(… ـ 564هـ/… ـ 1169م) أبو الحارث أسد الدين شيركوه بن شادي بن مروان، الملقب بالملك المنصور، أخو نجم الدين أيوب، وعم صلاح الدين. ولد في «دُوَينْ» وهي بلدة في أواخر إقليم أذربيجان من جهة الشمال تجاور بلاد الكرج (جورجيا)، وهي قريبة من تفليس عاصمة جورجيا الحالية. وأصله من الأكراد من قبيلة الروادية، وشيركوه تعني بالكردية أسد الجبل (شير تعني الأسد وكوه تعني الجبل). كان والده شادي صديقاً لمجاهد الدين بهروز الذي خرج من «دوين» وقدم العراق وعمل عند الأتابكة وتدرّج في المراتب عندهم حتى أصبح «شحنة» بغداد أي نائب الحاكم، فاستدعى شادي وأولاده وفاءً لحق الصداقة، وحين رأى من ولده نجم الدين أيوب، وكان أكبر من شيركوه، عقلاً وافراً وحسن سيرة، جعله حاكماً على حصن «تكريت» وكان تابعاً له.
وفي أثناء حكم نجم الدين في حصن تكريت وصل إليه عماد الدين زنكي بن آق سنقر، منهزماً إثر معركة خسرها مع أحد مناوئيه من الأتابكة، فأكرمه نجم الدين، وقدّم له المعونة، وأحسن صحبته هو وأصحابه، وأمّن لهم السفن التي عبروا نهر دجلة عليها، في طريقهم إلى الموصل، حيث مقر زنكي. ولذلك وتقديراً لخدمات نجم الدين هذه، استقبله زنكي وأخاه أسد الدين استقبالاً حسناً، حين جاءا إليه، وحين ملك قلعة بعلبك في لبنان، جعل نجم الدين حاكماً لها.
ولما قُتل زنكي شهيداً، وتقاسم ولداه الملك، اتصل شيركوه بابنه نور الدين لأنه كان يخدمه في أيام والده، فجعله نور الدين مقدّم عسكره، وزاد في إقطاعه (أملاكه) حتى صارت له حمص والرحبة وغيرهما، أما نجم الدين فلم تطل أيامه في حصن بعلبك بعد مقتل الشهيد زنكي، فقد اضطر إلى تسليم القلعة لصاحب دمشق الذي ترك له أملاكه، وحين رأى عقله الوافر وحسن تدبيره، جعله من كبار أمرائه.
وعندما رأى نور الدين أنه إذا ملك دمشق، سيحقق خطوة مهمة جداً في توحيد البلاد الإسلامية، طلب من أسد الدين شيركوه، مراسلة أخيه نجم الدين في دمشق لمساعدته على فتحها، فأجابه نجم الدين إلى ذلك، وتم فتح دمشق بأيسر سبيل، فحفظ نور الدين له ذلك، وصار هو وأخوه من كبار أمرائه.
وحدث أن جاء «شاور» وزير العاضد خليفة مصر، إلى دمشق مستنجداً بنور الدين، على من أخذ منه منصبه (الوزارة) قهراً، عارضاً على نور الدين حصة من واردات مصر، تعويضاً لنفقات إعداد العسكر وأرزاقهم وأعطياتهم. وبعد تفكير كثير، قرّ قرار نور الدين على إرسال العسكر إلى مصر، ولم ير لقيادة هذا العسكر أقوم ولا أشجع من شيركوه أسد الدين، فسار أسد الدين على رأس قواته إليها، مصطحباً معه ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيوب، ووصلها سالماً هو ومن معه وأعاد شاور إلى الوزارة. ولكن شاور غدر بأسد الدين، وطلب مساعدة الفرنجة، وبعد معارك بين الطرفين تم الاتفاق، على أن يخرج أسد الدين والفرنجة من مصر، فعاد إلى الشام، ولكنه لم ينس غدر شاور، وكان قد عرف أحوال مصر، وما يتهددها من أخطار الفرنجة من جهة، والاضطربات الداخلية من جهة أخرى.
وأقام أسد الدين شيركوه بالشام مفكّراً في كيفية رجوعه إلى مصر، وحين جاءت الأخبار، أن الفرنج سيأتون إلى مصر بالاتفاق مع شاور عاد إليها مرّة ثانية، وهزم قوات الفرنج وقوات شاور في معركة كبيرة عرفت بموقعة «البابين»، وتعد هذه المعركة من المعارك التاريخية العجيبة، إذ إن ألفي فارس بعيدين عن بلادهم، يهزمون عساكر مصر في بلادها ومعهم عساكر فرنج الساحل الكثيرون. وبعد مناوشات عديدة بين الطرفين اتّفقا على أن يخرجا من مصر معاً، وهكذا عاد أسد الدين إلى الشام مرة ثانية. ولكن الفرنج كانوا قد طمعوا بمصر بعدما رأوا ما فيها من خيرات، وما تعانيه من ضعف، فنقضوا اتفاقهم مع أسد الدين، وعادوا إلى مصر، وراحوا يعيثون فيها خراباً وقتلاً وتدميراً، ووصلوا إلى القاهرة وألقوا عليها الحصار.
ولما رأى الخليفة العاضد ما وصلت إليه الأمور، وعلم أن وزيره شاور يراسل الفرنج في الصلح والتسليم، أرسل إلى نور الدين يستغيث به، وأرسل في الكتب شعور النساء وقال: «هذه شعور نسائي من قصري يستغثن بك لتنقذهن من الفرنج». وكان أهل البلاد قد راسلوا نور الدين أيضاً، وأعلموه ما هم فيه من ضيق وضعف، وبذلوا له ثلث واردات مصر، وأن يكون أسد الدين مقيماً بها. فأسرع نور الدين إلى نجدة مصر، وأرسل أسد الدين على رأس جيش جديد، ما إن سمع الفرنج بقدومه حتى انسحبوا من مصر، وهكذا وصلها أسد الدين، ودخل القاهرة واجتمع بالخليفة العاضد، الذي رحّب به وأكرمه.
ورأى أسد الدين أن شاور بسلوكه يهدد البلاد ومستقبلها، فهو لا يتورّع عن الاتصال بالأعداء، ولن يتورّع عن تسليم البلاد إليهم، من أجل الحفاظ على منصبه. وكان شاور يخطط للقضاء عليهم، فلما بلغ الخبر شيركوه، اتفق صلاح الدين مع بعض الأمراء، على القبض على شاور، فباغتوه في موكبه، وقبضوا عليه، وسجنوه في خيمة، بانتظار أوامر أسد الدين.
وحين سمع الخليفة العاضد الخبر، أرسل يطلب رأس شاور، فقتل وأرسل رأسه إليه. وأنفذ العاضد إلى أسد الدين خلعة الوزارة، ولقّب بالملك المنصور أمير الجيوش، وذلك في السابع عشر من ربيع الآخر سنة 564هـ، وأقام أسد الدين في الوزارة شهرين وخمسة أيام، ثم توفي فجأة يوم السبت الثاني والعشرين من شهر جمادى الآخرة في السنة نفسها. ودفن بالقاهرة، ثم نقل إلى المدينة المنوّرة بوصية منه.
وكان شيركوه، كما يصفه ابن تغري بردي، عاقلاً وشجاعاً ومدبراً ووقوراً.
أسد الدين شيركوه
Saturday, March 7, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.
آخر أعلام
الأكثر زيارة في الأسبوع
موارد بیشتر برای شما
الشعر في مشهد، العاصمة الدينية لإيران
الانهيار البطيء للنظام السعودي..بن سلمان وحيدا في القمة!
معركة فاصلة على الرئاسات الثلاث في البرلمان العراقي
امريكا تصعد هجماتها الإعلامية ضد وزيرخارجيتها السابق
كاتب بريطاني: ابن زايد يستغل جهل ابن سلمان
مفاجأة... لماذا قرر عمر البشير حل الحكومة؟
الأنواء تعلن حالة الطقس في العراق للأيام المقبلة
اليابان تجرب مصعدا إلى الفضاء!
استخدام تقنية التعرف على الوجه في مطارات الهند
روسيا تستأنف إنتاج أضخم "سفينة طائرة" في العالم
جماعة علماء العراق: حرق القنصلية الايرانية تصرف همجي!!
البرلمان العراقى يعقد جلسة استثنائية لمناقشة الأوضاع بالبصرة اليوم
قمة طهران تخطف صواب الغرب وتذهل ساسته
معلومات لم تسمعها عن "المختار الثقفي"..من أديا دوري الامام الحسين وأخيه قمر بني هاشم؟!
الأمم المتحدة تطالب الصين بالإفراج عن مليون مسلم من الأويغور