هناک ادلة کثيرة في الذكر الحكيم على حلّية المتعة واستمرارها إلى يومنا هذا ذکرناها علی موقعنا فارجو المراجعة، اما في هذا المقال سنختصرالبحث في السنّة النبوية ، ولنذكر من الروايات ما يدلّ على حليّة المتعة واستمرارها من الصحاح والمسانيد:
1. أخرج الحفاظ عن عبد اللّه بن مسعود انّه قال: كنّا نغزو مع رسول اللّه وليس لنا نساء فقلنا: يا رسول اللّه ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ثمّ رخص لنا أن ننكح بالثوب إلى أجل ثمّ قرأ علينا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).(1)
وغرضه من تلاوة الآية هو الإطاحة بقول من حرّمها من غير دليل، فنكاح المتعة عند ابن مسعود من الطيبات التي أحلّها اللّه سبحانه، وليس لأحد تحريم الطيبات.
2. أخرج مسلم عن جابر بن عبد اللّه وسلمة بن الأكوع، قال: خرج علينا منادي رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، فقال: إنّ رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ قد أذن لكم أن تستمتعوا (يعني: متعة النساء).وفي لفظ: إنّ رسول اللّه أتانا فأذن لنا في المتعة.(2)
3. أخرج مسلم عن ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير قال: سمعت جابر بن عبد اللّه يقول: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسولاللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ و أبي بكر حتّى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث.(3)
4. أخرج مسلم في صحيحه عن أبي نضرة قال: كنت عند جابر بن عبد اللّه، فأتاه آت فقال ابن عباس و ابن الزبير اختلفا في المتعتين ، فقال جابر: فعلناهما مع رسول اللّه ثمّ نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما.(4)
5. أخرج الترمذي انّ رجلاً من أهل الشام سأل ابن عمر عن المتعة، فقال: هي حلال، فقال الشامي: إنّ أباك قد نهى عنها؟ فقال ابن عمر: أرأيت إن كان أبي قد نهى عنها وقد صنعها رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ أأمر أبي نتّبع أم أمر رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ .(5)
6. أخرج مسلم في صحيحه عن عروة بن الزبير انّ عبد اللّه بن الزبير قام بمكة فقال: إنّ ناساً أعمى اللّه قلوبهم كما أعمى أبصارهم يُفتون بالمتعة يُعرّض برجل (ابن عباس) فناداه فقال: إنّك لجلف جاف، فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقين(يريد رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ) فقال له ابن الزبير: فجرّب بنفسك، فواللّه لئن فعلتها لأرجمنّك بأحجارك.(6)
والعجب من ابن الزبير حيث يرجم من ينكح نكاح المتعة ـ تبعاً لسلفه ـ مع أنّ الحدود تُدرأ بالشبهات، فالفاعل يعتقد بكونه نكاحاً حلالاً لا سفاحاً، وله من الكتاب والسنّة دليل ومع هذه الشبهة كيف يُرجم إلاّ أن يكون غرضه التهديد والتخويف.
7. أخرج مسلم عن ابن شهاب انّه قال: فأخبرني خالد بن المهاجر بن سيف اللّه انّه بينا هو جالس عند رجل جاءه رجلٌ فاستفتاه في المتعة فأمره بها، فقال له ابن أبي عمرة الأنصاري: مهلاً ما هي واللّه لقد فُعِلتْ في عهد إمام المتقين.(7)
8. أخرج أحمد في مسنده عن عبد الرحمن بن نعيم الأعرجي قال: سأل رجل ابن عمر في المتعة ـ وأنا عنده ـ متعة النساء، فقال: واللّه ما كنّا على عهد رسول اللّه زانين ولا مسافحين.(8)
9. أخرج أحمد في مسنده عن ابن الحصين انّه قال: نزلت آية المتعة في كتاب اللّه تبارك و تعالى وعملنا بها مع رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فلم تنزل آية تنسخها ولم ينه عنها النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ حتّى مات.(9)
10. روى ابن حجر عن سمير(لعلّه سمرة بن جندب) قال: كنّا نتمتع على عهد رسول اللّه.(10)
قال أبو عمر (صاحب الاستيعاب): أصحاب ابن عباس من أهل مكة واليمن كلّهم يرون المتعة حلالاً على مذهب ابن عباس و حرمها سائر الناس.(11)
وقال القرطبي في تفسيره : أهل مكة كانوا يستعملونها كثيراً.(12)
وقال الرازي في تفسيره: ذهب السواد الأعظم من الأُمّة إلى أنّها صارت منسوخة، وقال السواد منهم إنّها بقيت كما كانت .(13)
وهذه الكلمات المنثورة في الكتب والتي تجد لها نظائر كثيرة تُثبت انّ المتعة كانت أمراً حلالاً في عهد رسول اللّه ودامت إلى شطر من خلافة عمر، فمن حاول إثبات النسخ فعليه أن يأتي بدليل قاطع يصلح لنسخ القرآن الكريم، فانّ خبر الواحد لا يُنسخ به القرآن، والقرآن دليل قطعي لا ينسخ إلاّ بدليل قطعي.
والذي يعرب عن عدم وجود الناسخ هو انّ التحريم يُسنَدُ إلى عمر وانّه هو المحرم كما سيوافيك لفظه، فلو كان هناك تحريم من رسول اللّه لما أسند عمر التحريم إلى نفسه!!
قال الرازي: إنّ الأُمّة مجمعة على أنّ نكاح المتعة كان جائزاً في الإسلام ولا خلاف بين أحد من الأُمّة فيه إنّما الخلاف في طريان الناسخ، فنقول: لو كان الناسخ موجوداً، لكان ذلك الناسخ إمّا أن يكون معلوماً بالتواتر أو بالآحاد، فإن كان معلوماً بالتواتر، كان علي بن أبي طالب وعبد اللّه بن عباس وعمران بن الحصين منكرين لما عرف ثبوته بالتواتر من دين محمّد ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وذلك يوجب تكفيرهم، وهو باطل قطعاً، وإن كان ثابتاً بالآحاد فهذا أيضاً باطل، لأنّه لما كان ثبوت إباحة المتعة معلوماً بالإجماع والتواتر، كان ثبوته معلوماً قطعاً، فلو نسخناه بخبر الواحد لزم جعل المظنون رافعاً للمقطوع وانّه باطل.
قالوا: وممّا يدلّ أيضاً على بطلان القول بهذا النسخ، إنّ أكثر الروايات انّ النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، وأكثر الروايات انّه عليه الصلاة والسلام أباح المتعة في حجّة الوداع وفي يوم الفتح، وهذان اليومان متأخران عن يوم خيبر، وذلك يدلّ على فساد ما روي انّه ـ عليه السَّلام ـ نسخ المتعة يوم خيبر، لأنّ الناسخ يمتنع تقدّمه على المنسوخ، وقول من يقول: إنّه حصل التحليل مراراً والنسخ مراراً ضعيف، لم يقل به أحد من المعتبرين ، إلاّ الذين أرادوا إزالة التناقض عن هذه الروايات.(14)
وسيوافيك اضطراب أقوال المحرّمين ـ ربّما ناهزت الستة ـ في عدد التحليل والتحريم ومكانهما ، وهذا النوع من الاضطراب، يورث الشكّ في أصل التحريم، فانتظر.
المتعة في التفاسير غير الروائية
لقد تعرفت على موقف التفاسير الروائية من تفسير الآية بالنكاح المؤقت، حيث نقل الطبري و السيوطي والثعلبي نزول الآية في المتعة، هلمّ معي ندرس ما ذكره الآخرون من المفسرين فانّهم بين من فسروا الآية بنكاح المتعة بقول واحد أو جعلوا نزولها في نكاح المتعة أحد القولين، وها نحن ننقل في المقام شيئاً موجزاً.
1. يقول الزمخشري: قيل نزلت في المتعة التي كانت ثلاثة أيام حين فتح اللّه مكة على رسوله.(15)
2. قال القرطبي: قال الجمهور: إنّها نزلت في نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام .(16)
3. وقال البيضاوي: نزلت الآية في المتعة التي كانت ثلاثة أيام حين فتحت مكة.(17)
4. وقال ابن كثير: وقد استدِلّ بعموم الآية على نكاح المتعة، ولا شكّ انّه كان مشروعاً في ابتداء الإسلام ثمّ نُسخ، وقد قيل بإباحتها للضرورة وهي رواية واحدة عن الإمام أحمد.(18)
5. وقال أبو السعود: نزلت في المتعة التي هي النكاح إلى وقت معلوم (19) وقد تعرفت على كلام الرازي تفصيلاً.
6. وقال الشوكاني: قال الجمهور: إنّ المراد بالآية نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام ويؤيد ذلك قراءة أُبيّ بن كعب وابن عباس و سعيد بن جبير «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أُجورهن».(20)
7. وقال علاء الدين البغدادي في تفسيره المعروف بتفسير« الخازن»: المراد من حكم الآية هو نكاح المتعة، وهو أن ينكح امرأة إلى مدة معلومة بشيء معلوم، فإذا انقضت المدة بانت منه بغير طلاق، وكان هذا في ابتداء الإسلام .(21)
8. وقال الآلوسي: قراءة ابن عباس وعبد اللّه بن مسعود، الآية: «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى» ثمّ قال: ولا نزاع عندنا في أنّها قد حلّت ثمّ حرمت.(22)
المصادر :
1- المائدة /87 ، صحيح البخاري:7/4، باب ما يكره من التبتل والخصاء من كتا ب النكاح; صحيح مسلم:4/130، باب نكاح المتعة من كتاب النكاح
2- المصدر السابق، وانظر صحيح البخاري:7/13، باب نهي الرسول عن نكاح المتعة من كتاب النكاح.
3- صحيح مسلم:4/131، باب نكاح المتعة من كتاب النكاح.
4- صحيح مسلم:4/131، باب نكاح المتعة من كتاب النكاح.
5- سنن الترمذي:3/186برقم 824.
6- صحيح مسلم:4/133، باب نكاح المتعة من كتاب النكاح.
7- صحيح مسلم:4/133ـ 134، باب نكاح المتعة من كتاب النكاح.
8- مسند أحمد:2/95.
9- مسند أحمد:4/436.
10- الاصابة:2/181.
11- تفسير القرطبي:5/133.
12- تفسير القرطبي:5/132; فتح الباري:9/142.
13- تفسير الرازي:10/53.
14- تفسير الرازي:10/52.
15- الكشاف:1/519.
16- الجامع لأحكام القرآن:5/130.
17- أنوار التنزيل:1/375.
18- تفسير ابن كثير:1/474.
19- هامش تفسير الرازي:2/251.
20- تفسير الشوكاني:1/414 كما في الغدير:6/235.
21- تفسير الخازن:1/357.
22- روح المعاني:5/5.
/ج