(303 ـ 356هـ/915 ـ 963م) علي بن عبد الله بن حمدان الأمير الفارس الأديب مؤسس السلالة الحمدانية في حلب.
ولد علي بن عبد الله في ميافارقين أشهر مدن ديار بكر من أسرة حمدان التي كان لها أثر على مسرح الأحداث العامة للدولة العباسية سياسياً وحربياً، وكان أبوه عبد الله بن حمدان، الذي لُقب لفرط شجاعته بأبي الهيجاء يلي أمر الولايات حيناً في فارس وأحياناً في الموصل ويخوض الحروب ويسهم في عزل الخلفاء، وهناك من أبناء حمدان بن حمدون من نبه ذكرهم، وإن كان التاريخ لم يفسح لهم مكاناً رحيباً.
تفتحت أنظار علي بن عبد الله على أمجاد أبيه وأعمامه، وعاش في تياراتها وسمع ببطولاتهم، فلما قتل أبوه سنة 317هـ/929م رعاه أخوه الحسن (ناصر الدولة) فنمّى فيه روح المغامرة الأصيلة في نفوس أبناء الأسرة الحمدانية.
عاش علي بن عبد الله بين الموصل ونصيبين، وميافارقين، ونشأ أديباً محباً للأدباء والشعراء كما نشأ فارساً أيضاً، فلم يكد يبلغ الخامسة والعشرين من عمره حتى انطلق على رأس جيش مقتحماً بلاد الروم البيزنطيين وتوغل إلى حصن زياد في قلب بلاد الأعداء (حصن بأرض أرمينية عرف في القرن السابع الهجري باسم خرْتبرت وهو بين آمد وملطية)، فخرج إليه امبراطور الروم في مئتي ألف مقاتل وهو عدد لا قبل للأمير المغامر بملاقاته، فأعمل فكره بملاقاته، ولجأ إلى المراوغة والتقهقر المنتظم حتى يطمع فيه الجيش المدافع، حتى إذا استدرج جيش الأعداء إلى الأرض التي يريدها بين حصني زياد وسلاّم انقض الأمير عليهم وهزمهم شرّ هزيمة، وأسر منهم عدداً كبيراً من القادة وأخذ سرير الدمستق (القائد الأعلى) وكرسيه، وكان ذلك موافقاً عيد الأضحى لسنة 326هـ/937م.
لم يمض عامان على غزوته الظافرة لبلاد الروم حتى أقدم على غزوة جديدة فانطلق من نصيبين التي كان أخوه قد ولاه عليها إلى قاليقلا (من مدن أرمينية العظمى)، وكان بالقرب منها مدينة جديدة يجدُّ الروم في إنشائها وأطلقوا عليها اسم «هَفجيج» فلم يكد الروم يحسون بمسير الأمير العربي إلى مدينتهم التي لم ينتهوا من إنشائها حتى خرَّبوها وتخلوا عنها. وتوغل سيف الدولة في أرض البيزنطيين ووطئت أقدامه مواطئ لم يصل إليها أحد من المسلمين قبله، وقد عرض الشاعر النامي لهذه الأحداث مخاطباً علي بن حمدان:
نادَى الهُدى مُستصرِخاً فأجبته
بقاليقلا إذ أنت بالخيل سهّما
ولم تتعد هفجيج أيدي بناتها
أبدتهم تحت السنابكِ رُغّما
وحينما استولى البريديون أصحاب البصرة على بغداد سنة 330هـ/941م، استنجد الخليفة بالحسن والي الموصل، وخرج هارباً في طريقه إليها، فكتب الحسن إلى أخيه علي المقيم في نصيبين أن يهب لإنقاذ الخليفة، فاصطحب الأمير الحمداني الخليفة على رأس جيش متجهين إلى بغداد لاستردادها من البريديين ولحق بهم الحسن بن حمدان، فترك البريديون بغداد وولوا الأدبار نحو الجنوب، ودخل الخليفة إلى عاصمته وخلع على الحسن بن حمدان لقب ناصر الدولة. وخلع على علي بن حمدان لقب سيف الدولة وأمر أن تكتب أسماؤهم على الدنانير والدراهم.
بعد تخلي ناصر الدولة عن منصب إمرة الأمراء سنة 331هـ، عاد إلى الموصل، ومكث سيف الدولة في نصيبين التي كانت مأمنه ومستقره وموطن أمواله وضياعه، وعندما بلغته أخبار الشام واضطراب الأمور فيها وأنها لم تستقم للإخشيد الذي كان قد مدّ نفوذه إلى بلاد الشام ودخل حلب سنة 325هـ/937م، استأذن أخاه ناصر الدولة بالتوجه إلى حلب وتسلم مقاليد الأمور فيها، فوافق بعد تردد، وتحرّك سيف الدولة نحو الشام ودخل حلب دون مقاومة في 8ربيع الأول سنة 333هـ/17تشرين الأول سنة 944م.
لم يقبل الإخشيد باستيلاء سيف الدولة على حلب وقام صراع بين سيف الدولة والأخشيد، وانتهى الصراع سنة 336هـ/947م، بعقد اتفاق ترك بموجبه الإخشيديون حكم شمالي الشام لسيف الدولة.
بعد سيطرة سيف الدولة على حلب واعتراف الإخشيد وابنه من بعده بضم حمص وأنطاكية إليه صارت حلب مركزاً لإمارة ضمت جند قنسرين وحمص ومناطق الثغور الجزرية والشامية وديار مضر وبكر.
وضمت هذه الإمارة صنوفاً من الناس من العرب الوافدين عليها منذ ما قبل الإسلام، كتغلب وبكر، والجماعات الآرامية من سريانية وأرمينية إضافة إلى العناصر العربية التي دخلت الشام والجزيرة مع الفتوح وبعدها ولاسيما المجموعات القيسية الجديدة التي تدفقت في العقدين الثاني والثالث من القرن الرابع الهجري وسببت فوضى سياسية واقتصادية كبيرة، وقد نجح سيف الدولة بعد تأسيسه لإمارته أن يضبط هذه القبائل ضبطاً شديداً، كما حاول أن يتألفهم حتى يستطيع الاعتماد عليهم في حروبه مع الروم ولاسيما قبيلة كلاب التي كانت قبيلة كبيرة مقيمة في المنطقة المحيطة بحلب.
ومن حلب التي اتخذها سيف الدولة مركزاً لإمارته ومن قصره الذي بظاهر حلب وإلى غربها، كان سيف الدولة يدير إمارته معتمداً على أقربائه من الأمراء الحمدانيين الذين كانوا يتولون المناصب العليا في هذه الإمارة فهم حكام أقاليم وقت السلم، وقواد جيوش وقت الحرب، كذلك اعتمد سيف الدولة في تسيير أمور دولته على المماليك الأتراك لكي يقوموا بخدمته في القصر ويشكلوا حرساً خاصاً له، واعتمد على بعض غلمانه الذين رباهم ودرّبهم على قيادة الحملات العسكرية لما امتازوا به من ذكاء في قيادة الحروب ورسم الخطط ومطاردة الأعداء والإيقاع بهم.
اشتهر سيف الدولة بغزواته ضد الروم البيزنطيين التي بلغت أربعين غزوة، ويقول شلومبرغر Schlumberger في كتابه عن نقفور فوكاس مشيراً إلى سيف الدولة «إن المتصفح لمقتطفات التاريخ البيزنطي في منتصف القرن العاشر ولأكثر من عشرين سنة 334 ـ 356هـ/945 ـ 967م، يجد اسماً واحداً يطفو على كل صفحة من صفحات ذلك التاريخ كإنسان شجاع لا يمل ولا يكل ولا يتعب، وكان عدواً لدوداً للإمبراطورية البيزنطية، ذلك هو أمير حلب سيف الدولة بن حمدان».
لقد تصدى سيف الدولة لمحاولات البيزنطيين المتكررة للاستيلاء على الشام التي كانوا يطمعون فيها، ويذكرون من تاريخها أنهم حكموها طويلاً، فكان سيف الدولة بعمله سداً وحاجزاً دون عودتهم إلى هذه البلاد، فخدم بذلك الإسلام والعرب، كان سيف الدولة كما يقول ابن ظافر الأزدي ردءاً للمسلمين بما رزقه الله من الهيبة عند العدو إلى أن مرض وضعف، ولما توفى اشتد استيلاء العدو على سائر البلاد والثغور.
لم تقف عظمة سيف الدولة عند شجاعته في ساحة الحرب والوقوف في وجه أعداء البلاد الإسلامية، بل كانت له ناحية أخرى من العظمة، فقد كان راعياً للأدب والفنون، وكانت ندوته التي كان يقيمها في قصره في فترات السلم حافلة بالعلماء والأدباء والشعراء والفلاسفة، الذين يقصدونه من كل صوب ويلقون من كرمه ما يدفع بهم إلى تجويد صناعتهم الأدبية بحيث كان سيف الدولة سبباً مباشراً من أسباب ارتقاء الشعر العربي واستحداث فنون جديدة وسعت دائرته بعد أن كانت محصورة في محيط تقليدي محدود.
يذكر الغزولي، في كتابه «مطالع البدور» أنه قد اجتمع ببابه ما لم يجتمع لغيره من الملوك، فكان خطيبه ابن نباتة الفارقي، ومعلمه ابن خالويه ومطربه الفارابي[ر] وطباخه كشاجم، وخازنا كتبه الشاعران محمد وسعيد الخالديان[ر] والصنوبري ومداحه المتنبي والسلامي والوأواء الدمشقي والببغاء والنامي وابن نباتة السعدي وغيرهم.
وكما نشأ سيف الدولة على الإعجاب بالشعر الجميل والتأليف الجيد، فإنه كان يعجب أيضاً بالخط الجميل ويجزل العطاء للخطاطين الماهرين، وكان لسيف الدولة خطاط خاص به من بني مقله هو عبد الله بن مقله أخو الوزير أبي علي محمد بن علي، وكان سيف الدولة لفرط إعجابه بصحائف ابن مقلة يصطحبها معه حتى حين يخرج للغزو.
ولسيف الدولة شعر جميل عذب، حتى إن بعض المستشرقين ذكروا أنه لم يكن يماثل شعر الأمير الحمداني رقة وعذوبة إلا شعراء التروبادور Troubadours de la provence أو شعراء اللانغدوك Languedoc ومن شعره الوجداني الذي قال أكثره في جارية رومية فاتنة الحسن وقعت أسيرة في إحدى غزواته قوله:
أُقبّلهُ على جَزَعٍ
كَشرب الطائر الفَزِع
رأى ماء فأطمعه
وخاف عواقب الطمَعِ
وصادف فرصة فدنا
ولمَ يلتَّذ بالجَــَزع
وشعر سيف الدولة الإخواني لا يقل جمالاً عن شعره الوجداني وكثيراً ما كان يحدث بعض الجفاء بينه وبن أخيه الأكبر ناصر، ومن أبياته الجميلة النبيلة ما كتبه إلى أخيه ناصر الدولة إثر وحشة حدثت بينهما وكان ناصر الدولة فيه غلظة وصلف وكبرياء حتى على أخيه سيف الدولة.
لســتُ أجفو وإن جَفَوت ولا
أترك حقــاً علَيّ في كل حالِ
إنما أنت والد، والأب الجا
في يُجازى بالصبر والاحتمال
توفى سيف الدولة في حلب بعلة الفالج، ونقل جثمانه إلى ميافارقين مسقط رأسه حيث دفن فيها.
سيف الدولة الحمداني
Friday, February 20, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.
آخر أعلام
الأكثر زيارة في الأسبوع
موارد بیشتر برای شما
الشعر في مشهد، العاصمة الدينية لإيران
الانهيار البطيء للنظام السعودي..بن سلمان وحيدا في القمة!
معركة فاصلة على الرئاسات الثلاث في البرلمان العراقي
امريكا تصعد هجماتها الإعلامية ضد وزيرخارجيتها السابق
كاتب بريطاني: ابن زايد يستغل جهل ابن سلمان
مفاجأة... لماذا قرر عمر البشير حل الحكومة؟
الأنواء تعلن حالة الطقس في العراق للأيام المقبلة
اليابان تجرب مصعدا إلى الفضاء!
استخدام تقنية التعرف على الوجه في مطارات الهند
روسيا تستأنف إنتاج أضخم "سفينة طائرة" في العالم
جماعة علماء العراق: حرق القنصلية الايرانية تصرف همجي!!
البرلمان العراقى يعقد جلسة استثنائية لمناقشة الأوضاع بالبصرة اليوم
قمة طهران تخطف صواب الغرب وتذهل ساسته
معلومات لم تسمعها عن "المختار الثقفي"..من أديا دوري الامام الحسين وأخيه قمر بني هاشم؟!
الأمم المتحدة تطالب الصين بالإفراج عن مليون مسلم من الأويغور