ملك النحاة

Friday, June 9, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
(489 ـ 568هـ/ 1096 ـ 1173م) أبو نزار، الحسن بن صافي بن عبد الله بن نزار بن أبي الحسن النحوي المعروف بـ «ملك النحاة».

ولد ببغداد في الجانب الغربيّ بشارع دار الرقيق، لأبٍ كان مولى للحسين الأُرْمويّ التاجر، ثم انتقل إلى الجانب الشرقي إلى جوار حَرَم الخلافة، وهناك تلقّى علومه وتخرَّج؛ فسمع الحديث من الشريف أبي طالب الزينبيّ، وقرأ علم الكلام على أبي عبد الله محمد ابن أبي بكر القيرواني، والفقه على أحمد الأُشنَهي، وأصول الفقه على أبي الفتح بن برهان، والخلاف على أسعد ابن أبي نصر الميهني، والنحو على أبي الحسن علي بن أبي زيد الأستراباذي الفصيحي (ت516هـ) وهو تلميذ عبد القاهر الجرجاني [ر].

ولمّا أنهى مرحلة الطلب درّس النحو في أحد مساجد بغداد، واشتهر حتى وُصف بأنه «أنحى أهل طبقته» وفي حدود سنة 520هـ ارتحل إلى مدينة واسط، فأخذ عنه جماعة من أهلها وأثنوا على فضله ومعرفته، ثم طاف بعد ذلك في مدن شيراز وكرمان وغزنة زمناً طويلاً لغرض التدريس، وتذكر المصادر أنه دخل أصفهان سنة 541هـ، ثم اتجه إلى الشام، فأقام بدمشق قليلاً ثم غادرها كارهاً إلى الموصل بعد أن اجتمع عليه بعض شعرائها الهجّائين كابن منير وابن القيسراني والشريف الواسطي وبعد أن استخف به ابن الصوفي ولم يقدّر مدحه له، ولم يطب له المقام في الموصل، ولما قيل له: لو رجعت إلى الشام قال: «لا أرجع إلا أن يموت ابن الصوفي وابن منير...»، فقُتل الشريف الواسطي ومات ابن منير والقيسراني في سنة واحدة سنة 548هـ وتبعهم ابن الصوفي بأشهر فعاد أبو نزار إلى الشام، وأقام بدمشق في رعاية نور الدين محمود بن زنكي [ر] واستوطنها إلى أن مات ودفن بمقبرة باب الصغير.

والحق أن شخصية أبي نزار لا تخلو من طرافة، فقد أجمعت كتب التراجم على أنه كان كريم النفس عزيزها، يترفع عن المطامع الدنية، ويعطي ما معه للآخرين ولو أمسى صفر اليدين، وكان مولعاً بصنع الحلوى وإهدائها إلى جيرانه وأصدقائه، وإلى جانب هذه الخصال كان عنده عُجْبٌ بنفسه، وتيهٌ بعلمه، وهو الذي لقّب نفسه «ملك النحاة» وكان يسخط على من يخاطبه بغير ذلك، ولا يراعي حُرْمةً لنحوي متقدم أو متأخر، ولطالما كان يردد: هل سيبويه إلا من رعيتي وحاشيتي، ولو عاش ابن جني لم يَسَعْهُ إلا حَمْلُ غاشيتي .

وقد شاعت تسميته ملك النحاة بين الناس حتى غدا أبو نزار موضع تندر في دمشق ، ومن طريف ما ساقه ياقوت «أن نور الدين محموداً خلع عليه خلعة سنية ، ونزل ليمضي إلى منزله، فرأى حلقة عظيمة، فمال إليها لينظر ماهي، فوجد رجلاً قد علّم تيساً له استخراج الخبايا وتعريفه ما يقول له من غير إشارة، فلما وقف عليه ملك النحاة قال الرجل لذلك التيس: في حلقتي رجلٌ عظيم القدر، شائع الذكر، ملكٌ في زيّ سوقة، أعلم الناس، وأكرم الناس، وأجمل الناس، فأرِني إياه، فشقّ ذلك التيس الحلقة، وخرج حتى وضع يده على ملك النحاة، فلم يتمالك ملك النحاة أن خلع تلك الخلعة ووهبها لصاحب التيس، فبلغ ذلك نور الدين، فعاتبه وقال: أَستخففتَ بخلعتنا حتى وهبتها...؟ فقال: يا مولانا عذري في ذلك واضحٌ ، لأن في هذه المدينة زيادة على مئة ألف تيس، ما فيهم مَن عرف قدري إلا هذا التيس، فجازيته على ذلك فضحك منه نور الدين وسكت».

لم تُشر كتب التراجم إلى ما وقع بين ملك النحاة وابن الشجري النحوي المشهور وكلاهما من بغداد، فقد دار بينهما جدل حول بعض الفتاوى النحوية، وانتهى الأمر بابن الشجري إلى أن عقد مجلساً في كتابه «الأمالي» ردّ فيه على ما أفتى به أبو نزار بكلام فيه من الحدّة ما فيه، ومما قاله: «وقد كان شافهني في هذا المتعدي طوره بهذا الهراء الذي ابتدعه، والهذاء الذي اختلقه واخترعه.. ومن العجب أن هذا الجاهل يُقدم على تخطئة سَلَف النحويين وخَلَفهم، وتخطئة الشعراء الجاهليين والمخضرمين والإسلاميين، ويعترض على أقوال هؤلاء وأشعار هؤلاء بكلامٍ ليس له محصول، ولا يُؤثر عنه أنه قرأ مصنفاً في النحو إلا مقدمة من تأليف عبد القاهر الجرجاني؛ قيل: إنها لا تبلغ أن تكون في عشر أوراق، وقيل: إنه لايملك من كتب النحو واللغة ما مقداره عشر أوراق،وهو مع ذلك يردّ بقِحة على الخليل وسيبويه، إنها لوصمةٌ اتسم بها زماننا هذا لا يبيد عارها ولا ينقضي شنارها، وإنما طلب بتلفيق هذه الأهواس أن تسطر فتوى فيثبت خطه فيها مع خط غيره، فيقال: أجاب أبو نزار بكذا، وأجاب غيره بكذا».

ومن سوء حظ ملك النحاة أن جميع مؤلفاته التي عددتها كتب التراجم مازالت مفقودة، ككتاب «الحادي» و«العمد» و«المنتخب» في النحو، و«المقتصد» في التصريف، و«أسلوب الحق» في تعليل القراءات العشر وشيء من الشواذ، و«كتاب العروض»  و«كتاب الحاكم» في الفقه الشافعي، وكتاب المقامات، وديوان شعره، والظاهر أنه جمعه بنفسه .

ولعل الأثر الوحيد الذي انتهى إلينا عشر مسائل في النحو سماها «المسائل العشر المتعبات إلى الحشر» نقلها عنه السخاوي[ر] في «سفر السعادة»، وعن السخاوي نقلها السيوطي [ر] في «الأشباه»، إضافة إلى أقوال متناثرة هنا وهناك، كتلك الفتوى التي أثبتها ابن الشجري، وكبعض الأقوال التي نقلها ابن هشام وغيره.

وملك النحاة شاعر تناول في شعره أغراضاً متعددة، كمدح النبيr، والشوق والحنين، والوصف، والحديث عن مجالس الطرب، والرد على من هجاه من الشعراء، ومن شعره في مدح النبيr:

يا قاصداً يثرب الفيحاء مرتجياً                    أن يستجير بعليا خاتم الرُسل

خذ عن أخيك مقالاً إن صدعت به                مُدحت في آخر الأعصار والأوَل

 نبيل أبو عمشة

مراجع للاستزادة:
ـ ياقوت الحموي، معجم البلدان (دار صادر، لبنان 1977).

ـ القفطي، إنباه الرواة على أنباه النحاة، محمد أبو الفضل إبراهيم (الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر 1981).

ـ السيوطي، بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، محمد أبو الفضل إبراهيم (مطبعة البابي الحلبي، القاهرة 1964).


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.