(1269ـ1309هـ/1853ـ1892م) محمد توفيق باشا بن إسماعيل باشا بن إبراهيم باشا بن محمد علي باشا مؤسِّس السُّلالة الخديويَّة في مصر مطلع القرن التاسع عشر. وهو أكبر أبناء الخديوي إسماعيل. ولد وتعلّم في القاهرة، وأجاد العربية والتركية والفرنسية والإنكليزية.
مُنح لقب (ولي العهد) وتولّى نيابة الخديويَّة عدَّة مرات في غياب والده في أوربة واصطنبول. شغل رئاسة المجلس الخصوصي وعمره 19 سنة، ثم شغل رئاسة مجلس النظّار (الوزراء) مع وجود وزيرين أجنبيين أوائل آذار 1879 مدة قصيرة انتهت بإقالة الخديوي إسماعيل الوزارة وتأليف وزارة شريف باشا المصرية الخالصة على أن تكون مسؤولة أمام مجلس الأعيان، وتعمل على تسوية المسألة المالية المصرية المأزومة بما يوافق مصالح مصر قبل مصالح الدائنين الأوربيين، فغضبت الدول الأوربية من هذا الإجراء، وقدّرت إنكلترة وفرنسة أن بقاء إسماعيل خديويّاً يمثّل عقبة أمام مصالحهما، فقرّرتا عزله بالتفاهم مع دول أوربية أخرى، واستخدمتا مع غيرهما ممن يرى رأيهما من الدول النفوذ والتهديد لدى الباب العالي العثماني. وأصدر السلطان أمراً في 26 حزيران 1879 بعزل إسماعيل وعيّن إبنه توفيقاً خديوياً على مصر بدلاً منه.
وتولّى الخديوي توفيق الأمور وسط صعوبات تحيط بالبلاد من كل جانب، فالإدارة في فوضى والخزانة خاوية والجيش مختلّ النظام والسكان ساخطون، فقراؤهم بسبب معاناتهم والجور النازل بهم، وأغنياؤهم لخوفهم من فقد امتيازاتهم المكتسبة من عهد إسماعيل، والأوربيون ناقمون قلقون على ديونهم من توقّع خسارة استغلالهم ومرابحهم المفرطة، والاضطراب السياسي والاقتصادي كان هو السائد، والتدخلّ الأجنبي يتزايد، وليس في الأفق سبيل مأمون للخلاص. وكان توفيق قد فوّض أمره صاغراً منذ تولّيه إلى إنكلترة وفرنسة لأنه يعلم أنهما كانتا وراء جلوسه على سدة الحكم، وهو نفسه كان مثال الضعف والاستسلام، ميالاً إلى الأثرة والاستبداد، ألعوبة بيد من يتملّقه ويُسلّيه، ويملك الأتراك والشراكسة والأجانب النفوذ الأول في السراي في عهده.
وأحبط توفيق بعد تولّيه المساعي السياسية الوطنية الرامية إلى إقامة نظام دستوري نيابي، لأنه كان يرى أن البلاد لا تستطيع أن تنتقل دفعة واحدة من حكومة استبدادية مطلقة إلى حكومة دستورية نيابية، وحلّ المسألة المالية بأن حدّ من نفوذ المستشارين الأجانب وقنصلي إنكلترة وفرنسة وتدخّل دولهم المتمادي في شؤون الدولة بحجة الإشراف والمراقبة. ولكنه اصطنع عوضاً من ذلك وزراء مطايا له ساندوا إنكلترة وفرنسة في مسعاهما لتحويل الدّين المالي على مصر إلى دين سياسي ونشروا الرقابة والإرهاب. وبدأ نهوض المعارضة في البلاد، وظهر الحزب الوطني طليعة في السياسة والفكر والصحافة، وصار يشنّ حملة على النّظام الجديد والتسلّط الأجنبي معاً، ويقترح الحلول بما يناسب المصلحة العامة. وكان من أعضائه البارزين (شريف باشا) و(شاهين باشا) ناظر الحربية السابق و(أديب إسحاق) صاحب جريدة «مصر القاهرة» الناطقة باسم الحزب. وعمّت حركة احتجاج شاملة تطالب بالحريّات الشخصية والسياسية، ويقودها وطنيون ومثقفون وأدباء وصحافيون، يتحدّون الاضطهاد والتعطيل والمصادرة، والسجن والتشريد، وكان منهم جمال الدين الأفغاني وتلامذته، ومحمد عبده وعبد الله النّديم ويعقوب صنوع. وانتقل الاستياء إلى الجيش بسبب سياسة القهر والتمييز المطبّقة على العسكريين المصريين لمصلحة تكتل العسكر الأتراك والشراكسة بإشراف وزير الحربية الشركسي (عثمان رفقي باشا).
وظهر إلى العلن عمل جمعية ناشطة في الوسط العسكري كان هدفها الدفاع عن مصالح العنصر الوطني. وكان من أعضائها علي فهمي وعبد العال حلمي والضابط أحمد عرابي، وقد ترأسها عرابي بفضل شجاعته وفصاحته. وكان تطور الأحداث وتعقّد الأمور المالية وتردي الأوضاع الداخلية وتوسّع التدخل الأجنبي وتشبّث الخديوي توفيق بالاستبداد، واختمار الوعي الثوري، إرهاصات صريحة تنبئ عن ثورة وشيكة تتحين الفرصة المناسبة. وكانت بداية الثورة التي عرفت بـ«الثورة العرابية» [ر: عرابي (أحمد-)]، عندما تزعم لفيف من الضباط المصريين حركة احتجاج واعتراض ومطالبة بإصلاحات محدّدة في الجيش قُدّمت إلى الحكومة والخديوي، وبرز عرابي ممثلا رجل مصر المدعوم من الزعماء الوطنيين. ولكن الخديوي متعاوناً مع سياسيين موالين عرقل مشروعات الإصلاح، فانفتح الصراع مجدداً بين العرابيين وعامة الشعب من جهة والخديوي وحزبه من جهة ثانية. وهنا قررت الدولتان إنكلترة وفرنسة استعمال القوة المسلحة ضد مصر والثورة العرابية، فأرسلتا أسطولاً مشتركاً إلى مياه الإسكندرية، ووجهتا مذكرة مشتركة يؤدي تنفيذها إلى قبول المطالب الأجنبية، في الوقت الذي كانت إنكلترة تعمل فيه على تحضير مسوغات التدخل المسلح منفردة في غفلة من فرنسة وبالتآمر مع الخديوي وأعوانه، ودبّرت حدوث «فتنة الإسكندرية» في 11 حزيران 1882، واتخذتها ذريعة لشن الحرب على مصر والشروع بالاحتلال [ر: مصر (تاريخياً-)]. ولما دخل الإنكليز مدينة الإسكندرية وضع الخديوي توفيق نفسه تحت حماية المحتلين، فتألّف مجلس وطني في القاهرة قرر إيقاف العمل بأوامر الخديوي لأنه ترك الشعب وانضم إلى العدو، ففقد بذلك حق الحكم. ولما منيت ثورة عرابي بالإخفاق استسلم عرابي وأصحابه وأصدر الخديوي أمراً بالقبض على أنصار الثورة، وعاد الخديوي في 25 أيلول 1882 إلى القاهرة تحت حماية حراب الإنكليز، وبدأ عهده الجديد باستعراض الجيش الإنكليزي، وأصدر مجموعة من الأوامر، فألغى الجيش المصري، وأمر بتأليف محاكم مدنية وعسكرية لمحاكمة الضباط وقادة الثورة والمتّهمين المدنيين، وألغى القوانين الوطنية العادلة، وعبّر عن شكره وامتنانه بالإنعام على الضباط الإنكليز بالأوسمة والهدايا جزاء ما فعلوا ضد الوطن. وبدأ عهد الاحتلال الإنكليزي لمصر، وصدرت الأحكام في 3 كانون الأول 1882 بإعدام عرابي ورفاقه الستة ومصادرة أملاكهم، ثم أُبدِل الحكم عليهم بالمؤبّد والنفي إلى جزيرة سيلان. ويرى بعض الباحثين في الخديوي توفيق رأياً أقلّ قتامة، ويفترضون فيه حسن النية وإن أخطأ في اختيار بعض الوسائل، ويقدّرون أن الأوضاع المحيطة به داخلياً وخارجياً كانت غلاّبة وقاهرة.
تمّت في عهد الخديوي توفيق أعمال جيدة، يُذكر منها إنشاء نظام الشورى وتنظيم المحاكم الأهلية، وتأليف مجالس المديريات، وإصدار القانون المدني والجزائي، وبسط سلطة نظارة المعارف على جميع هيئات التعليم وإنشاء ترع وقناطر متعددة، ومد خطوط فرعية كثيرة من السكك الحديدية وغيرها.
الخديوي
توفيق
Wednesday, December 3, 2014
الوقت المقدر للدراسة:
ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.
آخر أعلام
الأكثر زيارة في الأسبوع
موارد بیشتر برای شما
الشعر في مشهد، العاصمة الدينية لإيران
الانهيار البطيء للنظام السعودي..بن سلمان وحيدا في القمة!
معركة فاصلة على الرئاسات الثلاث في البرلمان العراقي
امريكا تصعد هجماتها الإعلامية ضد وزيرخارجيتها السابق
كاتب بريطاني: ابن زايد يستغل جهل ابن سلمان
مفاجأة... لماذا قرر عمر البشير حل الحكومة؟
الأنواء تعلن حالة الطقس في العراق للأيام المقبلة
اليابان تجرب مصعدا إلى الفضاء!
استخدام تقنية التعرف على الوجه في مطارات الهند
روسيا تستأنف إنتاج أضخم "سفينة طائرة" في العالم
جماعة علماء العراق: حرق القنصلية الايرانية تصرف همجي!!
البرلمان العراقى يعقد جلسة استثنائية لمناقشة الأوضاع بالبصرة اليوم
قمة طهران تخطف صواب الغرب وتذهل ساسته
معلومات لم تسمعها عن "المختار الثقفي"..من أديا دوري الامام الحسين وأخيه قمر بني هاشم؟!
الأمم المتحدة تطالب الصين بالإفراج عن مليون مسلم من الأويغور