ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: (إذا قام القائم دعا الناس إلى الإسلام جديدا، وهداهم إلى أمر قد دثر فضل عنه الجمهور. وإنما سمي القائم مهديا لأنه يهدي إلى أمر مضلول. وسمي بالقائم لقيامه بالحق)(1)
والسبب في أن الإسلام يكون صعباً شديداً على الحكام وكثير من الناس أنهم تعودوا على البعد عنه، فهم يستصعبون العودة إليه ومبايعة المهدي عليه السلام على العمل به. وقد يكون المقصود بالكتاب الجديد القرآن الجديد بترتيب سوره وآياته، فقد ورد أن نسخته محفوظة للمهدي عليه السلام مع مواريث النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأنبياء عليهم السلام وأنه لا يختلف عن القرآن الذي في أيدينا حتى في زيادة حرف أو نقصانه، ولكنه يختلف في ترتيب السور والآيات، وأنه بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط علي عليه السلام. ولا مانع أن تكون جدة القرآن بالمعنيين معاً.
وردت أحاديث كثيرة منها، أحاديث الدولة الممهدة للمهدي في اليمن، التي وردت فيها أحاديث مدح مطلقة. وسنفردها بالذكر إن شاء الله تعالى.ومنها، أحاديث تحرك المصريين التي يفهم منها مدحهم، خاصة ما ذكر منها أن من أصحاب الإمام المهدي عليه السلام ووزرائه النجباء من مصر.
وما دل منها على أن مصر تكون منبراً للمهدي عليه السلام، أي مركزاً فكرياً وإعلامياً عالمياً للإسلام. وأن المهدي يدخل مصر ويخطب على منبرها.
لذا يمكن عد حركة المصريين في عداد الحركات الممهدة لظهور المهدي عليه السلام، والمشاركة في حركة ظهوره ومنها، أحاديث (عصائب أهل العراق) أي مجموعاتهم (وأبدال أهل الشام) أي مؤمنوهم الممتازون، ومنها، أحاديث المغاربة، التي تتحدث عن أدوار متعددة لقوات عسكرية مغربية في مصر وسوريا والأردن العراق، ورواياتها مختلطة بروايات القوات الغربية وبحركة الفاطميين، ويفهم من الأحاديث ذم هذه القوات.
كما وردت في مصادر الشيعة والسنة أحاديث في ذم حكام العرب بشكل عام، منها الحديث المستفيض: (ويل للعرب من شر قد اقترب، أو ويل لطغاة العرب من شر قد اقترب) فعن أمير المؤمنين عليه السلام قال:(والله لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد، على العرب شديد. ويلٌ لطغاة العرب من شر قد اقترب)/ (ويلٌ للعرب من شر قد اقترب). (2)
والمقصود بالكتاب الجديد: القرآن الذي يكون مهجوراً فيبعثه المهدي عليه السلام من جديد.
وعن الإمام الصادق عليه السلام: (ويل لطغاة العرب من شر قد اقترب. فقلت: جعلت فداك كم مع القائم من العرب؟ قال: شيء يسير. فقلت والله إن من يصف هذا الأمر منهم لكثير، فقال: لا بد للناس أن يمحصوا ويميزوا ويغربلوا ويخرج من الغربال خلق كثير) (3)
ومنها، أحاديث الإختلافات بين العرب في عصر الظهور، التي تصل إلى الحرب بين بعضهم، فعن الإمام الباقر عليه السلام قال:
(لا يقوم القائم إلا على خوف شديد وفتنة وبلاء يصيب الناس، وطاعون قبل ذلك، ثم سيف قاطع بين العرب، واختلاف بين الناس، وتشتت في دينهم، وتغير في حالهم. حتى يتمنى المتمني الموت صباحاً ومساءً من عظيم ما يرى من كَلَب الناس وأكل بعضهم بعضاً)(4)
ومن هذا القبيل أحاديث خلع العرب أعنتها، أي الإنفلات من العقائد والقيم، وإخراج كل ذي صيصية صيصيته، أي إظهار كل صاحب فكرة فكرته والدعوة إليها.
ومنها، أحاديث الإختلاف بين العرب والعجم أي الإيرانيين، أو بين أمراء العرب والعجم وأنه اختلاف يستمر إلى ظهور المهدي عليه السلام، ما عدا ثورة اليماني الممهدة للمهدي عليه السلام، وما عدا الحركات الإسلامية التي تكون مؤيدة للممهدين وللمهدي عليه السلام.
ومنها، أحاديث قتال المهدي عليه السلام للعرب، وقد ورد منها أحاديث قتاله لبقايا حكومة الحجاز جزئياً بعد تحرير مكة المكرمة، والمدينة المنورة وربما عند تحريرها. ثم معركته مع السفياني في العراق، ومعركته الكبرى معه في فلسطين.
وجاء في بعضها قتاله عليه السلام للخوارج عليه في العراق، وإباحته دماء سبعين عشيرة أو عائلة. ولذلك ورد عن الإمام الصادق عليه السلام (إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلا السيف) (5).اشوراء، ويكون يوم سبت كما تذكر بعض الروايات، يدخل الإمام المهدي عليه السلام المسجد الحرام ليؤكد عالمية حركته ويخاطب شعوب المسلمين كلها وشعوب العالم بلغاتها، ويطلب منهم النصرة على الكافرين والظالمين.
فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (يخرج القائم يوم السبت يوم عاشوراء، اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السلام ).(6)
وقد تقدمت الرواية بأنه يخرج يوم الجمعة بعد صلاة العشاء، ووجه الجمع بينهما ما رجحناه من أن ظهوره عليه السلام يكون على مرحلتين، وأن سيطرته على الحرم ومكة ليلة العاشر من محرم تكون مقدمة لإعلان ظهوره للعالم يوم السبت يوم عاشوراء.
ولابد أن يكون لذلك وقع على دول العالم، ودوي كبير في الشعوب الإسلامية، خاصة عندما يخبرهم عليه السلام بأن المعجزة الموعودة على لسان جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم سوف تقع ويخسف بالجيش السوري السفياني الذي يتوجه إلى مكة للقضاء على حركته.
والروايات عن مدة بقائه في مكة وأعماله فيها قليلة، تقول إحداها: (فيقيم في مكة ما شاء الله أن يقيم) (7)، وتذكر أخرى أنه يقيم الحد على سراق الكعبة الشريفة، وقد يكون المقصود بهم حكام الحجاز قبله، ولا بد أن يكون من أعماله عليه السلام مخاطباته للشعوب الإسلامية، وإعلان خطه السياسي العالمي.
وتذكر الروايات أنه يخرج من مكة إلا بعد أن تحصل معجزة الخسف بجيش السفياني، ولكن هذا الجيش على ما يبدو سرعان ما يتوجه إلى مكة بعد إعلان الإمام حركته، لكي يقضون عليها، فيخسف الله بهم قبل أن يصلوا إلى مكة.
نعم تذكر الروايات ردة الفعل الشديدة عند أئمة الكفر الغربيين والشرقيين على نجاح حركته عليه السلام، وأن ذلك سوف يغيظهم كثيراً ويفقدهم أعصابهم .
فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: ( إذا ظهرت راية الحق لعنها أهل الشرق وأهل الغرب. قلت له: مم ذلك؟ قال: مما يلقون من بني هاشم)(8)
وفي رواية:(مما يلقونه من أهل بيته قبله)، وهذا يشير الى الحركة الممهدة قبله عليه السلام وأنه يقودها في الغالب سادات من بني هاشم، وأن الكفر العالمي يلاقي منها ومن تيارها الإسلامي متاعب كثيرة.
ثم يتوجه الإمام المهدي عليه السلام من مكة إلى المدينة بجيشه المؤلف من عشرة آلاف أو بضعة عشر ألفاً كما تذكر الروايات، بعد أن يعين والياً على مكة.
فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (يبايع القائم بمكة على كتاب الله وسنة رسوله. ويستعمل على مكة، ثم يسير نحو المدينة، فيبلغه أن عامله قتل. فيرجع إليهم فيقتل قاتلة ولا يزيد على ذلك)(9)
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: ( يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة (أي أهل مكة) فيطيعونه، ويستخلف عليهم رجلاً من أهل بيته، ويخرج يريد المدينة، فإذا سار منها وثبوا عليه فيرجع إليهم، فيأتونه مهطعين مقنعي رؤوسهم، يبكون ويتضرعون ويقولون: يا مهدي آل محمد التوبة التوبة فيعظهم وينذرهم ويحذرهم، ويستخلف عليهم منهم خليفة ويسير).(10) ، وهذه الرواية لا تشير إلى وجود حركة مقاتلة في وجهه في مكة، وقد يكون المقصود بأنه يقتل مقاتلتهم في الرواية الأولى الأفراد الذين قتلوا واليه على مكة.
وفي طريقه إلى المدينة، يمر على مكان الخسف بجيش السفياني كما تذكر رواية تفسير العياشي عن الإمام الباقر عليه السلام: (فإذا خرج رجل منهم (من آل محمد) معه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عامداً إلى المدينة، فيقول هذا مكان القوم الدين خسف الله بهم، وهي الآية التي قال الله عز وجل: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ. أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ).
وتذكر بعض روايات هذه المعركة نوعاً آخر من الإمداد الغيبي للمسلمين فيها، مضافاً إلى ما ذكرته الرواية المتقدمة: (أنه يسمع يومئذ صوت من السماء منادياً ينادي: ألا إن أولياء الله فلان، يعني المهدي، فتكون الدبرة على أصحاب السفياني، فيقتلون حتى لايبقى منهم إلا الشريد). (11)
والظاهر أن الأحاديث الواردة في مصادر الفريقين عن قتال المسلمين لليهود في آخر الزمان تقصد هذه المعركة، بدليل تشابه مضامينها وتعابيرها، والروايات الواردة في تفسير قوله تعالى: (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً). بالإمام المهدي عليه السلام وأصحابه.
ومن أشهر أحاديثها في مصادر السنة، الحديث الذي رواه مسلم وغيره عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهود من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر يا مسلم هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود). (12)، ويشبهه ما رواه مسلم والترمذي في كتاب الفتن، والبخاري في كتاب المناقب: (يقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم).
كما ورد في أحاديث المهدي عليه السلام من طرق الفريقين روايات عديدة عن استخراجه عليه السلام تابوت السكينة، وأسفاراً من التوراة ومحاجة اليهود بها. ويبدو أن ذلك يكون بعد انتصاره عليهم ودخوله القدس.
ولم أجد في الروايات تحديداً لعدد القوات التي تشترك في هذه المعركة سواء قوات المسلمين مع المهدي عليه السلام أو لعدد قوات السفياني واليهود والروم. وقد ورد في بعضها أن عدد قوات السفياني التي تنزل عند بحيرة طبرية يكون مئة وسبعين ألفاً. ولكن توجد عدة مؤشرات تدل على أن عدد قوات الجانبين تكون كبيرة جداً، منها، ما في الرواية المتقدمة عن الإمام الباقر عليه السلام: (وقد ألحق به ناس كثير). ومنها، سعة جبهة المعركة التي تمتد من طبرية إلى القدس في أكثر الروايات، وبعضها تذكر مرج عكا وصور ودمشق أيضاً.
أما ما ورد في بعض الروايات من أن جيش المهدي عليه السلام يكون بضعة عشر ألفاً فهو جيشه الذي يخرج به من مكة إلى المدينة، وربما اشتبه بعض الرواة بينه وبين جيشه الذي يتوجه به من العراق إلى القدس، ويكون قائده شعيب بن صالح قائد قوات الإيرانيين، فهذا الجيش قد يزيد عدده على المليون جندي، لأنه يكون فيه قوات الإيرانيين واليمانيين والعراقيين وغيرهم من بلاد المسلمين، ثم ينضم إليه أعداد من بلاد الشام، وربما من غيرها.
ومن الطبيعي أن يكون لانتصار الإمام المهدي عليه السلام المفاجئ والكاسح ودخوله القدس الشريفة وقع الصاعقة على الغربيين، وأن يجن جنونهم لهزيمة حلفائهم اليهود وانهيار كيانهم.
وبمقتضى الحسابات السياسية، وما نعرفه من عنفوانهم الحالي، لابد أن يشنوا حملة عسكرية بحرية وجوية على الإمام المهدي عليه السلام وجيشه، وأن يستعملوا كل ما يستطيعون من أسلحة فتاكة.
ولكن يفهم من الأحاديث الشريفة أن عدة عوامل مهدئة تكون موجودة، ولعل من أهمها نزول المسيح عليه السلام في القدس، ثم حالة الرعب التي تتعمق في الغربيين من مواجهة الإمام المهدي عليه السلام.
ويضاف إلى ذلك وسائل الإمداد الغيبي التي يملكها الإمام المهدي عليه السلام ويستعمل بعضها في حركة ظهوره، وإن كان تأثيرها يكاد ينحصر بالشعوب الغربية، ويكون على حكوماتها ضعيفاً أو معدوماً. وقد يضاف إلى ذلك امتلاك المهدي عليه السلام أسلحة متطورة تكافي أسلحة الغربيين، أو تتفوق عليها.
المصادر :
1- الإرشاد للمفيد ص 364
2- البحار: 52/ 11/مستدرك الحاكم:4/: 239
3- البحار: 52/214
4- البحار:52/231
5- البحار:52/355
6- البحار:52/285
7- البحار:52/334
8- البحار:52/363
9- البحار:52/308
10- البحار:53/11
11- ابن حماد ص 97
12- التاج الجامع للأصول:5/356 وأحمد:2/417
/ج