الحاکم العادل

الحاكم العادل هو: قطب رحى الامة، ورائد نهضتها، وباني أمجادها، وحارسها الامين. وهو عنصر فعّال من عناصر المجتمع، وجزء أصيل لا يتجزأ عنه، لهذا وجب ان يكون التجاوب في العواطف والمشاعر قوياً بين الحاكم والمحكوم، والراعي
Monday, October 27, 2014
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
الحاکم العادل
 الحاکم العادل

 






 

الحاكم العادل هو: قطب رحى الامة، ورائد نهضتها، وباني أمجادها، وحارسها الامين. وهو عنصر فعّال من عناصر المجتمع، وجزء أصيل لا يتجزأ عنه، لهذا وجب ان يكون التجاوب في العواطف والمشاعر قوياً بين الحاكم والمحكوم، والراعي والرعية، ليستطيع الاول اداء رسالته الاصلاحية لامته، وتحقيق أهدافها وأمانيها، ولتنال الامة في ظلال حكمه مفاهيم الطمأنينة والحرية والرخاء.
لذلك كان للحاكم حقوق على الرعية أزاء حقوقها عليه، وكان على كل منهما رعاية حقوق الآخر، والقيام بواجبه نحوه.
وهذا ما اوضحه أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال:
«فليست تصلح الرعية الا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة الا باستقامة الرعية، فاذا أدت الرعية الى الوالي حقه، وادى الوالي اليها حقها، عزّ الحق بينهم، وقامت مناهج الدين واعتدلت معالم العدل، وجرت على اذلالها السنن، فصلح بذلك الزمان، وطمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع الأعداء.
واذا غلبت الرعية واليها، واجحف الوالي برعيته، اختلفت هناك الكلمة، وظهرت معالم الجور، وكثر الادغال في الدين، وتركت محاج السنن، فعمل بالهوى وعطلت الأحكام، وكثرت علل النفوس، فلا يستوحش لعظيم حق عطل، ولا لعظيم باطل فعل، فهناك تذل الأبرار، وتعز الاشرار، وتعظم تبعات اللّه عند العباد»(1)

واليك مجملاً من حقوق الحاكم:

1- الطاعة: للحاكم حق الطاعة على رعيته فيما يرضي اللّه عز وجل، حيث للاطاعة لمخلوق في معصية الخالق.
والطاعة هي: المشجع الأول للحاكم على اخلاصة للرعية، وتحسسه بمشاعرها وآلامها، ودأبه على اسعادها وتحقيق آمالها وامانيها.
اما التمرد والعصيان والخذلان فهي خلال مقيتة تستفز الحاكم وتستثير نقمته على الرعية، وبطشه بها، وتقاعسه على اصلاحها ورقيها، ومن ثم احباط جهوده الهادفة البناءة في سبيلها.
انظر كيف يوصي الامام موسى بن جعفر عليه السلام شيعته بطاعة الحاكم: «يا معشر الشيعة لا تذلوا رقابكم بترك طاعة سلطانكم، فان كان عادلاً فاسألوا اللّه إبقاءه، وان كان جائراً فاسألوا اللّه اصلاحه، فان صلاحكم في صلاح سلطانكم، وإن السلطان العادل بمنزلة الوالد الرحيم، فأحبّوا له ما تحبون لانفسكم، واكرهوا له ما تكرهون لانفسكم»(2)
2- المؤازرة: والحاكم مهما سمت كفاءته ومواهبه، فانه قاصر عن الاضطلاع بأعباء الملك، والقيام بواجبات الرعية وتحقيق منافعها العامة، ومصالحها المشتركة الا بمؤازرة اكفائها، ودعمهم له، ومعاضدتهم إيّاه بصنوف الجهود والمواهب المادية والمعنوية، الجسمية والفكرية. وبمقدار تجاوبهما وتضامنهما يستتب الأمن، ويعم الرخاء ويسعد الراعي والرعية.
3- النصيحة: كثيراً ما يستبد الغرور بالحاكم، وتستحوذ عليه نشوة الحكم وسكرة السلطان، فينزع الى التجبر والطغيان، واستعباد الرعية، وخنق حريتها، وامتهان كرامتها، واستباحة حرماتها، وسومها سوء المذلة والهوان.
وهذا ما يحتم على الغيارى من قادة الرأي، واعلام الأمة ان يبادروا الى نصحه وتقويمه، والحدّ من طغيانه، فإن أجدى ذلك، والا فقد اعذر المصلحون وقاموا بواجب الاصلاح.
وقد جاء في الحديث عن الصادق عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى اللّه عليه وآله قال:
«السلطان ظل اللّه في الأرض، يأوي اليه كل مظلوم، فمن عدل كان له الاجر، وعلى الرعية الشكر، ومن جار كان عليه الوزر وعلى الرعية الصبر حتى يأتيهم الأمر»(3)
اما في العصر الحاضر وقد تطورت فيه اساليب الحياة، ووسائل الاصلاح، فلم يعد الحكام يستسيغون العظة والنصح ولا تجديهم نفعاً.من اجل ذلك فقد استجازت الحكومات المتحضرة نقد حكامها المنحرفين عن طريق البرلمانات والصحف والمذكرات التي تندد بإثرتهم وانانيتهم، وتنذرهم عليها بلعنة الشعب، وثورته الماحقة على الطغاة والمستبدين.

حاجات الجسم والنفس:

يتألف الانسان من عنصرين: عنصر الجسد، وعنصر الروح، وهما مترابطان ترابطاً وثيقاً، ومتفاعلان تفاعلاً قوياً، لا ينفك أحدهما عن الثاني الا بتصرم العمر، ونهاية الحياة. وسعادة الانسان وهناؤه الجسمي والفكري منوط بصحة هذين العنصرين وسلامتهما معاً. لهذا كان على ناشد السعادة ومبتغيها ان يعني بهما عناية فائقة تضمن صحتهما وازدهارهما، وصيانتهما من المضار.

ولكل من الجسم والروح اشواقه وحاجاته:

فحاجات الجسم هي: المآرب المادية الموجبة لنموه وصحته وحيويته، كالغذاء والشراب والكساء ونحوها من ضرورات الحياة.
وحاجات الروح هي: الاشواق الروحية والنفسية التي تتعشقها الروح، وتهفو اليها، كالمعرفة، والحرية، والعدل، وراحة الضمير ورخاء البال وما الى ذلك من المثل العليا والاماني الروحية. ولا مناص من تلبية هذه المآرب والرغائب الجسمية والروحية لتحقيق صحة الجسم والروح، وضمان هنائهما المرجو.
فحرمان الجسم من اشواقه يفضي به الى الضعف والسقم والانحلال وحرمان الروح والنفس من امانيها، يقودها الى الحيرة والقلق والشقاء.
والسعادة الحقة منوطة بصحة الجسم والنفس وازدهارهما معاً ورعاية حقوقهما المادية والروحية.
حقوق الجسد:وتتلخص هذه الحقوق في رعاية القوانين الصحية، واتباع الآداب الاسلامية الكفيلة بصحة الجسم وحيويته ونشاطه. كالاعتدال في الطعام والشراب وتجنب الكحول والعادات الضارة، كالخمر والحشيش والافيون والتوقي من الشهوات الجنسية الآثمة، واعتياد النظافة، وممارسة الرياضة البدنية، ومعالجة الامراض الصحية ونحو ذلك من مقومات الصحة وشرائطها مما هو معروف لغالب الناس لتوفر التوعية الصحية، والنصائح الطبية في حقول الإعلام الصحفي والاذاعي. فلا أجد حاجة الى تفصيله والاطناب فيه.

حقوق النفس:

بيد ان صحة النفس ووسائل وقايتها وعلاجها، وعوامل رقيّها وتكاملها، ورعاية حقوقها وواجباتها، يجهلها أو يتجاهلها الكثيرون لقلة احتفائهم بالقيم الروحية والمفاهيم النفسية، وجهلهم بعلل النفس وانحرافاتها. وما تعكسه من آثار سيئة على حياة الناس.
فالامراض الجسمية تبرز سماتها واعراضها على الجسم في صور من الشحوب والهزال والانهيار.
أما العلل النفسية والروحية فإن مضاعفاتها لا يتبينها الا العارفون من الناس، حيث تبدو في صور مقيتة من جموح النفس، وتمردها على الحق، ونزوعها الى الآثام والمنكرات، وهيامها بحب المادة وتقديسها وعبادتها، ونبذها للقيم الروحية ومثلها العليا. مما يوجب مسخها وهبوطها الى درك الحيوان.
من اجل ذلك كانت العلل الروحية والنفسية اصعب علاجاً، وأشدّ عناءً من العلل الجسمية، لعسر علاج الأولى، ويسر الثانية في الغالب.
وكانت عناية الحكماء والأولياء بتهذيب النفس، وتربية الوجدان اضعاف عنايتهم بالجسد.
وهذا ما يحتم على كل واع مستنير أن يعني بتركيز نفسه، وتصعيد كفاءتها، وتهذيب ملكاتها، ووقايتها من الشذوذ والانحراف، وذلك برعاية حقوقها، وحسن سياستها وتوجيهها.

واليك طرفاً من طلائع حقوق النفس:

1- تثقيف النفس:

وذلك: بتنويرها بالمعرفة الالهية والعقيدة الحقة، وتزويدها بالمعارف النافعة التي تنير للانسان سبل الهداية وتوجهه وجهة الخير والسداد. وهذه هي اسمى غايات النفس واشواقها.
فهي تصبو الى العقيدة، وتهفو الى الايمان باللّه عز وجل، وتتعشق العلم، وتهفو الى استجلاء الحقائق، واستكشاف اسرار الكون والغاز الحياة. تتطلع الى ذلك تطلّع الظمآن الى الماء، وتلتمس الذي لنفسها كما يلتمسه هو سواء بسواء. فإن ظفرت بذلك احست بالطمأنينة والارتياح، وإن فقدته شعرت بالقلق والسأم.

2- اصلاح السريرة:

للانسان صورتان: صورة ظاهرية تتمثل في اطار جسده المادي، وصورة باطنية تتمثل فيها خصائصه النفسية، وسجاياه الخلقية.
وكما تكون الصورة الظاهرية هدفاً للمدح أو الذم، ومدعاة للحب او الكره نظراً لصفاتها الجميلة او القبيحة. كذلك الصورة الباطنية يعروها المدح والذم، وتبعث على الاعجاب او الاستنكار، تبعاً لما تتسم به من طيبة او خبث، من تلألؤ او ظلام.
وكما يهتم العقلاء بتجميل صورهم المادية، واظهارها بالمظهر اللائق الجذّاب. كذلك يجدوا الاهتمام بتجميل صورهم الباطنية، وتزيينها بالطيبة وصفاء السريرة وجمال الخلق. لتغدو وضاءة مشعة بألوان الخير والجمال. وذلك بتطهيرها من اوضار الرياء والنفاق، والحسد والمكر ونحوها من السجايا الهابطة المقتية.
من أجل ذلك حرّض أهل البيت عليهم السلام على تهذيب النفس واصلاح السريرة، وحسن الطوية لتكون ينبوعاً ثراً فياضاً بشرف الفضائل وحسن الأخلاق.
فعن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: «قال امير المؤمنين عليه السلام: كانت الفقهاء والحكماء اذا كاتب بعضهم بعضاً، كتبوا بثلاث ليس معهن رابعة:
من كانت الآخرة همّه كفاه اللّه همه من الدنيا، ومن أصلح سريرته اصلح اللّه علانيته، ومن اصلح فيما بينه وبين اللّه عز وجل اصلح اللّه له فيما بينه وين الناس»(4)
وقال الصادق عليه السلام: «ما من عبد يسر خيراً الا لم تذهب الايام حتى يظهر اللّه له خيراً، وما من عبد يسرّ شراً، الا لم تذهب الأيام حتى يظهر اللّه له شراً»(5)
وعنه عليه السلام قال: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله سيأتي على الناس زمان، تخبث فيه سرائرهم، وتحسن فيه علانيتهم، طمعاً في الدنيا، لا يريدون به ما عند ربهم، يكون دينهم رياءً، لا يخالطهم خوف، يعمهم اللّه بعقاب، فيدعونه دعاء الغريق، فلا يستجيب لهم»(6)

ضبط النفس:

تنزع النفس بغزائرها وشهواتها الى الشذوذ والانحراف، وتخدع اربابها بسحرها الفاتن واهوائها المضلة، حتى تجمح بهم في متاهات الغواية والضلال «إن النفس لأمارة بالسوء الا ما رحم ربي» (7)
وهذا ما يحفز كل واعٍ مستنير، ان يُعني بضبط نفسه، والسيطرة عليها وتحصينها ضد المعاصي والآثام، وترويضها على طاعة اللّه تعالى، واتباع شرعته ومنهاجه.
وقد حثّ القرآن الكريم علي ضبط النفس، والحدّ من جماحها وتوجيهها شطر الخير والصلاح.
قال تعالى: «ونفس وما سوّاها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكّاها، وقد خاب من دسّاها»(8)
وقال تعالى: «وأما من خاف مقام ربه، ونهى النفس عن الهوى، فان الجنة هي المأوى» (9). «فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا، فان الجحيم هي المأوى» (10)
وهكذا حرض اهل البيت عليهم السلام على ضبط النفس، وقمع نزواتها، معتبرين ذلك أفضل صور الجهاد.
فعن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال: «قال امير المؤمنين عليه السلام: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بعث سرية، فلما رجعوا
{ 505 }قال: مرحباً بقوم قضوا الجهاد الاصغر وبقي عليهم الجهاد الاكبر. قيل: يا رسول اللّه وما الجهاد الاكبر؟
قال صلى اللّه عليه وآله: جهاد النفس. ثم قال: افضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه»(11)
وعن عبد اللّه بن الحسن، عن امه فاطمة بنت الحسين بن علي عليه السلام عن أبيها عليه السلام قال: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: ثلاث خصال، من كُن فيه، استكمل خصال الايمان: الذي اذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل، واذا غضب لم يخرجه الغضب من الحق، واذا قدر لم يتعاط ما ليس له»(12)

3- محاسبة النفس:

والمراد منها هو: محاسبة النفس في كل يوم عما عملته من الطاعات والمعاصي، والموازنة بينهما، فإن رجحت كفة الطاعات، شكر المحاسب اللّه على توفيقه لها، وفوزه بشرف طاعته ورضاه.
وإن رجحت كفة المعاصي أدّب المحاسب نفسه بالتقريع والتأنيب على اغفال الطاعة، والنزوع للآثام.
قال الامام موسى بن جعفر عليه السلام: «ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإن عمل حسنة استزاد اللّه تعالى، وإن عمل سيئة استغفر اللّه تعالى منها وتاب اليه»(13)
وقد بحثت هذا الموضوع في القسم الاول من هذا الكتاب فراجعه هناك.
هذه لمحات خاطفة من حقوق النفس، تفاديت الاطناب فيها خشية السأم والملل.
وقد وقع الفراغ من هذه الابحاث على يد مؤلفها مهدي ابن المغفور له العلامة الحجة السيد علي الصدر ابن آية اللّه العظمى السيد حسن الصدر- اعلى اللّه مقامهما - في ليلة الاربعاء 17 شوال سنة 1390 هجريه والحمد للّه اولاً وآخراً.
المصادر :
1- نهج البلاغة. من كلام له عليه السلام في حق الحاكم على المحكوم
2- البحار. كتاب العشرة ص 218 عن امالي الشيخ الصدوق
3- البحار. كتاب العشرة. ص 214 عن امالي الشيخ ابن علي ابن الشيخ الطوسي
4- البحار م 14 ج 2 ص 204 عن الخصال والامالي وثواب الاعمال للصدوق (ره)
5- الوافي ج 3 ص 147 عن الكافي
6- الوافي ج 3 ص 148 عن الكافي
7- يوسف: 53
8- الشمس: 7 - 10
9- النازعات: 41
10- النازعات: 37
11- سفينة البحار ج 1 ص 197 عن معاني الاخبار للصدوق
12- سفينة البحار ج 2 ص 550 عن الخصال للصدوق
13- الوافي ج 3 ص 62 عن الكافي



 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.