حظي الامام العسكري عليه السلام كسائر ابائه المعصومين عليهم السلام بمنزلة رفيعة ومكانة اجتماعية مرموقة ، تتمثل بوافرمن مظاهر التعظيم والتبجيل والاحترام التي يكنها له غالب من عاصره بمن فيهم الذين خاصموه وناوؤه وسجنوه ، وذلك للدرجات العالية من صفات الكمال ومعالي الاخلاق التي يتحلي بها من العبادة والعلم والحلم والزهد والكرم والشجاعة وغيرها من مظاهر العظمة التي ميزت شخصه الكريم.
ولو استعرضنا ما نقله كتاب سيرته عليه السلام يتبين لنا سمو مكانته في المجتمع الاسلامي انذاك ، وان اعداءه واصدقاءه اجمعوا علي تعظيمه وتقديره واكباره ، بما في ذلك الوزراء والقواد والقضاء والفقهاء وطبقات المجتمع كلها.
وهناك وثيقة تاريخية معتبرة تنقل لنا بعض اجواء ومظاهر ذلك التقدير والاحترام والمكانة والاجلال ، صادرة من بعض رجال الدولة ، وهو احمد بن عبيدالله بن يحيي بن خاقان ، عامل السلطان علي الضياع والخراج في قم ، وكان ابوه وزير المعتمد (1) ، فقد جري يوما ذكر العلوية ـ اي المنتسبين الي الامام علي عليه السلام ـ ومذاهبهم ، وكان شديد النصب والانحراف عن اهل البيت عليهم السلام ـ والفضل ما شهدت به الاعداء ـ فقال : « ما رايت ولا عرفت بسر من راي من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكبرته عند اهل بيته وبني هاشم كافة ، وتقديمهم اياه علي ذوي السن منهم والخطر ، و كذلك كانت حاله عند القواد والوزراء وعامة الناس ».
فانت تري ان له عليه السلام امتداداً من التعظيم في مواقع المجتمع كلها ، سواء الذين يدينون بامامته او الذين يقفون ضدها ، وهو امر يستحق التامل ، فكيف يستطيع شاب في مقتبل العمر ان يحظي بالتقديم علي ذوي السن والخطر؟وان يتمتع بهذه المنزلة العالية والمكانة الكبيرة عند القواد والوزراء ، وعامة الناس ، وهو في خط مضاد لموقع الخلافة ، بل ويزدحم حوله الذين ينصبون له ولابائه عليهم السلام العداوة ويكنون لهم البغضاء؟لقد فرض الامام عليه السلام نفسه علي الواقع كله ، بسموه الروحي والخلقي ، وعناصر العظمة التي يختزنها في شخصه ، ونشاطه الحركي في اوساط الامة.
ويتابع ابن خاقان حديثه فيقول : « فاذكرني انني كنت يوما قائما علي راس ابي ، وهو يوم مجلسه للناس ، اذ دخل حجابه فقالوا : ابو محمد ابن الرضا بالباب ، فقال بصوت عال : ائذنوا له ، فتعجبت مما سمعت منهم ، ومن جسارتهم ان يكنوا رجلا بحضرة ابي ، ولم يكن يكني عنده الا خليفة ، او ولي عهد ، او من امر السلطان ان يكني »ذلك لان ذكر الكنية مظهر من مظاهر التكريم والاجلال ، فكيف يكنی رجل بحضرة الوزير ، وليس هو خليفة ولا ولي عهد ولاممن امر السلطان بتكنيته؟انه امر ملفت للنظر ومثير للتعجت.
ويواصل فيقول : « فدخل رجل اسمر ، حسن القامة ، جميل الوجه ، جيد البدن ، حديث السن ، له جلالة وهيئتة حسنة ، فلما نظر اليه ابي قام فمشي اليه خطي ، ولا اعلمه فعل هذا باحد من بني هاشم والقواد ، فلما دنا منه عانقه وقبل وجهه وصدره ، واخذ بيده ، و اجلسه علي مصلاه الذي كان عليه ، وجلس الي جنبه مقبلا عليه بوجهه ، وجعل يكلمه ويفديه بنفسه ، وانا متعجب مما اري منه ، اذ دخل الحاجب فقال : الموفق ـ وهو اخو المعتمد العباسي ـ قد جاء ، وكان الموفق اذا دخل علي ابي يقدمه حجابه وخاصه قواده ، فقاموا بين مجلس ابي وبين باب الدار سماطين الي ان يدخل ويخرج ، فلم يزل ابي مقبلا علي ابي محمد يحدثه حتي نظر الي غلمان الخاصة فقال حينئذ له : اذا شئت جعلني الله فداك ، ثم قال لحجابه : خذوا به خلف السماطين لايراه هذا ـ يعني الموفق ـ فقام وقام ابي فعانقه ومضي.
فقلت لحجاب ابي وغلمانه : ويلكم من هذا الذي كنيتموه بحضرة ابي ، وفعل به ابي هذا الفعل؟فقالوا : هذا علوي يقال له : الحسن بن علي ، يعرف بابن الرضا ، فازددت تعجبا ، ولم ازل يومي ذلك قلقا مفكرا في امره وامر ابي وما رايته منه حتي كان الليل ، وكانت عادته ان يصلي العتمة ثم يجلس فينظر فيما يحتاج اليه من المؤامرات ـ اي المراجعات ـ وما يرفعه الي السلطان.
فلما صلي وجلس جئت فجلست بين يديه ، وليس عنده احد ، فقال لي : يا احمد ، الك حاجة؟فقلت : نعم يا ابه ، فان اذنت سالتك عنها ، فقال : قد اذنت. قلت : يا ابه ، من الرجل الذي رايتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الاجلال والكرامة والتبجيل وفديته بنفسك وابويك؟ فقال : ذاك امام الرافضة الحسن بن علي ، المعروف بابن الرضا ، ثم سكت ساعة وانا ساكت ، ثم قال : يابني ، لوزالت الامامة عن خلفائنا بني العباس ، ما استحقها احد من بني هاشم غيره ، لفضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته وجميل اخلاقه وصلاحه ، ولو رايت اباه ، رايت رجلا جزلا نبيلا فاضلا ، فازددت قلقلا وتفكرا وغيظا علي ابي وما سمعت منه فيه ، ورايت من فعله به ، فلم يكن لي همة بعد ذلك الا السؤال عن خبره والبحث عن امره. فما سالت احدا من بني هاشم والقواد والكتاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس الا وجدته عنده في غاية الاجلال والاعظام والمحل الرفيع والقول الجميل والتقديم له علي جميع اهل بيته ومشايخه ، فعظم قدره عندي ، اذ لم ار له وليا ولا عدوا الا وهو يحسن القول فيه والثناء عليه... » (2).
ولسنا نريد من خلال شهادة احد رجال الدولة ان ندخل في تقييم الامام لمجرد ان هذا الرجل شهد له ، لانه عليه السلام يختص من موقع امامته بالدرجة الرفيعة عندالله ، ويتمتع بملكات قدسية في جميع جوانب المعرفة والروحانية والصلاح والخلق الرفيع ، وهي التي جعلت هذا الرجل وسواه يذعن لشخصيته عليه السلام ويظهر له الاكبار والاحترام والثناء.
الذي نريد ان نقوله من خلال هذه الشهادة ، انه ليس ثمة شخصية كبيرة وفاعلة في المجتمع الاوهناك من يسيء القول فيها ، كما ان هناك من يحسن القول فيها ، لكننا نجد ان الغالبية العظمي قد اتفقت علي تقدير الامام عليه السلام واحترامه واجلاله ، وعلي حسن القول فيه ، بحيث اخذ بمجامع قلوب وعقول الاعداء والاصدقاء ، هذا مع انه عليه السلام عاش في مجتمع يقف من الناحية الرسمية ضد خط ولايته ، ويعمل علي محاصرته ويضيق عليه ويسعي الي ان ينقص من قدره.
وتلك المنزلة لم تكن مفروضة بقوة السلاح وصولة السلطان ، ولا هي وليدة التعاطف الجماهيري العفوي مع الامام عليه السلام ، بل هي احدي مظاهر التسديد الالهي الذي لا تعمل معه جميع محاولات السلطة الساعية الي الحط من منزلته والوضع منه ، الامر الذي اعترف به راس السلطة انذاك.
فقد روي الشيخ الصدوق والقطب الراوندي انه ورد في رد الخليفة المعتمد علي جعفر الكذاب حينما جاء بعد وفاة اخيه الامام عليه السلام يطلب مرتبته ، قوله : « ان منزلة اخيك لم تكن بنا ، انما كانت بالله ، ونحن كنا نجتهد في حط منزلته والوضع منه ، وكان الله يابي الا ان يزيده كل يوم رفعة لما كان فيه من الصيانة وحسن السمت والعلم والعبادة... » (3).
ويقع بعض النصاري في دائرة التقدير والاحترام للامام عليه السلام ، ومنهم احد رجال الدولة الذي كان يتولي الكتابة للسلطان ، واسمه انوش النصراني ، الذي سال السلطان ان يدعو الامام عليه السلام الي بيته ليشارك في مناسبة خاصة يدعو فيها لولديه بالسلامة والبقاء ، فارسل السلطان خادما جليل القدر الي دار الامام كي يدعوه الي حضور دار كاتبه انوش ، فاخبر الخادم الامام عليه السلام ان انوش يقول : « نحن نتبرك بدعاء بقايا النبوة والرسالة. فقال الامام عليه السلام : الحمدالله الذي جعل النصراني اعرف بحقنا من المسلمين. ثم قال : اسرجوا لنا. فركب حتي ورد دار انوش ، فخرج اليه مكشوف الراس ، حافي القدمين ، وحوله القسيسون والشمامسة (الشسامة : جمع شماس ، وهو خادم الكنيسة بالسريانية)والرهبان ، وعلي صدره الانجيل ، فتلقاه علي باب داره وقال : يا سيدنا ، اتوسل اليك بهذا الكتاب الذي انت اعرف به منا الا غفرت لي ذنبي في عنائك. وحق المسيح عيسي بن مريم وما جاء به من الانجيل من عندالله ، ما سالت امير المؤمنين مسالتك[في] هذا الا لانا وجدناكم في هذ الانجيل مثل المسيح عيسي ين مريم عندالله. فقال عليه السلام : الحمدلله... » (4).
ولعل ابرز واصدق مظاهر التبجيل والتعظيم التي تعبر عن مكانة الامام عليه السلام عند سائر الناس ، هو ازدحام الناس علي جنازته عليه السلام الي حد وصفه بعض الرواة بالقيامة ، فقد قال احمد بن عبيدالله ابن خاقان في حديثه الذي قدمناه : « لما ذاع خبر وفاته صارت سر من راي ضجه واحدة (مات ابن الرضا) . وعطلت الاسواق ، و ركب بنو هاشم والقواد والكتاب وسائر الناس الی جنازته ، فكانت سر من راي يومئذ شبيها بالقيامة » (5).
هيبته عليه السلام
يحظي الامام العسكري عليه السلام بهيبة حقيقية فرضت نفسها علي الناس وسواهم من خلال اجتماع الملكات الروحانية ومقومات الصلاح والاخلاص والخلق الرفيع فيه عليه السلام.وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه و اله انه قال : « المؤمن يخشع له كل شيء ويهابه كل شيء »وقال عليه السلام : « اذا كان مخلصا اخاف الله منه كل شيء حتي هوام الارض والسباع وطير الهواء » (6). فهذا حال المؤمن المخلص ودرجته ، فكيف اذا كان اماما معصوما وحجة علي الخلق؟
قال القطب الراوندي في صفة الامام العسكري : « ...له بسالة تذل لها الملوك ، وله هيبة تسخر له الحيوانات كما سخرت لابائه عليه السلام بتسخير الله لهم اياها ، دلالة وعلامة علي حجج الله ، وله هيئة حسنة ، تعظمه الخاصة والعامة اضطرارا ، ويبجلونه ويقدرونه لفضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته وصلاحه واصلاحه... » (7).
من هنا فقد وصف احد خدم الامام عليه السلام في حديث له ، حضور الناس يوم ركوبه عليه السلام الي دار الخلافة في كل اثنين وخميس ، بان الشارع كان يغصبالدواب والبغال والحمير ، بحيث لا يكون لاحد موضع قدم ، ولا يستطيع احد ان يدخل بينهم ، فاذا جاء الامام عليه السلام هدات الاصوات وسكنت الضجة وتفرقت البهائم وتوسع له الطريق حين دخوله وخروجه (8).
وقد امتدت اثار هيبته عليه السلام حتي الي ساجنيه ، فكانوا يرتعدون خوفا وفزعا بمجرد ان ينظر اليهم ، حيث قال بعض الاتراك الموكلون به في سجن صالح ابن وصيف : « ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله ، ولايتكلم ولايتشاغل بغير العبادة ، فاذا نظر الينا ارتعدت فرائصنا وداخلنا مالا نملكه من انفسنا » (9).
مكارم اخلاقه
ناتي هنا الي ذكر مقومات تلك المنزلة والهيبة التي تتمثل بالملكات القدسية والخصال الروحانية التي اجتمعت في شخصه عليه السلام من العلم والعبادة والزهد والكرم والشجاعة وغيرها من معالي الفضيلة وعناصر العظمة التي تحلي بها اهل هذا البيت عليهم السلام .وقد وصفه ابوه علي الهادي عليه السلام بقوله : « ابو محمد ابني انصح ال محمد غريزة ، واوثقهم حجة...وهو الخلف ، واليه تنتهي عري الامامة واحكامها » (10).
وشهد له عليه السلام بخلال الفضل ومعالي الاخلاق بعض المعاصرين له وغيرهم ، ومنهم وزير المعتمد عبيدالله بن يحييي بن خاقان (ت 263هـ) الذي وصفه فيما تقدم بالفضل والعفاف والهدي والزهد والعبادة وجميل الاخلاق والصلاح والنبل.
وذكر ابن ابي الحديد عن ابي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت255هـ) في تعداد صفاته وصفات ابائه المعصومين عليهم السلام قوله : « من الذي يعد من قريش او من غيرهم ما يعده الطالبيون عشرة في نسق؛كل واحد منهم عالم زاهد ناسك شجاع جواد طاهر زاك؟فمنهم خلفاء ، ومنهم مرشحون : ابن ابن ابن ابن ، هكذا الي عشرة ، وهم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام ، وهذا لم يتفق لبيت من بيوت العرب ولا من بيوت العجم » (11).
وذلك لانهم غرس النبي صلى الله عليه و اله وفرعه النامي ، ومنه استوحوا رساليته وروحانيته واخلاقيته ، وتجسدت فيهم شخصيته ، فكانوا اختصارا لجميع عناصر الاخلاقية والروحية والانسانية ، وصاروا رمزا للفضيلة والمروءة وقدوة صالحة للانسانية.
قال قطب الدين الراوندي : « اما الحسن بن علي العسكري عليه السلام ، فقد كانت خلائقه كاخلاق رسول الله صلى الله عليه و اله...وكان جليلا نبيلا فاضلا كريما ، يحتمل الاثقال ولا يتضعضع للنوائب...اخلاقة علي طريقة واحدة ، خارقة للعادة » (12).
وفيما يلي نذكر ما يسمح به المقام من مناقبة الفذة وخصاله الفريدة :
1ـ العلم
كان الامام العسكري عليه السلام اعلم اهل زمانه ، وقد بدت عليه مظاهر العلم والمعرفة منذ حداثة سنه ، فقد روي المؤرخون« انه راه بهلول (13)وهو صبي يبكي والصبيان يلعبون ، فظن انه يتحسر علي ما في ايديهم ، فقال : اشتري لك ما تلعب به؟ فقال : ما للعب خلقنا. فقال له : فلماذا خلقنا؟ قال : للعلم والعبادة. فقال له : من اين لك هذا؟ قال : من قوله تعالي : ((افحسبتم انما خلقناكم عبثا وانكم الينا لا ترجعون)) (14) ثم وعظه بابيات من الشعر حتي خر مغشيا عليه » (15).وشهد للامام عليه السلام برجاحة العلم طبيب البلاط بختيشوع ، وكان المع شخصية في علم الطب في عصره ، فقد احتاج الامام عليه السلام الي طبيب فارسل اليه بختيشوع بعض تلامذته واوصاه قائلا : « طلب مني ابن الرضا من يفصده ، فصر اليه ، وهو اعلم في يومنا هذا بمن هوتحت السماء ، فاحذر ان لاتعترض عليه فيما يامرك به » (16). واستطاع الامام عليه السلام بعلمه الذي لايجاري وفكره الثاقب ونظره الصائب ان يكشف الحقائق ويظهر الدقائق ، ومن ذلك ان السلطة اخرجته من السجن بعد ان شك الناس في دينهم وصبوا الي دين النصرانية ، لان احد الرهبان كان يستسقي فيهطل المطر ، بينما يستسقي المسلمون فلم يسقوا ، فكشف الامام عليه السلام عن حيلة الراهب الذي كان يخفي عظما لاحد الانبياء عليهم السلام بين اصابعه ، فازال الشك عن قلوب الناس وهدات الفتنة .
فلـيس مـارايتم بعجـب امطرت الغيث بلا دعاء (17)
و للامام عليه السلام رصيد علمي وعطاء معرفي علي صعيد ترسيخ اصول الاعتقاد والاحكام والشرائع ، والتصدي لبعض الدعوات المنحرفة والشبهات الباطلة .
2ـ العبادة
كان داب الامام العسكري عليه السلام التوجه الي الله تعالي والانقطاع اليه في احلك الظروف واشدها ، فقد كان يحيي الايام التي امضاها في السجن بالصيام والصلاة وتلاوة القران علي رغم التضييق عليه.قال الموكلون به في سجن صالح بن وصيف : « انه يصوم النهار ويقوم الليل كله لايتكلم ولايتشاغل بغير العبادة » (18).
و حينما اودع في سجن علي بن جرين ، كان المعتمد يساله عن اخباره في كل وقت ، فيخبره يصوم النهار ويصلي الليل (19).
وكان عليه السلام معروفا بطول السجود ، فقد روي عن احد خدمه المعروف بمحمد الشاكري انه قال : « كان استاذي اصلح من رايت من العلويين والهاشميين...كان يجلس في المحراب ويسجد ، فانام وانتبه وانام وهو ساجد » (20).
3 ـ الزهد
كان الامام العسكري عليه السلام مثالا للزهد والاعراض عن زخارف الدنيا وحطامها ، والرغبة فيما اعده الله له في دارالخلود من النعيم والكرامة.قال كامل بن ابراهيم المدني ، وهو احد اصحابه عليه السلام : « لما دخلت علي سيدي ابي محمد عليه السلام نظرت الي ثياب بياض ناعمة عليه ، فقلت في نفسي : ولي الله وحجته يلبس الناعم من الثياب ، ويامرنا نحم بمواساة الاخوان وينهانا عن لبس مثله؟ فقال : متبسما : يا كامل ـ وحسر عن ذراعية ، فاذا مسح اسود خشن علي جلده ـ هذا الله وهذا لكم... » (21).
وجاء في حديث خادمه محمد الشاكري« انه عليه السلام كان قليل الاكل ، وكان يحضره التين والعنب والخوخ وما شاكله ، فياكل منه الواحدة والثنتين ، ويقول : شل هذا يا محمد الي صبيانك ، فاقول : هذا كله؟فيقول : خذه »
4 ـ الكرم والسماحة
كان الامام العسكري عليه السلام معروفا بالسماحة والبذل ، وهي خصلة بارزة في سيرته وسيرة ابائه المعصومين عليهم السلام. قال خادمه محمد الشاكري : « ما رايت قط اسدي منه ». وقال الشيخ الطوسي : « كان عليه السلام مع امامته من اكرم الناس واجودهم » (22).وكان عليه السلام يحث اصحابه علي المعروف ، فقد روي ابوهاشم الجعفري عنه عليه السلام انه قال : « ان في الجنة بابا يقال له المعروف ، لا يدخله الا اهل المعروف ، قال : فحمدت الله تعالي في نفسي وفرحت بما اتكلف به من حوائج الناس ، فنظرالي ابو محمد عليه السلام فقال : نعم فدم علي ما انت عليه ، فان اهل المعروف في الدنياهم اهل المعروف في الاخرة ، جعلك الله منهم يا اباهاشم ورحمك » (23).
وسجل الامام العسكري عليه السلام دورا بارزا في الانفاق والبذل في سبيل الله واعانة المعوزين والضعفاء من ابناء المجتمع الاسلامي انذاك ، رغم حالة الحصار والتضييق الذي مارسته السلطة ضده ، وكان مصدر تلك العطاءات والمساعدات الاموال والحقوق الشرعية التي تجلب اليه او الي وكلائه من مختلف بقاع الاسلام التى تحتوي علي قواعد شعبية تدين بامامته ، وكان يسد بها حاجة ذوي الفاقة علي قدر ما يزيل عنهم حالة العوز دون اسراف في العطاء والبذل ، فهو عليه السلام يقول : « ان للسخاء مقدارا ، فان زاد عليه فهو سرف » (24).
ومن جملة عطاءاته التي سجلتها كتب الحديث ، انه اعطي على بن ابراهيم ابن موسي بن جعفر مائتي درهم للكسوة ، و مائتي درهم للدين ، ومائة درهم للنفقة ، واعطي لابنه محمد بن علي بن ابراهيم مائة درهم في ثمن حمار ، ومائة للكسوة ، ومائة للنفقة .
وشكا اليه ابو هاشم الجعفري الحاجة فاعطاه مرة خسمائة دينار ، وارسل اليه مرة اخري مائة دينار حينما اخلي سبيلة من السجن .
وشكا اليه اسماعيل بن محمد بن علي بن اسماعيل بن علي بن عبدالله بن عباس الفاقة والحاجة ، فاعطاه مائة دينار .
واعطي برذونه الكميت الي علي بن زيد بن علي بن الحسين بعد موت فرسه ، واكرمه مائة دينار في ثمن جارية بعد ان ماتت جاريته .
ووهب حمزة بن محمد بن احمد بن علي بن الحسين ثلاثمائة دينار ، وكان مصابا بالشلل ، علي رغم عدم قوله بامامته عليه السلام .
وبعث الي عمرو بن ابي مسلم خمسين دينارا علي يد محمد بن سنان الصواف في ثمن جارية (25) ، وغير ذلك كثير.
المصادر :
1- وهو عبيدالله بن يحيي بن خاقان التركي ، ولد سنة209هـ ، واستوزره المتوكل والمعتمد ، واستمر في الوزارة الي ان توفي سنة 263هـ ، وكان عاقلا سمحا جوادا حازما. سير اعلام النبلاء13 : 9/5 ، اعلام الزركلي4 : 198
2- اصول الكافي1 : 503/1 باب مولد ابي محمد الحسن بن علي عليه السلام من كتاب الحجة ، الارشاد2 : 321
3- اكمال الدين : 479 ـ اخر باب43 ، الخرائج والجرائح3 : 1109.
4- مدينة المعاجز/السيد هاشم البحراني7 : 670/2655 عن الهداية الكبري للخصيبي.
5- اصول الكافي1 : 505/1 / اكمال الدين : 43ـ المقدمة ، الارشاد2 : 324.
6- الدعوات/الواوندي : 227.
7- الخرائج والجرائح2 : 901.
8- الشيخ الطوسي : 215/179.
9- اصول الكافي1 : 512/23 / ، الارشاد2 : 334.
10- اصول الكافي1 : 327/11
11- شرح نهج البلاغة15 : 278.
12- الخرائج والجرائح2 : 901.
13- لعل المراد به بهلول بن اسحاق بن بهلول (204 ـ 298هـ) او اخوه المعروف بابن بهلول ، وهو احمد بن اسحاق بن بهلول (231 ـ 318هـ). عليه السلام راجع : سير اعلام النبلاء13 : 535/268و14 : 497/281 ، اعلام الزركلي1 : 95.
14- سورة المؤمنون : 23/115.
15- احقاق الحق12 : 473و19 : 620و29 : 65.
16- الخرائج والجرائح1 : 422/3 ، بحارالانوار50 : 260/21.
17- احقاق الحق12 : 462 ـ 463.
18- اصول الكافي1 : 512/23 ـ باب مولد ابي محمد الحسن بن علي عليه السلام من كتاب الحجة ، الارشاد2 : 334.
19- اثبات الوصية : 252 ، مهج الدعوات : 343 ، بحارالانوار50 : 314.
20- الغيبة/الشيخ الطوسي : 217/179 ، بحارالانوار50 : 253.
21- الغيبة/الشيخ الطوسي : 247/216.
22- الغيبة/الشيخ الطوسي : 217.
23- المناقب/لابن شهر اشوب4 : 464 ، الفصول المهمة2 : 1082.
24- بحارالانوار78 : 377/3.
25- اصول الكافي1 : 506الی510 وبحار الانوار50 : 264/23. الثاقب في المناقب : 573/520. بحارالانوار50 : 282
/ج