(1288 ـ 1335هـ/1871 ـ 1916م) عبد الحميد بن محمد شاكر بن إبراهيم الزهراوي، من زعماء النهضة السياسية في سورية، ولد في مدينة حمص من أسرة كريمة يرجع نسبها إلى الإمام الحسين ابن السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، ولما أتم السادسة من عمره، ألحقه والده في الكتّاب فتعلم القراءة والكتابة والحساب، واللغة التركية على يد الشيخ مصطفى الترك، ثم نقله والده إلى المكتب الرشيدي بحمص، فأتم دروسه فيها وفاق أقرانه، وحصل على شهادة «التحصيل»، ومن ثم عكف على تحصيل العلوم بأنواعها، فقرأ العربية وفنونها على مجموعة من شيوخ حمص، وتلقى الفقه الحنفي على أستاذه الشيخ حسن الخوجة، والحديث والتفسير والعقائد على الشيخ عبد الستار الأتاسي، وقرأ الأصول والكلام على الشيخ عبد الباقي الأفغاني نزيل حمص المتوفى فيها. وكان الزهراوي يجهد نفسه بمطالعة الكتب في كل فن.
وفي عام 1890م، سافر إلى الآستانة بقصد السياحة ومنها إلى مصر، حيث حلَّ ضيفًا على نقيب الأشراف توفيق البكري، فأتيحت له فرصة الاتصال بعدد من الأدباء والعلماء، ثم رجع إلى حمص، وفيها أصدر جريدة سماها «المنير» نشر فيها مجموعة من المقالات في الإمامة وشروطها، وانتقد أعمال الحكومة الجائرة. وفي عام 1895م، سافر إلى الآستانة بقصد التجارة، فاتخذ فيها متجراً، ولما كان مُيسرًا للعلم والحكمة والإصلاح لا للتجارة ثقلت عليه أعباؤها فهجرها لينصرف إلى البحث والتحصيل، فعكف على مطالعة الفنون والعلوم في دور الكتب العمومية، وفي أثناء ذلك اتصل بصاحب جريدة «المعلومات» وكلّفه بتحرير القسم العربي فيها، فكتب المقالات الأدبية والإصلاحية، التي لم يكن يتجرأ أحد في البلاد العثمانية على كتابتها، مما ألّب عليه الحكومة العثمانية، فاستغلت زيارته لسفارة «إنكلترا» مع إسماعيل الألباني فأوقفت الجريدة لمدة أربعة شهور، ثم أرسلته السلطة إلى دمشق ليقيم فيها إقامة إجبارية كتب خلالها رسالة في الإمامة وشروطها، نشرها في«المقطم» ورسالة في الفقه والتصوف مما أثار فقهاء الشام الذين ألبوا العامة عليه، وكادوا أن يوقعوا به، لولا أن قام والي دمشق ناظم باشا بتدارك الأمر فأحضر أولئك المحرضين وجمعه بهم في مجلس خاص للمباحثة في موضوع الرسالة، وطلب منهم إثبات ما زعموه، من أنها محالفة للدين، فكانت حجته هي الظاهرة الدامغة.
ولما أخفقت تهمهم الدينية، أثاروا عليه تهماً سياسية، فأرسل إلى الأستانة ليوضع تحت الإقامة الجبرية عدة شهور، ثم أرسل إلى حمص ليقيم فيها إقامة قسرية لم يستطع احتمالها، ففر هارباً إلى مصر عام 1902م، فاتصل برجال النهضة والإصلاح من مصريين، وممن هاجر إليها من الأقطار العربية، هرباً من ظلم الدولة العثمانية،ثم اتصل به الشيخ علي يوسف وطلب إليه أن يعمل محرراً في «المؤيد»، فأنتقل للعمل مع أحمد لطفي السيد محررًا ومصحَّحًا في «الجريدة»، حيث تابع نشر المقالات ذات الاهتمامات المختلفة الهادفة جميعها إلى الإصلاح، وبقي في مصر حتى عام 1908م، حين أعلنوا الدستور، فطلبه أصدقاؤه في حمص، ليكون مندوباً عنهم في مجلس «المبعوثان»، فانتخب وذهب إلى الآستانة ليكون صوته من أقوى الأصوات وأعلاها في إقامة الحجة والبرهان، إذ كان الزهراوي خطيبًا مفوهًا ومصلحًا اجتماعيًًّا فذًّا.
وبعد أن انحرفت «جمعية الاتحاد والترقي» عن مبادئها عارضها الزهراوي وتصدى لها، وأسس مع أحد أصدقائه «شاكر الحنبلي» جريدة «الحضارة الأسبوعية»، ومالبث أن استقل بها، ثم شارك في تأسيس حزب «الحرية والاعتدال» و«حزب الائتلاف»، وقد شغل الزهراوي فيه وكيل المجلس.
والمتتبع لمقالات الزهراوي يحسّ بشعوره القوي بضرورة دعم القومية العربية وشد أزرها. وهو السبب الذي أثار حفيظة الأتراك عليه، ولاسيما بعد أن قام مع نفرٍ من أعلام العرب وأحرارهم بتأليف حزب «الحرية والاعتدال» وحزب «الائتلاف» الذي أخذ يطالب بالإصلاح، ويندد بسياسة الاتحاديين الرامية إلى التتريك وكبت حرية الأقوام التي تعيش في ظل الامبراطورية العثمانية.
وعندما حلّ مجلس «المبعوثان» عاد الزهراوي إلى حمص استعداداً للانتخابات القادمة، وجرت الانتخابات بظروف سيئة، ولم ينجح الزهراوي فيها فعاد إلى الآستانة ليتابع عمله في جريدته، وشكّل حزبه ائتلافًا مع حزب الأهالي ضموا إليه عدداً من النواب والضباط وتغلب حزب الاتحاد على حزب الائتلاف، وألف الوزارة، وألغى مجلس المبعوثان الجديد فعاد الزهراوي إلى وطنه، ووقعت حرب البلقان فسافر إلى مصر وانتخب في حزب اللامركزية المؤلف هناك، ثم غدا رئيسًا للمؤتمر الذي انعقد في باريس من أجل مطالبة الحكومة العثمانية بإصلاح بلاد العرب، وكان الزهراوي في أثناء إقامته في باريس محل إعجاب الجميع في اعتداله، إذ جاء في جريدتي Le matin و Le temps وهما من أكبر الصحف الفرنسية وقتئذ:«إن السيد عبد الحميد الزهراوي، كان للمؤتمر بمثابة الدماغ في الجسد».
وبعد أن أنهى المؤتمر أعماله بقي مع نفر من رفاقه في باريس للمطالبة بالحكم اللامركزي لسورية، فلجأت الحكومة الاتحادية إلى الحيلة، فاستدرجته إلى الآستانة ليعين عضواً في مجلس الأعيان ليشرف على إنجاز وعودهم الإصلاحية الخُلَّبية، إلى أن نشبت الحرب العالمية الأولى، فعُين جمال باشا السفاح، قائداً عاماً في سورية بصلاحية واسعة، لينفذ أوامر الحكومة الخادعة بالإصلاح الذي كانت تنويه، وهو الانتقام من متنوري أبناء العرب، واتخذت الحرب فرصة لتنفيذ ما تكنه صدورهم من الضغينة والحقد، فألقي القبض على الزهراوي، وأعدم في دمشق مع عدد من وجهاء المحافظات السورية دون محاكمة و لاسؤال، في 23 نيسان، لينضم إلى قافلة الشهداء الأبرار الذين قضوا من أجل الدفاع عن حرية وطنهم واستقلاله.
كتب عبد الحميد الزهراوي في مواضيع عدة، منها ماحوته جريدة الحضارة، ومنها مقالات في التربية في جريدة «ثمرات الفنون البيروتية» نشرها قبل إعلان الدستور، ومنها مانشره في «المؤيد والمعلومات العربية، والجريدة، والمنير»، وله كتاب: «نظام الحب والبغض» نشر منه عدة فصول في «المنار» ولم يكمله لموانع سياسية،وله رسالة في «الفقه والتصّوف» مصر 1901م، وكتاب «السيدة خديجة أم المؤمنين» وقد طبع عام 1927 بمطبعة المنار، وله أيضاً رسالة في النحو وأخرى في المنطق وغيرها في علوم البلاغة والمعاني والبديع، وكتاب في الفقه قريب المأخذ، سهل العبارة، يدعم مسائله بالأدلة الدامغة، وألقى عدة محاضرات في بيروت وحمص، إضافة إلى شعر لطيف في كل باب من أبواب الشعر، ومساجلات مع بعض أصحابه.
عبد الحميد الزهراوي
Saturday, January 31, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.
آخر أعلام
الأكثر زيارة في الأسبوع
موارد بیشتر برای شما
الشعر في مشهد، العاصمة الدينية لإيران
الانهيار البطيء للنظام السعودي..بن سلمان وحيدا في القمة!
معركة فاصلة على الرئاسات الثلاث في البرلمان العراقي
امريكا تصعد هجماتها الإعلامية ضد وزيرخارجيتها السابق
كاتب بريطاني: ابن زايد يستغل جهل ابن سلمان
مفاجأة... لماذا قرر عمر البشير حل الحكومة؟
الأنواء تعلن حالة الطقس في العراق للأيام المقبلة
اليابان تجرب مصعدا إلى الفضاء!
استخدام تقنية التعرف على الوجه في مطارات الهند
روسيا تستأنف إنتاج أضخم "سفينة طائرة" في العالم
جماعة علماء العراق: حرق القنصلية الايرانية تصرف همجي!!
البرلمان العراقى يعقد جلسة استثنائية لمناقشة الأوضاع بالبصرة اليوم
قمة طهران تخطف صواب الغرب وتذهل ساسته
معلومات لم تسمعها عن "المختار الثقفي"..من أديا دوري الامام الحسين وأخيه قمر بني هاشم؟!
الأمم المتحدة تطالب الصين بالإفراج عن مليون مسلم من الأويغور