المُعْتَمِدُ بن عبَّاد

Sunday, October 16, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
المُعْتَمِدُ بن عبَّاد

(431 ـ 488 هـ/1040 ـ 1095م) المعتمد على الله، محمَّد بن عبَّاد ابن محمَّد بن إسماعيل اللَّخْمِيُّ، صاحبُ إشبيليّة وقرطبة، أبرز أمراء الطوائف في الأندلس، أديبٌ شاعرٌ ناثرٌ وُلد في باجة بالأندلس وولي إشبيلية، بُويع له بالإمارة بعد وفاة أبيه المعتضد سنة 461هـ، امتلك إشبيليَّة وقرطبة وكثيراً من المملكة الأندلسيَّة، واتَّسع سلطانه إلى أن بلغ مدينة مرسية، وكانت تُعرف بتدمير، وأصبح محطَّ الرِّحال يقصده العلماء والشُّعراء والأمراء، كان أكثر ملوك عصره عنايةً بالأدب والأدباء، وما اجتمع في باب أحدٍ من ملوك عصره ما كان يجتمع في بابه من أعيان الأدب، وهو شاعر مُجيدٌ له ديوان شعر مطبوع.

لم يزل المعتمد بن عبَّاد في صفاء ودعة في مُلْكِهِ إلى سنة 478 هـ حين استولى ملك قشتالة ألفونس السادس Alfonso VI على طليطلة، وكان ملوك الطَّوائف و منهم المعتمد بن عبَّاد، يؤدون له ضريبة سنويَّةً، فلمَّا ملك طليطلة ردَّ ضريبة المعتمد، وأرسل إليه يهدِّدهُ، ويدعوه إلى النُّزول له عمَّا في يده من الحصون، فكتب المعتمد إلى يوسف بن تاشفين صاحب مرّاكش يستنجده  وإلى ملوك الأندلس يستثير عزائمهم، ووقعت بين المعتمد وألفونس السادس المعركة المعروفة بوقعة الزلاَّقة [ر] سنة 479هـ يعاونه فيها يوسف بن تاشفين، فأوقعا بملك الروم هزيمةً نكراءَ، وأُبيد أكثر جيشه، وثبت المعتمد في ذلك اليوم ثباتاً عظيماً وأصابه عدة جراحات في وجهه وبدنه، وعاد ابن تاشفين بعد ذلك إلى مرّاكش، وقد أُعجب بما رأى في بلاد الأندلس من حضارة وعمران، وزارها بعد عام، فأحسن المعتمد استقباله وعاد، ثمَّ ثارت فتنةٌ في قرطبة سنة 483 هـ قُتل فيها ابن المعتمد أبو عمرو عبَّاد، ثم أتبعتها فتنةٌ ثانيةٌ في إشبيلية أطفأ المعتمد نارها فخمدت ثمَّ اتَّقدت، وكان حسن بلاد الأندلس وبهجتها وما بها من المباني والبساتين والمياه وقع في نفس يوسف بن تاشفين موقعاً حسناً، ولم يزل خواصُّه يُغْرُونه بغزوها، ويوحشون صدر ابن تاشفين على المعتمد بما ينقلونه عنه من اضطراب دولته حتى تغيَّر عليه، وجهَّز إليه جيشاً يقوده سير بن أبي بكر الأندلسي فحاصره بإشبيلية حصاراً شديداً وقاتلهم المعتمد قتالاً عظيماً، وظهر من مصابرة المعتمد وشدَّة بأسه وتراميه على الموت شيءٌ عظيم، واستولى الفزع على أهل إشبيلية، وتفرَّقت جموع المعتمد، وقُتل ولداه المأمون والرَّاضي وفُتَّ المعتمد في عضده، وأدركته الخيل فدخل القصر مستسلماً للأسر سنة 484 هـ وحُمِلَ مقيَّداً مع أهله على سفينةٍ وأُدخل على ابن تاشفين في مراكش، فأمر بإرساله ومن معه إلى أغمات وهي بلدةٌ صغيرة وراء مراكش، وللشُّعراء في اعتقاله وزوال ملكه قصائدُ كثيرةٌ أبرزها ما نظمه ابن حمديس الصِّقلِّيُّ في ذلك، وبقي المعتمد أسيراً في أغمات إلى أن مات، وهو آخر ملوك الدولة العبَّاديَّة في الأندلس. كان المعتمد من الملوك الفضلاء والشُّجعان العقلاء والأجواد الأسخياء المأمونين، عفيفَ السَّيف والذَّيل، مخالفاً لأبيه المعتضد في القهر والسَّفك والأخذ بأدنى سعايةٍ، ردَّ جماعةً ممَّن نفاهم أبوه، وسكَّن وما نفَّر، وأحسن السِّيرة، ومما يؤثر من فضائله؛ ويُعَدُّ في زهر مناقبه استعانته على ملك قشتالة ألفونس السادس بملك المغرب يوسف بن تاشفين اللَّمتوني وسعيه في استقدامه وجدُّه في ملاقاة ملك قشتالة مع علمه بأنَّ دخول جيش اللَّمتونيِّين إذ ذاك إلى الأندلس قد يتسبَّب في خلعه ومعرفته بحسدهم له، وقد صدقَ حَدْسُه فانقلب نصرهم إيَّاه خذلاناً وقهراً، وقد ذكر ابن الأبَّار في «الحلَّة السِّيراء» أنَّ وزراء المعتمد حذروه من الاستعانة بملك اللَّمتونيِّين يوسف بن تاشفين لطَمَعِهِ في مُلك المعتمد فآثر المعتمدُ آخرته على دنياه ولم يرض للعروبة والإسلام الانهزامَ، فاستنصرَ به، فنصره ابن تاشفين ثم خَلَعَهُ.
قال ابن الأبَّار في المعتمد: «كان له في الأدب باعٌ وساع،ٍ ينظمُ وينثرُ. وفي أيَّامه نفقت سوق الأدباء، فتسابقوا إليه، وتهافتوا عليه»، كان أوَّل ما قاله المعتمد من الشِّعر بديهةً حين كان صبيًّا وقد سمع الأذانَ لبعض الصلوات:

هذا المؤذِّنُ قد بدا بأذانِـهِ

                       يرجو الرِّضا والعفوَ مِنْ رحمانِهِ

طوبى له مِن ناطقٍ بحقيقةٍ  

                       إنْ كانَ عقد ضميرِهِ كلســـانِهِ

وله في الغزل:

أكثرتَ هجري غير أنَّكَ ربَّما

                         عَطَفَتْكَ - أحياناً - عليَّ أمورُ

فكأنَّما زمنُ التَّهاجرِ بيننــا

                         ليلٌ و سـاعاتُ الوِصالِ بدورُ

وأجمل غزله ما كان في زوجه (اعتماد) ومنه قولُه وقد ضمَّن أوائلَ الأبياتِ حروفَ اسمِها:

أغائبةَ الشَّخص عن ناظري

                          وحاضرةً في صميمِ الفـؤادِ

عليك السَّلام بقدرِ الشُّـجونِ

                          ودمعِ الشُّؤونِ وقدر السُّهادِ

تملَّّكت منِّي صعبَ المـرامِ         

                         وصادفتِ منِّي سهلَ القِيـادِ

مُرادي أعياكِ في كلِّ حيـنٍ       

                         فيا ليت أنِّي أُعطى مُـرادي

أقيمي على العهد في بينِنـا

                        ولا تستحيلي لطُولِ البعـادِ

دسستُ اسمَكِ الحلوَ في طيِّه

                       وألَّفتُ فيكِ حروفَ (اعتماد)

وكانت اعتماد هذه أمّاً لعدد من أولاده، وتُعرف بالسَّيِّدة الكبرى، وتلقَّبُ بالرُّميكيَّة نسبةً إلى مولاها رميك بن حجَّاج، ومنه ابتاعها المعتمد في أيَّام أبيه المعتضد، وكان مفرطَ الميل إليها حتى تلقّب بالمعتمد؛ لينتظم اسمه حروف اسمها، وهي التي أغرت المعتمد بقتل وزيره الشاعر أبي بكر بن عمار لذكره إيَّاها في هجائه المعتمد الذي أوَّله:

ألا حيِّ بالغربِ حيـــــًّا حلالاً

                          أناخُوا جمالاً وحازوا جمالا

ومنه: تخيّرتها من بنات الهجين

                         رميكيــَّةً ما تساوي عقالا

وهو شعرٌ أقذعَ فيه، وقد قيل: إنَّه منحول ومقول على لسانه، وتوفِّيت (اعتماد) بأغمات قبل زوجها المعتمد.

   محاسن المعتمد في أشعاره كثيرةٌ، ولاسيَّما مراثيه لأبنائه وتفجُّعه لزوال سلطانه، السهولة مفتاح شعره، تترقرق ألفاظه لتعبر بأسىً عميق عن نَفْسِ بطلٍ وفارسٍ مقهور كما في قوله:

لما تماسـكتِ الدُّموعُ    

                  وتنبّـهَ القلبُ الصَّديـعُ

وتناكرَتْ هِمَمِيْ لمـا   

                  يستامُها الخَطْبُ الفظيـعُ

قالوا: الخضوعُ سياسةٌ

                  فليَبْدُ منكَ لهم خضـوعُ

وألذُّ من طعمِ الخُضو      

                  عِ على فمي السُّـمُّ النَّقيعُ

لم أَسْتَلِبْ شرفَ الطِّبا      

                  عِ، أَيُسْلَبُ الشَّرفُ الرَّفيعُ؟

شـيمُ الأُولى أنا منهمُ

                  والأصلُ تَتْبَعُـهُ الفُروعُ

ومن شعره وقد تألَّمَ يوماً منَ القيدِ في سجنه:

تبدَّلتُ من ظلِّ عزِّ البنود

                  بِذُلِّ الحديدِ وثقــلِ القيودِ

وكان حديدي سِناناً زليقاً

                  وعَضْباً رقيقاً صقيلَ الحديدِ

وقد صار ذاك وذا أدهماً

                  يعضُّ بسـاقي عضَّ الأُسودِ

ودخلت عليه بناتُه في يوم عيدٍ فرآهنَّ في أطمارهن الرَّثَّةِ وحالِهنَّ السَّيئةِ وبلغه أنَّ إحداهنَّ غزلَتْ غزلاً بالأجرة فقال:

فيما مضى كنتَ بالأعيادِ مسرورا

                      فساءَكَ العيدُ في أغمات مأسورا

ترى بناتِك في الأطمــار جائعةً

                      يَغْزِلْنَ للنَّاس ما يَمْلُكْنَ قِطميرا

يطأْنَ في الطِّين والأقدامُ حافيــةٌ

                       كأنَّها لَمْ تَطَأْ مِسْــكاً وكافورا

مدح المعتمدَ في سجنه كثيرٌ من الشُّعراء، ووفد عليه بعضهم يحدوهم إلى ذلك نبيلُ طِباعه وكريمُ فِعالِه إلى أن مات، وقبره بأغمات معروفٌ.



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.