(1909ـ 1989) مدحت عاصم فنان موسيقي مصري، وهو ابن المحامي إسماعيل بك ابن محمد باشا صادق الذي كان أديباً ومترجماً ومؤلفاً مسرحياً.
يقول مدحت عاصم: «يشيعون إنني موسيقار، وأنا لست موسيقاراً، فليست لي ألحان مشهورة، وليست لي بصمات في عالم الموسيقى والألحان، وإنما أنا هاوي الموسيقى، وكلما وجدت شيئاً جديداً في هذا المجال أقدّمه، وأنا أعرف من أنا، هل أنا شاعر أم أديب، أم فنان، فقد أخذت بنصيب من كل ذلك، ولهذا أحب أن يُقال عني بدلاً من الموسيقار، إنني فنان، وإن كنت أفضّل أن يقال عني إنني الأديب مدحت عاصم».
وُلِدَ مدحت عاصم في القاهرة وتوفي فيها. حفظ في الرابعة من عمره بعض قصار السور من القرآن الكريم، وفي السادسة، انتظم في كتّاب الشيخ «البراموني» الكائن في حي العباسية القريب من منزله، وبعد عام من ذلك التحق بالمدرسة الحسينية الابتدائية، وفي أثناء دراسته الإعدادية اندلعت اضطرابات الطلاب معارضة الملك فؤاد، وحسن باشا نَشْأَتْ كبير أمنائه، وكان مدحت عاصم واحداً من الطلاب الذين اعْتُقِلُوا وحُكِمَ عليهم بالفصل من جميع المدراس التابعة للدولة، فاضطر إلى الالتحاق بمدرسة «الإلهامية» الخاصة التي نال منها شهادة الإعدادية، ثم التحق بمدرسة «الخديوية» التي نال منها شهادة الثانوية، ومن ثم التحق بمدرسة الزراعة العليا، وأظهر في دراسته تفوقاً ملحوظاً في اللغة العربية والموسيقى.
مال مدحت عاصم إلى الموسيقى منذ طفولته، فاستهوته موسيقى الأسطوانات التي كان يستمع إليها عند جيران لهم من «آل الكشميري». وضاعفت والدته هذا الميل وشجعته، لأنها كانت ذاتها تعزف على العود والبيانو معاً، إذ درست العزف بالبيانو في ڤيينا، وعلى العود في القاهرة على يدي الموسيقي الشيخ إبراهيم القباني فدرس مدحت عاصم بدوره العود على يدي القبَّاني ثم على يدي درويش الحريري، الذي كان يدرِّس وقتذاك محمد عبد الوهاب فن الموشحات، إلى جانب دروس القباني والحريري اللذين حبباه بالتراث. ودرس العزف بالبيانو على يدي عازف إيطالي يدعى «فالنتينو»، وكان هذا الأستاذ لايعزف شيئاً من أعمال الأعلام إلا بعد أن يغسل يديه جيداً قائلاً: «لابد أن أغسل يدي كي تكونا نظيفتين عند العزف كما لو كنت داخلاً إلى معبد». يقول مدحت عاصم: «ومنذ ذلك الحين تعلمت كيف يحترم الإنسان الفن والموسيقى».
في أثناء دراسته في مدرسة الزراعة العليا، أخذ عاصم ينشر مقالات عن الفروق العلمية بين الموسيقى الشرقية والموسيقى الغربية والتقسيم العلمي للسلم الشرقي والسلم الغربي في مجلة «البلاغ الأسبوعي». وارتبط في أثناء ذلك بصداقة متينة بمحمد عبد الوهاب والسنباطي والقصبجي، وأخذ يتردد على دار الأوبرا ومسرح الكورسال اللذين كانا يستقطبان مشاهير الموسيقيين، فلمس الفرق الشاسع بين تقدّم الموسيقى الغربية وتخلف الموسيقى الشرقية. وكان يلتقي أيضاً في الأمسيات والسهرات مع السنباطي ومحمد عبد الوهاب اللذين كانا أقرب إليه من القصبجي، لالتقاء أفكارهما فيما يتعلق بالموسيقى الشرقية وضرورة الارتقاء بها.
صار مدحت عاصم في مدة وجيزة من أشهر عازفي البيانو حتى لقب بأمير البيانو، وقد تعاقدت معه الإذاعات الأهلية مثل إذاعة «شريدان»، وإذاعة «إلياس شقال» على تقديم فواصل من عزفه على البيانو. وظل كذلك إلى أن تم افتتاح إذاعة ماركوني الرسمية من القاهرة.
في عام 1933 قرر مجلس إدارة المعهد الملكي للموسيقى العربية ترشيح مدحت عاصم ليتولى الإشراف على أمور الموسيقى والغناء في الإذاعة اللاسلكية للمملكة المصرية، واستشار المجلس في ذلك مصطفى بك رضا، ومصطفى العقاد، فوافق مدحت عاصم فوراً من أجل الخلاص من دراسة الزراعة، ولأنه وجد أن مكانه الطبيعي في العمل الموسيقي الذي يحبه ويهواه.
وفي عام 1934 افْتُتِحَتْ الإذاعة المصرية رسمياً، واستلم عمله مشرفاً عاماً على الموسيقى والغناء فيها.
وجد مدحت عاصم أن الإذاعة تفتقر إلى فرقة موسيقية خاصة بها، إذ كان محمد عبد الوهاب والسنباطي يغنيان بمرافقة تختيهما[ر. الفرقة الموسيقية]، وكانت أم كلثوم تغني هي الأخرى بتخت خاص بها، وكذلك فَعَلَ صالح عبد الحي، ومنيرة المهدية، وسائر أهل الغناء من الذين كانوا يغنوّن وقتذاك في الإذاعة، فأنشأ مدحت عاصم فرقة موسيقية خاصة بالإذاعة أطلق عليها اسم «فرقة الراديو الشرقي» وعَهِدَ بقيادتها إلى عازف الناي المشهور عزيز صادق الذي كان متعمقاً في الموسيقى الشرقية، ويقول مدحت عاصم: «تعرفت عزيز صادق وأنا أعزف البيانو في المعهد الملكي، وكنت قد بدأت تأليف الموسيقى عام 1924 وعمري خمسة عشر عاماً، فألفت سماعيات ولونغا وبشارف[ر. الصيغ الموسيقية] على غرار الموسيقى التركية، وعندما انتهيت من العزف قال لي الحاضرون من الموسيقيين عن السماعي الذي كنت أعزفه إنه أحسن وأجمل من جميع السماعيات التركية، وعندما انصرفوا لاحظت وجود شاب نحيل يضع نضارة سميكة على عينيه فسألته: هل أنت موسيقي؟ فقال: أنا عازف ناي واسمي عزيز صادق. سألته: ما رأيك في السماعي الذي عزفت؟ فأجاب: جميل. فسألته هل هو أحسن من سماعي يوسف باشا. قال : لا… سماعي يوسف باشا أجمل، وقد احترمته احتراماً كبيراً لأنه لم يجاملني كالآخرين. وتمسك برأيه العلمي، لذا وقع اختياري عليه لقيادة الفرقة على الرغم من احتجاج أغلب العازفين».
بعد تأسيس فرقة الراديو الشرقية، همَّ مدحت عاصم بتأسيس أوركسترا على النمط الغربي، وعَهِدَ بقيادة هذه الفرقة إلى موسيقي مغمور وقتئذٍ، عرفه من مؤلفاته الموسيقية يدعى محمد حسن الشجاعي، وظل يبحث عنه زمناً إلى أن عثر عليه يدّرس الموسيقى في مدرسة للأيتام في مدينة «دمنهور» فاستدعاه وأخذ يعمل معه في تأسيس الأوركسترا التي حققت فيما بعد نجاحات كبيرة.
شجَّعَ مدحت عاصم المواهب الشابة في الوصول إلى مذياع (ميكروفون) الإذاعة، إذ لم يكن موجوداً في ساحة الغناء والطرب حتى ذلك التاريخ سوى محمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، وصالح عبد الحي، والسنباطي، وزكريا أحمد وكانوا قمة. وفي مدة وجيزة قدّم مدحت عاصم المطربين والمطربات: عبد الغني السيد ومحمد صادق وأحمد عبد القادر وعباس البليدي ونادرة أمين (المعروفة بالشامية) ونجاة علي. أما فريد الأطرش فقدّمه في البداية عازفَ عود، ثم قدّمه مطرباً بعد أن أُعْجِبَ بصوته في وصلتين قدم في الأولى أغنية «ياريتني طير»، وفي الثانية «بحب من غير أمل»، التي لحن مدحت عاصم مطلعها وحسب، وترك لفريد تلحين أغصانها.
لم يتوقف مدحت عاصم عن مساعدة أصحاب المواهب، وكان من بين هؤلاء المطرب محمد عبد المطلب، ثم الملحن محمود الشريف الذي تقدَّم مطرباً وملحِّناً فنصح له عاصم أن ينصرف إلى التلحين من دون الغناء، فعمل بنصيحته حتى صار من كبار الملحنين. وأُعْجِبَ عاصم أيضاً بصوت أسمهان فلحن لها، وطلب من القصبجي أن يلحن لها فتبوأت سريعاً مكانةً خاصة في عالم الغناء أسوة بأخيها فريد الأطرش.
إضافة إلى كون مدحت عاصم أديباً وموسيقياً متميزاً كان من الوطنيين الذين شاركوا في جميع الحركات الوطنية وحمل السلاح مع الفدائيين في وجه قوات الاحتلال البريطاني في قناة السويس، عَقِبَ إلغاء معاهدة عام 1936، إلى أن حدث حريق القاهرة فاستدعاه المكلف رئاسة الوزارة علي ماهر باشا وطلب منه أن تتوقف حركة الفدائيين بعض الوقت حتى يتولى الوزارة فكان له ما أراد. ولكن الضباط الأحرار الذين كانوا يجتمعون في بيته في العباسية قبل الثورة كان لهم رأي آخر بعد الأحداث التي تتالت سريعةً وأعلنوا ثورتهم في 23 تموز/يوليو عام 1952وأسندوا إلى مدحت عاصم قيادة «فرقة الموت» التي كونتها الثورة لمحاربة إسرائيل، وامتد نشاطها من غزة ورفح إلى داخل فلسطين المحتلة، وعلى الرغم من توقَّف نشاط هذه الفرقة فإن مدحت عاصم ظل يعد واحداً من الذين قدَّموا خدمات جُلَّة للثورة والوطن.
أحصى المؤرخ الموسيقي محمود كامل لمدحت عاصم مئتي لحن وأغنية منها: تانغو «كرهت حبك»، وتانغو «من يوم ما حبك فؤادي» لفريد الأطرش، و«ياحبيبي تعال الحقني»، و«دخلت مرة في جنينة» لأسمهان، و«مساء الخير يا حبيبتي»، و«معذرة يا سكَّرة» لهاني شاكر، إلى جانب عدد كبير من الألحان الوطنية. ووضع أيضاً موسيقى فيلم مصطفى كامل ولحَّن جميع الأغاني والأناشيد التي فيه، وقد أخرج هذا الفيلم أحمد بدرخان، وكتب قصته فتحي رضوان، ومُنِعَ عرضه إلى أن قامت الثورة التي أفرجت عنه، وما يزال يعرض حتى اليوم.
مدحت عاصم
Saturday, April 4, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.
آخر أعلام
الأكثر زيارة في الأسبوع
موارد بیشتر برای شما
الشعر في مشهد، العاصمة الدينية لإيران
الانهيار البطيء للنظام السعودي..بن سلمان وحيدا في القمة!
معركة فاصلة على الرئاسات الثلاث في البرلمان العراقي
امريكا تصعد هجماتها الإعلامية ضد وزيرخارجيتها السابق
كاتب بريطاني: ابن زايد يستغل جهل ابن سلمان
مفاجأة... لماذا قرر عمر البشير حل الحكومة؟
الأنواء تعلن حالة الطقس في العراق للأيام المقبلة
اليابان تجرب مصعدا إلى الفضاء!
استخدام تقنية التعرف على الوجه في مطارات الهند
روسيا تستأنف إنتاج أضخم "سفينة طائرة" في العالم
جماعة علماء العراق: حرق القنصلية الايرانية تصرف همجي!!
البرلمان العراقى يعقد جلسة استثنائية لمناقشة الأوضاع بالبصرة اليوم
قمة طهران تخطف صواب الغرب وتذهل ساسته
معلومات لم تسمعها عن "المختار الثقفي"..من أديا دوري الامام الحسين وأخيه قمر بني هاشم؟!
الأمم المتحدة تطالب الصين بالإفراج عن مليون مسلم من الأويغور