ابن زيـدون

Monday, February 2, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
ابن زيـدون

(394 ـ 463هـ/1003 ـ 1070م) أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزومي الأندلسي، فهو عربي صميم ينتهي نسبه إلى بني مخزوم قبيلة خالد بن الوليد. وزير، كاتب، شاعر.

ولد في قرطبة، وكان أبوه فيها قاضياً وجيهاً جمّ العلم والأدب (354ـ405هـ)، فنشأ ابن زيدون ميالاً إليهما. وساعده على الانكباب على العلم والتحصيل نشأته في قرطبة، التي كانت موئل العلوم والآداب في الأندلس. فأخذ العلم والأدب عن أبيه ومشاهير العلماء في مدينته، وحفظ كثيراً من آثار الأدباء وأخبارهم، وأمثال العرب وحوادثهم، ومسائل اللغة، وأصبح بذلك علماً من أعلام العلم والأدب في قرطبة، ونال شهرة واسعة في مجالسها الأدبية والاجتماعية. وكان لبعض النساء المثقفات أثر عظيم في هذه المجالس، ولبعضهن منتديات أدبية، فأثر ذلك في أخلاق الأدباء، وتسابقوا إلى نيل الحظوة عند أولئك النساء الأدبيات، وظهرت آثار ذلك في نثرهم ونظمهم، ومنهم ابن زيدون.

ومما يميز ابن زيدون منذ صغره أنه كان ذا شخصية بارزة في علاقاته مع الناس، ثم كان منذ شبابه ذا طموح سياسي قوي، أخذ عليه مسالكه ووجوه اهتمامه، حتى حمله على الاشتراك بثورة أبي الحزم بن جهور على آخر خلفاء بني أمية لقلب الحكم، فبوأه ذلك مكانة كبيرة عند ابن جهور (من ملوك الطوائف في الأندلس)، إذ جعل ابن زيدون كاتبه ووزيره، ولقبه بذي الوزارتين (يعني السيف والقلم) ولمّا يبلغ الثلاثين من العمر، وكان السفير بينه وبين سائر ملوك الأندلس، إلا أن هذه النعمة لم تطل بابن زيدون، إذ إن حساده ومنافسيه راحوا يكيدون له عند ابن جهور، ولاسيما ابن عبدوس، الذي كان ينافسـه على المركز السياسي، وعلى قلب ولادة التي كان يحبها كل منهما. فما زالوا كذلك حتى أوغروا عليه قلب أبي الحزم بن جهور فألقاه في قرارة السجن.

واستظهر بعض المستشرقين أن سبب حبسه اتهامه بمؤامرة لإرجاع الأمويين إلى الحكم. لكن ذلك لم يثبت تاريخياً. ثم إن ابن زيدون نفسه ذكر في بعض قصائده طول مكثه في السجن في غير ذنب جناه، وما هي إلا دسائس ووشايات. ومن ذلك قوله:

لم تَطْوِ بُردَ شبابي كبرةٌ، وأرى

          برق المشيب اعتلى في عارض الشعر

قبل الثلاثين، إذ عهد الصبا كثَبٌ

          وللشـبيبـة غصـنٌ غيـر مهتصـرِ

إن طال في السجن إيداعي،فلا عجبٌ

          قد يودَع الجفنَ حـدُّ الصـارم الذكَـرِ

وإن يثـبّط أبا الحزم الرّضى قـدَرٌ

          عن كشف ضُرّي، فلا عتبٌ على القدَرِ

ما للذنـوب التي جـاني كبـائرها

          غيري، يحمّـلني أوزارهـا وَزَرِي ؟

وهكذا أخذ ابن زيدون يستعطف ابن جهور بعدة قصائد ورسائل عجيبة، منها رسالته المعروفة بالجدّية. ولكنها لم تُلن له قلباً. وأخيراً هرب ابن زيدون من سجنه واختفى بقرطبة، يتنقّـل فيها من منزلٍ إلى منزل، وقد يذهب إلى ضاحيتها «الزهراء» ليتوارى في نواحيها، ويتسلى برؤية ما فيها، وهناك كان يتذكر ولادة ويتشوق إليها، ويصف قلقه، ويعاتبها على نسيان عهده. ومما كتبه إليها ـ وهو على هذه الحال ـ قصيدته القافيّة المشهورة التي يقول فيها:

إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا

           والأفق طلْق،ووجه الأرض قد راقـا

وللنسيم اعتلالٌ في أصائـله

           كأنـه رقّ لـي فاعتـلّ إشفـاقـا

يوم كأيام لذاتٍ لنا انصرمت

           بتـنا لهاـ حين نـام الدهرُ ـ سرّاقـا

ثم استجار بصديقه أبي الوليد بن أبي الحزم بن جهور مستشفعاً به إلى أبيه فشفعه، وبقي في قرطبة.

وفي عام 435هـ مات أبو الحزم بن جهور وخلفه ابنه أبو الوليد محمد، فاستوزر ابن زيدون ولكن عقارب الحسد والوشاية عادت فعملت على الكيد له والتفريق بينه وبين صديقه ابن جهور، فخشي عندها أن يلقى من الابن ما لقي من الأب ففرّ من قرطبة، وأخذ يتنقل في أرجاء الأندلس إلى أن استقر به الأمر أخيراً، عام 441هـ، عند بني عباد في إشبيلية. وكان يحكمها المعتضد بن عبّاد فاستخلص ابنَ زيدون إليه وبالغ في إكرامه، وولاه الوزارة، واستمر وزيراً من بعده لابنه «المعتمد» الذي انتقل إلى قرطبة وجعلها مقر ملكه بعد أن استولى عليها بتزيين ابن زيدون وهمّته، وبذلك استطاع هذا أن يرجع إلى بلده قرطبة ليعيش فيها بقية عمره. ولكن فتنة حدثت في إشبيلية فزيّن الحساد للمعتمد بن عباد أنه لا يمكن أن يقضي عليها إلا ابن زيدون لحب أهل إشبيلية له ومكانته عندهم، فأمره المعتمد بالسفر إليها على الرغم من مرضه، ثم ألحق به ابنه أبا بكر، محمداً، الذي كان قد استخلفه في قرطبة، فكأن ابنه قد سافر إلى إشبيلية ليعتني بدفن أبيه وتشييعه فيها، حيث وافاه الأجل بعد أن أنجز مهمته وذلك في صدر رجب 463هـ.

ويمكن أن نتلمس في حياة ابن زيدون مؤثرات ثلاثة اجتمعت على تكوين شخصيته وصهرها في بوتقة واحدة، وكان لها أثرها البالغ في حياته وفي أدبه، شعره ونثره، وهي: طموحه السياسي، مع ما تبعه من أحداث سياسية وتقلبات مختلفة. حبه لولادة وتعلّقه بها طوال حياته. سجنه الذي أمضّه وآلمه، وأذكى شاعريته وحرّك أعماق نفسه.

وبذلك كله بلغ ابن زيدون في حياته درجة عالية من الشهرة وذيوع الصيت، فكان الوزير المجلّي، والمحب المخلص، والسجين المعتدّ بنفسه كل الاعتداد، والصابر كل الصبر، كما كان الشاعر المجيد والناثر البليغ، فحمل لواء الزعامتين في النظم والنثر، وقلما نجد إنساناً يبدع فيهما معاً ويجيد كل الإجادة.

وإلى جانب ذلك كله كان أدبه مرآة صادقة لأدب عصره الزاهي وثقافته من جهة، ولسيرة حياته وتقلباته من جهة أخرى، فضلاً عن مزايا شخصيةٍ كان ابن زيدون يتمتع بها من حسن الروية، وسرعة البديهة وقوة الذلاقة، وقدرة على تصوير ما يشعر به، وعلى التعبير عما يجول في خاطره شعراً أو نثراً.

ومن يقرأ شعر ابن زيدون ونثره، ويتقصى أخباره وأخبار عصره يجد أنه يرقى إلى مرتبة زعماء البيان العربي عامةً، وأنه إمام من أئمة عصره. فقد طارت شهرته شاعراً وكاتباً، وقال فيه ابن بسام الأندلسي: «كان أبو الوليد غاية منثور ومنظوم، وخاتمة شعراء بني مخزوم».

وصارت رواية الناس لشعره من أدوات استكمال الظَّرْف فقال بعض الأدباء: «من لبس البياض، وتختّم بالعقيق، وتفقّه للشافعي، وروى شعر ابن زيدون، فقد استكمل الظَّرف».

ولاغرو ففي شعره ذلك اللون الرائع من الفنية الشعرية المحببة التي تمتزج بالنفس، وتهيمن على القلب، لافتنانه في الأداء والتعبير، وإبداعه في تصوير أروع المعاني الجديدة، وأدق الخوالج النفسية، مع طبيعة سمحة، لا التواء فيها ولا تكلف.

ولم يتجاوز الصواب من لقبه بـ «بحتريِّ المغرب» تشبيهاً له بالشاعر العباسي أبي عبادة البحتري الذي يوصف شعره بسلاسل الذهب، لعذوبته ورقته وجمال صوره وحلاوة موسيقاه.

ولابن زيدون ديوان شعر طبع مراراً، وأجود طبعاته وأكملها تلك التي حققها وشرحها علي عبد العظيم وطبعت في مصر سنة 1957م.

ويضم هذا الديوان أكثر فنون الشعر المعروفة، ولكن بعضها أظهر من بعض بحسب طبيعة الشاعر نفسه والمؤثرات في حياته وبيئته وأدبه، ويُلاحظ أن ابن زيدون تغزل وافتخر، ومدح واستعطف، ورثى وهجا، وشكا الدهر وغدر الناس، ووصف الطبيعة ومجالس الخمر، ومزج ذلك بأوصـاف المرأة مزجـاً عجيباً ومبتكراً، كما نظم في الإخوانيات والمداعبات. ويشغل الغزل أكبر قسم من ديوانه، وبعده تأتي الشكوى من الدهر وغدر الناس، ثم الاستعطاف والمدح، فسائر الأغراض الأخرى.

ويلاحظ على ابن زيدون في هذه الفنون الشعرية كلها أنه صادق في كل ما ينظم، وأنه يعبر عن تجارب قلبية شخصية عاشها واكتوى بنارها، وأن نفسه موزعة بين عاملين اثنين يعتلجان في نفسه:

أولهما: عامل الشعور بمكانته وشخصه. وهذا يدفعه إلى الفخر والإدلال بنفسه ومواهبه.

والعامل الثاني: خضوعه لسلطان الحب، أو سلطانه الذي يستوزر له، أو سلطان الدهر، فتراه في أكثر قصائد الاستعطاف والمدح والغزل والشكوى يخضع حيناً ويذلّ، ثم لا نلبث حتى نرى قناته تستقيم، وكبرياءه تستيقظ، فيزهو بنفسه ويفتخر.

فأما غزله فهو وثيق الصلة بولادة التي أخلص لها الحب، وحافظ على العهد حين لم تحفظ هي ودّه وتغيرت عليه، وأحلت في قلبها منافسه ابن عبدوس لكنه مع ذلك كله بقي يذكرها طوال حياته ساخطاً عليها أو باكياً لذكراها على الرغم من بعده عنها وانتقاله من قرطبة إلى إشبيلية، فأخرج لنا أروع القصائد الغزلية، وألهمته شاعريته الخصبة أسمى ألوان الخيال الرفيع، والغزل الرقيق، وزاد في لهيب حبه تودد خصمه ابن عبدوس إلى ولادة حتى حظي بقلبها وحبها، وحتى حدث شيء من النفور بين ابن زيدون وولادة، وأشهر شعره في ذلك قصيدته التي يقول في مطلعها:

أضحى التنائي بديـلاً من تدانيـنا

                          وناب عن طيب لقيانا تجافينا

ألا ـ وقد حان صبح البين ـ صبّحنا

                          حَينٌ، فقـام بنا للحين داعينا

من مبلـغ المُلبسـينا بانتـزاحهمُ

                          حزناً مع الدهر لا يبلى ويُبلينا

أن الزمان الذي مازال يضحكنـا

                          أنسـاً بقربهمُ قد عـاد يبكينا

وولادة سليلة بيت الخلافة الأموية، وكانت شاعرة أديبة، ومتحدثة بارعة، ماهرة في الموسيقا والغناء، تتصف بجمال فتان، وقد أنشأت لها ندوة أدبية يتسابق إليها الوزراء والأدباء، وشغف بها كثير منهم، وخاصة ابن زيدون، ولم تتزوج حتى توفيت سنة 484هـ وقد قاربت المئة. ومما قال فيها:

متى أبثـك ما بي

          يا راحـتي وعذابـي

متى ينوب لساني

          في شرحه عن كتابي ؟

الله يعـلم أنـي

          أصبحت فيك لما بي

فلا يطيب منامي

          ولا يسـوغ شـرابي

وأما وصف ابن زيدون فهو جيد بالغ الجودة كان ما يصفه مرتعاً لذكرياته التي تعيد إلى فكره صور لياليه الماضية في أحضان الطبيعة وظلالها الوارفة ممتزجة بذكريات هواه، فأتى الوصف ممتزجاً بالغزل.

أما فيما عدا ذلك فلم يكن لأوصاف ابن زيدون قيمة تذكر، كوصف الكأس، ووصف العنب وما إلى ذلك لأنه كان يتصنع فيما يقول، ويتكلف فيما ينظم.

وأما مدحه فهو تقليدي، لا يخرج عما ألفه شعراء المشرق ولاسيما البحتري، وممن مدحهم ابن زيدون: أبو الحزم بن جهور، وابنه أبو الوليد بن أبي الحزم، والمعتضد بن عباد، وابنه الملك الشاعر المعتمد بن عباد. وإذا مدح مزج مدحه بالاستعطاف والعتْب. وربما افتخر بفضله، وربأ بنفسه عن أن يكون ألعوبة في أيدي الحوادث، ويرى أن سبب تعسه حقد أعدائه عليه، لما اتصف به من فضل وعلم. وكثير من شعره المدحي في هذه المعاني، كقوله:

لا يهنئُ الشامتَ المرتاحَ خاطرُه

           أني معنّى الأماني ضائعُ الخطَرِ

هل الرياحُ بنجم الأرض عاصفةٌ

           أم الكسوف لغير الشمس والقمر؟

وهذا الحديث يتصل أيضاً بما في شعر ابن زيدون من شكوى الدهر، وهو إنما يشكوه بقلبه وروحه قبل أن يشكوه بلسانه وقلمه، فقد ذاق من الدهر حلوه ومره، وقاسى من الألم وكيد الحسّاد ما يزلزل الصُّمّ الصلاب، ولا ننسى ما كان لسجنه من أثر في إذكاء قريحته، وإلهاب قلبه وشعوره، فإذا أضفنا إلى ذلك عزة نفسه وطموحه السياسي الكبير، أدركنا ما يعتلج في نفسه الحساسة المضطرمة من أمواج نفسية صاخبة، تغضب حيناً وتهدأ أحياناً هدوءاً يشبه ما بعد العاصفة.

وإلى جانب ديوان الشعر الذي خلفه لنا ابن زيدون، وضم ما وصل إلينا من أشعاره، فقد ترك آثاراً ورسائل نثرية تمثل شخصيته وأدبه وبيئته وعصره، وكانت، كشعره، صادرة عن تجارب صادقة وحوادث عايشها، وكل ذلك لم يكن بعيداً عن نفسه ومعاناته في الحب، والسجن عامة ً.

وهذه الرسائل هي:

الرسالة الهزلية: كتبها ابن زيدون على لسان ولادة، وأرسلها إلى ابن عبدوس - الذي كان يزاحمه على حب ولادة - يتهكم بها عليه، وينال منه ويتشفى، ولعل ولادة لم تكلفه كتابتها.

وفي الرسالة إقذاع وهجاء، وتكشف عن نفس ابن زيدون الساخطة الحاقدة التي لا تعرف الرحمة. ويبدو تأثره فيها برسالة التربيع والتدوير للجاحظ.

وقد شرح هذه الرسالة الأديب الشاعر ابن نباتة (ت768هـ) في كتاب سماه «سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون» وقد طبع غير مرة، ونقتطف من أول تلك الرسالة قول ابن زيدون:

«أما بعد، أيها المصاب بعقله، المورَّط بجهله، البيّنُ سقَطُه، الفاحش غلَطُه، العاثر في ذيل اغتراره، الأعمى عن شمس نهاره، الساقطُ سقوط الذباب على الشراب، المتهافت تهافت الفَراش إلى الشهاب، فإن العُجْب أكذبُ، ومعرفةَ المرء نفسَه أصْوبُ. وإنك راسلتني مستهدياً من صلتي ما خلتْ منه أيدي أمثالك..».

الرسالة الجديّـة: كتبها ابن زيدون في سجنه إلى أبي الحزم بن جهور، يستعطفه بها، ويبرئ نفسه من التهمة التي كالَها له أعداؤه. وقد أثار هذا الحبس في نفسه عاطفة فنية جديدة رققت من خيالـه الشعري وأثارت آلامه.

ولهذه الرسالة شهرة كبيرة أيضاً في الأدب العربي. وقد شرحها العلامة الصفدي (764هـ) في كتاب سماه «تمام المتون في شرح رسالة ابن زيدون». ونقتطف من مطلعها قوله مخاطبـاً ابن جهور:

«يا مولاي وسيدي الذي ودادي له، واعتمادي عليه، واعتدادي به، وامتدادي منه، ومن أبقاه الله تعالى ماضيَ حدّ العزم، واريَ زند الأمل، ثابت عهد النعمة. إن سلبتَني ـ أعزّك الله ـ لباس نعمائك، وعطَّلتَني من حلْي إيناسك.. وغضضت عني طرف حمايتك، بعد أن نظر الأعمى إلى تأميلي لك، وسمع الأصم ثنائي عليك.. فلا غرو، قد يغصّ بالماء شاربه، ويقتل الدواءُ المستشفيَ بـه، ويـؤتى الحـذِرُ من مأمنه».

وقد اشتهر ابن زيدون بهاتين الرسالتين لجودة أسلوبهما النادر المثال، ولاحتوائهما على كثير من الأسماء التاريخية، والأمثال العربية، والأبيات المختارة السائرة. وهاتان الرسالتان صورة لثقافة ابن زيدون وفكره، وهو لا يجري فيهما على سنن واحد في الأسلوب والطريقة، ونراه يكلف بالسجع والصنعـة في رسالتـه الهزلية، في حين يرسل نفسه على سجيتها في رسالته الجدية ولا يحرص على السجع حرصه عليه في الرسالة الأولى.

 وإلى جانب هاتين الرسالتين الطويلتين، رسائل أخرى لم تبلغ شهرتهما أوردها ابـن بسام في كتابه «الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة» أو مختارات منها، وعددها خمس رسائل متفاوتـة في طولها، وهي: الرسالة البكرية: كتبها ابن زيدون إلى أستاذه وصديقه أبي بكر بن مُسَلّم النحوي، عاتباً وآملاً وشارحاً موقفه، وأتبعها بقصيدة مؤثرة، والرسالة المظفرية: كتبها إلى المظفر سيف الدولة أبي بكر بن الأفطس، أمير بطليوس، مستشفعاً متودداً، والرسالة العامرية: كتبها من قرطبة إلى صديقه أبي عامر بن مسلمة بإشبيلية، والرسالة العبّادية: كتبها إلى المعتضد بن عباد (الأب)، والرسالة العبّادية (رسالة ثانية): كتبها إلى المعتضد بن عباد بعد أن غادره إلى قرطبة، وقطعة نثرية بعنوان » ليلة نعيم » وردت في كتاب الذخيرة أيضاً، وصف فيها ابن زيدون ليلة طواها مع ولادة.

وهذه الرسائل والنصوص النثرية كلها ضمّها ديوان ابن زيدون مجموعةً إلى قصائد الديوان الذي سبق ذكره والذي جاء بعنوان: «ديوان ابن زيدون ورسائله».

ولا بد من الإشارة إلى أن المقّـري ذكر في » نفح الطيب » أن لابن زيدون كتاباً مفرداً جامعاً في تاريخ خلفاء بني أمية بالأندلس، سماه «التبيين على منزع التعيين في خلفاء المشرق للمسعودي» وقد ضاع كتاب المسعودي كما ضاع كتاب ابن زيدون ولم يبق منه إلا مقطوعتان حفظهما لنا نفح الطيب، وأوردها علي عبد العظيم في «ديوان ابن زيدون ورسائله» نقلاً عن «النفـح». وقولـه «على منـزع» يعني «على منهج».



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.