المَقَّري التِّلِمْساني

أحمد بن محمد، أبو العباس

Monday, May 29, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
المَقَّري التِّلِمْساني (أحمد بن محمد، أبو العباس)(992 ـ 1041هـ/ 1584 ـ 1631م) أبو العبَّاس شهابُ الدِّين، أحمد بن محمَّد بن أحمد بن يحيى  المقَّري التِّلِمْساني، مؤرِّخٌ أديبٌ من علماء المغرب، والمقَّري نسبة إلى مَقَّرة بفتح الميم وتشديد القاف المفتوحة، من قرى تِلِمْسان، نُسِبَ إليها أبو العبَّاس وأحدُ أبرزِ أجداده من علماء المغرب الإمامُ قاضي القضاة بفاس أبو عبد الله محمَّد بن محمَّد بن أحمد بن أبي بكر المقَّري التِّلِمْساني من أكابر شيوخ لسان الدين بن الخطيب، وقد ترجم لسان الدين لشيخه أبي عبد الله المقَّري في «الإحاطة في أخبار غرناطة» ونَسَبَهُ إلى قريش، وذكرَ هذا النَّسَبَ أبو العبَّاس المقَّري صاحب هذه التَّرجمة في كتابه «نفح الطِّيب» تحت عنوان «هل المقَّري الجدُّ قرشي؟» وأثبته.

وُلِدَ أبو العبَّاس المقَّري في تِلِمْسان بالمغرب، وشبَّ فيها ثمَّ انتقل إلى فاس، فوُلِّيَ فيها الخطابة والقضاء، ثم ارتحل إلى القاهرة سنة 1027 هـ  ثم رحل إلى الحجاز، وأقام في الشَّام مدَّةً وتنقَّل بين دمشق والقاهرة مرَّاتٍ إلى أن مات. قيل: توفِّي بمصر ودُفِنَ في مقبرة المجاورين، وقيل : مات في الشَّام مسموماً.

له كتبٌ جليلةٌ أشهرها كتابان الأوَّل «نفح الطِّيب من غصن الأندلس الرَّطيب» في أربعة أجزاء وهو في تاريخ الأندلس وعلمائها وأدبائها، والثَّاني « أزهار الرِّياض في أخبار القاضي عِياض»  في أربعة أجزاء، ولا يزال الكتابان من أبرز مصادر الأدبين المغربيِّ والأندلسيِّ حتَّى اليوم. من كتبه الأخرى «روضة الأنس العاطرة الأنفاس في ذكر من لقيته من علماء مراكش وفاس» و«عرف النَّشق في أخبار دمشق» و«حسن الثَّنا في العفو عمَّن جنى» وله أرجوزة سمَّاها «إضاءة الدُّجنَّة في عقائد أهل السُّنَّة» وله في النَّبويَّات «فتح المتعال في وصف النِّعال» نعال النبيّ r، وله شعرٌ قليلٌ حسنٌ.

ولابدَّ من الوقوف عند كتابيه الأبرزين «نفح الطِّيب» و« أزهار الرِّياض». أمَّا «نفح الطِّيب» فهو نِتاجُ زيارته لدمشق حيث حدَّث تلاميذه فيها عن لسان الدِّين بن الخطيب، فتمنَّى عليه تلاميذُه وبعض العلماء أن يجمع أخبار لسان الدِّين في كتاب وكان أشدهم إلحاحاً المولى أحمد بن شاهين أستاذ المدرسة الجقمقيَّة في دمشق، وقد صرَّح المقَّري بذلك في مقدمته لكتابه، فقال: «وعزمتُ على الإجابة لما للمذكور عليَّ من الحقوق، وكيف أقابل برَّه حفظه الله بالعقوق؟! فوعدته بالشُّروع في المطلب»، وسمَّى كتابه أوَّل الأمر «عرف الطِّيب في التَّعريف بالوزير ابن الخطيب»، فلما رأى مادة الكتاب تعدَّت ذلك إلى أخبار الأندلس وأدبائها وعلمائها سمَّاه «نفح الطِّيب من غصن الأندلس الرَّطيب وذكر محاسن وزيرها لسان الدِّين بن الخطيب» وجاء الكتاب في قسمين مهمَّين: قسمٍٍ خاصٍّ بالأندلس في ثمانية أبواب، ذكرَ في بعضها مَنْ رحل من أهل الأندلس إلى المشرق، ثمَّ مَنْ وفد عليها من أهل المشرق، وغير ذلك من أبواب. أمَّا القسم الثَّاني فقصره على التَّعريف بلسان الدِّين بن الخطيب، وتأتي أهميَّة الكتاب من أن المقَّري استقى مادَّته من  مصادر تاريخيَّة وأدبيَّة لم يصل إلينا أكثرُها، فإن وصل إلينا منها شيء فليس على الصُّورة من الكمال التي وصلت إليه، فمن ذلك أنَّ القارئ للكتاب يستنتج بوضوحٍ أنَّ المقَّري اعتمد في تأليف كتابه على نسخةٍ تامَّةٍ من كتاب «المغرب في حلى المغرب لابن سعيد» أوفى كثيراً من الَّتي في زماننــا، ويُضاف إلى ذلك أنَّ الكتاب تأريخٌ لفاجعة سقوط غرناطة وفيه أخبار نادرة، وقد ذكر المقَّري تاريخ فراغه من تأليف كتابه وأنَّه عاد فألحق به فصولاً بعد ذلك، فقال في خاتمة «نفح الطيب» بعد بيتين من نَظْمِهِ :

لقد أفرطْتُ في حسن ابتداءٍ                       ورُمْتُ تخلُّصي يومَ الزّحامِ

فبالمختـار أرجو عفوَ ربِّي                       ليرشـدني إلى حسن الختامِ

وكان الفراغُ منه عشيَّةَ يوم الأحد المسفر صباحُها عن السَّابع والعشرين لرمضان سنة ثمان وثلاثين وألف، بالقاهرة المحروسة، والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وألحقت فيه كثيراً في السَّنة بعدَها؛ فيكون جميعه آخر الحجة تتمَّةً سنة تسع وثلاثين وألف...»

أمَّا كتابه «أزهار الرِّياض في أخبار القاضي عياض» فصنَّفه في أخبار القاضي عياض، وجمعَ فيه كثيراً من الأخبار الأدبيَّة والتاريخيَّة النَّادرة، وصنَّفه في مدينة فاس سنة 1013هـ  تلبيةً لرغبة أهل تِلِمْسان في التَّعريف بالقاضي عياض عالمِ المغرب المعروف و قاضيها الأشهر، غير أنَّ ما يميِّز هذا الكتاب أنَّ المقَّري ألمَّ فيه بأخبار الأندلس وبأحوال العرب أواخرَ أيَّامهم في تلك البلاد، ويمتاز أيضاً بثراء تلك الأخبار وثراء النُّصوص الأدبيَّة فيه، وكثيرٌ منها فريدٌ لم يرد في «نفح الطِّيب»، واستقى مادة كتابه من مصادر ضاعت أصولُها ولا أثر لها في مصادر أخرى، وقد جعل كتابَه في ثماني روضاتٍ تتَّفق وتسميتَه للكتاب، وجعل له خطَّة واضحةً يتَّضح فيها تأثُّره بمنهج لسان الدِّين بن الخطيب في كتابه «الإحاطة في أخبار غرناطة» من حيث العناصرُ الَّتي تتألَّف منها التَّرجمة، وأشدُّ ما يظهر تأثره بلسان الدين في أسلوبه النَّثريِّ وإن أخفى المقَّري ذلك، فمن قوله في «أزهار الرياض» : « دونَكَ أيُّها النَّاظر روضات أزهار، وجنَّات تجري من تحتها الأنهار، أبوابها ثمانية، وقطوفها دانية، تعطَّر منها نسيم الصَّبا بزهر الآداب، وسما إلى محاسنها من تعلَّق من التاريخ بأهداب، لم أُسبق إلى مثلها فيما رأيتُ، وإن بعُدتُ فيها عن المطروق ونأيتُ، والإنسان مغرم ببُنيَّاتِ أفكاره، وإن قوبلَ ما صدر منه بإنكاره، وقد أنشدتُ بلسان حالها:

سرِّحْ جفونك في الحدا                    ئق واجنِ أزهارَ الرّياض

من وردٍ أحمر أو شقا                     ئقَ أو بَهـارٍ ذي بياض

واشربْ بكاساتِ الرَّقا                     ئق من عيـونٍ أو حياض

وانظر مناقب ذي الحقا                   ئق عالـمِ الدُّنيـا عِياض

   ولأبي العبَّاس المقَّري شعرٌ حسنٌ منه قوله في مدح الأديب أحمدَ بن شاهين القبرسيِّ ـ بالسِّين ـ الأصلِ الدِّمشقيِّ المولد الأديب اللُّغوي الشَّاعر:

يا واحدَ العصر الذي بمديحه                      سارت ركاب المجد في البلدان

أوليتني ما لا أقوم بشــكره                     مالي بشــكر المُنْعِمِيْنَ يدان

ونظمت أشتاتَ الكمال جواهرا                    أضحت تفـوقُ قلائد العقيان

فالله يبقي من جنابك ســيِّدي                    عين الزَّمان ومفخر الأعيـان

 وكان أحمد بن شاهين لمَّا قدمَ أبو العبَّاس المقَّري إلى دمشق أنزله في المدرسة الجقمقيَّة، ورعى شؤونه، وصدرت بينهما محاورات ومراسلات جليلة، وزار أبو العبَّاس المقَّري غزَّة في الشَّام، ونزل عند رئيسها محمَّد بن أحمد بن يحيى المعروف محمد بن الغُصين الغزِّي، وقال فيه لمَّا رآه ارتجالاً:

يا سائلي عن غزَّةٍ                                ومَنْ بها من الأنــامْ

أَجَبْتُهُم مرتجــلاً                               ابنُ الغُصين والسَّـلامْ

فجُعل البيتان مكتوبين على جدارِ المكان المعدِّ للأضياف لديه.

أندى ما في شعر المقَّري وأجملُه ما نظمه في الحنين إلى المغرب والأندلس والتشوُّق إلى الطبيعة الغنَّاء فيهما، كقوله:

بلدٌ تَحُفُّ به الرِّياض كأنَّه                         وجهٌ جميلٌ والرِّياض عِـذارُهُ

وكأنَّما واديْهِ مِعْصَمُ غادةٍ                          ومن الجُسورِ المُحْكَماتِ سواره

أشعاره مبثوثةٌ في ثنايا مؤلَّفاته، ولاسيَّما «نفح الطيب» و «أخبار الرياض»، وتبدو في هذا الشِّعر الرِّقَّة والعذوبةُ حين يتغنَّى بوطنه ترابِه وهوائِه ومائِه:

بلادٌ بها الحَصْباءُ دُرٌّ وتُرْبُها                      عبيرٌ وأنفاسُ الرِّياح شــمولُ

تَسلسلَ منها ماؤها وهو مُطْلَقٌ                    وصحَّ نسيمُ الرَّوض وهو عليلُ

ويُرى في بعض شعره منصرفاً إلى ذكرياته في وطنه:

يا مَنْ يُذكِّرني حديثَ أَحِبَّتِي                       طابَ الحديثُ بذكرِهِمْ ويطيبُ

أعِدِ الحديثَ عليَّ مِنْ جَنَبَاتِه                      إنَّ الحديثَ عنِ الحبيبِ حبيبُ

و كثيراً ما يحرِّك ذلك لديه كامنَ شوقٍ شبَّ عن الطَّوق مظهراً براعته في النّظم.

أسـامة اختيـار
مراجع للاستزادة:

ـ المُحبِّي، خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ( طبع بعناية مصطفى وهبة، القاهرة 1869).

ـ المقَّري التِّلِمْساني، نفح الطِّيب من غصن الأندلس الرَّطيب، تحقيق مريم قاسم طويل و يوسف علي طويل (دار الكتب العلميَّة، بيروت 1995).

ـ عبد الله أنيس الطبَّاع، القطوف اليانعة من ثمار الأندلس الإسلامي الدانيَّة (دار ابن زيدون، بيروت 1986).

 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.