محمد علي جناح

Friday, December 12, 2014
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
محمد علي جناح

(1876 ـ 1948) محمد علي جناح، مؤسس دولة باكستان الإسلامية. الابن الأكبر لتاجر ثري من الشيعة الإسماعيلية، قدمت أسرته في تاريخ غير معروف من فارس إلى الهند، واستقرت في دويلة (راجكوت) في وسط الهند، ثم اختارت أسرة جناح بدافع البحث عن حياة أفضل في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الإقامة في كراتشي ميناء السند الآخذ في النمو.

أظهر جناح ذكاء حاداً في نيل الثقافة، أهَّله للقبول في جامعة بومباي في سن السادسة عشرة. إلاَّ أن والده اختار له الدراسة في إحدى جامعات المملكة المتحدة في لندن، والتحق جناح بمعهد (لنكولتر) للقانون في لندن سنة 1893، وهو معهد درس فيه عدد من كبار ساسة بريطانية ورؤساء وزاراتها. وتخرج جناح في ذلك المعهد محامياً مؤهلاً في المحاكم العليا.

وعاد جناح إلى الهند في آب 1896 وبدأ ممارسة المحاماة في المحكمة العليا بـ بومباي، ثم في مكتب المحامي العام. وصار قاضياً مدة قصيرة ترك القضاء بعدها واحترف المحاماة منذ سنة 1901، وتحول جناح في هذه الأثناء من الإسماعيلية إلى الاثني عشرية لأن هذه في رأيه أقل طبقية في بنائها وتكوينها، ولأنها لم تكن تتبع أحداً بالقيادة، وربما كان هناك سبب آخر وهو تأثره بالقاضي الاثني عشري في المحكمة العليا، بدر الدين طيبجي، المتحرر العلماني وثالث رئيس لحزب المؤتمر الوطني الهندي.

دخل جناح معترك الحياة السياسية في الهند سنة 1900، واستمر مدة ثلاثة عقود يؤمن بالاتفاق الهندوسي الإسلامي إذا كان مشرفاً ولا يهدف إلى تدمير طرف لتأييد الطرف الآخر، ولكن فكرة باكستان الإسلامية بدأت تختمر في ذهنه منذ عام 1930 ويعززها دعوات ساسة مسلمين آخرين إلى صيغ من الانفصال عن الهندوس، منها دعوة الآغا خان في 1928 إلى استقلال كل إقليم، ودعوة عصبة خريجي كمبردج (رحمة علي وزملائه) إلى الحركة القومية الباكستانية، وغيرها من الدعوات التي ترى في مسلمي الهند أنهم أمة قائمة بذاتها، وانتهى جناح في 1939 إلى فكرة «أن المسلمين أمة صلبة متميزة تقرر مصيرها بنفسها»، وأخذ بعين الاعتبار آراء المسلمين القائلة «إن فلسفة الحياة المسلمة مختلفة كلياً عما هي عليه عند الهندوس، أن لا سبيل للعيش معاً، ولن يستطيع المسلمون حلَّ مشكلاتهم الاقتصادية والاجتماعية إلاَّ عن طريق نهج الإسلام، ولن يكون ذلك عملياً إلا إذا أقاموا دولة خاصة بهم». وقد بين آخرون أن «طموح السيطرة الهندوسية والوحدة الهندية سيزولان عند قيام هندوستان حُرة وباكستان حرة، تتعايشان في تفاهم بعد اكتشاف أن الدعوة الوحدوية كانت أسطورة وتزييفاً للتاريخ» وكان لكثير من هذه الآراء مقابل مشابه في الجانب الهندوسي والأقليات الأخرى، ففي رسالة من نهرو إلى جناح في عام 1939 قال نهرو «لقد أدركت أن شعورنا تجاه القيم والأهداف في الحياة السياسية تختلف إلى حد بعيد» وقال السياسي الهندي البارز غير المسلم (امبركار) وهو من الطبقة الدنيا في الهند «إنّ مشروع الباكستان، وعلى الرغم من جميع مساوئه، قد قدَّم طريقة ممكنة للخروج من المأزق السياسي الهندي ومن المخاوف من سيطرة هندوسية منغلقة على ذاتها مع وجود استبداد النظام البراهماني الديني والاجتماعي للهندوس».

كانت مكانة جناح في هذه الحقبة قد تنامت وقوي نفوذه ونودي به قائداً للجماعة الإسلامية «ومرشداً عظيماً» في نهاية 1938، ثم سمي في اجتماع العصبة الإسلامية في باتنا في السنة عينها «قائداً أعظم». واتهم جناح في ذلك الوقت حزب المؤتمر الوطني الهندي بأنه  قتل كل تسوية هندوسية مسلمة وأنه هيئة هندوسية، وتجدر الإشارة إلى أن العصبة على الرغم من متاعبها ناقشت في اجتماع باتنا المشكلة الفلسطينية، والتي كان جناح قد ناقشها في الخطاب الذي ألقاه في تشرين الأول 1937 في (لكنو) حين قال «كانت السياسة البريطانية برمتها خيانة نحو العرب من منطلقاتها، وأقول مبيناً للحكومة البريطانية إنها ما لم تقم بإيجاد حل عادل للمشكلة الفلسطينية بكل مسؤولية وشجاعة فإن ذلك سيكون مدمراً للامبراطورية ونقطة تحول في تاريخها وستكون حكومة بريطانية كمن يحفر قبره بيده إذا لم تقم بالوفاء بالوعود التي قطعتها للعرب قبل الحرب وبعدها، وسيقف المسلمون الهنود بكل إصرار وقوة إلى جانب العرب وسيقدمون المساعدات لهم في كل سبيل ممكن في نضالهم العادل والشجاع لجميع الأعداء».

وإزاء تشبث حزب المؤتمر الوطني الهندي، وهو الأكبر في شبه القارة، بموقفه المتشدد إزاء أي ترتيبات خاصة تمثل الأقليات في حكومة ما بعد الاستعمار تحول جناح نهائياً منذئذ من رسول الوحدة الهندوسية الإسلامية إلى الزعيم الكبير لباكستان، وبقي ثابتاً في السنوات المتبقية من الحرب العالمية الثانية يطالب للمسلمين بالمساواة مع حزب المؤتمر في أي مجلس حكم، وبالاعتراف العلني بحقهم في إقامة دولة باكستان في أي صيغة تسوية مقبولة، وخرج جناح في تموز 1943 ناجياً مجروحاً من محاولة اغتيال نفذها شاب مسلم متعصب اسمه (رفيق صابر مازنغاني) وهو عضو سابق في العصبة الإسلامية يائس من جدوى أعمال العصبة السياسية. وباءت جميع محاولات التقريب بين الأحزاب الهندية في سنوات الحرب بالإخفاق، وأخفقت حركة المقاومة السلبية وهبات التمرد التي قادها المؤتمر في الوصول إلى نتيجة، وصار التصلب سمة مواقف الجانبين، الهندوسي والمسلم، وباتت سيطرة الجامعة الإسلامية التي تضم العصبة الإسلامية وأحزاباً إسلامية أخرى على المسلمين وزعامة جناح راسختين، وكان أبرز الإخفاقات هو إخفاق مباحثات غاندي ـ جناح في بومباي أيلول 1944، ثم إخفاق مؤتمر (سيملا) الذي رعته بريطانية في حزيران تموز 1945، وواجه جناح المؤتمر بإصراره على «أن مسلمي الهند أمة مستقلة، وأن الجامعة الإسلامية وحدها هي التي تعبر عن مصلحة الحزبين الرئيسيين، المؤتمر والجامعة، كل في مجال أغلبية قومه، ودعا جناح على أثرها إلى «مؤتمر مشرِّعي الجامعة الإسلامية» وسماه (الجمعية التأسيسية الإسلامية) وصدر عن هذه الجمعية إعلان دولة باكستان المستقلة ذات السيادة في أقاليم الأغلبية المسلمة في الشمال الشرقي والشمال الغربي من الهند. وحار الإنكليز في التدبير، ولم تنجح مقترحات (لورنس ـ كريبس) البريطانية في أيار 1946 بسبب تضارب المواقف والتفسيرات من الهندوس والمسلمين. وغادرت البعثة تاركة الهند على شفا حرب أهلية. وأخيراً حددت بريطانية تاريخ 15 آب 1948 موعداً لانسحابها النهائي من الهند وينبغي أن يسبقه انتقال السلطة منها إلى الهنود. وكانت الخطة التي أعلنها لورد مونتباتن نائب الملك في الهند منحازة إلى جانب حزب المؤتمر، ولكنها تؤدي في النهاية إلى التقسيم. وقبل حزب المؤتمر الخطة متوقعاً أن يكون التقسيم قصير الأمد، لأن باكستان لن تصمد وستنهار عاجلاً. ومنح مجلس الجامعة جناح سلطة كاملة لقبول المبادئ الأساسية للخطة باعتبارها حلاً وسطاً، وتمت الإجراءات التنفيذية بإشراف مونتباتن بطريقة جائرة جداً لباكستان، بدءاً من حرمانها حقوقاً مادية كبيرة، وانتهاء بعملية تبادل السكان وتخطيط الحدود، وفصل كشمير، وبنية سيئة تؤسس لعداء مرير مقبل بين الدولتين الناشئتين.

أجازت الحكومة البريطانية قانون الاستقلال الهندي في تموز 1947، وأقرت قيام دولتي الهند وباكستان المستقلتين تماماً، وغادر جناح الهند في 15 تموز 1947 لآخر مرة إلى كراتشي عاصمة دولة باكستان الجديدة، وانتخبت الجمعية التأسيسية الباكستانية جناح رئيساً للدولة. وأصبحت باكستان حرَّة رسمياً في 15 آب 1947، وصار عيد استقلالها في 14 آب من كل عام.

كان قيام باكستان الإسلامية، في وقت من الأوقات أمراً لا مفر منه، وقد قاد جناح المسلمين بوعي وأنقذهم من مآزق عدة وحقق لهم بفضل تصميمه وكفايته الهدف في وقت قصير، ولقد استقر رأي جناح أخيراً على أن المشكلة في الهند ليست طائفية داخلية. بل مشكلة دولية، حلها الوحيد، التقسيم إلى دول وطنية مستقلة، وأن الطبيعة الحقيقية للإسلام والهندوسية مختلفتان، فهما ليسا دينين بالمعنى المحدد للكلمة، بل إنهما مجموعتا أنظمة اجتماعية مختلفة ومتمايزة، وأن الفريقين ينتميان إلى آداب وعادات اجتماعية شديدة التباين، وفلسفات دينية غير متقاربة ولا يتزاوجون فيما بينهم بل ولا يتناولون الطعام معاً. إذاً فهم ينتمون إلى حضارتين قائمتين أساساً على مفهومات مختلفة وأفكار متعارضة عن الحياة وحولها، ويستلهمون وحيهم من مصادرهم الخاصة للتاريخ. وأن المسألة ليست مسألة أغلبية وأقلية بالمفهوم الغربي للكلمة، فالمسلمون أمة كان عددهم يصل آنذاك إلى المئة مليون ولا يمكن لذلك أن يعاملوا معاملة أقلية.

وصلت باكستان إلى الاستقلال في وقت أصبح فيه جناح منهكاً، ومالبث أن توفي بعد ذلك بقليل. ولم يمهله القدر حتى يقيم الدولة على قاعدة متينة من القوة والاستقرار، ويتجاوز بها المشكلات المعقدة العرقية والاقتصادية ويطوّر المؤسسات الموروثة عن العهود السابقة والتي ظل بعضها يعمل سلبياً في أساس الدولة الباكستانية، وأدى إلى الانفصال بين قسمي الدولة الشرقي والغربي، وقيام دولة بنغلادش بعد حرب أهلية ودولية بين الهند وباكستان في عام 1971.
 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.