ابن منظور

محمد بن مكرَّم

Monday, June 26, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
(630 ـ 711هـ/1232 ـ 1311م) أبو الفضل، جمال الدين، محمد بن مكرم بن أحمد الأنصاري الرّوَيفعي الإفريقي، ثم المصري، صاحب معجم «لسان العرب». إمامٌ لغوي، وأديبٌ مشهور، ينتهي نسبه إلى الصحابي رويفع بن ثابت الأنصاري (ت 56هـ) وهو من الفاتحين، نزل بمصر، وأَمَّرَه معاوية على طرابلس الغرب سنة 46هـ، فغزا إفريقية، وتوفي ببرقة وهو أميرٌ عليها، وقبره مشهور في الجبل الأخضر ببرقة.

وأغلب الظن أن ابن منظور وُلد في طرابلس الغرب - لا في مصر - وبها نشأ، ثم انتقلت أسرته إلى مصر، وتلقى علومه الدينية واللغوية على طائفة من علمائها، أمثال يوسف بن عبد المعطي المُخيّلي الإسكندراني المالكي (ت 642هـ) وعبد الرحيم بن الطفيل الدمشقي الذي توفي بمصر (637هـ)، ومرتضى بن حاتم المقرئ (ت 643هـ) وعلي بن الحسين البغدادي الحنبلي (ت 643) وابن المقيّر وغيرهم.

ولاتذكر المصادر عن سيرة ابن منظور إلا القليل، فقد وُصِف بالفضل والتواضع، وذكر أن فيه شائبة تشيعّ، أو تشيّعاً بلا رفض، ومن هذا القليل أيضاً أنّه خدم في ديوان الإنشاء بالقاهرة، ولعل هذا ما يفسر جمال أسلوبه في الكتابة وجزالته، ثم إنه ولي القضاء بطرابلس، وعاد بعد ذلك إلى مصر، وبها توفي.

وقد وصفه معاصروه بأنه كان قادراً على الكتابة لايمل من مواصلتها، قال أبو حيان الأندلسي (ت 745هـ) وهو صديقه: «كان كثير النسخ ذا خط حسن»، وكانت له مقدرة عجيبة في اختصار الكتب المطوّلة، حتى قال الصفدي (ت 763هـ): «ما أعرف في كتب الأدب شيئاً من المطولات إلا قد اختصره»، ونقل الصفدي أيضاً عن ابنه قطب الدين أبي بكر أن والده - أي ابن منظور- «مات وقد ترك بخطه خمسمئة مجلد».

وقد عدد مترجموه بعض المطولات التي اختصرها، فذكروا أنه اختصر كتاب «الأغاني»، ورتبه على حروف المعجم، وسماه: «مختار الأغاني في الأخبار والتهاني»، والكتاب مطبوع في اثني عشر جزءا، واختصر أيضاً «كتاب الحيوان» للجاحظ، وما زال مخطوطاً، و«يتيمة الدهر» للثعالبي، واختصر أيضاً كتاب «الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة» لابن بسام الأندلسي[ر] (ت542هـ) سمّاه «لطائف الذخيرة»، وله أيضاً «مختصر أخبار المذاكرة ونشوار المحاضرة» مخطوط، اختصر فيه كتاب «نشوار المحاضرة» للقاضي التنوخي (ت 384هـ)، و«مختصر مفردات ابن البيطار» مخطوط، اختصر فيه كتاب «الأدوية المفردة» المشهور بـ«مفردات ابن البيطار» (ت 646هـ). و«مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر، مطبوع في تسعة وعشرين جزءاً، هذّب فيه أسانيده ومتنه، ومختصر تاريخ بغداد للسمعاني، واختصر أيضاً ذيل ابن النجار عليه، وله كذلك «سرور النفس بمدارك الحواس الخمس» وهو في جزأين، طبع أولهما باسم «نثار الأزهار في الليل والنهار»، وهذان الجزآن اختصار لكتاب «فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولي الألباب» لأحمد بن يوسف التيفاشي (ت 651هـ)، وله أيضاً «أخبار أبي نواس» طبع في جزأين صغيرين، و«المنتخب والمختار في النوادر والأشعار» مخطوط.

وأشهر مؤلفات ابن منظور على الإطلاق هو معجمه «لسان العرب»، وهو من أوسع معاجم العربية للألفاظ رمى مؤلفه من خلاله إلى أمرين: الاستقصاء والترتيب، وقد صرّح في مقدمة المعجم بمصادره، وهي خمسة: «تهذيب اللغة» لأبي منصور الأزهري[ر] (ت 370هـ) و«المحكم» لابن سِيْدَه[ر] (ت 458هـ) وقد أخذ عليهما صعوبة ترتيب المواد اللغوية، و«الصحاح» للجوهري (ت 393هـ) وقد أخذ عليه قلّة الاستقصاء وكثرة التصحيف، و«حواشي ابن برّي» (ت582هـ) على الصحاح، أما الكتاب الخامس فهو «النهاية في غريب الحديث والأثر» لابن الجزري (ت 606هـ) ثم وصف ابن منظور صنيعه في معجمه فقال: «فجاء هذا الكتاب بحمد الله واضح المنهج، سَهْلَ السلوك…جَمَع من اللغات والشواهد والأدلة ما لم يجمع مِثلُه مِثْلَه، لأنّ كلّ واحدٍ من هؤلاء العلماء انفرد برواية رواها، وبكلمةٍ سمعها من العرب شفاهاً، ولم يأتِ في كتابه بكلّ ما في كتاب أخيه… وليس لي في هذا الكتاب فضيلة أمُتّ بها، ولا وسيلة أتمسّك بسببها سوى أني جمعت فيه ما تفرق في تلك الكتب من العلوم، وبسطت القول فيه، ولم أشبع باليسير، وطالب العلم منهوم»، وقد رتبه ابن منظور على أواخر الأصول كما فعل الجوهري في الصحاح، وقد طبع المعجم غير مّرة، بيد أن بعض ناشريه أعادوا طبعه مراعىً في ترتيبه أوائل الأصول خلافاً لما وضعه مؤلفه.

والناظر في معجم «لسان العرب» يلمس بوضوح ذلك الجهد الذي بذله ابن منظور في الجمع والترتيب والتوفيق بين عبارة كل من الكتب التي نسجت معجمه، حتى استطاع أن يجمع ما في هذه المصادر من صيغٍ ومعانٍ وشواهد، ويلحظ الدارس أنّه كان ميّالاً إلى اختصار نصوص «التهذيب» والتصرف فيها أكثر من غيرها، وأنّه كان يؤثر نصوص «الصحاح»، و«المحكم» حين تشترك هذه الثلاثة في التفسير.

وتتمثل الأشياء التي حذفها من «التهذيب» في بعض المعاني وروايات الأشعار وشيءٍ من الاستطرادات، كبعض المترادفات والمواد التي ليست في موضعها وأكثر أسماء الرواة واللغويين، ولم يحذف من الصحاح والمحكم إلا بعض الاستطرادات، وكذلك الأمر مع «النهاية» لكنه حذف منه أسماء المحدّثين، وحذف من حواشي ابن برّي أسماء الرواة وما تكرّر مع أصوله الأخرى، واختصر عبارته أحياناً وتصرّف في ترتيبها، واقتبس كثيراً من هذه الحواشي، ولاسيما حين كان يعلق على بعض الشواهد أو يشرحها.

والحق أن «لسان العرب» ليس معجماً للألفاظ فحسب بل هو موسوعة يمكن للباحثين أن يستخلصوا منها لغةً ونحواً وتفسيراً وشعراً وعروضاً ومعارف عامة، ولذا أقيمت عليه دراسات كثيرة، فدرست مسائله النحوية ومسائله اللغوية وشواهده ، واللغات فيه حتى غدا أشهر معاجم العربية ولاسيما عند الباحثين المتخصصين في اللغة.

نبيل أبو عمشة

مراجع للاستزادة:

 ـ ابن حجر، الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة (حيدر آباد 1945م).

ـ الصفدي، أعيان العصر وأعوان النصر، تحقيق مجموعة من الباحثين (دار الفكر 2000م).

ـ حسين نصار، المعجم العربي نشأته وتطوره (دار مصر للطباعة، 1968م).

 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.