تدرج مولتكه في المناصب الرفيعة في الجيش الألماني بسرعة، فأصبح في عام 1882 رئيساً لشعبة القوى البشرية تحت إمرة عمه هلموت كارل برنهارد مولتكه [ر] يوم كان هذا رئيساً لهيئة الأركان العامة. وأدى تعاطف الامبراطورين ڤيلهلم الأول Wilhelm وڤيلهلم الثاني [ر]، واقتران اسمه مع اسم عمه بطل حرب 1870 إلى ارتقائه مناصب لم يكن مؤهلاً لها أصلاً، ففي عام 1903 أصبح مولتكه رئيساً لهيئة الإمداد والتموين، وبعد ثلاث سنوات خلف المارشال شليفن رئيساً لإدارة الأركان العامة. وبذلك ورث خطة شليفن للحرب على جبهتين، التي نصت على وضع قوات ألمانية خفيفة في مواجهة روسيا في الشرق إلى أن تُهزم فرنسا، في حين يتمسك الجناح الأيسر (الجنوبي) للقوات الألمانية على الجبهة الفرنسية بالألزاس واللورين، ويقوم الجناح الأيمن (الشمالي) المعزز باختراق الأراضي البلجيكية وتنفيذ حركة التفاف لتطويق الجيوش الفرنسية والاستيلاء على باريس.
وكان من واجب مولتكه في المقام الأول بوصفه رئيساً لهيئة الأركان العامة؛ أن يدقق خطة شليفن لتلائم الشروط الحديثة، إلا أنه لم يكن على ذلك القدر من المسؤولية، ولم يكن مهيأ لذلك، على الرغم من التفوق الألماني على فرنسا بالتعداد السكاني، والقدرة على التعبئة، وأن الفرنسيين بذلوا قصارى جهدهم لمقاربة مجهودهم الحربي من المجهود الألماني، فجنَّدوا الأفارقة وخصوصاً أبناء شمالي إفريقيا وغيرهم من أرجاء العالم لرفع عديد التشكيلات المقاتلة إلى ما يقارب مثيلاتها الألمانية التي كانت تعد مليوني مقاتل. أضف إلى ذلك تفوق المدفعية الألمانية، وخصوصاً بعياراتها، وكذلك أفواج المشاة لوجود 12 رشاشاً متوسطاً في كل منها، في حين لم يكن لدى الفوج الفرنسي سوى 6 رشاشات متوسطة.
ومن الأخطاء القاتلة التي ارتكبها مولتكه في معركة بين أضخم جيشين في العالم آنذاك؛ سماحه لعدد من قادة الجيش في الجناح الأيسر بالهجوم عوضاً عن البقاء في الدفاع، أضف إلى ذلك سحبه بعض القوات من الجناح الأيمن الرئيسي لتعزيز الجبهة الشرقية وإيقاف تقدم القوات الروسية في بروسيا الشرقية، إذ اعتقد مولتكه أن هذا العمل هو عين المرونة. كما فقدت القيادة العليا الألمانية الاتصال مع قوات الجناح الأيمن، فأصبحت هذه القوات معزولة بعد أن أوقعت خسائر فادحة في القوات الفرنسية قدرت بـ 300 ألف قتيل، وبذلك لم يتمكن مولتكه من استثمار هذا النجاح وتطويق العدو، بل على العكس أصبحت قوات الجناح الأيمن مطوقة بالقوات الفرنسية والبريطانية. وتجدر الإشارة إلى أن بريطانيا كانت قد دخلت الحرب بعد أن رفضت بلجيكا الإنذار الألماني لفتح حدودها أمام الجيوش الألمانية الزاحفة. وهكذا كان عدم كفاءة مولتكه سبباً في توقف الهجوم الألماني في ميدان المارن Marne (ت6 ـ12أيلول/سبتمبر 1914). فأصيب بانهيار عصبي، وتدهور صحي، وتخلى عن مسؤولياته بالكامل. وفي 14 أيلول 1914 عمل الامبراطور ڤيلهلم الثاني على الاستعاضة عنه بالجنرال فالكنهاين Falkenhayn لتسيير أمور رئاسة هيئة الأركان العامة، وإبقاء القيادة بيده اسمياً حتى نهاية العام. وكانت خطة فالكنهاين تقضي بإيقاف نشاط الجبهة الغربية وتوجيه الضربة الرئيسة نحو الشرق لدحر الروس وتقديم العون إلى النمساويين وتحقيق الاتصال مع العثمانيين. وهكذا تحولت الجبهة الغربية إلى قتال مواضعي، وهو ما عرف بحرب الخنادق Trench Warfareت(1915ـ1917).
كان البون شاسعاً بين العم مولتكه وابن أخيه مولتكه، فالعم حقق أهم الانتصارات التي كانت من أهم عوامل الوحدة الألمانية في حين جلب ابن الأخ الهزيمة.
أصبح مولتكه رجلاً محطَّماً، وتوفي في برلين، ولم يترك أي مؤلفات.
هاني صوفي
مراجع للاستزادة:
- JACQUES BLOCH, Histoire Mondiale des Guerres, Tome III (Plond. Paris. 1965).
- WALTER GOIRLITZ, The German General Staff: Its History and Structure 1657-1945, (Hollis and Carter, London 1953).
