هنري أوجين غورو

Sunday, May 24, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
هنري أوجين غورو

(1867-1946) هنري أوجين غورو Henri Eugène Gourau، جنرال فرنسي ولد في باريس وبها تلقى علومه. انتسب إلى المدرسة العسكرية في سان سير Saint-Cyr وتخرج فيها برتبة ضابط عام 1888م، خدم بسلاح القناصة، وظهرت موهبته عسكرياً واستراتيجياً في أثناء خدمته العسكرية في مالي، وكان من أنصار النظرية العسكرية الفرنسية القائمة على «الهجوم حتى الإبادة».       

عرف بتعصبه الشديد لمعتقداته الدينية، وكثيراً ما كان يجاهر باعتداده أنه واحد من أحفاد الصليبيين الذين غزوا بلاد الشام إبان العصور الوسطى، رقي إلى رتبة عقيد عام 1907، ثم نقل إلى المغرب سنة 1910، بطلب من المارشال الاستعماري ليوتي Lyautey، ومنه تعلم أفانين المكر والخداع، فكان ساعده الأيمن، ثم حلّ مكانه لتوطيد الحماية الفرنسية في المغرب، وفي سنة 1915 عين قائداً للجيش الرابع الفرنسي في حملته على الدردنيل التي بترت فيها ذراعه اليمنى. عاد إلى مراكش سنة 1917 بصفة مقيم، وفي العام نفسه صدّ بمناورة عسكرية هجوماً ألمانياً في ريمس Reims، فوصفه رئيس الوزراء جورج كليمنصو G.Clemenceau بـ«الجندي العظيم» وكان وراء تعيينه مفوضاً سامياً على سورية.

وصل الجنرال غورو إلى بيروت وفق مخطط الانتداب يوم 21/11/1919، وعندما تناهى نبأ توجهه إلى دمشق؛ اجتمع أعضاء المؤتمر السوري في اليوم التالي، واتخذوا قرارهم الشهير بضرورة الدفاع عن وحدة سورية الطبيعية، ومع تقدم القوات الفرنسية إلى الداخل بدأت أعمال المقاومة في البقاع ومرجعيون والقنيطرة، وامتدت إلى الشمال لتصل إلى اللاذقية، والتحق كثير من ضباط الجيش السوريين بالثوار في جبال اللاذقية وجبل عامل، وقتلوا مع المتطوعين العرب نحو خمسين جندياً فرنسياً في مدينة أنطاكية وحدها، ثم اشتعلت ثورة إبراهيم هنانو وصالح العلي، مما ألحق خسائر فادحة بالقوات الغازية، فلجأ غورو إلى تدمير العديد من المدن والقرى، كأنطاكية والقدموس وبانياس والقصير، وشرَّد معظم سكانها وأصبح كثير منهم بلا مأوى، ثم عمد إلى إثارة النعرات الطائفية بتسليح بعض الأفراد والجماعات من مسيحيي البلاد، بالوقت الذي قرر فيه الزحف إلى دمشق. وفي يوم 14/7/1920 (وهو يصادف يوم عيد الحرية في فرنسا)، وجه إلى فيصل بن الحسين إنذاره الشهير، الذي صيغ بطريقة استفزازية، وقد اشتمل على تسليم خط حديد رياق ـ حلب، وإلغاء التجنيد الإجباري وتسريح المجندين، وقبول التعامل بالعملات النقدية الورقية، وقبول الانتداب الفرنسي، ومعاقبة المجرمين الذين تمادوا - على حد زعم غورو - في معاداة فرنسا، ومع أن فيصل قبل مع أركان حكومته تنفيذ بنود هذا الإنذار، غير أن الجنرال غورو أمر جيشه المؤلف من 70 ألف مقاتل بالتوجه إلى دمشق بحجة انقضاء مدة المهلة التي حددها بـ 48 ساعة، وكان هذا الجيش مدججاً بأحدث أنواع الأسلحة من دبابات ومدافع إلى جانب عشرات الطائرات من أجل الحماية الجوية، وقام الأهالي بمظاهرات حاشدة وهاجم بعضهم ثكنات الجيش لأخذ السلاح، بهدف التصدي للفرنسيين، وخطب فيصل في مسجد بني أمية حاثاً الناس على الدفاع عن البلاد، بعدما تأكد من غدر الفرنسيين قائلاً: «أردت أن أرد عنكم زحف جيش الأعداء بإجابة مطالبهم فلم يرتدوا، فإن كنتم في حاجة إلى بلدكم فاخرجوا للدفاع عنه».

وأعلنت الأحكام العرفية، وأخذت أفواج المتطوعين من الأهالي تتدفق إلى دمشق بما توافر لها من السلاح، وأمر وزير الحربية يوسف العظمة بوقف أعمال التسريح وإعداد من تبقى من الجنود للقتال متوجهاً بالجميع إلى ميسلون، حيث التقى القوات الفرنسية يوم 24/7/1920 فكانت معركة ميسلون، وهي في الأغلب مجزرة أكثر منها معركة، وارتد المتطوعون ومن تبقى من الجيش إلى الداخل نتيجة القصف المدفعي وقذف القنابل من الطائرات بكثافة، ومع ذلك تمكن الثوار من قتل ما يزيد على 150 جندياً فرنسياً، غير أن عدد الشهداء في الجانب العربي زاد على 400 منهم وزير الحربية يوسف العظمة الذي استشهد في هجوم يائس.

دخلت قوات غورو إلى دمشق، يتقدمها الجنرال غوابيه ممتطيا الجواد، ومن خلفه وحدة الموسيقى العسكرية فرجال المشاة فالخيالة فالمدفعية فالمصفحات فالدبابات، وكانت غاية ذلك إرهاب الناس. وبالوقت نفسه وجه غورو إلى الملك فيصل كتاباً باسم الحكومة الفرنسية يدعوه فيه إلى مغادرة البلاد في ثماني عشرة ساعة، وكان فيصل قد غادر إلى الكسوة بسيارته، ولحق به أركان حكومته وتوجه الجميع إلى درعا صباح الأول من شهر آب/أغسطس 1920م، ثم أُبلغ بضرورة الخروج من درعا في عشر ساعات، وحلقت الطائرات الفرنسية في أجواء حوران وألقت منشوراتها على الأهلين تدعوهم إلى إخراج الملك، وأذعن فيصل للأوامر وخرج إلى حيفا.

وبعد أن دخل غورو إلى دمشق، ذهب إلى المسجد الأموي شاهراً سيفه، وعلى مقربة من قبر صلاح الدين الأيوبي قال عبارته الشهيرة: «ها قد عدنا يا صلاح الدين»، وتفنن باستخدام أساليبه القمعية التي ارتبطت بسمعته منذ أن كان في المغرب وإفريقيا، ففرض الغرامات الحربية على الأهالي (200 ألف ليرة عثمانية ذهبية و10 آلاف بندقية) وطبَّق الأحكام العرفية وأصدر أوامره بالقبض على كل من رفع سلاحه مقاوماً، وفي 31/8/1920 أعلن استقلال جبل لبنان وسلب سورية أقضيتها الأربعة (حاصبيا - راشيا - البقاع - بعلبك)، وأطلق على الدولة الجديدة اسم: دولة لبنان الكبير، ثم قسم سورية إلى أربع دول على أسس طائفية ( دولة دمشق - دولة حلب - دولة العلويين - دولة الدروز) وفرض اللغة الفرنسية إلى جانب العربية، مما جعل البلاد تهب في وجهه بثورات متلاحقة سجل فيها السوريون أروع صفحات الجهاد في التاريخ الحديث، وفي يوم 23/6/1921 تعرض لهجوم مباغت بموقع الرويسية على مقربة من القنيطرة من قبل المجاهدين (أحمد مريود ورفاقه)، فأصيب فيه بجراح وكاد أن يقتل، لو لم يختبئ تحت مقعد سيارته، وقد أضعفت تلك الحادثة من هيبته وأقضت مضجعه، وبعد ما يقرب من ثلاث سنوات في سورية، لم ينل من مقاومتها، استُبدل به الجنرال دوفانو يوم 9/5/1923، وغادر سورية إلى فرنسا، فعين هناك حاكماً عسكرياً لمنطقة باريس، واستمر في منصبه إلى أن أحيل على التقاعد، وأقام في باريس حتى وافته المنية سنة 1946.



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.