منجك بن محمّد بن منجك
Monday, June 26, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
ينتسب إلى أسرة عريقة في الإمارة، بدأها جده الأعلى الأمير منجك اليوسفي الذي كان من الأمراء الكبار في الدولة المملوكية، تولى الوزارة وتقلب في الولايات المختلفة في أيام حكم السلطان محمد بن قلاوون.
ولد بدمشق، ونشأ في نعمة وترف، فقد كان أبوه الأمير محمد المنجكي والياً على الرقة والرها، عظيم المكانة والجاه في الدولة العثمانية، واسع الثروة كثير الممتلكات. لكن هذه الرفاهية لم تصرف الأمير الصغير عن طلب العلم وغشيان مجالسه، فحفظ القرآن الكريم بقراءاته، وسمع الحديث الشريف وعلومه، وحصل شيئاً من الفقه، وشُغف بالأدب فاختلف إلى شيوخه، يأخذ عنهم العربية وعلومها، وأخبار العرب وأدبهم وشعرهم، فجمع الموهبة الشعرية الفطرية إلى العلم والحفظ والدراية، وأتقن مع العربية اللغتين التركية والفارسية، ونظم الشعر بالتركية.
ظل الأمير منجك في دعة ورفاهية، يمضي وقته في شبابه بين مجالس العلم والأدب ومجالس اللهو والمتعة حتى توفي والده، وورث عنه مجداً تليداً ومالاً وفيراً، لكنه لم يرث أخلاقه وصفاته، فقد كان والده أميراً قاسي القلب داهية ظالماً، يدبر المكائد ويبطش من غير رحمة، كثير الإساءة إلى الناس، يحرص على جمع المال وبناء البيوت والقصور، في حين كان الأمير منجك متواضعاً خيراً، ليّن العريكة سهل الطبع، حسن الخلق والصورة، كريماً فاضلاً يميل إلى مصاحبة العلماء والأدباء ويحسن معاملتهم ويسد خلتهم، فأطلق يده في ميراثه هبة وعطاء وديناً وبذخاً في حفلاته المستمرة حتى أهمل ماله وأضاع ميراثه، فافتقر ولم يجد من يمد له يد العون أو يسد ما استدانه منه، فانزوى عن الناس، ثم ارتحل غلى بلاد الروم وحاضرة السلطنة العثمانية، لعله يجد في معارفه ومعارف والده من يعينه ويقيل عثرته بعمل يتولاه أو عطاء يخلصه من فاقته، وأمضى مدة في إصطنبول، اتصل في أثنائها بالسلطان ورجال الدولة، بيد أنه أخفق في مسعاه لاتهامه بالسفه في تبديد ثروته، فعانى الغربة والفقر وتنكر الأصحاب، فعاد إلى دمشق وإلى عزلته التي لم يخرج منها إلا قبل سنة من وفاته، فواصل أقرانه وأصحابه، وذاكرهم في الشعر والأدب إلى أن توفي عن ثلاث وسبعين سنة.
كان الأمير منجك شاعراً مبدعاً، وكان موضع تقدير معاصريه وإعجابهم، فأثنوا على مشاعريته ولطافة معانيه وإبداع صوره وتشبيهاته وعذوبة أسلوبه، وقد جمع شعره فضل الله المحبي والد محمد أمين صاحب «الخلاصة» و«النفحة»، ورتبه وقدّم له، لكنه لم يحصل شعره كاملاً، فديوان الأمير منجك المطبوع لا يعدو مختارات من شعره، أعجبت جامع الديوان، أو هي ما استطاع الوصول إليه منه. ويوجد للأمير منجك شعر متفرق في كتب الأدب والتراجم، لا يوجد في ديوانه.
نظم الأمير منجك في موضوعات الشعر المختلفة، فمدح السلاطين وأهل الدولة والعلماء وأصدقاءه والأدباء، وافتخر بنسبه ومحتده وبنفسه وأخلاقه وشعره، ورثى شيوخه وأصدقاءه وأهل بيته، وطارح أدباء عصره، ومال إلى الغزل والوصف، وقرنهما بذكر الخمر ومجالسها، وأجاد وصف مجالس اللهو والقصف في أحضان الطبيعة.
وله مجموعة قصائد ومقطوعات نظمها في غربته وإقامته بديار الروم، أطلق عليها اسم «الروميات» تشبهاً بروميات الأمير أبي فراس الحمداني التي نظمها وهو أسير في بلاد الروم، ذكر فيها شوقه إلى أهله وموطنه، ووصف معاناته في غربته وحسرته لترك أهله وندمه على سفره، واشتكى عناد الدهر وتغير الناس وانقلاب القيم.
تأثر الأمير منجك في شعره بالتراث العربي والشعر القديم، فكان يردد معاني القدماء ويولّد منها معاني جديدة. ويتابع القدماء في أساليبهم ويستعيد منهم بعض عباراتهم، لكنه كان قليل الاقتباس والتضمين. وأسرته طبيعة دمشق الجميلة فوصف متنزهاتها وقصورها. وجعلته يتعلق بالجمال، ويتأنق في أسلوبه ويراعي الرقة واللطافة.
ويحلّق في خياله مضفياً الوعي والإحساس على موجودات الطبيعة والمفاهيم المجردة، وسار على نهج شعراء عصره فمال إلى المبالغة في معانيه وإلى اصطناع ضروب البديع لكنه لم يصل إلى الثقل والتكلف في صنعته، وحافظ على صياغة رصينة ناصعة، واختار ألفاظه بعناية أعطت شعره شيئاً من السلاسة والتدفق بصنعة شعرية متمكنة جنبته التعقيد والتكلف فجاءت أشعاره على نمط واحد وسوية ثابتة، لا تفاوت فيها ولا اضطراب، وورد في ديوانه رباعيات ودوبيت ومواليا، أعطت شعره ضرباً من التنويع وأبعدته عن الرتابة، لذلك كله عُد الأمير منجك من أهم أعلام الشعر العربي في العصر العثماني.
من شعره قوله في إحدى رومياته:
أما في جلّق خلّ صديق ينبهه الوداد فيستفيق
يسائل عن فتى بالروم أضحى أسيراً دمع عينيه طليق
أذاب البين مهجته صروفا وحمّله الهوى مالا يطيق
وحيدا ما لوحدته أنيس غريباً ما لغربته شفيق
إذا ما راح يستسقي سحابا أجابته رعود أو بروق
وقوله في الفخر:
أنظم الشعر ما حييت وإني لابن بيت تُهدى له الأشعار
يتحلّى بيَ الزمان تحلّي الغصـ ن لّما يزينه النّوار
صقلتني يد التجارب حتى صحّ عزمي وطاب منه الغرار
ومكاني من الفخار مكان حسدته الشموس والأقمار
محمود سالم محمد
مراجع للاستزادة:
ـ الخفاجي، ريحانة الألبا وزهرة الحياة الدنيا، تحقيق عبد الفتاح الحلو (مصر 1273هـ).
ـ المحبي، خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (مصر 1284هـ).
ـ المحبي، نفحة الريحانة، تحقيق عبد الفتاح الحلو (دار إحياء الكتب العربية، القاهرة 1967م).
ـ ابن معصوم، سلافة العصر (القاهرة 1324هـ).
ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.
آخر أعلام
الأكثر زيارة في الأسبوع
موارد بیشتر برای شما
الشعر في مشهد، العاصمة الدينية لإيران
الانهيار البطيء للنظام السعودي..بن سلمان وحيدا في القمة!
معركة فاصلة على الرئاسات الثلاث في البرلمان العراقي
امريكا تصعد هجماتها الإعلامية ضد وزيرخارجيتها السابق
كاتب بريطاني: ابن زايد يستغل جهل ابن سلمان
مفاجأة... لماذا قرر عمر البشير حل الحكومة؟
الأنواء تعلن حالة الطقس في العراق للأيام المقبلة
اليابان تجرب مصعدا إلى الفضاء!
استخدام تقنية التعرف على الوجه في مطارات الهند
روسيا تستأنف إنتاج أضخم "سفينة طائرة" في العالم
جماعة علماء العراق: حرق القنصلية الايرانية تصرف همجي!!
البرلمان العراقى يعقد جلسة استثنائية لمناقشة الأوضاع بالبصرة اليوم
قمة طهران تخطف صواب الغرب وتذهل ساسته
معلومات لم تسمعها عن "المختار الثقفي"..من أديا دوري الامام الحسين وأخيه قمر بني هاشم؟!
الأمم المتحدة تطالب الصين بالإفراج عن مليون مسلم من الأويغور