شهداء مع حجر بن عدي

اصحاب حجر صفوة من رجال اللّه القليلين، وأنهم «المصلون العابدون، الذين ينكرون الظلم، ويستعظمون البدع، ولا يخافون في اللّه لومة لائم» على حد تعبير الامام الحسين عليه السلام عنهم فيما كتبه الى معاوية.و يذكرهم كبراء المسلمين الآخرون كلما ذكروا حجراً.
Thursday, October 2, 2014
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
شهداء مع حجر بن عدي
شهداء مع حجر بن عدي

اصحاب حجر صفوة من رجال اللّه القليلين، وأنهم «المصلون العابدون، الذين ينكرون الظلم، ويستعظمون البدع، ولا يخافون في اللّه لومة لائم» على حد تعبير الامام الحسين عليه السلام عنهم فيما كتبه الى معاوية.و يذكرهم كبراء المسلمين الآخرون كلما ذكروا حجراً.
واذا شاءت المقادير، أو شاءت الرقابات الاموية طمس أخبارهم وتناسي آثارهم، فانهم شهداء المبادئ، وقرابين الحق المغصوب، وكفاهم ذلك فضلاً ومجداً وظهوراً في التاريخ.واليك الآن اسماء الشهداء الممتحنين مرتبة على الحروف وملحقة بما يتصل بكل منهم من معلومات:

1 - شريك بن شداد أو ثداد الحضرمي وسماه آخر عريك بن شداد.

2 - صيفي بن فسيل الشيباني، رأس في اصحاب حجر حديد القلب شديد العقيدة سديد القول.

القي القبض عليه واحضر لزياد فقال له: «يا عدو اللّه !! ما تقول في أبي تراب ؟»، قال: «ما اعرف ابا تراب»، قال: «ما أعرفك به ؟»، قال: «ما أعرفه»، قال: «اما تعرف علي بن أبي طالب ؟»، قال: «بلى»، قال: «فذاك ابو تراب»، قال: «كلا، ذاك أبو الحسن والحسين عليهم السلام». فقال له صاحب الشرطة: «يقول لك الامير: هو أبو تراب، وتقول انت: لا ؟»، قال: «وان كذب الامير أتريد ان أكذب انا واشهد على باطل كما شهد !؟» [انظر الى خلقه وصلابته] قال له زياد: «وهذا ايضاً مع ذنبك !!، عليَّ بالعصا»، فأتي بها، فقال: «ما قولك ؟»، قال: «أحسن قول أنا قائله في عبد من عباد اللّه المؤمنين »، قال: «اضربوا عاتقه بالعصا حتى يلصق بالارض»، فضرب حتى لزم الارض !! ثم قال: «أقلعوا عنه - ايه ما قولك في علي ؟»، قال: «واللّه لو شرحتني بالمواسي والمدى ما قلت الا ما سمعت مني». قال: «لَتَلعننَّه، أو لاضربن عنقك !» قال: «اذاً تضربها واللّه قبل ذلك، فان أبيت الا ان تضربها، رضيتُ باللّه وشقيت أنت !».
قال: «ادفعوا في رقبته» - ثم قال -: «أوقروه حديداً، والقوه في السجن !».
ثم كان في قافلة الموت مع حجر، ومن شهداء عذراء الميامين.

3 - عبد الرحمن بن حسان العنزي.

كان من أصحاب حجر وسيق معه مكبّلاً بالحديد، ولما كانوا في مرج عذراء طلب ان يبعثوا به الى معاوية - وكأنه ظن أن معاوية خير من ابن سمية -. فلما ادخل عليه، قال له معاوية: «يا اخا ربيعة ! ما تقول في علي ؟» قال: «دعني ولا تسألني، فهو خير لك !»، قال: «واللّه لا ادعك»، قال: أشهد انه كان من الذاكرين اللّه كثيراً، والآمرين بالحق، والقائمين بالقسط، والعافين عن الناس». قال: «فما قولك في عثمان ؟»، قال: «هو اول من فتح باب الظلم واغلق أبواب الحق»، قال: «قتلت نفسك»، قال: «بل اياك قتلت، ولا ربيعة بالوادي» - يعني ليشفعوا فيه أو يدفعوا عنه -. فردّه معاوية الى زياد في الكوفة وأمره بقتله شرَّ قتلة !!..
وكان عبد الرحمن هذا هو القائل يوم كبسهم جلادو معاوية في مرج عذراء: «اللهم اجعلني ممن تكرم بهوانهم وأنت عني راضٍ، فطالما عرضت نفسي للقتل فأبى اللّه الا ما أراد».
وذكره حبة العرني، فيما حدث عنه في تاريخ الكوفة، (ص 274) قال: «وكان عبد الرحمن بن حسان العنزي من أصحاب علي عليه السلام، اقام بالكوفة يحرض الناس على بني أمية، فقبض عليه زياد، وأرسله الى الشام، فدعاه معاوية الى البراءة من علي عليه السلام، فأغلظ عبد الرحمن بالجواب، فردّه معاوية الى زياد فقتله».
وقال ابن الاثير والطبري أنه دفنه حياً بقس الناطف وهو موضع قريب من الكوفة على شاطئ الفرات الشرقي ويقابله «المروحة» على شاطئها الغربي كانت فيه موقعة أبي عبيد والد المختار الثقفي (1).
أقول: ولو أدرك معاوية قتلات زياد لشيعة علي في الكوفة، وقطعه الايدي والارجل والالسنة، وسمله العيون، لما زاده وصاة بابن حسان العنزي حين أمره بان يقتله شر قتلة، وهل قتلة شرّ من هذه الفتلات والمثلات ؟ ولكن زياداً نزل على وصية معاوية فابتدع قتلة الدفن حياً !!. ثم كان هذا النوع من القتل السنة السيئة التي تبعه عليها الجبابرة من بعده. ولما غضب بنو أمية على عمر المقصوص وهو مؤدب معاوية بن يزيد بن معاوية، الذي استقال من خلافتهم احتجاجاً عليهم، أخذوه ودفنوه حياً!. وروى هناك خطبة معاوية هذا التي يشرح فيها الدمیري حيثيات استقالته بما يشعر بتشيعه لاهل البيت عليهم السلام. (2)
وما أدراك ما سيلقى معاوية على هذه الوصاة، وما سيجازى زياد على هذه القتلات يوم يردون جميعاً الى اللّه مولاهم الحق ؟؟.

4- قبيصة بن ربيعة العبسي.

وسماه بعضهم ابن ضبيعة - بدل ربيعة - وهو الشجاع المقدام الذي صمم على المقاومة بسلاحه وبقومه، لولا أن صاحب الشرطة آمنه على دمه وماله، فوضع يده في أيديهم، ايماناً ببراءة «الامان» الذي كان لا يزال متبعاً لدى العرب فضلاً عن أهل الاسلام، ولولا أن الخلائق الاسلامية والعربية معاً، كانت قد تبخرت عند القوم، أو انهم كانوا قد فهموها على أنها وسائل للغلبة والبطش فحسب !.
وأُحضر ابن ضبيعة العبسي لزياد فقال له: «اما واللّه لاجعلن لك شاغلاً عن تلقيح الفتن والتوثب على الامراء !!» [انظر الى المنفذ الضيق الذي ينظر منه الاقوياء]، قال: «اني لم آتك الا على الامان»، قال: «انطلقوا به الى السجن».
ثم كان بعد ذلك في الركب المثقل بالحديد الذي يسار به الى القتل صبراً. وفي الحديث: «من آمن رجلاً على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل وان كان المقتول كافراً(3)».
ومروا به - ولما يخرجوا بالقافلة من الكوفة - على داره فاذا بناته مشرئبات اليه يبكينه، فقال للحرسيين وائل وكثير: «ائذنا لي فاوصي الى أهلي»، فلما دنا منهن وهن يبكين سكت عنهن - ساعة -، ثم قال لهن: «اسكتن»، فسكتن، فقال: «اتقين اللّه عزّ وجل واصبرن فاني ارجو من ربي في وجهي هذا احدى الحسنيين: اما الشهادة وهي السعادة، واما الانصراف اليكن في عافية. وان الذي يرزقكن مؤونتكن هو اللّه تعالى، وهو حي لا يموت [انظر الى النفس الملائكية في اهاب البشر الانساني] أرجو ان لا يضيعكنَّ، وأن يحفظني فيكن». ثم انصرف.
وباتت الاسرة اليائسة الولهى (كما يشاء معاوية) تخلط البكاء بالبكاء، وتصل الدعاء بالدعاء، وكم لبنات قبيصة يومئذ من أمثال.
قال الطبري: «ووقع قبيصة من ضبيعة في يدي أبي شريف البدّي فقال له قبيصة: ان الشر بين قومي وبين قومك آمن فليقتلني سواك، فقال: برّتك رحم ! ثم قتله القضاعي !».
أقول: وأيّ نفس قوية هذه التي تنتبه في مثل هذه اللحظة الى الحؤول دون الشرّ بين القومين والاحتياط على الاصلاح.

5 - كدام بن حيان العنزي.

و - محرز بن شهاب بن بجير بن سفيان بن خالد بن منقر التميمي وكان من رؤساء الناس، ومن نقاوة الشيعة المعروفين بتشيعهم، وكان محرز هذا على ميسرة جيش معقل بن قيس في حربه للخوارج سنة 43، وكان جيش معقل في هذه الحرب ثلاثة آلاف هم نقاوة الشيعة وفرسانهم على حد تعبير الطبري فيما وصفهم به(4)

6- عمرو بن الحمق الخزاعي

هو ابن الكاهن بن حبيب بن عمرو بن القين بن ذراح بن عمرو بن سعد بن كعب بن عمرو بن ربيعة الخزاعي.
أسلم قبل الفتح، وهاجر الى المدينة، فكان الصحابيّ البر الذي حظي بدعوة النبي صلى اللّه عليه وآله بأن يمتعه اللّه بشبابه، فمرت عليه ثمانون سنة ولم ير له شعرة بيضاء على صباحة في وجهه كانت تزيده بهاء. وصحب بعده امير المؤمنين علياً عليه السلام، فكان الحواري المخلص الذي يقول له بحق: «ليت في جندي مائة مثلك». وشهد معه الجمل وصفين والنهروان.
ودعا له امير المؤمنين بقوله: «اللهم نور قلبه بالتقى، واهده الى صراطك المستقيم». وقال له: «يا عمرو انك لمقتول بعدي، وان رأسك لمنقول، وهو أول رأس ينقل في الاسلام. والويل لقاتلك(5)».
قال ابن الاثير: «ولما قدم زياد الكوفة قال له عمارة بن عقبة بن ابي معيط: ان عمرو بن الحمق يجمع اليه شيعة أبي تراب، فأرسل اليه زياد: ما هذه الجماعات عندك ؟ من أردت كلامه ففي المسجد، وذكر الطبري وشاية عمارة بن عقبة ثم قال: «ويقال ان الذي رفع على عمرو بن الحمق وقال له: قد انغل المصرين هو يزيد بن رويم .
«ثم لم يزل عمرو [فيما يروي الطبري] خائفاً مترقباً حتى كانت حادثة حجر بن عدي الكندي فأبلى فيها بلاء حسناً وضربه رجل من الحمراء - شرطة زياد - يدعى بكر بن عبيد بعمود على رأسه فوقع وحمله الشيعة فخبأوه في دار رجل من الازد، ثم خرج فاراً وصحبه الزعيم الآخر [رفاعة بن شداد] فيمما المدائن ثم ارتحلا حتى أتيا ارض الموصل فكمنا في جبل هناك، واستنكر عامل ذلك الرستاق شأنهما فسار اليهما بالخيل، فأما عمرو فلم يصل الموصل الا مريضاً بالاستسقاء، ولم يكن عنده امتناع. واما رفاعة بن شداد - وكان شاباً قوياً - فوثب على فرس له جواد، وقال لعمرو: أقاتل عنك، قال: وما ينفعني ان تقاتل، انج بنفسك ان استطعت. فحمل عليهم فأفرجوا له، فخرج تنفر به فرسه، وخرجت الخيل في طلبه - وكان رامياً - فأخذ لا يلحقه فارس الا رماه فجرحه او عقره فانصرفوا عنه. وسألوا عمراً: من انت ؟ فقال: من ان تركتموه كان أسلم لكم، وان قتلتموه كان أضرّ لكم !. فسألوه فأبى ان يخبرهم، فبعث به ابن أبي بلتعة، عامل الرستاق، الى عامل الموصل، وهو (عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عثمان الثقفي)، فلما رأى عمرو بن الحمق عرفه، وكتب الى معاوية بخبره، فأمره معاوية بأن يطعنه تسع طعنات كما كان فعل بعثمان فطعن ومات بالاولى منهن أو الثانية».(6)
وخالف ابن كثير رواية الطبري هذه، فقال: «ان اصحاب معاوية عثروا عليه في الغار ميتاً، فحزّوا رأسه، وبعثوا به الى معاوية، وهو اول رأس طيف به في الاسلام. ثم بعث معاوية برأسه الى زوجته (آمنة بنت الشريد) وكانت في سجن معاوية [انظر الى أفظع الوان الارهاب] فألقي في حجرها، فوضعت كفها على جبينه، ولثمت فمه، وقالت: غيبتموه عني طويلاً، ثم أهديتموه اليّ قتيلاً، فأهلاً به من هدية غير قالية ولا مقلية.
«ثم كان فيما كتب به الحسين عليه السلام الى معاوية: الست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله - العبد الصالح الذي أبلته العبادة - فأنحلت جسمه، وصفرت لونه، بعدما أمنته واعطيته من عهود اللّه ومواثيقه ما لو أعطيته طائراً لنزل اليك من رأس الجبل، ثم قتلته جرأة على ربك واستخفافاً بذلك العهد»
اقول: هو يشير بذلك «العهد» الى نصوص المادة الخامسة في معاهدة الصلح.
وقال في سفينة البحار: «وقبره بظاهر الموصل، ابتدأ بعمارته أبو عبد اللّه سعيد بن حمدان، ابن عم سيف الدولة، في شعبان من سنة »
وجاء في أصول التاريخ والادب :
«قال أبو الحسن علي بن أبي بكر الهروي في كتاب الزيارات: وظاهر الموصل على الشرف الاعلى مشهد عمرو بن الحمق، دفنت جثته، ورأسه حمل الى دمشق، وقيل هو أول رأس حمل في الاسلام، وفي المشهد بعض الاشراف من ولد الحسين عليه السلام».(7)

7- عبد اللّه بن يحيى الحضرمي واصحابه

عن محمد بن بحر الشيباني في كتابه «الفروق بين الاباطيل والحقوق» فيما أسنده الى القاسم بن مجيمة: «ما وفي معاوية للحسن بن علي بشيء عاهده عليه، واني قرأت كتاب الحسن الى معاوية يعدد عليه ذنوبه اليه والى شيعة علي عليه السلام فبدأ بذكر عبد اللّه بن يحيى الحضرمي ومن قتلهم معه»(8)
أقول: ولا نعرف الآن من أحوال الحضرمي وحادثة قتله وعدة اصحابه المستشهدين شيئاً، ولكنا نعرف أن هذا الرجل كان من رجال أمير المؤمنين وأنه الذي قال له يوم الجمل: «ابشر يا ابن يحيى أنت وأبوك».
وعلمنا فيما علل به بعضهم تقديم الحسن عليه السلام ذكر الحضرمي على غيره ممن قتلهم معاوية من الشيعة، أن الحضرمي هذا كان أبعدهم عن الدنيا وأقربهم الى حياة الرهبنة التي لا توهم أي خطر على سياسة الملك. قالوا: «وعلم معاوية ما كان عليه ابن يحيى وأصحابه من الحزن لوفاة علي أمير المؤمنين، وحبهم اياه، وافاضتهم في ذكره وفضله، فجاء بهم وضرب أعناقهم صبراً. ومن أنزل راهباً من صومعته فقتله بلا جناية منه الى قاتله أعجب ممن يخرج قساً من دير فيقتله، لأن صاحب الدير أقرب الى بسط اليد لتناول ما معه من صاحب الصومعة الذي هو بين السماء والارض، فتقديم الحسن - فيما عدده على معاوية من الذنوب - العباد على العباد، والزهاد على الزهاد، ومصابيح البلاد على مصابيح البلاد، لا يتعجب منه، بل يتعجب لو قدم في الذكر مقصراً على مخبت ومقتصداً على مجتهد(9)»
وفاجعة (عبد اللّه بن يحيى) أشبه بفاجعة حجر بن عدي، وكلاهما قتلا صبراً، وكلاهما قتل معهما أصحاب، وكلاهما أخذا بغير ذنب الا الذنب الذي هو عنوان فضيلتهما.

8- رشيد الهجري(10)

تلميذ علي عليه السلام، وصاحبه المنقطع اليه، والعالم المعترف له بعلم البلايا والمنايا، يروي عنه ناس كثيرون، ولكنهم جميعاً سكتوا عن اسمه خوف السلطان الاموي، فلم ترو عنه علناً الا ابنته الوحيدة التي كانت قد حضرت مقتله، وهي التي جمعت أطرافه - يديه ورجليه - وقد قطعها ابن سمية !.
قالت تسأله حين قطعت أطرافه: «يا أبت هل تجد ألماً لما أصابك ؟ فقال: «لا يا بنيتي الا كالزحام بين الناس!».
أتي به الى زياد فقال له: «ما قال لك خليلك - يعني علياً عليه السلام - انا فاعلون بك ؟»، قال: «تقطعون يدي ورجلي وتصلبونني»، فقال زياد: «أما واللّه لأكذبن حديثه، خلوا سبيله». فلما أراد أن يخرج، قال: «ردوه، لا نجد لك شيئاً أصلح مما قال صاحبك، انك لن تزال تبغي لنا سوءاً ان بقيت، اقطعوا يديه ورجليه»، فقطعوها وهو يتكلم !، فقال: «اصلبوه خنقاً في عنقه»، فقال رُشَيد: «قد بقي لي عندكم شيء ما أراكم فعلتموه»، فقال زياد: «اقطعوا لسانه»، فلما أخرجوا لسانه قال: «نفّسوا عني حتى أتكلم كلمة واحدة»، فنفسوا عنه فقال: «هذا واللّه تصديق خبر أمير المؤمنين، أخبرني بقطع لساني».
وأخرج من القصر مقطعاً، فاجتمع الناس حوله، ومات من ليلته رضوان اللّه عليه.
قالت ابنته: «قلت لأبي: ما أشد اجتهادك !»، قال: «يا بنية يأتي قوم بعدنا بصائرهم في دينهم أفضل من اجتهادنا».
وقال لها: «يا بنيتي أميتي الحديث بالكتمان، واجعلي القلب مسكن الامانة(11)».

9 - جويرية بن مسهر العبدي

قال ابن أبي الحديد: «ونظر اليه علي عليه السلام يوماً فناداه: يا جويرية الحق بي فاني اذا رأيتك هويتك، ثم حدثه بأمور سراً، وفي آخر ما حدثه قال: يا جويرية أَحبَّ حبيبنا ما أحبنا فاذا أبغضنا فابغضه، وابغض بغيضنا ما أبغضنا فاذا أحبنا فأحبَّه. وكان من اختصاصه بعلي عليه السلام ما روى انه دخل يوماً عليه وهو عليه السلام مضطجع، وعنده قوم من أصحابه، فناداه جويرية: أيها النائم استيقظ فلتضربن على رأسك ضربة تخضب منها لحيتك. قال: فتبسم أمير المؤمنين عليه السلام، ثم قال: وأحدثك يا جويرية بأمرك، أما والذي نفسي بيده لتعتلنَّ(عتله: جذبه - والعتل - الجافي الغليظ - والزنيم: الدعي.) الى العُتُلّ الزنيم، فليقطعن يدك ورجلك وليصلبنك تحت جذع كافر ! قال: فواللّه ما مضت الايام على ذلك حتى أخذ زياد جويرية فقطع يده ورجله، وصلبه الى جانب جذع ابن معكبر، وكان جذعاً طويلاً، فصلبه على جذع قصير الى جانبه».
أقول: وروى هذا الحديث أيضاً حبة العرني رحمه اللّه. وزاد قوله: «وكان زياد ابن أبيه ممن نصب العداوة لامير المؤمنين عليه السلام وكان يتتبع أصحاب علي وهو بهم أبصر فيقتلهم تحت كل حجر ومدر».

10 - أوفى بن حصن

أحد فرائس الظلم الاموي. طلبه زياد فأبى مواجهته، واستعرض زياد الناس فمر به فقال: «من هذا ؟» فقيل له: «أوفى بن حصن»، فقال زياد: «أتتك بخائن رجلاه»، وقال له: «ما رأيك في عثمان ؟» قال: «ختن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على ابنتيه» قال: «فما تقول في معاوية ؟» قال: «جواد حليم».
وكان أوفى لبقاً في لغته وأسلوبه فلم يجد عليه زياد ملزماً.
وعاد عليه فقال له: «فما تقول فيّ ؟» قال: «بلغني أنك قلت بالبصرة: واللّه لآخذن البريء بالسقيم والمقبل بالمدبر»، قال: «قد قلت ذاك» قال: «خبطتها خبط عشواء !».
أقول: وكان من لباقة هذا الرجل الحصيف أنه تدرج في أجوبته لزياد - كما ترى - الى طريقة حكيمة من الوعظ حاول بها تنبيهه الى أخطائه. ولا تنس أنه كان يقف من عدوه ساعتئذ بين النطع والسيف، ومن ذمته بين الحق والباطل. وهذا هو ما يزيدنا اعجاباً بهؤلاء الابطال من تلامذة علي عليه السلام، ولكن شيئاً من وعظه لم يجده نفعاً سوى أن يقول زياد فيه: «ليس النفاخ بشر الزمرة» ثم أمر به فقتل»(12)
ولا ادري، ولا أظن زياداً نفسه يدري، بأي جريرة أخذ ابن حصن فأشاط بدمه و«كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله» - كما في الحديث - ؟.
والرجل في أجوبته كلها كما رأيت لم يفضح سراً، ولم يهتك أمراً. ولكن الذي ناقض الكتاب صريحاً فأخذ البريء بالسقيم والمقبل بالمدبر خلافاً لقوله تعالى: «ولا تزر وازرة وزر أخرى» لحري بأن لا يفهم لغة الحديث ولا لغة الكتاب.
واعتصم بغلوائه فاذا الناس من حوله في أشد محن الدنيا: جماعات تساق الى السجون، وزرافات تطارد أينما تكون، ومئات تعرض عليه كل يوم لتسمل عيونهم، أو لتقطع أطرافهم، أو ليؤمر بهم فتحطم ضلوعهم(13). وبين الكوفة والشام فرائس أخرى ترزح بالاصفاد. وما في الكوفة الا الارهاب المميت، وما في الشام لهؤلاء الا الموت المرهوب.
وخشعت الكوفة التي كانت تفور - في أمسها القريب - بالمؤامرات والمعارضات خشوع الجناح الكسير، بما وسعها من مظالم الحكام الامويين. وكان المتآمرون بالامس هم المتآمرين بالجور اليوم، وكانوا هم الحاكمين بأمرههم فيما يسنون أو فيما ينفذون، فما بالها لا ترتجف فرقاً ؟ وما بال أهلها لا يلوذون بالفرار هرباً ؟..
وخفي على معاوية وعلى ابن أبيه ورجال مدرسته أن الامعان بالعنف من أكبر الاسباب التي تغذي المثل الاعلى الذي يحاربه الحاكم العنيف، وان العنف لن يستطيع ان يقتل الفكرة التي كتب لها الخلود، ولكنها ستظل نواة الشجرة التي ستبسق مع التاريخ.
وهذا حييت مئات الملايين - بعد ذلك - وهي تشارك الكوفة في فكرتها، وتحمل لمعاوية ورجاله وترها الذي لا تخلقه الايام.
وكان للغارة الاموية ألوان أخرى غير القتل والتشريد وهدم البيوت ومصادرة الاموال وكم الافواه.
فقال ابن الاثير عند ذكره لفاجعة (أوفى بن حصن): «وكأن أول قتيل قتله زياد، بعد حادثة الثلاثين أو الثمانين الذين قطع أيديهم !!».
واستبطن معاوية دخائل البصرة والكوفة فلم يدع في هذين المصرين رئيس قوم، ولا صاحب سيف، ولا خطيباً مرهوباً، ولا شاعراً موهوباً من الشيعة، الا أزعجه عن مقره، فسجنه، أو غله، أو شرّده، أو أهدر دمه !.
المصادر :
1- ابن الاثير (ج 3 ص 192) والطبري (ج 6 ص 155)
2- الدميري في حياة الحيوان ص 62
3- الاصابة ج 4 ص 294
4- الطبري ج 6 ص 108
5- سفينة البحار ج 2 ص 360
6- ابن الاثير ج 3 ص 183
7- أصول التاريخ والادب ج 9 ص 2
8- البحار ج 10 ص 101
9- البحار ج 10 ص 102
10- رشيد [بالتصغير] وهجري (بفتح اوليه) نسبة الى بلاد الهجر - البحرين
11- سفينة البحار ج 1 ص 522
12- ابن الاثير ج 3 ص 183، والطبري ج 6 ص 130 - 132
13- الطبري ج 6 ص 147



 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.