المعزّ الفاطمي

Saturday, May 27, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
أبو تميم، مَعَدُّ بن إسماعيل «المنصور بالله» بن محمد «القائم بأمر الله» بن عبيد الله «المهدي». رابعُ الخلفاء الفاطميين العُبَيْديين. ويلقب بـ «المعزِّ لدين الله».

ولـد بـ «المَهديَّة» في المغرب، وأدرك في حياته ثلاثة من الخلفاء الفاطميين هم المهدي والقائم والمنصور. وقد بدت عليه أمارات الذكاء والنجابة منذ نعومة أظفاره. وكان من أثـر اتصالـه بجده القائم بأمر الله أن حظي بقسط وافر من التعليم، وتعمق في دراسة أصول المذهب الإسماعيلي الذي نشأ عليه، وألـمَّ بكثير من كتب الباطن، فاشتهر لدى الخاص والعام، وعرف بحلّ المعضلات والتغلب على ما يشكل على الأمراء والعلماء من أمور الدين والحياة، حتى إن أباه المنصور كان يستشيره في بعض شؤون الدولة.

ولما بلغ الثانية والعشرين من عمره توفي أبوه المنصور، فاعتلى المعز عرش الخلافة الفاطمية وهو في «المنصورية» مقرِّ الخلافة في شوال من سنة 341 هـ. وأصبح مسؤولاً عن إدارة شؤون الدولة وصد هجمات الروم على الثغور المغربية، وعن نشر الدعوة الإسماعيلية والتعريف بها، فاستطاع أن يستميل الرعية إليه بكياسته وحسن تدبيره.

وفي عهده ظهر وزيره وقائد جيشه جوهر الصِّقِلِّي [ر] الذي كوَّن جيشاً قوياً من بني كُتامة البربر وغيرهم من الصُّنهاجيين والصقالبة، فغزا به بلاد المغرب سنة 347 هـ وبلغ مشارف المحيط الأطلسي. كما ظهر قائده الحسن بن علي الكلبي الذي أرسله المعز سنة 352 هـ إلى صِقلِّية بأسطول بحري ضخم، فأخضع الروم في معركة «رَمْطة» واستولى على إيطاليا الجنوبية. وبذلك تمَّ للمعز توحيد معظم بلاد المغرب تحت راية الفاطميين، فكان من أثر هذا الاستيلاء على تلك المناطق أن تدفقت الأموال على خزائن الدولة، وارتفعت نسبة الخراج وأصبحت البلاد في حالة ازدهار اقتصادي ملموس.

ولما وصل الخبر بموت كافور الإخشيدي حاكم مصر سنة 357 هـ توجه جوهر الصقلي، بأمر من المعز، إلى مصر ففتحها سنة 358 هـ، وبعد أن استقرت لجوهر الأمور وجه القائد جعفر بن فلاح على رأس جيش إلى الشام لبسط السيادة عليها، ثم قام جوهر الصقلي بتوجيه من المعزّ أيضاً ببناء مدينة القاهرة.

وفي سنة 362هـ خرج المعزّ من المنصورية قاعدة الفاطميين في المغرب قاصداً مصر، وبصحبته رجاله وعماله وأهل بيته، وأمواله وتوابيت آبائه، فدخل القاهرة المعزِّية سنة واتخذها عاصمة ملكه وملك الفاطميين إلى آخر أيامهم.

كان المعز لدين الله من كبار رجال عصره علماً وحزماً وسياسة وقيادة، وقـد وصف بأنه ما كان يأخذ بالشدة، ولا يجادل إلاّ بالحسنى، وأنه يؤثر الصفح والعفو على العقوبة والانتقام.

وكان المعز كثير الشغف بالكتب ولا سيما تلك التي تمُتُّ إلى المذهب الإسماعيلي، فقد أحضرها معه من المنصورية وملأ بها مكتبة قصره، فوضع بذلك نواة طيبة لمكتبات القاهرة التي فاقت معظم مكتبات العالم الإسلامي في ذلك الحين. وهذه العناية باقتناء الكتب كان الدافع إليها رغبة المعز في أن ينافس بعلمائه علماء بغداد وقرطبة. فمنذ أن ولاه المنصور عهده أخذ يعقد في قصره الندوات العلمية، فيحضرها أعيان دولته وعلماؤها وأدباؤها، فتظهر أمامهم مقدرته على المناظرة، ومعرفته بعلوم التأويل والحديث والفقه والنحو والأدب والطب والفلسفة والهندسة، ويفتح أبواب قصره للمشايخ والطلاب، ويبيح لهم جميعاً الاطلاع على الكتب المختلفة ودراستها وانتساخها. وقد وضع أساس مجالس الحكمة التي خصص لها يوم الجمعة ليتدارس الفقهاء فيها ما يصدر عن المعز من المنشورات والتعليمات في العقيدة والفقه.

إلاّ أن الانشغال بالحكم والتبحر في العلم لم يمنعا المعز لدين الله من الاهتمام بشؤون الحياة وأمور الناس. فقد وطَّد نظام الحِسْبة [ر] لمنع انتشار الغش في الأسواق. كما قوى من شأن محكمة المظالم التي كانت تختص بإنصاف الناس من رجال السلطة كالأمراء والوزراء حين يعجز القضاة عن تنفيذ أحكامهم لسبب من الأسباب، وحـث القضاة على أن يكونـوا المثل الأعلى في العـدل والنزاهـة. وكان قاضي قضاته وداعـي دعاته النعمان بن محمد الذي استصحبه معه من المغرب، فألف كتاب «دعائم الإسلام» في العبادات والمعاملات، كما صنف كتاب «المجالس والمسايرات» عرض فيه سيرة المعز وما شهده من تفاصيل حياته.

وقد عرف عن المعز أنه كان يمتلك ذوقاً فنياً رفيعاً، وميلاً حضارياً إلى البناء والعمران، فقد ابتنى في المنصورية قصراً سماه «قصر البحر» ووضع تصميمه الهندسي بنفسه، واحتفر في وسطه بحيرة واسعة عميقة غمرها بالماء. كما أنشأ في المنصورية وضواحيها البساتين الغنَّاء التي أينعت بأصناف الشجر والرياحين. وأجرى قناة تخترق المرتفعات والصخور، وتنساب حتى تصل إلى قلب حاضرة الفاطميين.

وقد نهض الشعر في زمن حكمه نهضة مباركة بفضل تشجيعه للشعراء وإغداقه الهبات عليهم ومن أبرز هؤلاء الشعراء محمد بن هانئ الأندلسي الذي لازم المعز، فنسج أروع القصائد في مدحه، والإشادة بمآثره، والغلو في إعلاء شأنه. ومنهم الشاعر تميم بن المعز لدين الله الذي أدرك عظمة الدولة الفاطمية في المغرب ثم في مصر، إلاّ أنه لم يشغل نفسه بالسياسة والحكم وإنما تفرغ للشعر والأدب فكان فيهما من النابغين.

ويروى أن المعز نفسه قد ألف بعض الكتب والرسائل، فقد نُسب إليه كتاب «الأدعية» و«الروضة» الذي يتناول فيه بعض القضايا الفقهية، و«الرسالة المسيحية» في إثبات نبوة محمدr بما جاء في التوراة والإنجيل، ورسالة مطولة إلى الحسن الأعصم زعيم القرامطة، إلى غير ذلك من المنشورات والعهود.

توفي المعز لدين الله الفاطمي، وخَلَفه في الحكم ابنه نزار «العزيز بالله».

 

محمَّـد كمـال
مراجع للاستزادة:

ـ حسن إبراهيم حسن و طه أحمد شرف، المعز لدين الله الفاطمي (مكتبة النهضة المصرية، 1963 م ).

ـ ابن خلكان، وفيات الأعيان. تحقيق إحسان عباس ( بيروت 1968 م ).

ـ فؤاد سَزكين، تاريخ التراث العربي (جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1983م).

ـ المقريزي، اتعاظ الحنفا بأخبار الخلفا (القاهرة، 1963 م).

ـ القاضـي النعمان بن محمد، المجالس والمسايرات (كلية الآداب في تونـس، 1978 م).


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.