(1221 ـ 1284م) ألفونسو العاشر الحكيم Alfonso X the Wise ملك قشتالة وليون (1252 - 1284م )، أصغر أبناء فرديناند الثالث وحفيد الامبراطور فيليب السوابي، ولد في الثالث والعشرين من تشرين الثاني في بورغوس Burgos، وعُرف في المدونات العربية بالأذفونش. كان نصيراً وراعياً للعلم والأدب وعاملاً من أجلهما فلُقب بالحكيم، أما في المجال السياسي فلم يكن كذلك، لذا حاز شهرة كبيرة عالماً و محباً للعلم، لكنه أخفق بصفته رجل دولة. أطلق يد العلماء في بلاطه، فخلدوا ذكره لما حققه من منجزات، كان أبرزها تصنيف مجموعة القوانين التي وضعها فيما بين 1256 و1265م و عُرفت باسم «لاس سيته بارتيداس» Las Siete Partidas أي الأجزاء السبعة، وهي تعد بمضمونها وموضوعاتها أول مجموعة قانونية حديثة؛ تناولت بالمعالجة والبحث كثيراً من جوانب الحياة المدنية والجزائية والجنائية وغيرها، وقد دلّت على بعد نظر كبير لدى ألفونسو، يضاف إلى هذا، أنه كان أول من استخدم الإسبانية (القشتالية) لغة للثقافة، فشجّع ترجمة الكتاب المقدس إليها، وشجع كذلك نقل كثير من الكتب والأبحاث المهمة من العربية إلى القشتالية، وأسهم في كتابة التاريخ العام لإسبانية، وكتب الشعر الذي أبرز في بعضه حبه للسيدة مريم العذراء خاصة. ولم تتوقف إسهاماته على جانب من دون آخر، وإنما فتح المجال واسعاً لجميع الدراسات في مختلف فروع العلم والمعرفة، وعمل على دفع عجلة العلم والبحث العلمي قُدماً، فأنشأ جامعة في إشبيلية (1254م)، كان لها دور مهم و بارز في الدراسات العلمية، كما خصَّ جامعة سلمنكة بأموال كثيرة في سنوات حُكمه، حتى ساوت في شهرتها ومركزها العلمي جامعتي بولونية ( إيطالية) وباريس (فرنسة) المعروفتين في ذلك الوقت.
أما على الصعيد السياسي والعلاقات الدولية، فقد اتصف حكمه بالحماقة، وكانت تُسيطر على ذهنه أفكار غير مألوفة بدا أن تحقيقها باهظ الثمن؛ وكان منها حلمه بأن يصبح ملكاً على ألمانية وامبراطوراً للامبراطورية الرومانية المقدسة، وقد بذل الكثير من المساعي والجهود المضنية لتحقيق مثل هذه الطموحات. وفي عام 1257م تمّ له ما أراد، فاختاره عدد من الأمراء المنتخبين الألمان ملكاً لألمانية، لكن هذا الانتخاب لم يُقَيَّض له أن يرى النور، لعدم موافقة البابا عليه، مما دفع ألفونسو إلى متابعة المساعي الحثيثة لتذليل الصعوبات الناجمة عن موقف البابا المعارض، واستمرت محاولاته من دون جدوى، حتى عام 1275م حين تخلى عنها. وكان في عام 1262م، قد تمكَّن من الاستيلاء على قادس و قرطاجنة من أيدي العرب المسلمين، وأحَلَّ فيهما إسبانيين محلّ سكانهما العرب، وأنفق أموالاً طائلة في محاولات عابثة كانت تهدف إلى كسب الشهرة فقط، وحاول فرض ضرائب جديدة لتغطية نفقاته مما أدى إلى استياء السكان وتذمرهم. وفي عام 1275م توفى وريثه الشرعي «فرناندو دي لاكاردا» وكانت قوانين «لاس سيته باراتيداس» تقضي بأن يكون البكر هو الوريث، لكنَّ ألفونسو حاول أن يجعل من ابن فرناندو وريثاً شرعياً بدلاً من والده المتوفى، مما أثار سخط ابنه الثاني سانشو الذي رفض الخضوع لهذا الاختيار، وفي عام 1282م تمرَّد سانشو على والده، واحتكم إلى السلاح مُفجِّراً بذلك نيران حرب أهلية، وقف فيها مدافعاً عن النبلاء في مواجهة الملك، لكن وفاة ألفونسو الأب في الرابع من نيسان في إشبيلية، وضعت حداً لهذه الحرب وحسمت الموقف لمصلحة سانشو، الذي تولى الحكم بعده باسم سانشو الرابع، وبذلك انتهت طموحات هذا الملك الإسباني الذي حاول أن َيمدَّ حدود دولته من أواسط أوربة حتى المحيط الأطلسي، بعد أن حقق من المنجزات العلمية التي لا يمكن أن ينساها الشعب الإسباني.
