خلافة السقيفة

أساساً لا يعيب أحداً من الصحابة أن لا يكون قد استوعب الرسالة كلها، أو أن يكون على حظ قليل من العلم نسبياً. فالرسالة واسعة الأصول والفروع، عريضة عرض المشاكل والمسائل والأحداث كلّها. وكثير من الصحابة شلغتهم مشاغلهم ديناً
Monday, December 8, 2014
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
خلافة السقيفة
خلافة السقيفة

 






 

أساساً لا يعيب أحداً من الصحابة أن لا يكون قد استوعب الرسالة كلها، أو أن يكون على حظ قليل من العلم نسبياً. فالرسالة واسعة الأصول والفروع، عريضة عرض المشاكل والمسائل والأحداث كلّها. وكثير من الصحابة شلغتهم مشاغلهم ديناً ودنياً عن العكوف على ملازمة الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم) والانقطاع إليه، وقد كان حظهم من العلم مختلفاً قد يزيد وقد ينقص، على قدر حظهم من ملازمة الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم) وحرصهم على الاستفادة منه.
والخلفاء رجال من هؤلاء الصحابة، لا يأتيهم العلم غيباً، إنّما بمقدار جهدهم في التعلّم من الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم)، وإنّما بمقدار التصاقهم العلمي به.
ونحن هنا لا نتكلّم مع الذين ذهبوا في الخلفاء مذاهب الغلو، ونسوا أن مئات الأحاديث في مناقبهم وضعت كذباً، من عهد معاوية وما بعده، بغاية تحطيم كيان الامام علي (عليه السلام).
إنّ طريقة البحث الموضوعي تفترض علينا محاسبة أية رواية من روايات الفضائل والمناقب من خلال مراجعة رواتها ومقدار وثاقتهم. ومن خلال دراسة مضمونها عقلياً وإسلامياً.
ومن خلال مقارنتها مع مجموع القرائن التاريخية الثابتة.
وإذا التزمنا هذا المنهج فإنّا سنعرف أن أكثر بل المعظم الساحق من روايات مناقب الصحابة عموماً هي من تبرعات أقلام الوضاعين أو نسج أيديهم. وتلك نتيجة انتهى إليها المحققون قديماً وحديثاً.
وفي هذا الضوء فإنّه لا مجال للتصديق بأكثر ما ورد في تمجيد خلافة السقيفة.
انظروا ماذا كتب الوضّاعون، فقد حدّثوا عن رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) أنّه قال:" إنّ الله يتجلّى للناس عامة ولأبي بكر خاصّة ".
" إنّ الله لما اختار الأرواح اختار روح أبي بكر ".
" عرج بي إلى السماء فما مررت بسماء الاّ وجدت فيها مكتوباً: محمد رسول الله أبو بكر الصديق من خلفي ".
" رأيت كأني أعطيت عساً مملوّاً لبناً فشربت منه حتّى امتلأت، فرأيتها تجري في عروقي بين الجلد واللحم ففضلت منها فضلة فأعطيتها أبابكر، قالوا: يا رسول الله هذا علم أعطاكه الله حتّى إذا امتلأت ففضلت فضلة فأعطيتها أبابكر، قال (صلی الله عليه وآله وسلم) قد أصبتم ".
ورووا في عمر مثل ذلك، فنسبوا إلى رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) انّه قال:
" لو لم أبعث فيكم لبعث عمر ".
" ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر ".
" انّ الشيطان ليفرق منك يا عمر ".
" مكتوب على ساق العرش: لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، محمد رسول الله، ووزيراه أبوبكر الصديق وعمر الفاروق ".
وفي عثمان لم يكن الوضع أقل من ذلك، فقد نسبوا إلى رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) انّه قال:
" ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة ".
وحدّثوا عن عائشة انها قالت:
" ما رأيت رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) رافعاً يديه حتّى يبدو ضبعاه الاّ لعثمان بن عفان إذا دعا له ".
إلى عشرات من أمثال هذه الموضوعات، التي نحيل القارئ في استيعابها، والتعرف على وجه تفنيدها جميعاً، على كتاب (الغدير) للعلاّمة الأميني. فقد استوفى البحث فيها مفصّلا، وأظهر أن جميع أسانيدها مطعونة، ومرفوضة عند علماء الرجال والحديث من أهل السنة أنفسهم.
على انّ المحققين منهم قد اعلنوا عن هذه الحقيقة.
فالعجلوني في كتابة كشف الخفا ذكر مائة باب ممّا لم يصح فيه حديث، وذكر منها فضائل أبي بكر قائلا:
" فضائل أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ أشهر المشهورات من الموضوعات ".
وذكر السيوطي في اللئالي المصنوعة ثلاثين حديثاً من أشهر فضائل أبي بكر " مما اتّخذه المؤلفون في القرون الأخيرة من المتسالم عليه، وأرسلوه ارسال المسلّم، بلا أي سند أو أي مبالات " ثم زيَّفها وحكم عليها بالوضع(1).
على أنّه لو كان لأبي بكر واحدة من تلك المناقب لكان ينبغي أن ينتصر بها عمر يوم كان يدعو لأبي بكر، وينتصر لخلافته، بينما لم نجده ذكر الاّ انّه ثاني اثنين إذ هُما في الغار.
والقدماء قالوا في أبي بكر، وعمر، وعثمان شيئاً كثيراً، لا شاهد له من التاريخ والحديث.
وكما قال طه حسين:
" فالقدماء قد أكبروا هذين الشيخين الجليلين ـ أبي بكر وعمر ـ إكباراً يوشك أن يكون تقديساً لهما، ثم أرسلوا أنفسهم على سجيتها في مدحهما والثناء عليهما.
وإذا كان من الحق إنّ النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) نفسه قد كذب الناس عليه، وكان كثير من هذا الكذب مصدره الإكبار والتقديس، فلا غرابة في أن يكون اكبار صاحبيه العظيمين وتقديسهما مصدراً من مصادر الكذب عليهما ايضاً "(2).
وليس الاكبار وحده هو الذي دعا إلى الوضع والافتراء، إنّما الحرب الطائفية والعصبيات المذهبية، ومصالح الحكم والسياسة، كانت اكثر دعوة إلى الوضع والاصطناع.
لقد قال القدماء:
" إنّ أبابكر من أكابر المجتهدين بل هو أعلم الصحابة على الاطلاق ".
" لم يكن أبوبكر وعمر ولا غيرهما من أكابر الصحابة يخصّان علياً بالسؤال، والمعروف انّ علياً أخذ العلم عن أبي بكر "(3).
وقالوا:
" لو وضع علم احياء العرب في كفّة ميزان ووضع علم عمر في كفة فتاريخ الخلفاء يشهد على أنّهم كانوا يقفون في عشرات وعشرات المرّات في مسائل فقهية قد تكون بسيطة احياناً، ومذكور حكمها في القرآن احياناً أخرى، كما كانوا يقفون أيضاً في تفسير آيات كثيرة من القرآن الكريم. على أن ما يؤثر عنهم من الرواية قليل جداً، سواء في تفسير آيات القرآن، أو في السنّة.
حتّى انّ الحافظ جلال الدين السيوطي قال:
" الرواية من الثلاثة ـ في التفسير ـ نزره جداً... ولا احفظ عن أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ في التفسير إلاّ آثاراً قليلا جدّاً لا تكاد تجاوز العشرة "(4).
وفي السنّة نجد انّ الإمام أحمد لم يذكر لأبي بكر إلاّ ثمانين حديثاً يزيد المتكرر منها على عشرين. أمّا ابن كثير فقد أوصلها إلى اثنين وسبعين، وأنهاها السيوطي إلى مئة وأربعة. وهذا هو أقصى ما يسند له من الرواية.
أمّا عمر ـ رضي الله عنه ـ فالرواية عنه بنفس الندرة، وقد كان يعترف صريحاً بعدم تضلعه بأحكام الشريعة، حينما كان يقول:
" كل الناس أفقه من عمر ".
والحقيقة انّه لا يوجد أي شاهد تاريخي على انّه كان لأبي بكر وعمر ـ فضلا عن عثمان ـ ملازمة علمية لرسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)، ولا نملك رواية واحدة صحيحة حتّى على مقاييس أهل السنّة أنفسهم في إثبات الترابط العلمي بينهم وبين الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم). بينما صحّ من طرق أهل السنّة ثبوت ذلك لعلي وسلمان وأبي ذر مثلا. وكما قلت حرفياً: لا يعيب احداً من الصحابة أن لا يكون قد استوعب الرسالة كلها، أو أن يكون على حظّ قليل من العلم نسبياً.
فلا ينقص الشيخين (رض) انّهم يجهلون كثيراً من السنّة والقرآن، فربما شوهنا يعلم كل أحد أن خطورة موقع القيادة في نفسه، وخطورته بلحاظ طبيعة المرحلة التي تمرّ بها الرسالة، تتطلّب أكبر قدر ممكن من احتواء الرسالة وفهمها، وهذا الاقتناع هو الذي دعا كثيراً من أهل السنة إلى القول جدلا بأن أبي بكر كان أعلم الصحابة.
انّ مصير الأمة والرسالة لا يجوز في عرف الرساليين وفي عرف كل الناس أن يربط بقيادة لا تستوعب تفاصيل الرسالة، ولا تحيط بها علماً.
انّ مشاكل كثيرة تنجم عن هذا التصوّر العلمي.
فمن ناحية دعا هذا القصور إلى فتح باب الرأي والاستحسان، الذي إتّسع بالتدريج، فشمل طرح احكام الشريعة وتجاوزها باسم الصالح العام، ثمّ اتّسع ليشمل طرح احكام الشريعة لمجرد الاستذواق والاستحسان.
ودائماً تكون البداية صغيرة، لكنّها تتضخم وتنمو على التدريج وهكذا حدث. فحينما التزمت خلافة السقيفة بفتح باب الرأي، أو الخروج على الشريعة من أجل الصالح العام والاجتهاد في مقابل النص، ربّما لم تكن تدرك ما ستجرّ إليه هذه البداية.
انّ القصور العلمي في خلافة السقيفة جعل الشريعة كلّها في موقع الخطر، خطر التحريف، والتمييع.
انّه منذ الآن أصبح بوسع الخليفة الحاكم أن يقول كلّ شيء، وأن يصنع كل شيء، ولا مجال للاعتراض.
لقد اعفى أبوبكر خالداً من الحدّ حينما قتل مالك بن نويرة، وكان أبوبكر يعلل ذلك قائلا "اجتهد فأخطأ" و " ما كنت لأُشيم سيفاً سلّه الله " أمّا عثمان فقد أسقط الحدود عمّن يشاء وكيف شاء. اسقط الحدود عن طلقاء بني امية، وآل أبي معيط، وهو في كل ذلك لا يرى انّه قد جاوز فعل أبي بكر.غلتهم مشاغلهم عن ذلك. إنّما الشيء الذي يلاحظ هو ما إذا كانت هذه الدرجة من الاستيعاب كافية لتسلُّم منصب القيادة أم لا؟ة ميزان لرجح علم عمر، ولقد كانوا يرون أنّه ذهب بتسعة أعشار العلم ".
" لو وضع علم عمر في كفّة وعلم أهل الأرض في كفّة لرجح علم عمر "واعتقد انّ كل أحد يعرف مدى المبالغة والاسراف في هذه الأقوال.
وجاء عمر فحرم متعة النساء، ومتعة الحج، ومنع عن زيادة المهور، ونسخ سهم المؤلفة قلوبهم وغير ذلك. أمّا عثمان فقد جاوز ذلك كلّه، فاذا هو يصلّي قصراً أو تماماً كيف شاء. وإذا هو يتلاعب بأموال المسلمين لا لصالح الإسلام، إنما لصالح العشيرة الأموية، وانّه ليقول بكل جرأة: " إنّما أنت خازن لنا " مخاطباً ابن مسعود خازن بيت مال المسلمين.
المؤرخون يذكرون انّ الحكم الإسلامي انتقل من الخلافة إلى الملك، بعد ثلاثين عاماً من وفاة الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم). وهم يقصدون انّ الحاكم أصبح يسوس الناس ويحكمهم لا على أساس من الدين، انّما حسب مصالحه الشخصية.
لكنهم لا يسألون أنفسهم عن سبب هذا الانتقال السريع، فكأنهم يرونه حتماً من الحتم وقدراً من القدر.
أمّا الحقيقة فهي انّ خلافة السقيفة هي التي مهدت ـ ربّما لا عن قصد ـ لذلك كل تمهيد.
فحكم معاوية لم يكن الاّ تسلسلا طبيعياً لحكم عثمان، ومعاوية لم يحدث شيئاً جديداً من حيث الأساس لم يكن قد أحدثه عثمان، إنما الفارق في الدرجة لا أكثر.
وإذا انتقلنا إلى عثمان فإنّا نسمعه يقول:
" ما خالفت أبابكر وعمر ".
ورغم انّ خلافة السقيفة كان تستمع لآراء الصحابة، وتتراجع عن مواقفها في كثير من الأحيان، الاّ ان ذلك لا يعني أبداً انّها كانت متقيدة وملتزمة بالتصويت على رأيها دوماً، وأخذ مواقفة جميع الصحابة.
في كثير من الأحيان كانت تستقل برأيها، وتقطع به من دون مشورة.
فحينما حرَّم عمر متعة النساء ومتعة الحج، ومنع الزيادة في المهور، ونسخ سهم المؤلفة قلوبهم، لم يكن قد استشار أحداً.
ومن الخطأ أن نتصوّر انّ الاعتراض على الخليفة كان أمراً ميسوراً، وتتوفر دواعيه لدى كل أو كثير من الصحابة.
قليلون هم الذين يملكون الجرأة في الاعتراض، ويدركون حقيقة ما يجرّ إليه هذا التحريف مهما بدأ بسيطاً.ومن الخطأ أن نتصوّر انّ الخليفة كان سمح الصدر دوماً بسماع الاعتراض عليه وردّ حكمه.
اخرج مسلم في صحيحه بأربعة طرق عن عبد الرحمن بن أبزي:
" انّ رجلا أتى عمر فقال: انّي أجنبت فلم أجد ماءً؟
فقال عمر: لا تُصلِّ.
فقال عمار: أمّا تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا واقف في سريّة فأجنبنا فلم نجد ماء، فأما أنت فلم تُصلِّ، وأمّا أنا فتمعكت في التراب وصلَّيت، فقال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم): انّما كان يكفيك أن تضرب بيدك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفّيك فقال عمر: اتّق الله يا عمّار.
قال: إن شئت لم أُحدِّث به؟
قال عمر: كلاّ والله ولكن نولّيك من ذلك ما تولّيت "(5).
على ان كل ما حدث لا يعرب لنا عن المسار الحقيقي الذي كانت ستجري عليه خلافة السقيفة لولا وجوه الطليعة الشيعية، ولو لا وجود النَفَس الحي في الأمّة.
فحين كانت خلافة السقيفة تشكو القصور العلمي، وتمارس بالتبع نتائج ذاك القصور، كانت الطليعة الشيعية تمثِّل دور الرقيب الرسالي، كانت تصحح، وتوجّه وتعترض، وتملأ الثغرات العلمية باستمرار.
كان هناك علي، وعمار، وسلمان، وأبو ذر، وابن عباس، والمقداد، يرقبون ما يجري حولم عن كثب، وبترصد. كانوا يرشدون وينصحون، واحياناً يقفون وجهاً لوجه، ممثلين التحدّي الرسالي.
وكان غيرهم أيضاً يشاركونهم في هذا الصنيع.
ومع كل ذلك، لم تسلم خلافة السقيفة من الأخطاء، والزلاّت، وبدايات الانحدار.
إذن أي مدىً كانت ستبلغ لو ألغينا من الحساب وجود الصوت المعارض؟!
وعلى أيّ فالنتيجة التي نخرج بها انّ القابليات العلمية لخلافة السقيفة لم تكن بمستوى حاجة المنصب، وحاجة المرحلة.
درجة الإندماج مع الرسالة:إذا كان شرطاً ضرورياً في القائد الإحاطة العلمية بالرسالة فإنّه ليس أقل من ذلك ضرورة إنصهاره بتلك الرسالة، وبناء كلّ أهدافه، وطموحاته، وعواطفه، وخُلُقه، على النحو المنسجم مع محتوى الرسالة وأهدافها، وانّه بمقدار التفاعل والالتحام مع الرسالة تكون اللياقة لمنصب القيادة أكبر، واعتقد انّنا في غير حاجة لتوضيح هذه الحقيقة الواضحة.
وحينما تكون الرسالة في مرحلة بناء، والأمّة بانتظار المربّي تكون ضرورة تجسيد القائد للرسالة عملياً أكبر وأحكم، فمن خلال هذا التجسيد يستطيع أن ينجح في عملية التربية، وإكمال البناء الرسالي.
وعلى العكس تماماً حينما يبتعد القائد عن واقع الرسالة سلوكياً، فليس فقط يشجع الناس على الانحراف، انّما يعطيهم مفهوماً محرّفاً عن الرسالة.
وانّ مما يدعو للعجب والدهشة انّ الرسول الأكرم (صلی الله عليه وآله وسلم) استطاع خلال أعوام قليلة مكتظة بالأحداث، مملوءة بالمشاكل، أن يخلق جيلا أبدى من الإخلاص والتفاعل والتفاني لرسالته مدىً عظيماً، خلّده لهم تاريخ الرسالات.
وانّ أحداً لا يشكّ انّ الذين عشقوا رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) وأخلصوا له، كانوا على درجة من النبل، والجدية، والوفاء للرسالة نَدَر ان تكون لغيرهم، بل لم تكن أبداً لجيل بعد جيلهم.
وحينما نتحدّث عن الخلفاء الثلاثة بالذات، فإنّما نتحدث عن رجال من كبار الصحابة.
غير انّ القدماء جاوزوا في الصحابة عموماً واقعهم، وكاد أن ينسبوا لهم العصمة، أو قد ينسبوها لهم بالفعل.
وإذا كان هناك ما دعاهم إلى هذا السرف المتعمد الواضح فإنّه لا يوجد اليوم ما يدعونا إلى مثله، وانّ نظرة الإعجاب والتكريم لصحابة النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) لا تغيّب عنّا الحقيقة.
لقد هذّبهم الإسلام أحسن تهذيب، وعُني رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) بتربيتهم أية عناية، ولكن ذلك لا يعني العصمة، كما انّ نصيبهم من التربية والتهذيب مختلف، فهناك من أسلم قبل الفتح ومن أسلم بعده، وهناك من أخلص للإسلام حقّ الإخلاص، ومن ليس بذاك، وهناك من جرت قيم الإسلام في عروقه، ومن لم يهضم تلك القيم. حسب تفاوتهم في النفسية، والتاريخ، والمصلحة، ومجالات الترقي الروحي.
فليس صحيحاً وضعهم في صفّ واحد، والحكم عليهم بكلمة واحدة.
بهذه الروح يجب أن ندخل للكلام عن الخلفاء الثلاثة.
ما هو مستوى تأثّرهم بقيم الرسالة، وتمثلهم لها؟ وإلى أي مدى اكتسحت مفاهيم واخلاق الرسالة رواسب الجاهلية القديمة من نفوسهم؟ وهنا يمكن القول:
انّ قدراً ولو قليلا من تلك الرواسب ظلّ فيهم حيّاً، وأنهم مهما ارتفعوا في معانيهم فإنّ تاريخهم لم يخل من سقطات هنا وهناك بتباعد أو تقارب. حينما دخلوا الإسلام دخلوه وهم يحملون ركاماً من الأخطاء، شأنهم شأن كل الذين عاشوا عصور ما قبل الإسلام، والشيء الذي يدعو للاعتزاز والفخر والإعجاب ان ذاك الركام بدأ سريعاً بالتلاشي والذوبان وبنيت مكانه أخلاقية نزيهة رسالية.
لكن إلى أي حدّ وصلت عملية التغيير فيهم؟
من المبالغة القول بأنه تمّ تصفية كل الانطباعات والتطبعات السلبيّة ذات المسحة العتيقة الضيّقة.
هناك شواهد كثيرة تقنعنا جداً بأن أصول التفكير والخلق غير المتأثر بقيم الإسلام كانت تتحرك، وتدفع، وتشارك في التوجيه.
الفرار من الحرب، والتخلف عن جيش أُسامة، واحراق الفجاءة السلمي بالنار، والشفاعة للمشركين عند رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)، والامتناع عن قتل المارق الذي أمر رسول الله بقتله، هذه كلّها من أفعال أبي بكر (رض) لم تكن بدوافع رسالية واعية بالطبع، وهذه كلّها شواهد عدم الانصهار الرسالي.
المصادر :
1- الغدير، ح 7، ص 88
2- الشيخان، طه حسين، 706.
3- 2الغدير: 181، ح 7.
4- - الغدير: 107، ح 7.
5- الغدير: 83، 6.



 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.