الحيدرية ـ قم 1410 ، تحقيق حسن عبد الأمير .
37- عبدالله بن أيوب ، أبو محمد الخريبي البصري : نسبة إلى الخريبة وهو موضع مشهور بالبصرة . أديب ، فاضل . لزم الإمام الرضا عليه السلام ، ولعلّه كان شاهره . ذكره ابن شهر آشوب في المعالم : 152 ضمن الشعراء المتّقين . وترجم له سيد الأعيان في موسوعة الرجالية أعيان الشيعة 8 : 46 .
38- أعيان الشيعة 2 : 36 .
39- طلحة بن عبيدالله بن محمد بن أبي عون ، أبو محمد العوني الغسّاني : شاعر شهير ، أكثر نظمه في أهل البيت عليهم السلام . توفي حوالي سنة ( 350 هـ ) بمصر . ترجم له السيد الأمين في أعيانه 7 : 401 . والعلاّمة الأميني في الغدير 4 : 175
40- مناقب آل أبي طالب 4 : 388 .
41- كشف الغمة 3 : 164 .
42- نزهة الجليس ومنية الأنيس 2 : 111 .
43- الدمعة الساكبة 8 : 87 .
44- شعراء الغري 2 : 42
45- موسوعة العتبات المقدسة 9 : 83
46- شعراء الغري 2 : 42
47- موسوعة العتبات المقدسة 9 : 83



 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.